![]() |
الوشم
الوشم [align=justify][align=justify]بانت خلف تلة مذعورة متوجسة شره، وبان ضخم القامة، لاهثا ينفخ الريح بقوة من شدق متدل. كان وجهه يشبه الآدميين إلا نصفه؛ كساه شعر ليلي اللون؛ يشاع أن أمه توحمت على تيس؛ الشيء الذي جعله منبوذ قبيلته خاصة نساؤها، ولم ترض أيهن الزواج منه.. فتكدرت حاله.. وأصبح بري الطباع.. ثم فجع بموت أمه حسرة على وفاة شريك حياتها.. فتوسعت دائرة حزنه.. جف نبع الحنين.. توسد غمام القهر.. وبات يتجرع مرارة وحدته.. تقضم قلبه خيبة حظه.. حزينا على خلقته البشعة التي لم يخترها.. وحياته الكئيبة التي أثقلته هما.. ولم ينفعه إرثه المغري؛ مال وافر وأراضي شاسعة في جلب عروس تملأ فراغ بيته.. فشرب القهر ألوانا.. وظل يحلم بحياة هنيئة طبيعية كما هي حال أقرانه.. ولم يتحقق حلمه.. فتوحشت أفعاله.. وقصد قرية عين الظباء النائية.. المشهورة بجمال نسائها.. لخطف من تقع لأول وهلة تحت ناظريه.. يحقق بها أحلامه.. ويبني بها سعادته.. فوقعت عينه عليها.. كانت وحدها دون رفيق.. أميرة أحلامه؛ شمسا تضاهي الشمس بهاء.. وردة أضفت على المكان جمالا وحسنا.. هيجت أنفاسه.. استفرد بها في ظهيرة قائضة.. حيث خرجت إلى جانب الوادي؛ سر سحر القرية.. تغسل صوف الغنم لتصنع منها أمها جلبابا بهيا.. يقي أباها برد الشتاء.لطالما منعتها أمها من مغادرة البيت آنذاك.. تفاديا لضربة الشمس الحارة.. لكنها عنيدة.. حكمت رأيها مطمئنة أمها أن لن يصيبها أي مكروه.. فوقع ما لم يكن في حسبانها.. لما رأته أفزعها شكله.. وهالتها قوته المندفعة صوبها وأحست به عاصفة ستقضي على ربيع شبابها.. فكانت تسرع مختفية وسط سنابل القمح الذهبية؛ التي يشي انحناؤها وحسيسها؛ بإغراء المنجل على الحصاد.. انتصب أعلى التلة متربصا بها.. يدير سهم بصره الحاد حول القرية الهادئة.. لم يجد لها أثرا.. ركز نظره على الحقل البهيج.. قاده رقص السنابل على دقات قلبها المتسارعة.. ورعشات جسدها المتواترة إلى حيث هي.. كانت قاب قوسين من نهاية الحقل وبلوغ الديار.. لم يسعفها صراخها بصوت بح نتيجة الخوف.. ورغم ذلك لم يضعف جهدها في التخلص منه؛ لولا خطاه الطويلة التي بدت قفزا على المسافة الفاصلة بينهما حتى أدرك موقعها.. انقض عليها بهمجية الجاهلية.. أطبق على أنفاسها حتى خارت قواها.. وحمل جسدها النحيل في كيس على ظهره.. يطوي الطريق وسط غياهب غابة على حد البصر بسرعة مدهشة.. كطير كاسر يحمل غنيمة تكفيه عما سواها.. يشبع بها جوعه.. ولم يلتفت قاصدا دياره. مرت الأيام.. توالت الشهور.. طويت السنون ولم يعثر لها على أثر. تلاشت الجهود في البحث عن الغالية الغائبة.. وظن الجميع أنها وقعت فريسة للذئاب.. كفت دموع أقربائها.. وانهمرت مآقي أبويها مشكلا سيلانها خريطة.. مفتاحها حزن ارتسم بكل الألوان على محياهما.. كيف لا والغائبة حاضرة تحت الضلع. ذات ربيع رحل الأب على غير عادته إلى معرض كان يقام بسوق عامة.. تحضره كل القبائل .. ليبيع إبداع زوجته من زرابي وألحفة وأغطية صوفية... لفت نظر ״صابر״ اسم ״عائدة״ منسوجا على مستهل إحدى القطع الفنية المعروضة للبيع.. حرك فضوله للإحاطة بدقائق محتواها.. جحظت عيناه حين تبين تحته رسما لوشم خاص.. تتزين به نساء قبيلته دون غيرها من نساء القبائل الأخرى.. رسم بحرفية متقنة؛ خطا عمودي على ذقن امرأة امتد إلى عنقها تتخلله بعض الرسوم المعقدة.. لا يدرك فحواها إلا ذو صلة وثيقة به.. فرك عينيه.. تفاديا للشك المعطب لليقين.. وتثبيتا لما رأته عيناه أعاد تتبع الرسم الذي أخفت صاحبته معالمه بلون رمادي خافت وسط ألوان زاهية.. انجلت معالم الحزن وارتسمت الدهشة على وجهه.. تابع بنظره الثاقب مسار الخيط الباهت الذي يخترق قنطرة مترهلة الحدود على واد انعكست أشعة الشمس الذهبية على زرقة مياهه فنسجتها المبدعة لآلئ تشع ألوانها زاهية واخضرت الدنيا في عينه.. تابع المسار الرمادي على طريق مستوية في غالبها، تنعرج أحيانا.. لتحاذي هضابا متقنة الرسم والتلوين.. بشكل جعله يتوهم أنها تنطق.. لتدله عند آخر غزرة من المسار؛ على بيت كبير.. تتوسط شرفته غادة مقبوضة الحاجبين.. بيدها باقة سنابل صفراء.. بابه اتخذ شكل فردة ״شربيل״ مطابق لآخر عثر عليه وسط الحقل بعد اختطاف ״عائدة״ يوم حصاد الذهبية.. إنه النعل الجميل الذي اشتراه لفلذة كبده آخر عيد في بيته.. والذي أحبته وحافظت عليه أكثر من كل ملابسها.. هو ذاته اكتمال لما تنطق به التحفة من معنى.. امتزجت فرحة قلبه بدهشة عقله.. فكان الوقع على نفسه المضطربة اشتياقا لقرة عينه.. كالرجع على أرض قاحلة.. انشرحت أسارير وجهه.. وعانق السماء بحضنه.. وصرخ في دواخله بصمت أسرع رجعه دقات قلبه. كادت فرحته تفضحه.. جلس القرفصاء من شدة الدهشة وهو يمسك بتلابيب الزربية والتي أحس لحظة القبض عليها أنها قطعة منه.. أخذ يتمعن من جديد أيقونة الرموز و ما تحمله من دلالات.. وضع عمامته على رسم البيت يدثر صقيع قلب ساكنته.. وهو يتمتم: - لا يمكن أن تكون هذه التحفة الفنية إلا من أنامل هزها الحنين لتمطر إبداعا ذكيا بدافع الخلاص.. لن تتقنه إلا عائدة بنتي المختطفة. تمسك بالقطعة الفنية تمسك الروح بحبل الوريد.. لفها دون استئذان مالكها الذي استغرب فعله.. اقترب منه سائلا: - ما ثمنها؟ شرع التاجر يشرح له قيمتها وجودة صوفها و..و.. قاطعه ״صابر״ بلهفة فاقد الصبر: - بكم تبيعها؟ نفخ التاجر صدره ورفع كتفيه وهو يتبختر جيئة وذهابا حول القطعة الملفوفة أرضا وأردف قائلا: - هذه قطعة أوصى بها عدة زبائن.. ولندرة مثيلاتها احتفظت بها لجلب الطلب عليها.. وضع ״صابر״ منتوج زوجته كله أمام عيني التاجر وأفرغ جيبه مما يملك إلا قليلا ليجلي طمعه.. وقال له: - هل ستبيعها بأكثر من هذا؟ انبهر التاجر بانفعال ״صابر״ وسخائه.. ووعده أن يترك له وحده كل القطع مثيلاتها الموسم القادم. تأبط ״صابر״ إبداع ابنته وانسحب مرددا: - إن حزتها الموسم المقبل قص شاربي.[/align][/align] |
رد: الوشم
[frame="1 98"]
بدت القصّة في حلّة أبهى وأجمل ، بعد المراجعة والتعديل وفق آراء قرّاء المنتدى وعلى رأسهم الدكتور الصواف ، إلا أنّ بعض الأخطاء مازالت تُفقد النّسج العام صفاءه ونقاءه ، فأرجو أن تلاحظي الآتي: [/frame]فتكدر حاله.. (فتكدّرت حاله) فوجع بموت أمه حسرةتغسل صوف الغنم لتصنع منه أمها جلبابا باهيا.. (..فُجِعَ.........لتصنع منها.....جلبابا بهيّا..) بسوق عام..تحضره كلالقبائل .. (بسوق عامة..) لفت نظر ״صابر״اسم ״عائدة״منسوج (.......منسوجا) خطا عموديا على ذقن امرأة امتد إلى عنقها(خط عمودي.....) لآلأ تشع ألوانها زاهية (لآلئ....) هذه قطعة أوصى بها عدة زبناء.. (.....عدة زبائن) |
رد: الوشم
شكرا لك أستاذي الغالي على رصد هنات النص تم التعديل ودمت لنا موجها تقديري واحترامي |
رد: الوشم
أرجو أخي الغالي ان تقوم مشكورا بحذف النسخة الثانية من النص لأني صوبت الأخطاء في النص أول الصفحة |
رد: الوشم
[align=justify]تم الحذف...[/align]
|
رد: الوشم
أهنئك العزيزة ليلى على نصك البهي ..ورغم أن النهاية بقيت مفتوحة على كثير من الاحتمالات فإن ذلك سيزيد القصة تشويقا .
مزيدا من الإبداع الذي أنت أل له . مودتي |
رد: الوشم
مررت من هنا فشدتي القصة إلى غاية النهاية ...
إلى ديتها عام الجاي حسني شواربي . دمت متألقة . |
رد: الوشم
قرأت القصة واستمتعت بنصها ولغتها , أشكرك على هذا الإبداع , تحياتي وأشواقي إليك يا أديبتنا الغالية .
|
رد: الوشم
قصة جميلة أستاذة ليلى...
استمتعت بالقراءة وأنا مشدودة لنهايتها. دمت مبدعة..تحياتي والياسمين. |
رد: الوشم
عدتً إليكم لأقول لكم هنيئاً لنا بأدباء أمثالكم . وصباح الخير وإلى الأمام
|
الساعة الآن 02 : 05 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية