منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   ملف القصة / خيري حمدان (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=281)
-   -   اغتصاب (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=2977)

خيري حمدان 19 / 03 / 2008 52 : 01 AM

اغتصاب
 
[frame="15 98"]


كانت تتهادى وجدائلها تميل نحو اليمين والشمال. جمالها خافر خجول، وتفّاح وجهها متورّد وصدرها ناهد. كانت تخشى السير وحيدة في شوارع الحيّ. لكنّ والدتها كانت تعتمد عليها في قضاء الكثير من الحاجات. توفّي والدها وعمرها سنتين، ولم يرزقها القدر سوى هذه الابنة.
- ماجدة .. انتظري قليلاً يا صغيرة.
وما أن شاهدته حتّى سارعت الخطى هاربة من ظلّه الثقيل. كانت رائحته مقرفة، ولحيته تتدلّى كالخرطوم بالقرب من صدره. ملابسه صفراء من كثرة الاستعمال، عريضة وعليها بقع كثيرة من الدهن ومخلّفات الطعام. وكثيراً ما كانت تتقيّأ بعد أن تنتهي المطاردة بسقوطها منهكة بالقرب من المنزل.
- يا إلهي .. لماذا لم يرزقنا المولى شقيقاً يحمينا شرّ أشباه الرجال أمثال المدعو الحاج سنان. كانت أمّها تنهرها كثيراً وتصيح في وجهها. هذا حاج يا ابنتي! من يصدّق حكايتنا؟ أرجوك احذري منه إذا كانت روايتك صحيحة وابتعدي عنه قدر الإمكان.
أخذت ماجدة حذرها كلّما كانت تعبر الطريق الى المنزل ذهاباً وإياباً. كانت تدرك بأنّها إذا وقعت بين يديه فلن يرحمها مهما تعذّرت وصرخت وتمنّعت. وكانت لا تعي لماذا يلاحقها وهو الذي يمتلك زوجتين وعشرة أولاد، وعدا عن كلّ هذا، كان عمره يتجاوز الأربعين وهي ما زالت في عنفوان الشباب.
- يا ربّي إبعث لي خطيباً شاباً يدرك مشاعري كامرأة. هل قلت امرأة! رحمتك يا ربّ، أنا لم أتجاوز الخامسة عشر من عمري، لم اعرف المدرسة وكان طموحي مساعدة أمّي في قضاء حاجاتنا اليومية. وأخذت تفكّر مطوّلاً وتتساءل:
- تُرى، أليس بإمكان ابن جارنا محمّد مساعدتنا؟
كانت على وشك مفاتحته بالأمر، لكنّ الخجل ألجمها، احتارت في أمرها، ولم تجد بدّاً من الصبر ومراعاة الحذر الشديد.
وفي أحد الأيام الباردة، طلبت منها والدتها أن تذهب الى أحد بيوت الأفاضل الذين تقدّموا بوجبة عشاءٍ فاخرة للعائلة المُعْدَمَة. كانت الأم ترغب بالذهاب لإحضار الطعام بنفسها، لكنّ ماجدة أشفقت على حالها بعد أن أنهكها الروماتيزم. سارعت ماجدة الخُطى الى منزل ذلك الرجل الذي كثيراً ما كان يتذكّرها ووالدتها. كان يغمرهم بفضله ويقدّم لهما الملابس الجديدة بين الحين والآخر. لم يقدّم لهما ملابساً عتيقة أو مستعملة احتراماً لمشاعرهما. وكان الطعام تلك الليلة ساخناً وشهيّاً.
شاهدها الحاج سِنان عند ناصية الشارع، وضع طرف ثوبه الرماديّ القذر بين أسنانه وأخذ يركض اتّجاهها. كان يدرك بأنّها بطيئة الحركة بسبب القدر الذي كانت تحمله. أمسكها أخيراً من جدائل شعرها وصاح:
- تهربين من الحاج سنان؟
- دخلك يا ربّي .. دَعني أرجوك.
- أنت حليلتي يا ماجدة .. أنا أحبّ خدودك ونهدك يا قطر الندى.
- أنت بعمر جدّي يا خنزير.
ضربها على وجهها وعصر كتفيها وقال:
- الرجال قوّامون على النساء يا هبلة.
ضربته على عصب ساقه، شعر ببعض الألم، لكنّ هذا العداء زاده إصراراً على التمسّك بأطرافها. أخذ القدر من يديها وشمّ رائحة الأرز واللحم المتصاعدة من غطائه. ثبّت جسدها الصغير بكتفه وتناول من القدر قطعة لحم كبيرة وتناولها على عجل. ثمّ وضع القدر على الأرض وسارع بشقّ ثوبها من الخلف. قذفها الى ألأرض بعنف وشبق، وكانت الشهقات تتوالى من فمه الذي كان يلمع تحت أشعة القمر. مسح بكمّ دشداشه قطرات الزيت عن فمه ولحيته، وانقض على حلمات الفتاة التي صرخت كالغزال الجريح في وجه القمر. لكنّ البرد عند ساعة المغيب ترك الشوارع مظلمة وخاوية. كانت ماجدة وحدها في مواجهة فحل لا يعرف الرحمة. أخرج عضوه وهمس كالمجنون "سأتزوّجك". شعرت بألمٍ لا يوصف حين ولجها. كانت براءتها قد شقّت الى قسمين. عالمها الطفوليّ تلطّخ بدماء أنثى لم تنضج ثمارها بعد. وامتزجت الدموع بسوائل حارقة وابتسامة رجل بقي طريح الأرض بعد أن قضى حاجته كحيوان خبا بعد هياج استمرّ لحظات.
- لا تخبري أحداً يا ماجدة .. غداً سنعيد الكرّة.
لم تكن تعرف هل الدماء التي لطّخت ثيابها دماءها أم دماء سنان؟
لم تكن تعرف من تألم في نهاية المطاف، جسدها البضّ الذي تمزّق تحت ثقل سنان، أم روحه التي بقيت معلّقة عند طرف قطعة الزجاج التي غرستها في رقبته؟. كانت الدماء تنفر من أصل رقبته، وكان سنان يجأر كالتيس الذبيح. نظرت إليه وهدير البحر يتكسّر في زرقة عينيها. أمسكت قطعة زجاج حادّة أخرى وغرستها في صدره. انتفض جسده عدّة مرّات قبل أن يخمد ميّتاً. تناولت ماجدة القدر ومضت الى والدتها. كانت في تلك اللحظة قد أدركت بأنّ الطفلة البريئة التي كانت تسكنها قد ماتت والى الأبد.
[/frame]

هدى نورالدين الخطيب 19 / 03 / 2008 15 : 02 AM

رد: اغتصاب
 
[frame="1 10"]
أستاذ خيري.. تحياتي
أنت قاص بارع جداً ..نصال الجراح تنغرس و الدموع تفيض
قصة إنسانية لعلها تكررت كثيراً لكن تصويرك مذهل
ذئاب لا ترحم و حديقة لا سياج لها كل وحش يعتبرها نهباً !
اكتب دائماً فقلمك له سحر خاص و أثر لا يزول
لم أقرأ لك قصة حتى الآن إلا و ترسخت في ذاكرتي
ما شاء الله أنت حقاً شديد الإبداع
لك عميق تقديري
[/frame]

رشيد الميموني 19 / 03 / 2008 33 : 02 AM

رد: اغتصاب
 
أخي العزيز خيري .. قصة في منتهى الإثارة والألم .. ذكرتني بقصة لي تحمل نفس العنوان .. وفي نيتي نشرها في القريب .. وهي ثاني قصة تتشابه في الإسم بعد "المتسول "التي كتبتها الأخت ميساء..
أنا يا أخي ممن يفضلون سرد الوقائع المثيرة دون ذكرالتفاصيل .. أفضل التلميح .. وخاصة في المواقف التي تشبه ما تعرضت له ماجدة .. ربما - وهذا مجرد رأي - كنت أفضل عدم ذكر بعض الأعضاء الحساسة والاكتفاء بذكر الوقائع .. لأن كل شيء كان يشي بعملية الاغتصاب .. ولكن يبقى هذاكما قلت لك مجرد رأي شخصي ليس إلا ..
أعبر لك عن إعجابي ولك كل المودة والتقدير.

خيري حمدان 19 / 03 / 2008 27 : 11 AM

رد: اغتصاب
 
[frame="5 98"]

العزيزة الفاضلة هدى الخطيب
كان من الصعب عليّ إبقاء هذا النصّ في روحيّ المتمرّدة على مظاهر الظلم في كافة المجتمعات. لأنّ هذا الحدث مؤلم أينما تمّ سواءً في الشرق أو الغرب.
وكنت قبل سنوات عديدة قرأت قصّة مماثلة في خليجنا الطيّب، وكانت هذه القصّة هي الخلاص.
تقييمك أعتزّ به وأعتبره اعترافاً من مبدعة قديرة وفنانة تحسن التعامل مغ القلم.
دمت بخير.
[/frame]

خيري حمدان 19 / 03 / 2008 33 : 11 AM

رد: اغتصاب
 
[frame="5 98"]

أخي العزيز رشيد حسن
أعتزّ بحضورك وبقراءة بصماتك الكريمة في صمت وهدير صفحاتي.
بالطبع كلّ كاتب يتميّز عن سواه بالأسلوب والبوح والتعبير.
أنا أجد قوّة الدب والتعبير في التفاصيل، لأنّها قادرة على وصف الصورة بوضوح. وكيف يكون شعور فتاة في مقتبل العمر تتعرّض لانفجار أنوثتها وتحطيم كرامتها وانفطار كبرياها وتحدّيها لهذا الواقع المؤلم سوى بالتفاصيل. وأعتقد بأنّني لم أخدش الذوق العام. وأظنّ جازماً بأنّ الأدب يرفض القيود ويسعى للتحليق في كافة المدارات.
كلّ المحبة أخي المبدع رشيد.
[/frame]


الساعة الآن 45 : 10 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية