![]() |
ملائكة معرة مصرين
ملائكة معرة مصرين – محمد الفاضل
لاتملك أمام هذا النهر المتدفق من العطاء والتضحية سوى أن ترفع له القبعة و تعجب به ، بعد أن يأسرك بطيبته ودماثة خلقه ، وجه مشرق ينم عن عزيمة لاتفتر ويشف عن قلب قلما تصادفه في محطات حياتك ، يفيض بالمحبة والشهامة . خلف بريق عينيه تتلألأ دموع تزاحمت ، ترفض أن تنحدر على وجنتيه ، لتبقى تلك الأيقونة مشرقة ، ماثلة في ذهن كل من قابله ، حتى أضحى حديث أهالي معرة مصرين ، تتجسد فيه كل معاني البطولة والفروسية التي باتت حبيسة طيات كتب التاريخ . يقضي سحابة نهاره وهو يحمل الجرحى بحنو أبوي إلى داخل أروقة المستشفى بصبر وجلد عجيب ! بدت غواية فكرة اختلاس قسط من النوم والراحة مجرد أمنية وترف لن تتحقق في خضم تلك الظروف العصيبة ، بدأ جسده يتهاوى رويدا رويدا تحت وقع ضربات مطرقة التعب ، تسلل الوهن إلى داخله ، وستائر الكرى ما فتئت تنسدل و تداعب جفونه التي جاهدت أن تبقى مشرعة. شعور غريب تملكه واستحوذ عليه ، لم يفلح في طرد شبح الوساوس يومها ، وماهي سوى لحظات حتى تطايرت إحدى نوافذ المستشفى على إثر غارة جوية ، قرر فيها الطيار إلقاء حمولته لتستقر بالقرب من المستشفى التي يعمل فيها مازن . بدأت الأصوات تتعالى مع وصول أول طفل مصاب ، حمله وهو يتمتم بعاطفة جياشة ، ماذنب هذا الطفل ؟ وضعه فوق السرير بنظرات زائغة ولم يتبين قسمات وجهه ، علق المحلول الوريدي وحقن الإبرة في ساعده الصغير محاولا كبح جماح دموعه . - أسرع يامازن ! هناك مصاب حالته خطيرة ! أترك كل شيئ ، رنت كلمات الطبيب في أذنيه . كانت أرجل الطفل مقطوعة والدماء تنزف بغزارة ورأسه مهشم ! لم يدر كيف واتته شجاعة منقطعة النظير فحمله ووضعه بداخل كيس ! مجرد أشلاء آدمية ! وبدأ يتخيل مشاعر والدي الطفل ! وبينما هو متسمر في حالة ذهول ، نما إلى علمه أن أولاده الثلاثة استشهدوا على إثر الغارة الجوية ! نزل عليه الخبر كالصاعقة وهو غير مصدق ، جاهد ليتنفس وأحس بأن روحه قد غادرته إلى غير رجعة ، تبلدت مشاعره وأحس بمشاعر الفقد واليتم ، صور وذكريات أطفاله تحاصره ، تذكر ضحكاتهم التي كانت تملأ أرجاء المنزل فتحيله إلى حديقة غناء ورائحتهم المحببة العالقة في زوايا الغرفة ،وموسيقى وقع خطواتهم التي تنعش القلب ! - ولكن أين أجسادهم ؟ ومتى ، وكيف ؟ بدا خائر القوى ومغيبا عن الوعي وهو يهذي بكلمات مبهمة . - هل تذكر الطفل الأول والذي حملته بين ذراعيك ثم وضعت له المحلول الوريدي و فارق الحياة ؟ لقد كان هذا ولدك عبدو ! وأشلاء الطفل الذي وضعته في داخل الكيس ، لقد كان هذا ولدك الثاني ! أردف صديقه. بدأت دموعه تنهمر مثل شلال ، افقده الخبر النطق ولم يعد يقوى على الحركة ، تفجرت في زوايا روحه المحطمة براكين من الشجن والألم ، ثم بدأ ينتحب والدموع قد خضبت لحيته بعيد أن أطلق العنان لمشاعره الحبيسة . شرع يجر رجليه وقد أثقلته الهموم وجاش صدره بانفعالات غريبة ، محاولا استيعاب ماحدث ، وكلما تذكر المشهد غرق في لجة أحزانه ، قادته قدماه إلى ساحة المستشفى وكاد أن يخطو فوق جثة طفلة مسجاة . تفرس فيها مليا ليكتشف أنها ابنته ! |
رد: ملائكة معرة مصرين
[align=justify]مرور أولي للقراءة والاستمتاع..ولي عودة قريبة ، إن شاء الله ، شكرا لك أخي الفاضل على قص يقطر روعة..[/align]
|
رد: ملائكة معرة مصرين
الأديب القاص محمد الفاضل متميز سردك .. بكل تفاصيله وأحداثه الموجعة !! دمت ودام لك الألق |
رد: ملائكة معرة مصرين
قصة تحمل من المشاعر الأليمة الشيء الكثير .
معاناة النفس البشرية لا تنتهي مع ما يقترفه الانسان من وحشية .. مودتي وتقديري أخي الفاضل |
رد: ملائكة معرة مصرين
اقتباس:
شكرا على عبق الحضور أستاذ محمد لقلبك الياسمين |
رد: ملائكة معرة مصرين
اقتباس:
الدكتورة العزيزة رجاء اسعدني حضورك سيدتي مع خالص التقدير |
رد: ملائكة معرة مصرين
اقتباس:
جميل مرورك العطر أخي الأستاذ رشيد محبتي |
الساعة الآن 21 : 08 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية