منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=65)
-   -   وفاء... (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=30012)

شفيقة لوصيف 28 / 03 / 2016 47 : 02 PM

وفاء...
 
اغرورقت عيناها الزجاجيتان . فانبجس منهما دمع صاف كانبجاس لفظة حبّ . اندفع الدمع على خدود هي الفلّّ كان قد تشرّب من قبلات الورد . أطلت تحتاهما شفتان كانتا بمثابة معبدين نُحر عليهما تقرّبا سرب من الطير . تهزّها شهقة فتردّها وقد أطبقت الشفتان على صفين من جوهر حرّ. كان الدّمع كعصا أوركسترا كلّما تحرك هوت المعزوفة إلى أعماق الروح . تغتسل في مستنقعات الجرح وتتنشف بسياط الوجع .
شرعت عينيّ لكن صوتي خانني . يبدو أنّه استحى أن يبرح صدري مخافة أن يجرح جرح الدّمع أو يكلأ كلم النفس . أرقب فقط في صمت مشلول تراتيل الدمع و أصغي إلى مواويل نفس هزيل يخرج كضوء شمس في يوم غائم من فتحتي أنف جميل . كنت ما زلت تحت سلطة الدّهشة حين اجتاحني صوتها قائلا :
- مريض أبو أبنائي .!
فينعتق صوتي :
- خيرا ...خيرا إن شاء الله .
تخفض عينيها برهة ثمّ تصوبهما نحوي وقد رفعت حاجبها المخملي يمينا من تحت خمارها البني . علامة على أنّ الأمر قد انفرط وزنه .
فيلحّ سؤالي :
- مرض خطير ؟
تضغط شفتها السفلى بطرف سنّها الماسي . فتسمعك روحها معزوفة من الصّليّ قائمة في محراب الألم . حاولت عبثا أن أمرر على قطع وجهها المنصهر نسمات من الأمل حين قلت : وفاء...يا صديقتي إذا كان المرض بشعا فإنّ الله جميل .
تزيد جملتي في انتحابها . وقد خالطت أنفاسها غصّات اهتز لها جسمها الغضّ . فتحركت مشاعري أكثر ووددت لو أضمّها لكني خشيت أن تكون برودة السنين التي فرقتنا أكبر من حضن لحظة جمعتنا بغتة . فاكتفيت بأن ربّت بهدوء طاهر على كتفها . وقد انعتق دمعي على خدي يسابق دمعها .
تدحرجت الدموع عارية غير عابئة بالشارع ولا بعيون المارة التي كانت تتطلع الينا ثمّ سرعان ما تنحو بعيدا عنا . لأنّ الناس في مدينتي قد ملّوا الاحتكام إلى الدّمع . وقد أحسست أنّها تريد أن تقاسمني سنين مرت بيننا صامتة حين قالت :
- لقد انتقل للعلاج في فرنسا . وظلّ هناك ستة أشهر لكن يبدو أن المرض كان أقوى ..
أسألها : والأبناء ؟
- كالجمر في الموقد .! ثمّ تضيف : آه ..لو تدرين حالي وحالهم .؟
ألتفت إلى الأرصفة من حولنا فأجدها باردة . و قد لجم الموقف فرس الزمن فتوقف ..ولم أدر إلاّ وصوتي يرتفع بالدّعاء :
- أسأل الله العظيم أن يخفف عنه . و أن يرحم ضعفه .
فيأتي صوتها مستبشرا :
- هو عبد تقيّ . حاج لبيت الله . لم يؤذ أحدا في حياته . الكل يدعو له بالخير .
- خاتمة رائعة للصالحين يا عزيزتي . فهو يزكي اليوم من جسمه حتى يلق ربّا كريما . يسكنه إن شاء الله فسيح جنانه .
و أضيف و أنا أضمّ ذراعيها بين ذراعيّ :
- الصبر ...الصبر يا وفاء . والله إنّها خاتمة الأنبياء .
فتضغط على نبرات صوتها وهي تقول :
- لم أنسه يوما .!
و يجيىء صوتي مستفهما :
- لم تنسيه ؟!
- نعم لأننا ...لأننا انفصلنا منذ زمن .
يصعقني الخبر حتى كدت أسقط . و كم وددت أن أصرخ في الناس من حولي :
- وفاء في زمن الخيانة .؟! .

تنبيه : لقاء حقيقي و قصة واقعية .

رشيد الميموني 28 / 03 / 2016 57 : 02 PM

رد: وفاء...
 
قراءة أولية لنص جميل مفعم بالأحاسيس النبيلة جعلتني أحس بكل حرف مثخن بالجراح ..
نهاية رائعة تخفف وطأة الألم
إنه الوفاء الذي عز نظيره في زماننا
تحية لإبداعك شفيقة
ودي وورودي

د. رجاء بنحيدا 29 / 03 / 2016 49 : 01 AM

رد: وفاء...
 
الأستاذة الكريمة شفيقة
تمكن في الوصف .. وحرفية ووفاء في سرد الأحداث ..
دمت وسلمت

محمد الصالح الجزائري 29 / 03 / 2016 26 : 02 AM

رد: وفاء...
 
[align=justify]االقاصة الأنيقة شفيقة..نبيلة هي حروفك كما روحك.. دعينا نكتشف الواقع دون تنبيه...شكرا لك على هذا السرد الممتع...[/align]

شفيقة لوصيف 29 / 03 / 2016 31 : 11 AM

رد: وفاء...
 
الأستاذ الفاضل : رشيد الميموني

أزهرت قصتي وتفتحت أكمامها
حين انعطف عليها ندى كلماتك
دمت وفيا لجارة وأخت تعزّك
احترامي الكبير

شفيقة لوصيف 29 / 03 / 2016 34 : 11 AM

رد: وفاء...
 
الدكتورة : رجاء بنحيدا

اطلالتك على نصي شمس
أدفأت نصي و أدفأتني .
لطالما أرقني غيابك عن حرفي .
أتمنى أن أكون دائما في مستوى آملك .
كل الاحترام والتقدير لكم .

شفيقة لوصيف 29 / 03 / 2016 38 : 11 AM

رد: وفاء...
 
الأستاذ الفاضل : محمد الصالح الجزائري

كل النبل في مرور حرفكم بمحاذاة حرفي .
أنتظر دوما آراءكم فيما أكتب ملتزمة
بتوجيهاتكم وانتقاداتكم .
دمتم بألف صحة وعافية وتألق .

ليلى مرجان 30 / 03 / 2016 23 : 04 AM

رد: وفاء...
 
حرف متمكن؛ سرد ممتع ووصف بليغ
دام يراعك رقراقا

شفيقة لوصيف 30 / 03 / 2016 31 : 11 AM

رد: وفاء...
 
العزيزة الغالية :ليلى مرجان

عدم توقفك عند نصي عندما مررت به أول مرة
جعلت الشكوك تحوم على قلبي كما تحوم الصقور حول فريستها
وقد ظننت بنصي ظن السوء . و ها أنت تمرين من جديد لتببدي
كل الظنون . بل وتتوجين نصي بأبهى الكلمات .
دمت غاليتي بكل المحبة الممكنة .

خيري حمدان 30 / 03 / 2016 51 : 11 AM

رد: وفاء...
 
وفاء في زمن الخيانة، أم خيانة في زمن الوفاء. سيّان ويبقى قلب الأم والمرأة يتدفق حبًا وأملا وعطفًا وقلم شفيقة لوصيف ينصبّ إبداعًا - مودّتي.


الساعة الآن 22 : 08 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية