منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الدراسات والأبحاث الأدبية والنقدية (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=553)
-   -   عادل سلطاني... الشاعر النحَّات.. (1) (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=30623)

محمد توفيق الصواف 31 / 08 / 2016 54 : 05 PM

عادل سلطاني... الشاعر النحَّات.. (1)
 
بتاريخ 12/8/2016، نشرتُ في نور الأدب تعليقاً سريعاً على قصيدتين للشاعر الأستاذ عادل سلطاني هما: (رحيل) و(نهاية)، وقد أنهيتُ تعليقي ذاك واعداً بعودة مفصَّلة إلى هاتين القصيدتين..
وها أنذا أعود لأنجزَ وعديَ الذي أخَّرَتْ أمورٌ طارئة إنجازه، فكان التأخير خيراً على ما بدأتُه دراسة محدودة بتَيْنِكَ القصيدتين، ثم اتسع ليضمَّ إليهما باقة جميلة من قصائد أخرى للسلطاني، عمودية وتفعيلية، منشورة في (نور الأدب)، في أوقات سابقة مختلفة..
في الواقع، لم يكن في نيتي القيام بهذا التوسع لو لم ألحظ، في القصيدتين اللتين بدأت دراستهما، صوراً ولغةً ألِفتُها في قصائد سابقة قرأتُها للسلطاني، فأغرتني الملاحظة بتتبع ما تَشَابَهَ من هذه الصور والملامح اللغوية في قصائد أخرى له، آملاً أن تقودني دراستها إلى استنباط ما يمكن أن يُعدَّ سمات عامة لشعره، فقادتني فعلاً إلى السمات التالية..

أولاً، السمات الفنية:
1) كثرة الرموز المستقاة من مصدر شديد الخصوصية، وأقصدُ به المصدر الاجتماعي والثقافي الأمازيغي الذي يجهل كثيرون، وأنا منهم، معظمَ رموزه، إن لم يكن كلَّها. ولعل من أكثر قصائد السلطاني احتشاداً بهذا النوع من الرموز، قصيدتَه (سكرة الحب) التي نشرها في نور الأدب بتاريخ 19/1/2013، ثم أُعيدَت إلى واجهة التداول، للمرة الأولى، من خلال تعليق الشاعر (صبحي ياسين) عليها، بتاريخ 8/2/2015، وللمرة الثانية من خلال ردِّ (السلطاني) على تعليق (ياسين) السابق يوم 27/7/2016..
وفي رحلة عودتها الثانية إلى واجهة التداول، قرأتُها للمرة الأولى، فإذا بها تُفاجئُني بِكَمِّ الرموز التي زَخَرَ بها نصُّها، وحالَ جهلي بمعانيها دون تفاعلي مع مضمون القصيدة ككلّ، ودون استمتاعي بجماليات صورها ودلالاتها وباقي ظلالها الفنية الكثيرة.. الأمر الذي دفعني إلى تذييل تعليقي عليها بالطلب من أخي السلطاني أن يُفَسِّرَ ما أدرَجَه فيها من رموز.. وكما توقَّعت، لم يتأخر في إجابة طلبي، فنشر في ردِّه على تعليقي يوم 30/7/2016 تفسيراً لكلِّ ما وردَ في قصيدته تلك من رموز أَمْتَعَتْنِي معرفةُ معانيها وظلالها في تَذّوُّقِها وغيرها من قصائد السلطاني التي استخدم بعضَ تلك الرموز فيها أيضاً..
وفي تعليقي على هذه السمة، في شعر السلطاني، أودُّ التأكيد أنني لست ضد استخدام الرموز في أيِّ نصٍّ شعري أو نثري، ولا ضدَّ توظيفها لِنَقْلِ كمٍّ كبير من الإيحاءات ودَفْقٍ أكبر من المشاعر العاطفية الملوَّنة بمختلف ألوان الأمل والألم التي تسكن المساحات غير المحدودة في اللاوعي الجمعي لكلِّ واحدة من المجموعات البشرية، صغيرة كانت أم كبيرة.. لكنَّ الرموزَ، كما تُبيِّنُ القراءات المختلفة لدلالاتها ووظائفها، نوعان:
أ) رموز شائعة المعاني والدلالات، في ثقافات معظم شعوب العالم، لكثرة تداولها في النتاجات الإبداعية لأدباء هذه الشعوب.. ولهذه الرموز ثلاثة أنواع:
- بعضُ هذه الرموز ذو طبيعة أسطورية قديمة كرموز الحضارتين اليونانية والرومانية التي أشاعها أدباء أوروبا، عبر إبداعاتهم التي انتشرت، ابتداء من عصر التنوير، في معظم آداب الأمم الأخرى، ومثلها، لكن على نحو أقل انتشاراً، رموز الحضارتين العربية والفارسية؛
- وبعض هذه الرموز ذو طبيعة دينية كالرموز المستقاة من الديانات السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، وبدرجة أقل، رموز ديانات أخرى غير سماوية، كالبوذية وما شابهها من ديانات آسيوية أقل انتشاراً وأتباعاً..؛
- وثمة رموز من نوعية ثالثة مختلفة، معظمُها ذو منشأ معاصر مُستقى من التاريخ المعاصر أو القريب لمعظم شعوب العالم..
ولن أزيد، في هذه الدراسة، على هذه الأنواع الثلاثة من الرموز الشائعة، لكيلا أُثقلها بما لا تحتاج إليه رسالتُها..
ب) رموز ذات دلالات بالغة الخصوصية، لكونها غير معروفة خارج الإطار الاجتماعي والثقافي لبيئة أصحابها، إلا نادراً.. وتُبَيِّنُ دراسة رموز السلطاني أنَّها تنتمي إلى هذا النوع..، لأنها مستقاةٌ، في معظمها، من البيئة الثقافية الأمازيغية التي لا يعرف معظمنا إلا القليل عنها، هذا فضلاً عن كون الكثير مما يُشاع عن هذه البيئة مُشوَّهٌ، افتراءً وعمداً، من قبل أعدائها، وهذا جانب آخر لا مجال للتوسع في بحثه هنا..
بالطبع، لا غبار على استخدام الشاعر لرموز بيئته، حتى وإن كانت مجهولة من قبل غالبية قرائه، لكن يُستحسَن أن يُلحِق القصائد التي يُورد فيها هذا النوع من الرموز بهامش يشرح للقارئ معناها اللغوي ودلالاتها الاجتماعية أو التاريخية أو العقيدية وما شابه، لِيَتَمَكَّنَ هذا القارئ من التفاعل مع القصيدة برموزها، والانتقال فكرياً وعاطفياً ووعياً من الدلالات اللغوية المباشرة للرموز المستخدَمة فيها إلى دلالاتها البلاغية والجمالية والمعنوية التي بها وحدها يمكنه أن يَعْبُرَ إلى فضاءات القصيدة التي يريد الشاعر أن يحمل قارئه إليها ليُشاركه حزنه أو فرحه أو فكرته أو حبه أو كرهه أو غير ذلك من مشاعر وأحاسيس وأفكار وقِيَم..

2) اختيار الكلمات الجزلة الموحية بالقوة والصلابة والقسوة أحياناً
مَن يتجوَّل في رياض قصائد السلطاني، لا يحتاج إلى بَذْلِ كبيرِ جهدٍ ليكتشفَ أنَّه يُفضِّل صياغتها بكلمات قُدَّتْ من صخرِ نفسيته التي أرجو ألَّا يُزعجَه وصفي لها بالنفسية الصلبة التي نجح في تحويلها، على صفحات قصائده، إلى مرآة صافية تعكس، وبوضوح مذهل، قسوة البيئة الجبلية التي نَبَتَتْ فيها..
ولأنَّ نفسيتَه وليدةُ هذه البيئة القاسية الصلبة، فقد لا يكون غريباً أن نجدَه يُحبُّ كلَّ ما هو قويّ وقاسٍ.. بل يَتهيَّأُ لي أنَّ نفسيتَه، كما بيئته، تَعدُّ هاتين الصفتين البُعدَين الرئيسين، وربَّما الوحيدين، للجمال؛ ليس في موجودات الطبيعة الجامدة والنباتية فحسب، بل حتى بما تزخر فيه الطبيعة من كائنات حية أيضاً، على رأسها الإنسان..
وربَّما لأنَّ الحجرَ كان رمزَ الصلابة في وعي الإنسان، منذ البَدْءِ وما يزال، اختاره السلطاني رمزاً للتعبير عن قسوة بيئته ونفسيته وصلابتهما معاً.. ولأنَّ نَحْتَ الحجر وتشذيبَه شرطان لاستخدامه في بناء الجمال على أرض الواقع أو في عوالم التخييل الشعري، فقد بدا الشاعر في معظم قصائده أشبه بالنحات الذي ينتقي حجارة كلماته ثم يعكف على تشذيبها وتهيئتها لتُناسِب ما تَخَيَّلَه لها من أمكنة ومواضع في البُنى الصعبة للعوالم التي يتَخَيَّلُها ويَحلُم بتشكيلها وعمارتها على شكل قصائد تمتلئ أبياتُها برغباته وتطلعاته، وتشعُّ متألِّقةً بتموجات عواطفه الرقيقة تارة، وتصرخ ناقلةُ توترات غضبه البادي والمكتوم، تارات أخرى كثيرة..
وبالفعل، فإنَّ قارئَ قصائد السلطاني لا يحتاج إلى كبير معرفة باللغة حتى يكتشف صلابةَ الكلمات التي يختارُها لبناء قصائده.. وعلى سبيل المثال، تعالوا نتابع كيف بنى قصيدته (بَيْنِي... وَبَيْنِي)، من كلمات مثل: (إزميل/أزاميل، صخرة/صخر، رنين، ضلع، انحتي، انفجار، حَجَّرَ).. ففي هذه القصيدة التي كتبها عام (2010)، يقول السلطاني:
ترن أزاميل حزني ..
أيا صخرة .. الشوق ..
ها .. كل هذا الرنين .. الفراغ ..
اسكبي .. شكل عمري ..
على صخرة الشوق .. حتى ..
أحسّ المكان .. لأحضن ضلعي ..
فيا أيهذي الصديقة .. رني .. ورني
انحتي .. قبلة العمر ..
صوب الشعور.. لعل اتجاهي ..
سيغري الأزاميل .. صوبي ..
أنا.. نحو ذاتي .. وعمري
فيا أيهذي الصديقة .. هيا..
اعزفي .. وتر ..الصخر ..
حتى انفجاري.. وحتى الدموع..
التي حجرتها. المسافات ..
بيني .. وبيني ..

وبعد، لعلي لا أُبالغُ إنْ زعمتُ أنَّ صوتَ رنينِ الأزاميل على الحجارة لا يكاد يُفارق سمع القارئ لهذه القصيدة، من أولها إلى آخرها.. وهو صوت مُوْحٍ، كما يعرف الجميع، بالكثير من الإحساس بالصلابة، يظلُّ يتصاعدُ في القصيدة ومُخيِّلَة المتلقي وأُذنه تدريجاً، حتى يبلغ مداه الأقصى في التعبير عن الصلابة بدعوة الشاعر لصديقته التي أرجو ألَّا تكون رقيقة المشاعر جداً/(ابتسامة)، إلى العزف على وتر من صخر! ومع أنَّ العثورَ على وترٍ كهذا احتمالٌ غير وارد في الواقع، لكنه شديد الإيحاء بقسوة تلك المعزوفة التي لا يكتفي الشاعر بدعوة صديقته إلى عزفها، بل يطالبها بأن تظلَّ تُؤدِّيها حتى انفجار الشاعر نفسه...! ثم إذا به لا يكتفي بهذه النهاية، فيذهب إلى مسافة أبعد في التعبير عن القسوة يريد بلوغَها، وذلك حين يُحوِّلُ رمزاً آخر من أرقِّ الرموز في قاموس الجمال العاطفي للإنسان، وأقصد بهذا الرمز الدموع، إلى حجارة صنَعَتْها المسافات التي بينه وبين ذاته..!
لكن، وعلى الرغم من كلِّ إيحاءات القسوة المُنبعِثَة من الحجارة التي نَحَتَها السلطاني كلماتٍ ذات معاني ودلالات بادية الصلابة، تُفاجئُنا قصائده بأنَّ صلابة الحجارة التي شُيِّدَت منها خارجية فقط، وكذلك قسوة التصاميم التي وَضَعَها لتشييد عالمه الشعري، بكلِّ تشكيلاته المختلفة وصوره، أمَّا من الداخل فالأمر على النقيض..! لأنَّه، على الرغم من رغبته، لم يستطعُ أن يجعلَ حجارةَ كلماته ولا كلماته التي حَجَّرَها، كتيمةً لا تَشِفُّ عما أراد إخفاءه وراءها من عواطف ومشاعر وأحاسيس تمور في داخله، بل بدتْ كلماتُه الحَجَرِيَّةُ المظهر أشبه بحجارة بلورية شفافة لا تُخفي شيئاً ممَّا وراءها..! وربَّما لهذا لا يكاد القارئ يجد صعوبة في ملاحظة تموُّجات عواطف السلطاني ورِقَّتها، على الرغم من صلابة الكلمات التي شَيَّدَ منها سطوره الشعرية التي يقول فيها:
انحتي .. قبلة العمر ..
صوب الشعور.. لعل اتجاهي ..
سيغري الأزاميل .. صوبي ..
أنا.. نحو ذاتي .. وعمري
ولكن من أكثر قصائد السلطاني تعبيراً عن شفافية الصلابة البادية في ظاهرها عن الرقة التي تموج وراءها لطفاً وعذوبة قصيدته (رحيل) التي كتبَها عام 1997، والتي يقول في بعض أبياتها:
حُزَيْرَانُ فِي النَّارِ طَعْمُ الْهَوَى
وَلَكِنَّ عُمْرَ الْهَوَى لَنْ يَطُولْ
رَقَصْتُ عَلَى النَّارِ فِي صَيْفِ حُبِّي
لِيَخْضَرَّ فِي الْغَيْمِ قَبْلَ النُّزُولْ
وَفِي غُرَّةِ الْحُبِّ مِنْ كُلِّ عَامٍ
مَلَأْتُ الْجِرَارَ بِهَمْسِ الْحُقُولْ

في وهمي، أنا على الأقل، وفي ذائقتي الشعرية البسيطة، لم تستطعْ صلابةُ نفسية الشاعر وبيئته، ولا حتى التشكيل الصلد الذي نُظِمَتْ فيه تلك الصلابةُ شعراً، لم تستطعْ أن تحجبَ تلك الشفافية الشعورية العذبة والعواطف الرقيقة التي تدفَّقَت من قلبٍ حسَّاس صوراً تَقطُر لطفاً وجمالاً..
يتبع...

عادل سلطاني 31 / 08 / 2016 12 : 09 PM

رد: عادل سلطاني... الشاعر النحَّات.. (1)
 
قراءة موفقة حاولت الولوج بمكنة ناقدة متبصرة إلى عمق المضمر النصي أستاذنا الناقد محمد توفيق الصواف ..

تحياتي

محمد الصالح الجزائري 01 / 09 / 2016 21 : 03 AM

رد: عادل سلطاني... الشاعر النحَّات.. (1)
 
[align=justify]أنتظر البقية..صدقا وكأنني أكتشف الدكتور لأول مرّة قارئا للشعر وأي شعر!! أن أستمتع بقلم قامتين كبيرتين النّحات الذي يسكنني شعره ، والصواف الذي يسكنني فكره!! شكرا لكما..[/align]

ليلى مرجان 02 / 09 / 2016 29 : 03 AM

رد: عادل سلطاني... الشاعر النحَّات.. (1)
 
واستمتعت أيضا بإبداع الشاعر وقراءة الناقد
لهما مني جزيل الشكر وفائق الاحترام

محمد توفيق الصواف 04 / 09 / 2016 15 : 12 AM

رد: عادل سلطاني... الشاعر النحَّات.. (1)
 
[align=justify]أستاذ عادل، الشاعر المدهش وليس النحات فقط..
سرَّني إعجابكَ بقراءتي لشعرك.. وأرجو أن تُعجبكَ بقيتُها القريبة الظهور بإذن الله..
اعذرني على التأخر في الرد على رأيك بما قرأتَ لي، لأن سببه كان رغبتي في انتظار اكتمال حلقات قراءتي ثم التعليق على آراء من قرأوها وتعليقاتهم..
لكن...!!؟
شكراً لمتابعتك.. وتقبل فائق محبتي وتقديري..[/align]

محمد توفيق الصواف 04 / 09 / 2016 28 : 12 AM

رد: عادل سلطاني... الشاعر النحَّات.. (1)
 
أخي الحبيب محمد الصالح..
صدِّقني أنني أستمتع بإدخال السرور على قلبك أكثر مما تستمعُ انتَ بما تقرأه لي..
وسروري هنا مًضاعَف لأنَّ السلطاني يستأهل، كمبدع، أكثر مما كُتِبَ عنه وعن إبداعه بكثير..
أتمنى أن أُتمَّ ما بدأتُه عنه قريباً..
شكراً لمتابعتي مع الحب والتقدير..

محمد توفيق الصواف 04 / 09 / 2016 29 : 12 AM

رد: عادل سلطاني... الشاعر النحَّات.. (1)
 
شكراً لمرورك اللطيف استاذة ليلى،
وتقبلي مني وافر المحبة والتقدير..


الساعة الآن 46 : 08 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية