منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=65)
-   -   ليرحمك الله صغيري (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=34005)

خولة السعيد 12 / 09 / 2020 05 : 06 PM

ليرحمك الله صغيري
 
في بيته الهانئ السعيد، كان يجلس أمام شاشة التلفاز يلح على مشاهدة مسلسله الكرتوني المفضل، لكنه مع ذلك لا يهتم به، يفتح صفحته الفايسبوكية، ويظل يتابع آخر الأخبار التي يتشاركها مع أصدقائه، ومن منهم سيختار التعليم الحضوري إن سنحت الفرصة بذلك بعد أن تم الإعلان رسميا على أن بداية الموسم الدراسي بمدينة طنجة ستنطلق عن بعد، على الواتساب يكلم صديقه المقرب معبرا عن شوقه له ورغبته في عناقه واللعب معه، ومشاركته مراجعة الدروس كما عهدا ، ثم يستأذنه بغياب لدقائق ريثما يلبي لأمه طلبها في أن يذهب سريعا إلى صيدلية الحي ليأتيها بدواء يحتاجه أحد أفراد الأسرة.. يقبل يد أمه موافقا ومتوسلا أن تسمح له بأخذ درهمين من باقي النقود ليشتري مثلجا، فتبتسم، وتقول له:
_ حاضر.. لكن اذهب سريعا وإياك أن تتأخر.. فإني أشتاق إليك لا تتأخر يا قلبي..
يعانقها الصغير " عدنان" فرحا، ويعد حبيبته بألا يتأخر
تترقرق عينا الأم بدمعات خفيفة لا تدري مصدرها، يخرج عدنان أمامها، تناديه ثانية لتمد له كمامته التي نسي أن يضعها قبل خروجه، يبتسمان لبعض.. تضمه كأنها تعيده لأحشائها جنينا، فيقبل لها هو الجبين، ويخرج.. يغلق الباب خلفه، فتجد قلبها يزداد خفقانا، عقلها تائه بين أن تكمل أشغالها بالمطبخ، أو تجلس لأنها أحست بقدميها لا يستطيعان حملها، أو تشرب ماء يبرد حرقة ولهيبا تحسهما بداخلهما....!؟؟؟
يتأخر عدنان.. تقنع نفسها بأنه مجرد تأخر، وأنه حتما عائد، لكن الغياب يطول، فيهلع الأب أيضا.. يخرج للسؤال عن ابنه بالصيدلية.. فلا يجد لديهم إجابة سوى أن الابن كان هنا قبل لحظات لكنه غادر والدواء بيديه، تنساب دمعة على خد الأب الشاب رغم صلابته، يخرج من الصيدلية تائها، يعود إلى البيت.. يود دخوله فلا يستطيع أن تراه زوجه بلا الابن يمسك بيديه داخلا معه حتى لو كان باكيا بعد أن ضربه نتيجة تأخره.. يتصل على الهاتف بزوجه التي تكاد تفقد عقلها بالبيت يسألها إن كان عدنان قد سبقه، تجيبه بالنفي، فلا يتمكن من الدخول .. يظل بالشارع وكلما رأى شخصا يمر بجانبه يسأله إن كان قد صادف صغيره.. ويرد المار مستغربا بالنفي، فجأة يلتفت فإذا به يجد زوجه خلفه وهي ترتدي دون انتباه جلبابها مقلوبا تحمل صورة ابنها وتسأل كل من تراه عينها من بشر إن كان قد رأى ابنها .. صارت تعترض السيارات وتوقفها لتتأملها لعلها تجد ابنها في سيارة ما... غربت الشمس وما زال الأبوان يبحثان، تكاد تجن الأم.. لا تعرف أي سبيل تتبع!
والأب يقف متوسلا بأقرب مخفر شرطة أن يسمح له بالدخول ليطلب من كل من هناك أن يبحثوا له عن فلذة كبده.. أن يبحثوا عن قلبه الضائع.. بينما الأم يجرها شعور بأن ابنها قريب من البيت لكنه ليس بالبيت، ابنها هنا... لكنه ليس هنا.. تشم رائحته ولا تجده، فالرائحة تبعث بها الريح الشرقية فيتيه عنها مصدر انبعاثها.. يسمع الأقارب الخبر.. يأتون للمواساة.. يتطوع البعض بنشر صور الطفل في مواقع التواصل الاجتماعي علها تصل لأحد يكون قد لمح عدنان أو حتى طيف عدنان ليقودهم إليه..
بعد يوم من غياب عدنان، تنشر صورة من كاميرا المراقبة الخاصة بالصيدلية يبدو فيها الطفل عدنان متلذذا بالمثلج بيده اليمنى والكمامة قد نزلت أسفل ذقنه ، حتى يستمتع ببرودة وحلاوة ما بيده، وما يثير الانتباه هو صورة شخص معه يرافقه أو لعله كان فقط يتربص له كفريسة يتصيدها..
وتمر أيام وجل المغاربة صارت تتشارك صور عدنان على صفحاتها، وتمر الأيام ولا يخلو بيت مغربي يتحدث عن عدنان، وعن ظاهرة الاختطاف التي انتشرت مؤخرا.. ففي أسبوع واحد لم يكتمل بعد تم اختطاف أكثر من أربعة أطفال بين طنجة ومكناس وقنيطرة وغيرها من المدن..
ماذا يريدون بهؤلاء الأطفال؟.. ألا يكفي العالم ما حل به من وباء؟ ألا يكفي أننا في كل يوم صرنا نسمع كوارث حاصلة؟ الإصابات الناتجة عن الوباء تتزايد.. موتى الوباء في تزايد.. حريق ببيروت.. فيضان بالسودان.. حريق بسوريا.. الكشف عن خلية إرهابية بمدن مغربية .. حريق بالدار البيضاء.. بمصنع في مكناس... يا للهول! ما كل هذه الكوارث؟! وما كفى البشر الألم فبحثوا عن آلام وأوجاع أخرى..! بعض البشر لا يكفيهم دموع العين والقلب يوميا فيطمحون لتقطيع الأوصال وتمزق الأمعاء وتصلب الشرايين...
ليلة أمس أياد كثيرة ارتفعت إلى السماء وقلوب عديدة صاحت يا رب ارحم أم عدنان، يا رب أعد عدنان لأهله..
وتستيقظ كل القلوب ميتة صباح اليوم على خبر إيجاد عدنان.. عدنان وجد لكنه جثة لا حراك بها.. عدنان وجد بعد أن عانقت روحه قلب أمه..
عدنان رحمك الله وألهم والديك الصبر وآنس أهلك
عدنان رحمك الله ورحمنا معك

غالب احمد الغول 13 / 09 / 2020 18 : 12 AM

رد: ليرحمك الله صغيري
 
ما أروعك أستاذة خولة , والله لقد استمتعت بهذه القصة غاية الاستمتاع , وسأعيد قراءتها مراة أخرى لأبحث عن مزيد من الجماليات , تحياتي لك عزيزتي ,

د. رجاء بنحيدا 13 / 09 / 2020 38 : 12 AM

رد: ليرحمك الله صغيري
 
" اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم " 'عن أنس بن مالك '

رحم الله الطفل عدنان بوشوف ، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ..

خولة السعيد 13 / 09 / 2020 16 : 10 AM

رد: ليرحمك الله صغيري
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غالب احمد الغول (المشاركة 251139)
ما أروعك أستاذة خولة , والله لقد استمتعت بهذه القصة غاية الاستمتاع , وسأعيد قراءتها مراة أخرى لأبحث عن مزيد من الجماليات , تحياتي لك عزيزتي ,

يسعدني أستاذي العزيز أنك استمتعت بالقصة، لكن أحب أن تعرف أني سبق ونشرت بعض القصص القصيرة التي لا أدعي تميزها ولكن أراني كنت واعية نوعا ما وأنا أكتبها..
صدقني يا شاعرنا أني أمس رغم نشري لهذه القصة إلا أني كنت في حالة من اللاوعي كحال كل المغاربة تقريبا.. لا أدرك مكامن الصواب والخطإ في القصة.. صحيح هي أحداث متخيلة ولكنها من واقع حاصل.. فقد اختطف الطفل عدنان الإثنين السابق حقا، وقد استيقظ المغاربة أمس على فاجعة إيجاد جثته مقتولا بعد اغتصابه ودفنه خلف بيته دون أن يدرك أحد ذلك بيوم الاختطاف نفسه .. صرنا كأننا نعيش في غابة وحوش لا إنسانية بها..
نرجو لطف الله..
وشكرا من جديد على قراءتك لنصي وتعليقك عليه

خولة السعيد 13 / 09 / 2020 23 : 10 AM

رد: ليرحمك الله صغيري
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. رجاء بنحيدا (المشاركة 251141)
" اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم " 'عن أنس بن مالك '

رحم الله الطفل عدنان بوشوف ، ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ..

فصبر جميل.. أستاذتي الآن يزيد الهلع الآن.. وأقول: كان الله في عون الآباء الآخرين الذين وجدوا أنفسهم أيضا بالأسبوع ذاته يبحثون عن فلذات أكبادهم وهم لا يعلمون إن كان غيابهم ضياعا.. تيها.. أم اختطافا.....!!؟ يتلقوا خبر عدنان كأنه عن أبنائهم الضائعين..
أهذه بلادنا؟ أهذا هو الشعب الذي كان الكل قبل أشهر فقط يفتخر بأنه منتم إليه؟ أكاد أجن مما حصل...
قتل عدنان كان قتلا للطفولة.. للإنسانية.. للبراءة.. للشعب.. للأمان..
نرجو لطف الله ورحمته

غالب احمد الغول 13 / 09 / 2020 01 : 11 AM

رد: ليرحمك الله صغيري
 
شكراً لك أستاذة خولة , لقد عرفتك أديبة منذ اللحظة الأولى التي قرأت فيها قصة من قصصك التي شدتني للقراءة المتكررة , وهذا يسعدني ويسعد القراء , أشد على يدك بهذا الإنجاز والإبداع وإلى الأمام ,

رشيد الميموني 13 / 09 / 2020 18 : 11 AM

رد: ليرحمك الله صغيري
 
فاجعتنا كانت أكبر مما توصف .. صدمة هزت الضمائر والقلوب ، جعلتني أعرض عما نشر على صفحات التواصل الاجتماعي الهائجة .. فيكفيني تأثري بما حصل .. الناس في حالة هيجان ولا يكادون يصدقون _ كما قلت خولة - اننا في بلد يفتخر بعراقته وعاداته وتقاليده الأصيلة من كرم وضيافة وتمسك بالتعاليم الإسلامية .
أتساءل مع نفسي : أأصدق أنني كنت هناك في اليوم الثاني من الاختطاف والقتل ؟ .. قد أكون مررت بتلك الناحية ! لا أدري .
شكرا لتاريخك لهذه النازلة
وإنا لله وإنا إليه راجعون ..
فأما عدنان فأدعو له بالرحمة .. يكفيه أنه عصفور من عصافير الجنة عند رب العالمين ..
وأما أهله فأدعو لهم بالصبر والسلوان .

خولة السعيد 14 / 09 / 2020 26 : 05 AM

رد: ليرحمك الله صغيري
 
عادتي حين أرى حملة ما على الفايسبوك لا أهتم لها كثيرا.. وحتى إن أثارني شيء فيها لا أشاركه على صفحتي.. عدنان أيضا كنت أرى صوره وأخباره كلما فتحت صفحتي إذ جل معارفي ينشرون أيضا آخر أخباره.. كنت أرى ذلك فينقبض قلبي وأدعو أحيانا
إلى أن فوجئت صباح السبت على واقعة هزت كما قلت أستاذ كل من له ذرة من إنسانية وضمير....
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

والشكر على مرورك والتعليق


الساعة الآن 59 : 10 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية