![]() |
المعتـــــــزل
المعتـــــــزل رفع يديه المرتعشتين إلى السماء داعيا، وقد باحت السن الباقية في وسط الفك العلوي وحيدة مثله تماما بما مر على هذا الفم وصاحبه من الانهيارات. إحدى عينيه تركت أختها وحيدة ، فقد انطفأ نورها ، كاد يبقى من كل عضوين واحد فقط ، ومن كل عضو نصف! تمتمات وتنهيدات وقطرات من الدموع جفت قبل أن تأخذ طريقها على الخد المليء بالتجاعيد ، وكأنه استهلك مخزون الدموع كله ... يعدل جلسته على الصخرة التي اتخذها مقعدا :"إييييه..." ينكس رأسه ويرسم خربشات على الأرض بعصاه غير المشذبة التي لم يدخل عليها أي تعديل ، بل هي على الحالة الأولى التي نزعها فيها من غصن الشجرة ، فلم يتغير سوى اللون والقشرة التي سقطت أجزاء منها .... أحيانا يعود إلى الخلف في الزمن ثمانين سنة ويستعرض شريط حياته الطويل ، ولأن لكل شخص لحظات من حياته مضت قد تتحول إلى حلم مستحيل فإنه يتوقف كثيرا عند العشرينيات من عمره عندما تزوج بامرأة لم يعرفها إلا ليلة عرسهما ، وكيف كان مسلما بالواقع بل فرحا . " رحمها الله ، لقد كانت نعم الزوجة ." هذه العبارة تخرج عنوة كلما تذكر زوجته. في تلك المرحلة من عمره كان مستعدا لأن يراهن على أن يحطم صخرة كبيرة في وقت قصير ، أو يقطع شجرة كبيرة في دقائق معدودة لمجرد المنافسة ، يتكلم فينتشر صوته الجهوري في الأرجاء ، ويضحك فتصل قهقهاته إلى نهاية الشارع الذي يتواجد في بدايته المقهى الذي يلتقي فيه بأصدقائه. تواصلت حياته موشحة بشرائط السعادة الملونة ، مفروشة بالورد ، وازدادت بهاء ونورا عندما رزق بابنه الذي ملأ عليه حياته و ملكها فسخر كل مايملك من أجله ، كانت الحياة تسير في اتجاه تصاعدي في كل شيء : العمر ، السعادة ، المسؤوليات ، الأحلام... وجاءت الصاعقة لتدمر حياته وتقلبها رأسا على عقب ، بعدما وقع الأمر الرهيب ، زوجته المسكينة لم يتحمل قلبها الصدمة فترحل تاركته يحمل الحزن كاملا ، فلا أحد يقاسمه إياه ، وانتهى به الأمر غريبا في دياره . لطالما أوصى ابنه بعدم القدوم عندما يأخذ إجازة خلال آدائه واجب الخدمة الوطنية ، وفعلا كانوا هم الذين ينتقلون للقائه في مكان بعيد عن مناطق الخوف ، ولكن كل هذه الاحتياطات لم تجد نفعا ، وجاء اليوم الذي اصطادته فيه رصاصة غاشمة وضعت حدا لعمره من الزيادة ، فتوقف في محطة الزهور ليتوقف قلب الأم بعدها ، ولتتوقف رغبة الرجل في العيش ، فيترك كل مايملك ، ويقضي أوقاته متنقلا من مكان إلى آخر ، واكتفى ببيت صغير يأوي إليه ، أما المعاش الذي يتحصل عليه فنصفه يذهب صدقات للفقراء والمساكين ، ونصفه ينفق منه على حاجياته التي أصبحت قليلة جدا. عمــــار رمـــــاش |
رد: المعتـــــــزل
لكل شخص لحظات من حياته مضت قد تتحول إلى حلم مستحيل فإنه يتوقف كثيرا عند العشرينيات من عمره
أُسجل إعجابي تحيتي |
رد: المعتـــــــزل
[align=justify][frame="13 98"][align=justify]
أخي عمار..جميل وساحر هو سردك..أنتَ قاص بامتياز..وهذا رأيي الذي لن أغيّره إن شاء الله..استمتعتُ وأنا أقرأ نصك هذا الذي تفنّنتَ في رسم بدايته .. [/align][/frame][/align]( رفع يديه المرتعشتين إلى السماء داعيا، وقد باحت السن الباقية في وسط الفك العلوي وحيدة مثله تماما بما مر على هذا الفم وصاحبه من الانهيارات. إحدى عينيه تركت أختها وحيدة ، فقد انطفأ نورها ، كاد يبقى من كل عضوين واحد فقط، ومن كل عضو نصف!) التقاطك صورة هذا المسنّ بشيء من المُلحة المبطّنة بالأسى ..فـ (السنّ الباقية) و(العين الوحيدة) وما دون ذلك (انهيارات) ، تعبير قوي رصد حالة (المعتزل/الحطام) بسياقات هي غاية في الدقة ! كما أنّك قبضتَ على لحظة تعبير رائعة حين مزجتَ بين المنظور من الرجل والمضمر بهذه العبارة المتميّزة : (تمتمات وتنهيدات وقطرات من الدموع جفت قبل أن تأخذ طريقها على الخد المليء بالتجاعيد ، وكأنه استهلك مخزون الدموع كله ...) إلا أنّ هذا البريق السردي الأخّاذ وجدتُه يميل إلى الخفوت كلّما اتجهنا نحو النهاية ! وكأنّ النصّ كُتب على مرحلتين (ذهنيا) أو أنّ النهاية لم تكن شيئا مسبقا مخططا له..وكأن النهاية ليست هذه !؟ فعلى المستوى الجمالي لم أجد لغة السرد في القصة واحدة بكل جبروتها الجمالي !! كما أنّ في النص بعض الأمور اللغوية التي أعبتها عليك من وجهة نظري : تقول: عندما (تزوج بامرأة) لم يعرفها إلا ليلة عرسهما.. والأفصح (تزوّج امرأة) أو (تزوّج من امرأة) !! وأيضا: زوجته المسكينة لم يتحمل قلبها الصدمة (فترحل تاركته ) يحمل الحزن كاملا ..والأرجح لو استعملتَ الماضي (فرحلتْ) وعوض (تاركته) استعملتَ الجملة الفعلية (تركته)..أي (رحلتْ وتركته يحمل الحزن كاملا...) ! وكذلك : عندما يأخذ إجازة خلال( آدائه) واجب الخدمة الوطنية .. وأظنها خطأ كيبوارديا فقط (أدائه) !!! وفي الأخير.. أجدّد إعجابي بقلمك المتميّز المائز أخي الغالي الأستاذ عمار.. |
رد: المعتـــــــزل
شكرا الراقية عروبة على المرور والإعجاب ، تحيتي وتقديري لك أيتها المبدعة...
|
رد: المعتـــــــزل
أخي العزيز الأستاذ محمد ، لا زلت تسعدني بمرورك المتميز ، وبملاحظاتك النقدية القيمة ، اشكرك الشكر الجزيل وأتمنى ألا تغير رايك بعد أن انشر باقي القصص التي في حوزتي... اسعد دوما بمرورك ونصوصي تتشرف بقلمك الراقي...تقديري |
رد: المعتـــــــزل
[align=justify]طب نفسا أخي الرائع عمار ..مازلتُ عند رأيي ولن أغيّره إن شاء الله..أنتظر نصوصك دائما وأنا على ثقة بأنها رائعة ممتعة..شكرا لك على تواضعك المدهش..[/align]
|
الساعة الآن 08 : 11 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية