منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   القصة القصيرة جداً (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=66)
-   -   جولة في ذكريات رجل! (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=33549)

Arouba Shankan 21 / 02 / 2020 17 : 02 AM

جولة في ذكريات رجل!
 
كثيرا ما تهيب من دخول منزل عائلتها الذي مضى على ابتعادها عنه عقوداً مؤلمة، يذكره مثقفو تلك الحقبة من شعراء وأدباء ومثقفين كان مؤلف من طابقين يترك شعوراً بالهيبة لدى من يزوره، على إحدى تفرعات شارع عتيق ضم عبق الياسمين بين شوراعه وفوق أرصفته الفرنسية الطراز.
كان يشبه المتاحف المفعمة بالأصالة، في قاعة أنيقة، ورغم المساحة الضيقة كانت عشرات الكتب مرصوصة في مكتبة أنيقة فيها عبق المتنبي والمعري وغوته وشكسبير، عندما زارها أُعجب كثيراً بذكائها، وأناقتها وأفكارها، كان مُقبلاً على الحياة مثل فارس يمتطي صهوة جواده، لايتعب من ريح المواجهة.
صوفي في عشقه شاعرٌ يقبل على لقاءها كما يقبل على قصيدة في أوج تكوينها، منحها ذات زيارة إهداءً بسيطاً لكُتيب من تأليفه، حلقت كما الفراشة بين قوافيه، تشوق عناقها في أوج قراءتها لكلماته، فهمت بأن عليها الإتزان في قراءة كلماته، وبأن عليها أن تقرأ في منأى عن حضوره، لتتفرغ لصداقته كما تفرغت لمصاحبة نهر القرية، فاستوطنت ضفافه.
كان من الصعب تفسير كيف استوعبت تلك المكتبة الصغيرة مساحة قلبين، اتسعا حباً لتفيض مشاعر الهيام شلالات تترك على خديها جداول ينابيع من جوري وياسيمن دمشقي لم ينافسه على حبها سوى سيجارته التي كان يواظب على إقحامها في جلساته عندما كانت تقترب منه مصافحة عينيه بعبارات وادعة تحفظها من مجموعات الكتب التي كانت تحتفظ بها في مكتبتها الأنيقة الصغيرة.
وزع قلبه بالتساوي مابين حضورها، ومتعة تدخينه سيجارته التي شاركته أحلى لحظات حياته، تركت في قلبه الأثر الكبير ليحتفظ به دواءً له في لحظات غيابها الصعبة، كثيرا ما كان يحدث قلبه عنه، وكثيرا ماكان يشعر بطاقة إيجابية تجعله يشعر ببعض من السرور وتمنحه الاطمئنان.
لم تكن تحدثه كثيراً، لكنها عندما تتكلم تترك في نفسه أثر ساقية تحفر طريقها بهدوء، يتغلغل في كيانه يعشق أفكارها، تلك الطفلة الصغيرة كبرت، ونالت كل ما تشتهيه، صار بطلها ذات قضية، وصارت بطلته التي ستأتي بعد قليل وتعيد لكيانه حرية ترتيب الكلمات كما يشتهي كبرياؤه، وكما تشاء هي كأنثى مفعمة أنوثة.
مر الزمن، وأخطأت عجلات الدهر بالمسير، ذات أمسية خريفية بينما يسترجع وصف كلماته في سيرة عاشقة طرق الموت بابه، حط أوراقه بجانبه توسد ذراعه لتحلق روحه في فضاءات واسعة تنأى عن الدنيا لتدخل عالم البرزخ، أما هي بقي يكبر حلمها بأنه سيعود يوماً ما، فارساً فوق صهوة جواده!

:nic5:

خولة السعيد 21 / 02 / 2020 35 : 03 AM

رد: جولة في ذكريات رجل!
 
قصة جميلة نهايتها كنهايات روايات نجيب محفوظ محزنة
دمت ساردة مميزة

Arouba Shankan 21 / 02 / 2020 17 : 04 PM

رد: جولة في ذكريات رجل!
 
كل الشكر خولة المرور والتعليق والتقييم الذي سرني جدا
بانتظارك على الدوام مع التحية والتقدير
مودتي

عزة عامر 21 / 02 / 2020 34 : 08 PM

رد: جولة في ذكريات رجل!
 
قصة هادئة التفاصيل , بدأت بوقع ناعم ! وانتهت بذات الوقع , لكن الأخير أشبه بالحزن السائل من فوهة الصمت الرفيع .

مبدعة كعادتك .
تحيتي .

خولة السعيد 22 / 02 / 2020 27 : 02 PM

رد: جولة في ذكريات رجل!
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة arouba shankan (المشاركة 242757)
كل الشكر خولة المرور والتعليق والتقييم الذي سرني جدا
بانتظارك على الدوام مع التحية والتقدير
مودتي

تروقني كتاباتك المتميزة... وأسعد بمتابعتها..
باقات ورد لك

رشيد الميموني 23 / 02 / 2020 43 : 12 PM

رد: جولة في ذكريات رجل!
 
ما يميز هذه التحفة الأدبية هو ذاك الحوار المندس بين ثنايا الحروف رغم أن النص يخلو من اي حوار ..
نحس بالبطلين يتحدثان دون انقطاع ونلمس في همسهما الخفي ونظرات أعينهما ذاك العشق الجميل التي منحته عروبة ما يكفيه من البهاء ليزيد رونقا ..
ورغم النهاية المحزنة ,, وهذا ما يطبع معظم كتابات عروبة ، ورغم رائحة الموت التي جعلت الفراق أبديا ، فإن النص يحتفظ بنكهة الحب وطعم العشق المتفشيان بين ردهات المنزل العتيق وبين رفوف الكتب المتراصة .
أحييك عروبة وأشكرك على هذا الإمتاع التي تهدينه إيانا لدى كل قراءة لحرفك الشجي .
محبتي بلا حدود .

Arouba Shankan 24 / 02 / 2020 32 : 06 PM

رد: جولة في ذكريات رجل!
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عزة عامر (المشاركة 242761)
قصة هادئة التفاصيل , بدأت بوقع ناعم ! وانتهت بذات الوقع , لكن الأخير أشبه بالحزن السائل من فوهة الصمت الرفيع .

مبدعة كعادتك .
تحيتي .

كل الشكر لهذه القراءة العميقة لنصي المؤلم الذي جاء نتيجة اصطدام أحزان الأمس بآلام اليوم
مودتي وتقديري

Arouba Shankan 24 / 02 / 2020 35 : 06 PM

رد: جولة في ذكريات رجل!
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشيد الميموني (المشاركة 242793)
ما يميز هذه التحفة الأدبية هو ذاك الحوار المندس بين ثنايا الحروف رغم أن النص يخلو من اي حوار ..
نحس بالبطلين يتحدثان دون انقطاع ونلمس في همسهما الخفي ونظرات أعينهما ذاك العشق الجميل التي منحته عروبة ما يكفيه من البهاء ليزيد رونقا ..
ورغم النهاية المحزنة ,, وهذا ما يطبع معظم كتابات عروبة ، ورغم رائحة الموت التي جعلت الفراق أبديا ، فإن النص يحتفظ بنكهة الحب وطعم العشق المتفشيان بين ردهات المنزل العتيق وبين رفوف الكتب المتراصة .
أحييك عروبة وأشكرك على هذا الإمتاع التي تهدينه إيانا لدى كل قراءة لحرفك الشجي .
محبتي بلا حدود .

الأمس رغم مرارته، ترك لنا صورا توحي بأحلى التعابير التي تخفف من آلام الحاضر، أغلب النصوص التي تنبش الذاكرة تكون مريرة ومحزنة، ونحن نستلهم منها قصصنا ، كل الشكر المرور والتعليق مع مودتي وتقديري.

محمد جوهر 01 / 03 / 2020 01 : 04 AM

رد: جولة في ذكريات رجل!
 
نكبر وتكبر ذكرياتنا داخلنا ؛ تبحث عن منفذ في اتجاه الأماني الممكنة
راائع بوحك

محمد جوهر 01 / 03 / 2020 02 : 04 AM

رد: جولة في ذكريات رجل!
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة arouba shankan (المشاركة 242749)
كثيرا ما تهيب من دخول منزل عائلتها الذي مضى على ابتعادها عنه عقوداً مؤلمة، يذكره مثقفو تلك الحقبة من شعراء وأدباء ومثقفين كان مؤلف من طابقين يترك شعوراً بالهيبة لدى من يزوره، على إحدى تفرعات شارع عتيق ضم عبق الياسمين بين شوراعه وفوق أرصفته الفرنسية الطراز.
كان يشبه المتاحف المفعمة بالأصالة، في قاعة أنيقة، ورغم المساحة الضيقة كانت عشرات الكتب مرصوصة في مكتبة أنيقة فيها عبق المتنبي والمعري وغوته وشكسبير، عندما زارها أُعجب كثيراً بذكائها، وأناقتها وأفكارها، كان مُقبلاً على الحياة مثل فارس يمتطي صهوة جواده، لايتعب من ريح المواجهة.
صوفي في عشقه شاعرٌ يقبل على لقاءها كما يقبل على قصيدة في أوج تكوينها، منحها ذات زيارة إهداءً بسيطاً لكُتيب من تأليفه، حلقت كما الفراشة بين قوافيه، تشوق عناقها في أوج قراءتها لكلماته، فهمت بأن عليها الإتزان في قراءة كلماته، وبأن عليها أن تقرأ في منأى عن حضوره، لتتفرغ لصداقته كما تفرغت لمصاحبة نهر القرية، فاستوطنت ضفافه.
كان من الصعب تفسير كيف استوعبت تلك المكتبة الصغيرة مساحة قلبين، اتسعا حباً لتفيض مشاعر الهيام شلالات تترك على خديها جداول ينابيع من جوري وياسيمن دمشقي لم ينافسه على حبها سوى سيجارته التي كان يواظب على إقحامها في جلساته عندما كانت تقترب منه مصافحة عينيه بعبارات وادعة تحفظها من مجموعات الكتب التي كانت تحتفظ بها في مكتبتها الأنيقة الصغيرة.
وزع قلبه بالتساوي مابين حضورها، ومتعة تدخينه سيجارته التي شاركته أحلى لحظات حياته، تركت في قلبه الأثر الكبير ليحتفظ به دواءً له في لحظات غيابها الصعبة، كثيرا ما كان يحدث قلبه عنه، وكثيرا ماكان يشعر بطاقة إيجابية تجعله يشعر ببعض من السرور وتمنحه الاطمئنان.
لم تكن تحدثه كثيراً، لكنها عندما تتكلم تترك في نفسه أثر ساقية تحفر طريقها بهدوء، يتغلغل في كيانه يعشق أفكارها، تلك الطفلة الصغيرة كبرت، ونالت كل ما تشتهيه، صار بطلها ذات قضية، وصارت بطلته التي ستأتي بعد قليل وتعيد لكيانه حرية ترتيب الكلمات كما يشتهي كبرياؤه، وكما تشاء هي كأنثى مفعمة أنوثة.
مر الزمن، وأخطأت عجلات الدهر بالمسير، ذات أمسية خريفية بينما يسترجع وصف كلماته في سيرة عاشقة طرق الموت بابه، حط أوراقه بجانبه توسد ذراعه لتحلق روحه في فضاءات واسعة تنأى عن الدنيا لتدخل عالم البرزخ، أما هي بقي يكبر حلمها بأنه سيعود يوماً ما، فارساً فوق صهوة جواده!

:nic5:

نكبر وتكبر ذكرياتنا داخلنا ؛ تبحث عن منفذ في اتجاه الأماني الممكنة
راائع بوحك


الساعة الآن 38 : 12 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية