من مقال: دفاع عن فن القول للكاتب المغربي عبد الكريم غلاب
 

سمة هذا العصر التخصص حت أصبح الإنسان مجرد آلة لا تصلح لغير ما وضعت إليه. فالطبيب والمهندس والفلاح والصحفي والتاجر والصانع كل منهم أصبح مختصا في مهنته لا يكاد يتسع أفقه لغير المهنة التي يزاولها.
وفي ميدان الاختصاص أصبح هناك اختصاص داخلي، فأنواع الطب المختلفة لم تعد تسمح للإنسان أن يكون طبيبا عاما، وأنواع الهندسة كذلك، وقس على هذا سائر المهن، وسائر العلوم.
ولكن هذا التخصص يكاد يقضي على الثقافة العامة، ويكاد يقضي على المواهب الموزعة في الشحصية الإنسانية الواحدة وخاصة أن التخصص أصبح تقليدا مشاعا لا يصح الخروج عنه، حتى وصل إلى درجة المرض. وقد يفاجئك أن تقف أمام مهندس عبقري في علمه الهندسي، ولكنه لا يستطيع أن يتحدث إليك في غير هندسته، ولا يستطيع أن يتابع الحياة الثقافية إلا كما يتابعها رجل لا ثقافة له. وكعنى ذلك انحسار أفق الثقافة العامة رغم اتساع أفق المتخصصين أو كثرة عددهم.
وهذا هو الخطر الي يواجه العقل الإنساني لأنه قد يجعل منه عقلا، ولكن غير إنساني، فالحياة ليست مهنة وليست دولابا يدور تلقائيا بحيث يكون الإنسان فيه مسمارا يسد ثغرة أو يربط بين قطعتين، ولكن الحياة أوسع وأجمل وأعمق من أن يلعب فيها الإنسان دور المسمار. والإنسان أسمى عقلا وأرحب أفقا وأوسع نفسا وحسا وقلبا من أن يكون مسمارا يدور في طاحونة لا علم له بغير المجال الذي يدور فيه. ومجال الثقافة واسع غير محدود. وكما لا نريد للأديب أن يغلق على نفسه برج الآداب، والأدب لا يريد ذلك أيضا، لا نريد لغير الأديب كالطبيب والمهندس والفلاح والتاجر والصانع ألا يكون لهم حظ من ثقافة الفنون التعبيرية: فن الكلمة وفن الرسم والنحت والإيقاع. ذلك واجب المثقف، ومن الإخلاص لعقولنا ولإنسانيتنا أن نكون مثقفين لا أن نكون اختصاصيين نمثل دور المسمار في دولاب يدور بغير إرادة..




عن كتاب مدرسي
ما رأيكم كقراء فيم ذكره عبد الكريم غلاب؟