منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   ملف القصة/ د.محمد الفاضل (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=565)
-   -   ملائكة معرة مصرين (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=31159)

محمد الفاضل 28 / 01 / 2017 28 : 09 PM

ملائكة معرة مصرين
 
ملائكة معرة مصرين – محمد الفاضل

لاتملك أمام هذا النهر المتدفق من العطاء والتضحية سوى أن ترفع له القبعة و تعجب به ، بعد أن يأسرك بطيبته ودماثة خلقه ، وجه مشرق ينم عن عزيمة لاتفتر ويشف عن قلب قلما تصادفه في محطات حياتك ، يفيض بالمحبة والشهامة . خلف بريق عينيه تتلألأ دموع تزاحمت ، ترفض أن تنحدر على وجنتيه ، لتبقى تلك الأيقونة مشرقة ، ماثلة في ذهن كل من قابله ، حتى أضحى حديث أهالي معرة مصرين ، تتجسد فيه كل معاني البطولة والفروسية التي باتت حبيسة طيات كتب التاريخ .

يقضي سحابة نهاره وهو يحمل الجرحى بحنو أبوي إلى داخل أروقة المستشفى بصبر وجلد عجيب ! بدت غواية فكرة اختلاس قسط من النوم والراحة مجرد أمنية وترف لن تتحقق في خضم تلك الظروف العصيبة ، بدأ جسده يتهاوى رويدا رويدا تحت وقع ضربات مطرقة التعب ، تسلل الوهن إلى داخله ، وستائر الكرى ما فتئت تنسدل و تداعب جفونه التي جاهدت أن تبقى مشرعة.
شعور غريب تملكه واستحوذ عليه ، لم يفلح في طرد شبح الوساوس يومها ، وماهي سوى لحظات حتى تطايرت إحدى نوافذ المستشفى على إثر غارة جوية ، قرر فيها الطيار إلقاء حمولته لتستقر بالقرب من المستشفى التي يعمل فيها مازن . بدأت الأصوات تتعالى مع وصول أول طفل مصاب ، حمله وهو يتمتم بعاطفة جياشة ، ماذنب هذا الطفل ؟ وضعه فوق السرير بنظرات زائغة ولم يتبين قسمات وجهه ، علق المحلول الوريدي وحقن الإبرة في ساعده الصغير محاولا كبح جماح دموعه .

- أسرع يامازن ! هناك مصاب حالته خطيرة ! أترك كل شيئ ، رنت كلمات الطبيب في أذنيه .
كانت أرجل الطفل مقطوعة والدماء تنزف بغزارة ورأسه مهشم ! لم يدر كيف واتته شجاعة منقطعة النظير فحمله ووضعه بداخل كيس ! مجرد أشلاء آدمية ! وبدأ يتخيل مشاعر والدي الطفل !
وبينما هو متسمر في حالة ذهول ، نما إلى علمه أن أولاده الثلاثة استشهدوا على إثر الغارة الجوية !

نزل عليه الخبر كالصاعقة وهو غير مصدق ، جاهد ليتنفس وأحس بأن روحه قد غادرته إلى غير رجعة ، تبلدت مشاعره وأحس بمشاعر الفقد واليتم ، صور وذكريات أطفاله تحاصره ، تذكر ضحكاتهم التي كانت تملأ أرجاء المنزل فتحيله إلى حديقة غناء ورائحتهم المحببة العالقة في زوايا الغرفة ،وموسيقى وقع خطواتهم التي تنعش القلب !
- ولكن أين أجسادهم ؟ ومتى ، وكيف ؟ بدا خائر القوى ومغيبا عن الوعي وهو يهذي بكلمات مبهمة .
- هل تذكر الطفل الأول والذي حملته بين ذراعيك ثم وضعت له المحلول الوريدي و فارق الحياة ؟ لقد كان هذا ولدك عبدو ! وأشلاء الطفل الذي وضعته في داخل الكيس ، لقد كان هذا ولدك الثاني ! أردف صديقه.
بدأت دموعه تنهمر مثل شلال ، افقده الخبر النطق ولم يعد يقوى على الحركة ، تفجرت في زوايا روحه المحطمة براكين من الشجن والألم ، ثم بدأ ينتحب والدموع قد خضبت لحيته بعيد أن أطلق العنان لمشاعره الحبيسة .
شرع يجر رجليه وقد أثقلته الهموم وجاش صدره بانفعالات غريبة ، محاولا استيعاب ماحدث ، وكلما تذكر المشهد غرق في لجة أحزانه ، قادته قدماه إلى ساحة المستشفى وكاد أن يخطو فوق جثة طفلة مسجاة . تفرس فيها مليا ليكتشف أنها ابنته !



محمد الصالح الجزائري 28 / 01 / 2017 04 : 11 PM

رد: ملائكة معرة مصرين
 
[align=justify]مرور أولي للقراءة والاستمتاع..ولي عودة قريبة ، إن شاء الله ، شكرا لك أخي الفاضل على قص يقطر روعة..[/align]

د. رجاء بنحيدا 29 / 01 / 2017 43 : 12 AM

رد: ملائكة معرة مصرين
 


الأديب القاص محمد الفاضل متميز سردك .. بكل تفاصيله وأحداثه الموجعة !!
دمت ودام لك الألق

رشيد الميموني 29 / 01 / 2017 09 : 03 AM

رد: ملائكة معرة مصرين
 
قصة تحمل من المشاعر الأليمة الشيء الكثير .
معاناة النفس البشرية لا تنتهي مع ما يقترفه الانسان من وحشية ..
مودتي وتقديري أخي الفاضل

محمد الفاضل 31 / 01 / 2017 04 : 03 AM

رد: ملائكة معرة مصرين
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الصالح الجزائري (المشاركة 222959)
[align=justify]مرور أولي للقراءة والاستمتاع..ولي عودة قريبة ، إن شاء الله ، شكرا لك أخي الفاضل على قص يقطر روعة..[/align]


شكرا على عبق الحضور أستاذ محمد
لقلبك الياسمين

محمد الفاضل 31 / 01 / 2017 06 : 03 AM

رد: ملائكة معرة مصرين
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. رجاء بنحيدا (المشاركة 222963)


الأديب القاص محمد الفاضل متميز سردك .. بكل تفاصيله وأحداثه الموجعة !!
دمت ودام لك الألق



الدكتورة العزيزة رجاء
اسعدني حضورك سيدتي
مع خالص التقدير

محمد الفاضل 31 / 01 / 2017 07 : 03 AM

رد: ملائكة معرة مصرين
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشيد الميموني (المشاركة 222977)
قصة تحمل من المشاعر الأليمة الشيء الكثير .
معاناة النفس البشرية لا تنتهي مع ما يقترفه الانسان من وحشية ..
مودتي وتقديري أخي الفاضل


جميل مرورك العطر أخي الأستاذ رشيد
محبتي


الساعة الآن 21 : 08 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية