![]() |
مازالتْ فيّ طفلة
مازالتْ فيّ طِفلة كنتُ ذات يومٍ صغيرة أبكي لأني لم أعرف أن أمشط شعر لعبتي، كنتُ أبكي إذا ما رأيتُ حلماً مخيفاً، أبكي إذا لم أستطع النّوم، أبكي إذا لم يأتِ دوْري على الأرجوحة، أبكي حينما يصرخ فيّ أحدهم .. حينما كنتُ صغيرة كنتُ أخافُ النّوم على حافة السرير خشية الوقوع، كنتُ أخاف من ظلام الليل، أخاف أنْ ينام الكلّ قبل أن أنام، أخاف أن أتأخر عن المدرسة .. كنتُ أخجل حينما أسقط من سريري، أخجل إذا ما اتسخت ثيابي وأنا آكل، أخجل إذا لم أعرف أن أمشّط شعري، أخجل إذا ما قالت لي أمي لتعالي لأطعمكِ .. عندما كنتُ صغيرة سجلتُ أغاني برامج الكرتون على شريط تسجيل كيْ لا أنساها، وكنتُ أدندن بها في يومي .. ذات يومٍ قالوا لقد كبرت هذه الفتاة الصغيرة .. كبرتُ، ولا أعرف متى كبرت! كبرتُ ومازلتُ أبكي لأني لم أعرفْ أن أنام، أبكي لأني استيقظت فزِعة، أبكي إذا ما علا صوت أحدهم وهو يخاطبني، أبكي إذا لم أعرف ماذا أفعل .. كبرتُ ومازلتُ أستيقظ وأنا على وشك الوقوع من على حافة السرير، وربما وقعت ذات مرة، لم أبكِ ولم أخجلْ، بل ضحكتُ وأخبرتُ القاصي والداني .. كبرتُ ومازلتُ أبقّع ثيابي أثناء الأكل، وربما كثيراً ما أمتنع عن الأكل خارج المنزل لهذا السبب، لكنّي أعشق أنْ تقول لي أمّي دعيني أطعمكِ، وأحبّ أن تمشّطَ هيَ لي شعري .. مازلتُ أتابع برامج الكرتون، وأفلام سندريلا، وفلة والأقزام السبعة، وفتى الأدغال، لا أعرف كم مرة شاهدتها، لكني مازلتُ أشاهدها .. فأنا أحبها ... ومازلتُ أبحث عن شريط التسجيل ذاك لأغاني الرسوم المتحركة، أسمعها الآن عبر الانترنت، لكني أحبّ سماعها عبر المسجّل لأسمع معها التّشويش، وزلّات اللسان أثناء التسجيل... كبرتُ ومازلتُ أُبقي الضوء مشتعلاً إذا ما كنتُ مستيقظة وكلّهم نائمون. فمخاوفي مُذْ كنتُ صغيرة بقيت كما هي، أخشى الظلام، أخشى صوت الأبواب المهتزّة، أخشى أن أتأخر عن الجامعة. ومازلتُ أخشى أن يمدّ أحدهم يده من أسفل السّرير ليمسك كاحلي .. مازالتْ فيّ طفلة لا تغادرني، ولا أذكر يوماً أنّني كبرت ... فهل أنتم كبرتم ؟! ... لا أظنّ ... لأنّنا كلنا فينا طفلٌ لا يغادرنا، أطلقوا العَنان للطفل الذي بداخلكم، ولنعِشْ معاً أطفالاً إلى الأبد ... فاطمة البشر |
رد: مازالتْ فيّ طفلة
[align=justify]خاطرة لطفلة كبير قلمها ، وشيّق أسلوبها..ومازلنا مثلك صغارا وليتنا نبقى!! شكرا لك أديبتنا فاطمة النور على خاطرة عذبة جميلة..[/align]
|
رد: مازالتْ فيّ طفلة
نعم فاطمة ..بل لعلنا مازلنا في أرحام أمهاتنا نتقلب في ذكريات العدم التي ما كان لدينا فيها آلية للتفكير .. وما كان لدينا تلك الجعبة المطاطية ..الهائلة التي تحمل ذلك الكم من الهموم..مازلنا نهفو إلى براءتنا..ونحملها سرا ..ونخجل ..من ظهورها خشية أعين الناس..ذكرتني خاطرتك.. ببعض كلمات كتبتها في هذا الشأن.. وإليك جزء منها.
براءة ما انقى براءة المسنين ..حين يصبحون كالأطفال في التعبير عن فرحتهم ، وعن أحزانهم ، وعما يدور بخلدهم ، وما اوجع تلك اللحظات التي يدسون وجوههم في أكمامهم .. لكي يبكون أطلالهم , وحرمانهم , بسبب ما خلفته الطبيعة على أجسادهم , وملامحهم ، ما تعرب إليهم به بصوت عال إنكم مبعدون ليس لكم مكان فيما بين الحياة ، واللهو ، والضحك ، والحب ، والأمل ، والحجل بساقي السعادة ، والركض على أقدام الأمل ، وكأن لسان الحال يقول إلزموا أماكنكم حتى يأتيكم الرحيل.. ومن ثم فارحلوا بهدوء ، لا تزعجون ورثة الحياة ، وهم يصرخون في صمت لا تنظروا الى ملامحنا.. لا تحكموا علينا من انحناءتنا ، وتجاعيدنا ، مازال بنا قلوب يشيب ظاهرنا ، وهي أبدا لا تشيب ، وأرواح تحلم ، وتحب ، وتنطلق دواخلنا.. أنتم تلقون علينا ثوب الخزي ، والخجل من أعمارنا ، ومظهرنا اليابسي ، والحقيقة أننا أمثالكم.. مازال بنا حياة.. مازال بنا كلمات نريد أن نعبر بها ، أن نرفض ، أن نثور ، أن نحب.. ما زال بنا الصبا مختبئا.. وراء ما أظهرته لكم الطبيعة منا سوف تتأكدون بأنفسكم .. عندما تذهبون لشتاء العمر.. الذي نعيشه.. عندما يرتدي الشباب ثوب الشيب ..عندما يسلب الموت ،والرحيل الأحباب ، والأصحاب ، والاهل من بين الضلوع.. والدم عندما تمتليء الجدران بصور الغائبين ، وأصداءهم وتظل الأذان تتوق.. لسماع طرقات الأبواب ..ورنات الهواتف إذ ربما أحد يتذكر المنسيون على رفوف الحياة ..هم يصرخون ولكن صراخهم بصمت ..ألا نرفع عنهم عناء الصراخ .. ونقدم لهم العرفان ..أن الذي بقلوبنا جميعا ..طفل لا يموت أبدا |
رد: مازالتْ فيّ طفلة
اقتباس:
أفتخر بشهادتك أستاذي الفاضل ... شكراً لمرورك الرائع .. ودي ووردي |
رد: مازالتْ فيّ طفلة
قرأتها وأنا استعرض ذكريات الطفولة
شكراً لك على هذا الفيلم المجاني لقد أشعل نصك ذاكرتي المهترئة من مآسي الزمن الحاضر وضغوطاته أنعشها وأمدها بالحياة فأعادت لي أحلام الطفولة التي تساقطت الواحدة تلو الأخرى، علي جراء هذه الصدمة أن أنقذ ما تبقى منها ....... شكراً لك |
رد: مازالتْ فيّ طفلة
اقتباس:
الطفل يبقى فينا، وهو موجود في الكبير قبل الصغير، وكما قلتِ في خاطرتك، أحياناً يُكبت هذا الطفل بسبب الزمن، رغم أن متتالية أرقام العمر لا تعني شيئاً سوى مزيداً من الطفولة، ومعرفة أكثر عن أهمية كوننا بريئين براءة الأطفال ... ربما ليس علينا أن نصرخ لنقول مازلنا أطفالاً، يكفي أن نتصرف كما يأتي من داخلنا وحسب، .. فهذا الطفل لا ينام أبداً، إلا إذا تم تنويمه قسراً ... أسعدني مرورك كثيراً سيدتي ودي ووردي |
رد: مازالتْ فيّ طفلة
اقتباس:
ربما عليك أن توقظ الطفل بداخلك الذي نوّمته قسراً بسبب الحياة، ربما عليك أن تنسى الحياة قليلاً، وتلهو مع هذا الطفل.. أظن عندها ستعود طفلاً كما كنت .. وعليك أن تبقى ... سررت بتواجدك يا صديقي .. ودي ووردي |
رد: مازالتْ فيّ طفلة
[align=justify]أتصدقين يا ابنتي لو قلتُ لكِ إن الطفل الذي كنتُه يوماً، قبل نحو ستين سنة، مازال ممسكاً بالكثير من رغباتي وعواطفي إلى الآن؟!
قد أخجل أحياناً من تجاوزه لسيطرتي على اندفاعاته المفاجئة، وظهوره واضحاً في بعض تصرفاتي.. في بعض كلماتي..، فأزجره أمام الآخرين غاضباً، لكني سرعان ما أعتذر له عندما أصبح وإياه لوحدنا، ليقيني أنَّه أحد أسرار استمراري قادراً على الإبداع... شكراً لك فاطمة على هذه المرآة التي وضعتِها أمام كلٍّ منا ليبحث عن كينونة طفولته في خبايا أبعادها التي تتشكل، كلّ ثانية، خلقاً آخر.. وقبل أن أغادر زاويتكِ الإبداعية هذه، أراني سعيداً بالتعبير عن إعجابي باختياركِ لموضوعات نصوصك من همومك واهتماماتك التي تجد صداها في اهتمامات الآخرين، وكذلك في التعبير عن إعجابي بأسلوبك الذي يزداد ألقاً نصّاً بعد نص.. تمنياتي لك بدوام القدرة على الإبداع والعطاء.. محبتي وتقديري..[/align] |
رد: مازالتْ فيّ طفلة
اقتباس:
وما أروعك حينما قلت أنك مازلت متمسكاً به إلى الآن ... وإن إعجابك بأسلوبي وشهادتك بجمال ما أكتب هو شرف وفخر لي ... ولا أخفيك أنني "طرتُ" من الفرح حينما رأيت أستاذاً مثلك وبمقامك يُعجب بكلماتي، وتجد كلماتي في نفسه صدىً ... لك الفرح أينما كنت أستاذي الفاضل .. ودي ووردي |
الساعة الآن 37 : 01 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية