منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   ملف القصة/ د.محمد الفاضل (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=565)
-   -   الدرويش (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=30035)

محمد الفاضل 03 / 04 / 2016 50 : 10 AM

الدرويش
 
الدرويش – محمد الفاضل

اعتاد أن يقضي سحابة نهاره جالساً عند مدخل حارة الزيتون في منطقة تقاطع باب توما ، حيث تشتهر بشوارعها القديمة و زواريبها العتيقة التي تروي اَلاف الحكايات ، البيوت متلاصقة ، تحنو على بعضها و تتكئ الجدران على بعضها البعض في مشهد يوحي بالحميمية والمحبة ، وفي النهار تتسلل أشعة الشمس الذهبية عبر شبابيكها الملونة فتنعكس لوحة تأسر القلوب . معظم بيوت الحارة تتوسطها بحرة ، يحيط بها زهر الياسمين والفل ، وشجر الليمون والنارنج .
رائحة العطر في كل مكان ، حتى البيوت ، تتشرب العطر طوال النهار فتبقى الرائحة تفوح طوال المساء ، الأسواق تعج بالمارة وبائعي الخضار ، لم يأبه بوجوده أحد من المارة . متوسط القامة ، في نهاية عقده السادس ، عينان غائرتان ، تتطلعان إلى الأفق البعيد . ذو لحية بيضاء ، كثة وشعر ملبد بالأوساخ ، رث الثياب . يتفحص المارة وتتقاذفه نظرات الشفقة والعطف .
كان الأهالي يتصدقون عليه ببضعة قروش ، وفي اَخر النهار يلملم جراحه ويمسح دموعه التي ترقرقت في عينيه وينصرف. في ذلك اليوم القائظ قررت أن أمشي خلف ذلك العجوز الذي كنا نسميه الدرويش ، لكي أعرف وجهته ، بعد أن بلغ مني الفضول مبلغه . أدخلت صناديق الخضار في عجالة وأقفلت الدكان.
كان الدرويش ينقل قدميه ببطء على الطريق ، اجتاز زقاق الحي , في اَخره يقبع منزل جميل . طرق الباب بإلحاح ، وبعد برهة قصيرة ، فتح الباب شاب في عقده الثالث . استوقفني المشهد . فجأة أمسك الدرويش بتلابيب الشاب وبدأ يعنفه.
قررت أن أقترب أكثر لأسمع مايدور .
- ولكن هذا بيتي ، هل نسيت ؟ حتى إن الجدران والحجارة تشهد ، لقد أفنيت عمري في بنائه .
استشاط الشاب غضيا ودفع الدرويش بقسوة فسقط على الأرض. تحامل على نفسه ونهض بصعوبة بالغة ، وأجهش في البكاء حتى تخضبت لحيته . رفع يديه إلى السماء ، وبدأ يدعو بصوت خاشع منكسر. بعد مرور بضعة أيام ، تناهى إلى سمع الدرويش أن الشاب مريض ، وهو يرقد بين الحياة والموت . بدأ يحث الخطى نحو منزل الشاب وقلبه يخفق بشدة ، كان الشاب يرقد على السرير وقد شحب لونه ، بعد أن نهش جسمه المرض . دلف الدرويش إلى المنزل وجثا على ركبتيه وبدأ يردد
- و لكنه ولدي ! يارب تلطف به ولا تستجب لدعائي .

السويد – 3 / 4 / 2016



الساعة الآن 34 : 09 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية