![]() |
جاكلين بالحجاب
جاكلين بالحجاب
حين وصلت جاكلين مطار القاهرة قاصدة صديقتها نور ، التي ما إن لبثت أن اقترب ميعاد وصولها إلا وطارت بسيارتها التي تحولت من كومة من الصاج المرقع إثر حادث خفيف من حوادثها العظام إلى نفاثه من طراز ( لا أدري بالتحديد لغموض الجزء الباقي من اللوحة المعلقة خلف السيار ) والتي تموهت بسبب انبعاجها إثر ذلك الحادث الأبله ، بحد قولها كلما سألها أحد عن ما أصاب السيارة !؟ وقد نشأت بين نور ، وجاكلين الأمريكية علاقة صداقة حميمة عبر شبكة التواصل القرنفلية ، لما للعنكبوت من أقدام غاية في الرعب ، واستمرت لعدة سنوات يتبادلا معا اللغة العربية الدارجة ، والأنجليزية أيضا الإيزي لانجو كما يقال ، حتى أن جاكلين استطاعت أن تبدو فتاة عربية الأصل ، شبراوية الملة لا يخلو حديثها من استخدام أدنى عبارات المجتمع العشوائي من كثرة تردد نور عليه في حكاياتها معها ، وكانت تبدو خفيفة الظل مرحة للحد الذي تبدو فيه مصرية الدم والروح ، فحقيقة من عاشر القوم أضحت في جاكلين جلية . مشهد من المصافحات الحارة ، والمداعبات المشاكسة ، إلى أن وصلتا للهيكل العظمي الماثل أمام أحد أبواب صالة الوصول بمطار القاهرة الدولي . طقس صباحي مشرق ، مائل للبرودة قليلا ، يكاد ينتسب لأحد فصول الربيع قبل مائة عام من ذاك اليوم ، وقبل قصص الغلاف الجوي وما أصابه . استقرتا بالسيارة في شغف ، وانتشاء بعد ما قامت نور بوضع حقيبة جاكلين في المقعد الخلفي بالسيارة ، وهي مداعبة إياها بالإنكليزية ، (ماذا بها جاكي؟) لتجيب جاكي مازحة بالعربية الدارجة ، (هلتين مهشي - وهلة ملوكية)،(حلتين محشي- حلة ملوخية) الحلم الذي باتت أعوام تنشده ويجري به لعابها كلما حدثتها نور عن أهم ، وأشهر الأكلات المصرية ، ضحكتا سويا ، وانطلقتا إلى بيت نور حيث محل الإستضافة ، ودخلتا البيت على والدة نور في حالة أشبه بالغارة ، أو الضجيج الأنثوي حين يبلغ الحديث ذروته في الضحك ، والمزاح ، استقبلت الوالدة جاكلين بحفاوة ، وترحيب ، وكثير من التردد في ترديد الألفاظ حيث كانت الأم لاتعرف الإنكليزية ، وخشية عدم فهمها من قبل جاكلين ، تفاجئت بكلمات جاكي العربية الشبراوية فضحكت تعجبا ، وابتسمت ابتسامة الأم الحانية ، ودعت جاكلين للراحة حتى تعد الطعام ، وانصرفت تاركة الفتاتين في غرفة الأستضافة . نور كانت فتاة مسلمة ، حافظة للقرآن ، محافظة على أدآء فروضها ، ملتزمة بالزي الإسلامي الشرعي ، وكانت جاكي على النقيض تماما ، فقد كانت تعتنق المسيحية ، متحررة في زيها كأي فتاة من بني جلدتها ، إلا أن ذلك لم يمنع صداقتهما الحميمة جدا ، وذلك لما تخلقت به نور من أخلاق الإسلام السمحة التي تدعو إلى المحبة ، والإخاء ، والوسطية ، والإعتدال المثمر في ظل تحقيق الإنسان على مراد الدين ، وبما يقتضي به لصناعة الإنسانية الحاقة التي لا تعرقل مسيرتها عنصريات ، أوعرقيات ، أوتعصبات دينة ، أو مذهبية ، لهذه الأسباب لم تمتنع نور عن إقامة مثل هذه الصداقات الحميمية ، ولم يمنعها أيضا من ممارسة طقوس دينها ، كأداء الفريضة في نفس المكان حيث تجلس جاكلين التي كانت بدورها تسرح ، وتفكر كلما رأت نور تتجه اإلى القبلة في نفس الميعاد من كل يوم خمس مرات ، وترخي عليها السكينة ، وكأنها هي من تصلي تأثرا بروعة طقوس الصلاة ، ومن ثم مواصلة الأحاديث الجميلة الهادئة ، والصاخبة بينهما ، وفواصل الدعوة إلى الطعام ، والدعوة إلى التنزه ، وزيارة الأماكن العديدة التي دعت جاكلين للشعور بالحياة ، والمرح في جو يملأه الترابط ، والمؤاخاه بين الناس ، بينما كانت الأجواء في امريكا ، والتي ما يلبث العربي أن يسمع اسمها أن تمر على باله ألوان أخرى للحياة لم تخلق بعد ، والحقيقة أنهم لم يحظوا بهذا القدر من الترابط ، والمودة بل يدخل الجميع بيته في ساعة ليست متأخرة من الليل مخافة العصابات ، والمافيات التي تجول ليلا للإختطاف ، والأعمال الإجرامية ، بينما رأت جاكلين أن بلاد العرب تختلف كثيرا ، فالمدينة هنا ، أو الضاحية ، أو القرية ، أو المحافظة إلى القطر بأكمله كأنه بيت كبير ، تبدو بيوته وكأنها غرف ، وتبدو شوارعه وكأنها طرقات تؤدي إلى بعضها البعض ، الناس يمشون ، ويتجولون وكأنهم أسرة ذات البيت الواحد ، يتبادلون الإبتسامات تعتلي وجوههم بإشراق ، وكثيرا ما توقفت تفكر فيما يدور حولها ، وما هذا العالم مقارنة بعالمهم المليء بالجمود وكأنه لوحة ليس بها حياة ، وتتسأل في استنكار كيف لا يصور الإعلام حياة هؤلاء ، وينقلها لنا كما هي ، وكثيرا ما تلتفت إلى نور كلما مر بها موقف انساني تجد منه ما يسرها ، أويدهشها أيضا ، لم أكن أعلم أن بلادكم جميلة هكذا ، للحد الذي يجعلني لا أريد المغادرة منها أبدا ، وتطرق في حديثها قائلة : ( كل ما كان يجول في رأسي ، وأنا على متن الطائرة المتوجهه من امريكا إلى هنا ، أنني عندما أهبط على أرض واقعكم سأجد أناس مدججين بالسلاح ملثمين ، لا ترى غير أعينهم ، تنظر من تحتها ، تخيفني ، وتثير أيضا في نفسي روح المغامرة ، وترد نور في هدوء وماذا وجدتي إذن ؟ فتقول جاكي : اشعر انكم في جنة تستأثرون بها وحدكم ، على بقعة من بقاع الأرض لا تريدون لأحد غيركم امتلاكها ، والتمتع بها ، فتقول نور : الوطن حق لأبناءه ، والضيف حقه أن يكرم ، وأما المعتدي فأجيبي أنت يا جاكي ما يستحقه ؟ تطأطئ رأسها وتقول : أنت محقة الوطن حق لأبناءه ، لكن دعينا من هذا ، إنني سعيدة بصداقتك التي لولاها ما اتطلعت على لون أخر من الحياة ، لم أره من قبل تبادلا المحبة ، واكملا الحوار ، وتولدت في الطريق حوارات أخرى ، لكن أهمها كان تعجب جاكلين من طباع نور التي جعلتها تحب المسلمين ، وتغير النظرة التي صنعتها لها أمتها ، وقولبها لها اعلامها ، عن الحرب ، والدم ، والارهاب ، ولعل نور ستكون نقطة التحول الفكري التي سوف تسير عليها جاكلين في نقل اخبار العرب عندما تعود لبلادها مرة أخرى ، وقد يبدأ البحر بقطرة ماء . الرابعة صباحا ، التليفزيون المكي ينقل صلاة الفجر من مكة على الهواء مباشرة ، جاكلين تنتظر في كل يوم وفي مثل الساعة ذلك البث الروحي المباشر ، وتحدق في الشاشة كما لو أنها لم تر تليفزيون من قبل ، وبمجرد رفع الإقامة ، واصطفاف الناس للصلاة ، وبدء القراة يبدأ المطر ، تدخل جاكلين في حالة روحانية تدعوها للبكاء ، ولا تدري ما القصة ، ونور لا تحاول سؤالها بل تكتفي بالربت على كتفها ، فهي تعلم جيدا أبعاد شخصيتها ، حيث كانت جاكي من أشد المنصرين تفوها ، وابلغهم حديث لدرجة الإقناع ، فالبعض يمكن محاورته ، والبعض الاخر نكتفي معه بالصمت ،والموقف دائما يكن له الأحقية حين يفرض ذاته. مرت الأيام سريعا ، وبنفس كومة الصفيح عادت جاكلين من حيث استقبلتها نور بعد ما جالت في قلب حنون استطاع استيعابها ، وما حملت من افكار ، ومعتقدات ، ولم يدنو احد أدنى محاولة في العبث في مكنوناتها العقائدية ، او الفكرية غير أن الأفعال ، والتصرفات كانت خير موجهه . ذهبت جاكي من حيث أتت ، تحمل معها أفكار جديدة ، وصورا مختلفة عما كان في جعبتها قبل تلك الرحلة ، ونور بانتظار رسالتها لتطمئن على خبر وصولها سالمه ، وقد حدث بالفعل بعد ثلاثة أيام من عودتها إلى امريكا ، واستمر التواصل عبر الشبكة القرنفلية على حد تعبيري ، إلى أن جاء يوم السؤال الذي طالما انتظرته نور ، وكان اول سؤال توجهه جاكي لنور : ( لما لم تدعونني للأسلام نور ؟ ألست على يقين بأن الجنة نهاية كل من اعتنق دينكم ألست صديقتك ألست تحبينني وتخافين لأجلي ) وكانت اجابة نور هي نفس إجابة جاكي ( وأنت يا صديقتي لم لم تدعونني للنصرانية ، وأنت ضليعة في الدعوة ، وانت على يقين أنها الحقيقة ، والنجاة ، والطريق إلى الجنة ؟ أنا لا أريد اجابتك يا صديقتي بسؤال ، ولكن أريد فقط ان تعلمي ان ديننا الأسلامي لم يكره أحد على اعتناقه ، ولم يقاتل احد من اجل اعتناقة ، لكنه وضع تشريعات ، وقواعد لمن داخله ، ولمن خارجة ، ونحن نلتزم بما شرع لنا ، كنت اود دعوتك ولكن حال بيننا أشياء كثيرة ، ومنها أفكاركم ، ومعتقداتكم بنا كعرب ومسلمين ، إلى غير ذلك مما أعلمه عن جهادك في سبيل نشر دعوتك ، وجموحك لاقتطاب العدد الأكبر من المتنصرين ، ولك ما شئت ، ولست ألومك ، لكنني أردت ان اوضح لك لم لم أدعوك ، فلم يكن السبب أنني لم أملك حجة قوية في ديني ، ودعوتي بل املكها ، ولكنني لم اكن لأكرهك على ديني بنص القرآن : (لا إكراه في الدين ) ، طال صمت جاكي ، وطال غيابها من شبكة التواصل ، حتى أن نور ظنت انها لن تتحدث معها مرة أخرى ، إلى أن تواصلا مرة أخرى في ليلة مقمرة ، وكان اول من قالته جاكي لنور طلبت منها ان تفتح الكام لتراها ، ولكي تتحدثا سويا محادثة فيديو ، وكانت المفاجاة جاكلين بالحجاب !! اشارة إلى المفاجأة التي سوف تحدث بعد قليل ، جاكلين تعتنق الإسلام ، وتقر ، وتشهد أمام نور عبر محادثة الفيديو . نور لم تتحمل فرحتها بمفردها ، بل نادت والدتها وهي تضحك وتبكي ليحتفلا سويا باعتناق جاكي للأسلام . لحظات رائعات قضتها نور مع صديقتها جاكلين تغوصان في بحر الحوار عن الاسلام ، واسباب اعتناقها. وهنا السؤال لماذا اعتنقت جاكلين الأسلام ؟؟ |
رد: جاكلين بالحجاب
أو ليس الدين المعاملة؟!
لقد دعتها للإسلام بأفعالها لا بأقوالها.. قصة جميلة عزة |
رد: جاكلين بالحجاب
سرد مسترسل شيق؛ لقصة حبلى بالقيم الأخلاقية. شكرا لك عزة على الإمتاع. |
رد: جاكلين بالحجاب
اقتباس:
|
رد: جاكلين بالحجاب
اقتباس:
هلا لولو .. نعم وأوشكت الولادة ههههه شكرا لك أنت على المرور العطر . |
رد: جاكلين بالحجاب
اقتباس:
|
رد: جاكلين بالحجاب
تشكرات أفنذيم
|
الساعة الآن 06 : 09 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية