منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   حوارات نقدية (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=483)
-   -   رأي في النقد الذاتي.. (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=26706)

محمد الصالح الجزائري 04 / 03 / 2014 38 : 02 AM

رأي في النقد الذاتي..
 

الدول والمجتمعات التي تمرّست على المراجعة النقدية لمساراتها هي التي حققت التحولات التاريخية
[frame="13 98"]الحقيقة تكمن في حركة التصحيح كما قال الفيلسوف "باشلار"... ولا يمكن بدون نزعة نقدية تملك البصيرة التي تتيح التمكن من تمثل الواقع ومن تملك آليات التعاطي مع مختلف المتغيرات . في مرجعيتنا ألّف علماء كتبا ورسائلا في أداب النفوس وخصصوا فصولا للمحاسبة التي تحمي الذات من التفسخ وتحصن القلوب من عللها... وكتبوا عن عمل اليوم والليلة الذي يجعل الفرد يراجع كل ليلة حصاد يومه وهو ما يتصل بقول الفاروق رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ". كما أن محورية النقد الذاتي مرتبطة بانفتاح الأفق المقترن بالتجدد المتواصل، تجددا مجسدا للأنسنة باعتبار الإنساني صيرورة ـ بتعبير علي شريعتي ـ وهذه الصيرورة بحركتها التصحيحية المستمرة تحفظ للذات توازنها وتخلص الهوية من العمى، العمى الذي يحيلها قاتلة ـ بتعبير أمين معلوف ـ والعمى يتكرس بالجهل المقدس ـ كما عنوّن أوليفييه روا كتابا له ـ . ودلت التجارب أن الدول والمجتمعات التي تمرست على المراجعة النقدية لمساراتها هي التي امتلكت المفاتيح وحققت التحولات التاريخية . كما أن من خاصيات المثقف والباحث عن الحقيقة الاحتياط باستمرار من الارتهان للجاهز والتسليم بالمكرّس لأن في ذلك ما يعادل العدم . و للأسف نتيجة رواسب تلقينية افتقدنا خاصية النقد الذاتي وجرأة مواجهة الذات، و صار كل واحد منا يلحق الغلط والشر بغيره، أما هو فله التبريرات لكل ما فعله و قاله ... رواسب تحجز عن ممارسة النقد الذاتي، رواسب النسق الذي يعتبر الاعتراف بالخطأ ضعفا ويحتاط من كلام الغير وأحكامهم بدل الاعتبار بالحقيقة ... النسق الذي يكفر بالحقيقة الإنسانية التي هي دوما نسبية لا تكتمل ففي الاكتمال الموت، وفي الخطأ مؤشر الحياة ولهذا ورد في الحديث النبوي الشريف: "كل ابن أدم خطاء وخير الخطائين التوابون"، وفي المثل اللاتيني: "الخطأ من الإنسان لكن الإصرار عليه من الشيطان". و نتيجة لذلك احتوتنا الدوامة وصرنا نتدحرج من منزلق إلى آخر وننتقل من متاهة لأخرى. إن الفضيلة هي لمن أخطأ وامتلك الجرأة على الإعتراف ومعها إرادة التصحيح، فالحسنات تزيل السيئات كما في الحديث ..و في الاعتراف تعاف نفسي وتخلص من ثقل قد يفجع ويدمّر . والنقد الذاتي مستويات، مستوى السلوك العادي اليومي لأي فرد، ومستوى السلوك الخاص بأدوار وظيفية ... وحتى يتحقق المنشود تحتاج ممارسة النقد إلى تأسيس على حس ينمّى تربويا منذ الصغر في الأسرة والمدرسة وينمّى علميا وفكريا بنزعة نقدية تحرّر من الخضوع للوثن بدل التعلق بالحقيقة والحق، ويتأسس على استيعاب للواقع ، ويستثمر ما يتحرى أنه الحق لإدراك الحق المنشود، فالواجب كما تقول قاعدة علم الأصول: "لا يتم إلا بما هو واجب". إن الاعتراف منطلق لإعادة صياغة الحياة، و نحن بحاجة لتجديد حياتنا باستمرار حتى لا نذبل ونتعفن .[/frame]
محمد بن زيان/ باحث و ناقد جزائري

نصيرة تختوخ 04 / 03 / 2014 19 : 09 AM

رد: رأي في النقد الذاتي..
 
مقال جميل واختيار موفق أستاذ محمد. التقييم ضروري ومفيد والحياة بشكل عام تحتاج إلى رحابة صدر ومراجعات ذاتية كثيرة.
تحيتي لك ودمت بخير

علاء زايد فارس 04 / 03 / 2014 01 : 12 PM

رد: رأي في النقد الذاتي..
 
مقال جاء في وقته
الكل مطالب بأن يمارس سلوك النقد الذاتي
أفرادا ومنظمات واحزاب ومؤسسات ....
فبالنقد الذاتي نتطور ونصل للتحول المنشود على مستوى الفرد والجماعة
بوركت أستاذي العزيز

ميساء البشيتي 04 / 03 / 2014 51 : 12 PM

رد: رأي في النقد الذاتي..
 
كما جاء في المقال أخي محمد يجب أن يشعر الإنسان بذلك
يعني النقد يجب أن تتأتى الحاجة إليه من الداخل
نحن لا ننمي هذا الشيء لأننا لا نريد أن نفتح على أنفسنا
أبواباً يصعب إغلاقها فنستمر بالطبطبة على الجرح حتى يلتهب
ويعمل ويخرج منه القيح وبعدها نبدأ عملية اللطم وهكذا دواليك ..
مقالة مهمة جدا .. شكرا لك أيها الجزائري الرائع على حسن الانتقاء
ودمت بخير

د. منذر أبوشعر 04 / 03 / 2014 38 : 05 PM

رد: رأي في النقد الذاتي..
 
يبقى كل ذلك كلاًما، وسيكون له أثر، لكنه سيكون أثراً بعيداً وليس قريباً .. فقد اعتدنا التصفيق وألفناه فصار لنا عادة وسلوكاً. فإذا أردنا إسداء النصح خفنا من (زعل) المنصوح، وإذا أردنا التغيير خفنا من وصمنا بالتمرد والخروج عن الإلف، وبكل بساطة يقال لنا: لماذا تحمل السلم بالعرض، نصف الألف خمسمائة ! ومع الأيام، صارت الخمسمائة مائة، ثم المائة صارت واحداً، والواحد صفراً فصرنا نطلب (شكلاً) متخيلا لا وجود له !
قولوا لي: من يجرؤ أن يقول رأيه في سلوك والديه وأبنائه وجيرانه ببساطة دون تشنج ؟ ومن يتقبل (النقد) وليس الشتيمة من الآخرين؟
نخاف من أنفسنا، ومن همس الهاجس، ومن نأمة الكلام.. وهنيئاً، هنيئاًً من القلب لمعاشر النوَّام.

محمد الصالح الجزائري 04 / 03 / 2014 15 : 07 PM

رد: رأي في النقد الذاتي..
 
الرائعة الأستاذة نصيرة..شكرا لك على كرم المرور..محبتي وتقديري..

محمد الصالح الجزائري 04 / 03 / 2014 16 : 07 PM

رد: رأي في النقد الذاتي..
 
الولد البارّ علاء..شكرا لك على العودة الإيجابية والتفاعل المثمر..محبتي واحترامي..

محمد الصالح الجزائري 04 / 03 / 2014 17 : 07 PM

رد: رأي في النقد الذاتي..
 
عصفورة الشجن الأستاذة ميساء ..شكرا لك على التفاعل الإيجابي ووجهة النظر القيّمة..محبّتي وتقديري..

محمد الصالح الجزائري 04 / 03 / 2014 24 : 07 PM

رد: رأي في النقد الذاتي..
 
الرائع الأستاذ د. منذر..شكرا لك على وجهة النظر التي أحترمها كثيرا..وأضيف على ماجاء في المقال ما يلي:
قد يكون فعلا في بعض الأحيان نقدا متشنجا..
فالنقد الذاتي ـ أخي الأستاذ منذر ـ قد يرتبط بمبدإ آخر هو مبدأ صورة الذات لدى الفرد.. ما هي الصورة التي أكونها عن نفسي في أي مجال من مجالات الحياة حين أنظر في مرآة نفسي ؟.. إن هذه الصورة هي التي تحدد قدرتي على ممارسة النقد الذاتي .. إن تقدير الذات بطريقة موضوعية صرفة تحتاج إلى مران على الديمقراطية وممارسة لأساليبها طوال الحياة مادامت الديمقراطية هي تحمل المسؤولية الفردية والجماعية في أسمى معاني المسؤولية..
لقد كانت صورة الذات لدى شاعر كبير في حجم الحطيئة مثلا صورة منحطة مزرية تنم عن رفض للذات ربما حتى في وجودها حين يقول:
أبـَت نفسي اليومَ إلا تكلُّـما ـ
بسوء، فما أدري لمنْ أنا قائـــــــــــــــــــــــــلهْ
أرى اليوم َ لي وجهاً، فلله خلقه ُ ـ فقــُبّـح َ من وجهٍ، وقُـبّح َ حامله ْ

لا يتعلق الأمر هنا بقبح الوجه أو وسامته.. ولكنه نقد ذاتي مرير لتراكمات الإخفاقات التي جعلت من صاحب موهبة كبيرة في الشعر لا ينال حظه من العيش الكريم الذي يناسب تلك الموهبة، وتراكم الإخفاقات لم تترك مجالا للشاعر ليرى قدراته الأخرى التي جعلته بعد موته في مصاف كبار الشعراء
..
ويقابلهذه الصورة المتطرفة في تقدير الذات تقديرا سلبيا صورة أخرى في شعرنا العربي، هي صورة تقدير الذات إيجابيا إلى حد التمركز في الذات .. وهي حالة الطفولة في سنواتها الأولى والسابقة للالتحاق بالمدرسة حين يرى الطفل العالم كله امتدادا له وفي خدمة مطالبه ونزواته.. يقول المتنبي في شبابه متحدثا عن نفسه التي يقدرها تقديرا إيجابيا بلغ بها كبد السماء:
أي ُّ محل ٍّ أرتقي ـ أي عظيم أتقي؟..
وكلُّ ما خلق اللـــــــه ُ وما لم يخلـقِ
محتقرٌ في همّــتي ـ كشعرة في مفرقي

وهو الموقف الذي ظل عليه طيلة حياته، ولا يتنازل عليه حتى في الظروف الحالكات وها هو يقف أمام سيف الدولة يخاطبه في مجلسه مادحا أو بالأحرى والأصح معاتبا
:
سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا ـ بأنني خير من تسعى به قدمُ..
واضطر أحدهم أن يقول له: وماذا أبقيت للأمير بعد هذا؟!!.. بمعنى أن المتنبي ذهب في صورة تقدير الذات حدا تجاوز بها كل حد، على نقيض الحطيئة الذي كانت صورة الذات لديه منحطة .. ولعل اسمه ذاته مستمد من الانحطاط النفسي الشامل الذي كان عليه..
النقد الذاتي إذن على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة، ليس هو رغبة ذاتية نتحكم فيها بل هو واقع موضوعي متشعب يفرض على الذات الفردية أو الجمعية توجها ما سلبا أو إيجابا ..
إن التوازن النفسي، من خلال النشأة في بيئة غنية متوازنة تتوفر فيها عوامل الحياة الكريمة وتخلو من التوترات والصراعات هو ما يسمح برؤية الأبعاد المختلفة على حقيقتها، ويسمح بتقدير الذات تقديرا قريبا من الواقع ومن الحقيقة.. ومن ثمة صدور نقد موضوعي للذات يسمح للشخصية أن تتجاوز نقائصها وأن تزدهر وأن تطلق العنان لكل إمكاناتها لأن تنمو إلى أبعد مدى تلك الإمكانات.. وحالة الفردبالضرورة تنطبق على الجماعة .. إن النقد في أي حالة من أحوال التوتر والاضطراب والعوز والألم سيتجه ذات اليمين وذات اليسار ولن يكون مفيدا لأنه سيكون نقدا متشنجا.. لقد كانت نفس الحطيئة متأججة بالكره لمن حوله حين وجد نفسه فردا غير معترف به حتى في نسبه، فصب جام غضبه على الدنيا حوله، ولما لم تسع الدنيا حقده آذى نفسه.. ولم يستطع قط أن يرى تلك القدرات العظيمة وتلك الموهبة الفذة في فن القول.. وظل وجهه القبيح ماثلا أمامه في صفحة ماء البئر .. في حين زُرع في المتنبي فكرة أنه ابن الأكرمين وأنه هو في ذاته معدن الذهب الإبريز.. فقدر نفسه كما سلف، وقدّر موهبته حق قدرها؛ يسهر الخلق جراها ويختصم..
النقد الذاتي تابع لتقدير الذات .. والتربية الصحيحة التي يتلقاها الفرد في أسرته وفي المدرسة وفي المجتمع تسمح له بتوجيه نقد محدد وفق تلك التربية على أن أقوَم نقد هو النقد النابع من الشعور بالآخرين في شتى أحوالهم باعتبارهم من المصادر الثرية التي تغني شخصيته وتغني الوجود حوله، والمنبثق من الاعتراف بالكفاءة والقدرة حيث هي بعيدا عن روح الكره أو الجحود أو الانتقام، وإن الناقد الذاتي الذي ينصف نفسه مسؤول يتحمل المسؤولية الفكرية والأخلاقية فيما يصدر عنه، ولذلك هو القادر على إنصاف الأفراد والجماعة التي حوله، والناقد القادر على رصدالعيوب والمحامد في نفسه أولا هو القادر على إنتاج أحكام متوازنة يعول عليها في كل تقويم؛ ورحم الله امرأ عرف مقدار نفسه، وأنزلها منزلتها .. وقديما قال المعيدي عن نفسه مبينا جوانب قوته ونقاط الضعف في شخصيته:

(أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه..)
أي أنه رجل فكر وحكمة .. ولكنه على وجه المشاهدة والمعاينة لا يسمو لتلك المكانة
..
شكرا لك لأنّك جعلتني أسهب في الردّ..وعلى الخير نلتقي..

ميساء البشيتي 04 / 03 / 2014 31 : 07 PM

رد: رأي في النقد الذاتي..
 
راق لي هذا الحوار الغني والبهي
ما أجمل الحوارات التي تضيف إليك
وتشعرك بمدى حاجتك إليها
شكراً لأخوتي الأعزاء الجزائري والمنذر
وأنا فخورة بكما جدا.
بارك الله فيكما وفي الجميع طبعاً


الساعة الآن 00 : 03 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية