![]() |
نافلة القول في مراتب أهل التصوف
لأهل التصوف أسرارٌ وأحوالٌ وحكايات.. تختلط، في كثير منها الأسطورة، والتقليد، ومحاكاة الأمم الأخرى.. وأكثرها يستمدُّ أخباره من الأقوام التي تغالي في حكايات قصص الأنبياء والصالحين، دون دليل يُطمئن إليه. كما أنَّ لهم منازل ومراتب غيبية، يقولون إن مدادها من عوالم (الفيض) وما وراء المنظور؛ تشمل الكون كله. ولأن لكل سالكٍ إحاطات، ومداركاً، ومشاهدات، وأذواقاً، ومواجيد خاصة أو مشتركة، لا تخضع لقوانين المادة التي تحكمنا، - إنما هي محددة بنواميس دقيقة من عالمها الروحي = كانت مشاهداتهم جميعها على حق فيما حكوا عنها وبلَّغوا بها؛ فكلُّ سالك وَصَف ما رآه في مقامه الذي قد يختلف عن مقام غيره، لكنه لا يعارضه ولا ينافيه في الحقيقة ونفس الأمر. وفي درجات (الأحوال) عندهم خمس مقامات كبرى، أعلاها: 1 (المقام الأكبر)، وهو المقام المحمدي الأقدس، والختم الأعظم. ويُسمَّى أيضاً: بمقام الغوث الأعظم، والفرد الجامع. ويمتاز بأنه لم تسبقه قدمٌ قبله إلى الله تعالى، وهو مقام (الدرجة الرفيعة)، الذي كان ليلة المعراج؛ ولن تلحقه قدم في (المقام المحمود) الذي سيكون يوم القيامة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو مقامٌ على قدم النبي صلى الله عليه وسلم، ومجاله الروحي حول العرش. = وفي مقابل المجالات الروحية العليا لأهل الله مجالات أرضية، فمجال الغوث مع العرش (الكعبة المكرمة). ورتبة (الغوثية) هذه قد تستغرق معها رتبة (الخضرية)، وهي رتبة (الصديقية)، وإن كان بعضهم يفرق بين درجة الصديقية والخضرية؛ لأنهما مندمجتان معاً في طريق الغوثية العظمى. وصاحبها هو (القائم الظاهر المشهود) في سلسلة الممهدين للإمام المهدي الموعود. 2 وتأتي بعده: (المقامات الأربعة)، وهم الأوتاد، أو الأقطاب الأربعة الكبار مع خاصتهم. ومجالها الروحي: الجهات الكونية. يكونون على أقدام كبار الملائكة الأربعة: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وعزرائيل. ويكونون موضوع نظر الله في كل زمان؛ ويمتازون باختصاصهم بدعوتهم للحضرة الإلهية الكبرى، التي تحدث كل سنة بينهم وبين الله عز وجل. وقطب الأقطاب: هو وراث النبي في كل عصر، ومقامه “باطن نبوة سيدنا محمد”. وتقول الصوفية: إن الأقطاب لا يموتون، بل ينتقلون إلى البرزخ، ويتم استبدالهم في الحياة الدنيا بأقطاب ترقية كُلاًّ حسب مكانته؛ وتُقسم لهم أرزاق الخلائق في أقطاب الجهات الأربعة في الأرض، كُلاًّ حسب قطبيته الموكل بها: فهناك قطب الشمال المسؤول عن القبل الشمالية للكعبة المشرفة؛ وقطب الجنوب المسؤول عن القبل الجنوبية للكعبة المشرفة.. وهكذا. وهذه المقامات ثبتت للسادة الخلفاء الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي. فكان كل منهم في حياته الروحية على أكثر خصائص مَلَك من الملائكة الأربعة. وسبقهم إليها أولو العزم الأربعة من الأنبياء: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى عليهم السلام. كما ثبتت هذه المقامات ـ لاحقاً ـ لأئمة المذاهب الأربعة، ثم لغيرهم. وأخطأ من أقصر هذه المقامات الأربعة على أصحاب السادة الأربعة الكبار، وهم: السيد عبد القادر بن موسى الجيلاني (ت: 561 هـ / 1166 م)، والسيد أحمد بن علي الرفاعي (ت: 578 هـ / 1182 م)، والسيد أحمد بن علي البدوي (ت: 675 هـ / 1276 م)، والسيد إبراهيم بن عبد العزيز الدسوقي (ت: 696 هـ / 1296 م). فالصحيح إنَّ أولئك هم أشهر من تولى هذه المقامات، كل في زمنه؛ فهم لم يكونوا في زمن واحد: فالسيد الرفاعي ولد قبل الجيلاني بنحو (48) سنة، وبين وفاتيهما سبعة عشر سنة، فأدركه. والسيد البدوي وُلد بعد الرفاعي بنحو (82) سنة، ووُلد الدسوقي بعد الرفاعي بنحو (139) سنة، وولد بعد البدوي بنحو (57) سنة. أي إن عصر الرفاعي والجيلاني سبق عهد البدوي والدسوقي بنحو قرن تقريباً، وما اجتمع الأربعة في عصر واحد. = وهذه المقامات لا تزال مشغولة بأهلها في كل عصر وفي كل زمن، كلما انتقل منهم إلى الله سيد قام سيد، إمامٌ بعد إمام، على ترتيب خاص، فصَّلت إجماله مدارك أهل الشهود والمكاشفة، في منازل القرب والسير إلى الله. وأكَّدوا أنَّ من أهل القلوب من يعرف أربعة عصره معرفة تامة، كما يعرف بقية أصحاب المقامات المختلفة من أهل الله. مع ملاحظة أنَّ الأقطاب الكبار: الجيلاني، والرفاعي، والبدوي، والدسوقي، ما نَصَّوا على وارث يأتي من بعدهم؛ مع أنَّ الولاية تُورَّث بأنواعها إلى يوم القيامة؛ وإنما النبوة وحدها التي لا تُوَرَّث. 3 ويأتي بعد مقامات الأربعة الأقطاب الأوتاد: (مقام الإمامين)، وهما وزيرا القطب عن يمينه وشماله، يكونان على قدم المَلَكين: مالك، ورضوان، اللذان يمثلان صفتي الجمال والجلال. ومجالهما الروحي يكون طرفي الفرش - والفرش ما دون العرش -. = فيكون مقام (الجمال) على قدم (رضوان الجنة)، والثاني مستغرق في (الجلال) على قدم (مالك النار). ومن هنا صح مقام (الكمال) للغوث الأعظم، جامعاً فيه بين الجمال والجلال لوراثته للقدم المحمدي. ومجال الغوث مع العرش: (الكعبة المكرمة) - كما ذكرنا قبل قليل -؛ ومجال (الإمام الجمالي) مع أحد طرفي الفرش: (بيت المقدس)؛ وكذلك شأن كل رجال الله، لكل منهم مجال سماوي وآخر أرضي. ومقام الإمامين يكون على قدم سيدنا آدم، وإدريس؛ ثم إلياس، والخضر عليهم السلام؛ وعلى قدم السعدان: سيدا الأوس والخزرج: سعد بن معاذ الأوسي (ت: 5 هـ / 627 م)، وسعد بن عبادة الخزرجي (نحو 14 هـ / 635 م)؛ وعلى قدم السعيدان: ابن المسيب (ت: 94 هـ / 713 م)، عالم أهل المدينة، وابن جبير (ت: 95 هـ / 714 م) المقرئ المفسر؛ وعلى قدم الصاحبان الفقيهان تلميذا الإمام أبي حنيفة: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري (ت: 182 هـ / 798 م)، ومحمد بن الحسن الشيباني (ت: 189 هـ / 805 م)؛ وعلى قدم الشيخان المحدثان: البخاري (ت: 256 هـ / 870 م)، ومسلم (ت: 261 هـ / 875 م)؛ ثم من على أقدامهم من الربانيين، مشهورين أو مستورين. أمَّا بقية خواص الصحابة رضي الله عنهم كأهل البيعة، وبقية المبشرين بالجنة، وأهل بدر، وأصحاب مراتب الفقه بالدين من أمثال كُتَّاب الوحي، ورجال الفتوى، والمرشدين الموجهين إلى تعليم القبائل، وأصحاب الميزات الشخصية الخاصة ونحوهم، فكل منهم يكون مقامه على قدم نبي سابق، والنبي بدوره يقوم على قدم مَلَك من كبار ملائكة الله في العالم الأعلى. = فالصحابة كافة هم على أقدام صفوف الملائكة، وراثة عن صالحي الأمم السابقة، يرتبطون معهم بمناسبات روحية وعلائق غيبية، بحكم ارتباط عالم الغيب بعالم الشهادة. 4 النقباء: وهم اثنا عشر صحابياً من الأنصار، كانوا على أقدام الحواريين، الذين كانوا على أقدام الملائكة الموكلين بالبروج الاثنتي عشر. ومجالهم الروحي: البروج السماوية الاثنا عشر. = جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم نقباء على قومهم في بيعة العقبة الثانية التي كانت في ذي الحجة سنة (13 من النبوة / حزيران - يونيو 622م)، فقال لهم: «أخرجوا إليَّ منكم اثني عشر نقيباً يكونون على قومهم بما فيهم»، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيباً، تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، وقال للنقباء: «أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم، وأنا كفيل على قومي» (مسند ابن حنبل ١٥٧٩٨ بإسناد قوي). والنَّقِيب: عَريف القوم، والجمع نُقَباء، وهو الأمين الضامن على القوم بالسمع والطاعة. 5 الأبدال: وهم سبعة، (الواحد منهم بَدَلٌ وبَديل)، وهم الزُّهاد، والعُبَّاد، والأولياء المخلصين للّه، لا تخلو الدنيا منهم؛ يقيم الله بهم الأرض؛ إذا مات واحد أبدل الله مكانه آخر من سائر الناس. ومجالهم الروحي: السبع الطباق. = وقالوا: بل هم سبعون: أربعون بالشام، وثلاثون بغيرها. وقيل لبعضهم: كم الأبدال؟ فقال: أربعون نفساً. فقيل له: لِمَ لمْ تقل أربعون رجلاً !؟ فقال: قد يكون فيهم النساء، ألقابهم: عبد الحي وعبد العليم وعبد القادر وعبد المريد. لكل واحد منهم درجة مخصوصة؛ تنطبق أول درجاتهم على آخر درجات الصالحين، وآخرها على أول درجة القطب؛ كلما مات واحدٌ منهم أبدل الله مكانه أحداً يدانيه ممن تحته، وظهر التبدل في كل من هو أدنى درجة منه؛ فحينئذ يدخل في درجاتهم واحد من الصالحين، وينخرط في سلك الأبدال؛ ولا يزال عددهم كاملاً، حتى إذا جاء أمرُ الساعة قُبضوا جميعاً. ويطلق على الأبدال لقب: أبدال اللُّكام. قال أبو منصور الثعالبي (ت: 429 هـ / 1038 م): أبدال اللُّكام: يضرب بهم المثل في الزُّهد والعبادة ورفض الدُّنيا. وهم الزهّاد والعبّاد الذين وردت في حقهم الآثار بأنّ الله إنّما يرحم العباد ويعفو عنهم وينظر لهم بدعائهم.. ولا يسكنون مكاناً من أرض الله تعالى إلاّ جبل اللّكام (وهو اليوم جبل أمانوس)، وهو من الشام يتصل بحمص ودمشق، ويُسمّى هناك لبنان، ثم يمتد من دمشق، فيتّصل بجبال أنطاكية والمصيصة، ويُسمّى هناك اللُّكام، فهؤلاء الأبدال يضافون مرّة إلى لبنان.. ومرّة إلى اللُّكام. ويُقال: إن تلك البلاد الشاميّة لم تزل على وجه الدهر متعبَّدات الأنبياء والأولياء؛ وهي الآن مواطن الأبدال؛ فيها عيون عذبةٌ وأشجار كثيرة، تشتمل على كل الثمرات، لا سيّما التفّاح اللبناني. وهؤلاء الأبدال يتقوّتون منها ومن السمك، ولا يفترون آناء الليل وأطراف النهار عن ذكر الله وعبادته، ولا عن اسمه والخلوة بمناجاته، إلى أن ينتقلوا إلى جواره (ثمار القلوب في المضاف والمنسوب 1 / 374). وجميع الأبدال يدعون الناس إلى التوحيد والإسلام لله تعالى؛ ويرحم الله بوجودهم العباد والبلاد؛ ويدفع عن الناس بهم البلاء والفساد. ويأتي بعد هذه الطبقات مقامات خاصة: كالنجباء السبعون، وهم أهل الخلوة والميقات. ومجالهم الروحي: الأفلاك والمجرات. والأخيار، وهم أهل المعارج، وعددهم بين الثلاثين والثلاثمائة. ومجالهم الروحي: أقطار الأفق الأعلى. والمفردون، وهم الأولياء المختارون من صالحي الأمة، وعددهم خمسمائة أو ثلاثمائة. ومجالهم الروحي: الأفق الأدنى، وأقطار المدن والقرى. والصالحون، وهم أتقياء الأمة، وهم درجات شتى. ومجالاتهم الروحية متعددة. ولكل صاحب مقام من هذه المقامات خلفاء وعرفاء؛ إذا خلا المقام انتقل إليه الخليفة، ثم ارتفع العريف إلى رتبة الخليفة، واختير من المستوى الثاني من هو أهل للعرافة، وهكذا. أي كلما خلا قدم بموت صاحبه رفع إليه من هو أهله من أحياء المستوى الذي يليه من التابعين فمن بعدهم إلى يوم القيامة؛ جميعهم يكونون على أقدام أهل الغيب من الأنبياء والملائكة كما أسلفنا. فلا تخلو المقامات الخمس الكبرى، ولا المقامات الخاصة بعدها، ولا مقامات الكافة، من قائم عليها إلى يوم القيامة. فيشتهر منهم من يشتهر، ويستتر منهم من يستتر؛ لا المشهور بأفضل من المستور، ولا المستور بأكرم من المشهور. وجميعهم يُدْعَون بـ (السادة أهل الباطن)، والمعروفون أيضاً بـ (أهل الغيب) أو (أهل الديوان)، كبار أصحاب الوظائف الغيبية؛ يجتمعون أرواحاً وهيولى في المعاهد الثلاثة المقدسة: الحرم المكي، والحرم النبوي، وبيت المقدس؛ وقد يجتمعون في أماكن مقدسة أخرى يكشف عنها لأهل القلوب على توقيت وترتيب دقيق. ** ** ** وقد تختلف هذه التسميات، والأعداد، وترتيب المستويات، عند فرق المتصوفة؛ لكن كلها صحيح في ذاته، لأنه راجع إلى اختلاف نسب المقامات والإفاضات، ومستوى الناظر وزاوية المنظور. = ولأن كل مستوى من هذه المستويات محفوف بأرواح كل من سبق أن شغله من أهل الله السابقين، فشاغله من الأحياء يعتبر ممثلًا للأروح التي سبقته إلى هذا المقام؛ فهي تحوطه، ومنها يستمد الكثير من السر والإفاضة. ** ** ** والمتصوفة إنما استمدت هذا الترتيب من حديث (الأبدال)؛ وقال ابن القيم الجوزية (ت: 751 هـ / 1350 م)، في فصل عقده لأحاديث مشهورة باطلة: ومن ذلك أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد، كلها باطلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرب ما فيها حديث "لا تسبوا أهل الشام، فإن فيهم البدلاء، كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلاً آخر" ذكره ابن حنبل، ولا يصح أيضاً، فإنه منقطع (نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول ص 127). وخالفه السخاوي (ت: 902 هـ / 1497 م) فقال: ومما يتقوَّى به هذا الحديث، ويدل عليه، انتشاره بين الأئمة، كقول إمامنا الشافعي رحمه الله في بعضهم: «كنا نعدُّه من الأبدال»، وقول البخاري في غيره: «كانوا لا يشكُّون أنه من الأبدال»، وكذا وصف غيرهما من النقاد والحفاظ والأئمة غير واحد بأنهم من الأبدال (المقاصد الحسنة 9)، كما عقد ابن رجب الحنبلي (ت: 795 هـ / 1393 م) باباً في كتابه (فضائل الشام)، وهو الباب السادس، فيما ورد في أنّ الأبدال بالشام (من ص79-90)، وتابعه السيوطي (ت: 911 هـ / 1505 م)، فقال: خبر الأبدال صحيح، فضلاً عمَّا دون ذلك؛ وإن شئت قلت متواتر. وقد أفردته بتأليف استوعبت فيه طرق الأحاديث الواردة في ذلك. ثم قال بعد أن ذكر طرق الحديث: ومثل ذلك بالغ حد التواتر المعنوي لا محالة، بحيث يقطع بصحة وجود الأبدال ضرورة (النكت البديعات على الموضوعات ص 280 حديث 255). ونقول إنَّ الجزم بالصواب في ذلك هو قول من قال بتضعيف الحديث؛ وأمَّا قول الشافعي في شيخه يحيى بن سُليم الطائفي: «كنا نعدُّه من الأبدال»، وقول البخاري في فروة بن مجاهد اللخمي: «كانوا لا يشكُّون أنه من الأبدال» = وبنحوه قول البغوي، في جده أحمد بن منيع، وهو ثقة حافظ: كان جدي من الأبدال (تهذيب التهذيب 1 / 72)؛ وقول الدارمي في زُهرة بن مَعْبَد بن عبد الله القرشي: زعموا إنه كان من الأبدال (سير أعلام النبلاء 6/147)؛ وقول شهاب ابن معمر البلخي: كان حمّاد بن سلمة يُعدُّ من الأبدال (سير أعلام النبلاء 7/447)؛ وقول ابن المبارك: ما بقي في الحجاز أحدٌ من الأبدال إلاَّ الفضيل بن عياض (سير أعلام النبلاء 8/425)؛ وقول الإمام الذهبي في أبي معاوية الأسود: كان من كبار أولياء الله، صحب سفيان الثوري، وإبراهيم ابن أدهم، وغيرهما، وكان يُعدُّ من الأبدال (سير أعلام النبلاء 9/ 78)؛ وقول بشر بن الحارث: كان يُقال إن قاسماً بن يزيد الجَرْمي من الأبدال (سير أعلام النبلاء 9/281)؛ وقول الخطيب البغدادي في إبراهيم بن هانئ النيسابوري: كان أحد الأبدال. وقول أحمد بن حنبل: إن كان ببغداد أحدٌ من الأبدال فأبو إسحاق النيسابوري (سير أعلام النبلاء 13/ 17)؛ وغيرهم كثير جداً تجد تراجمهم في كتب السير وتراجم الرجال= وجميع ذلك محمول على معانٍ محمودة، ومدائح جائزة، فهي بمعناها اللغوي الظاهر القريب: أي إنهم أبدلوا السيئات من أخلاقهم وأعمالهم وعقائدهم بحسنات، فثبت إيمانهم في قلوبهم، ودار عليهم أمرٌ من الدين أو الدنيا، باطناً أو ظاهراً. = وإنما وقع الاشتباه في دلالات هذه الألفاظ من جهة المعهود الذهني، لمعانيها عند المخالفين من أهل الطوائف المبتدعة. وبنحوها قولهم في المديح: فلان كعبة المحتاج لا كعبة الحُجَّاج، ومَشْعَر الكرم لا مشعر الحَرَم، ومِنَى الضيف لا مِنَى الخَيْف، وقِبْلَة الصِّلاتِ لا قِبْلَة الصَّلاة. وهو كثير في الكلام البليغ، دائر على ألسنة الأدباء الأبيناء. كما أن هذه الصفات لا تختص بأربعين، ولا بأقل، ولا بأكثر، ولا تنحصر بأهل بقعة من الأرض. فالإيمان كان بالحجاز وباليمن قبل فتوح الشام، وكانت الشام والعراق دار كفر؛ وفي خلافة سيدنا علي ثبت قوله صلى الله عليه وسلم: "تمرق مارقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق" (صحيح مسلم 1064)، فكان علي وأصحابه أولى بالحق ممن قاتلهم من أهل الشام، مع أنه معلوم أن الذين كانوا مع علي رضي الله عنه من الصحابة مثل عمار بن ياسر، وسهل بن حنيف ونحوهما، كانوا أفضل من الذين كانوا مع معاوية، وإنْ كان سعد بن أبي وقاص ونحوه من القاعدين أفضل ممن كان معهما؛ فكيف يعتقد مع هذا أن الأبدال جميعهم الذين هم أفضل الخلق كانوا في أهل الشام؟! هذا باطل قطعاً، وإن كان قد ورد في الشام وأهله فضائل معروفة فقد جعل الله لكل شىء قدراً. = كذلك قيلهم: إنَّ الأربعين الأبدال فالناس إنما ينصرون ويرزقون بهم؛ فذلك باطل أيضاً؛ فالنصر والرزق إنما يحصل بأسبابٍ من آكدها دعاء المؤمنين، وصلاتهم وإخلاصهم؛ ولا يتقيد ذلك لا بأربعين ولا بأقل ولا بأكثر. قال صلى الله عليه وسلم: وهل تنصرون وترزقون إلاَّ بضعفائكم بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم (صحيح البخاري 2896، 9572)؛ كما قد يكون للرزق والنصر أسبابٌ أخر؛ فالفجار والكفار أيضاً يُرزقون ويُنصرون؛ وقد يُجدب اللهُ الأرضَ على المؤمنين؛ ويُخيفهم من عدوهم، لينيبوا إليه ويتوبوا من ذنوبهم؛ فيجمع لهم بين غفران الذنوب وتفريج الكروب؛ وقد يُملي للكفار، ويُرسل السماءَ عليهم مدراراً، ويمددهم بأموال وبنين، ويستدرجهم من حيث لا يعلمون؛ إمَّا ليأخذهم في الدنيا أخذ عزيز مقتدر، وإمَّا ليضعف عليهم العذاب في الآخرة. إذ ليس كل إنعام كرامة، ولا كل امتحان عقوبة، قال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلَّا﴾ ـ الفجر:17،15ـ. ** ** ** ملاحظة هامة الرواة الموصوفون بالأبدال مائتان وثلاثة وخمسون راوياً. بلغ عددهم في الكتب الستة ستة وستين راوياً، موزعون على جميع درجات الجرح والتعديل، فمنهم صحابي، ومنهم مخضرم، ومنهم ثقاتٌ أثباتٌ متفق على ضبطهم وإتقانهم، ومنهم ثقاتٌ متكلم فيهم، ومنهم موصوفون بالصدق، ومنهم موصوفون بالصدق مع وجود الخطأ والوهم في حديثهم، ومنهم ضعفاء. وأمَّا في غير الكتب الستة فهناك مائة وسبعة وثمانون راوياً وُصفوا بالأبدال، بلغ عدد الثقات منهم تسعة وأربعون راوباً، وبلغ عدد الموصوفين بالصدق خمسة رواة، وعدد الموصوفين بالضعف وما دونها سبعة رواة. أي إن مصطلح الأبدال لا يدل بالضرورة على توثيق الراوي، لكن القاسم المشترك بينهم هو الاجتهاد في العبادة، والورع، وإجابة الدعاء. فهو وصف عدالة لا وصف ضبط. والراوي لا يكون ثقة إلاَّ إذا كان عدلاً ضابطاً، فهؤلاء الأبدال زكوا في عدالتهم، ولم يزكوا في ضبطهم وإتقانهم، ولذلك وُصف به بعض الضعفاء لأنهم كانوا أهل عبادة وصلاح، وكان الضعف في ضبطهم وتثبتهم. ** ** ** وبدراسة متأنية لأسانيد الأبدال، نجد أنه وإن جاء من طرق، لكن جميع طرقه معلولة، وسنبين آفاتها: ● (الطريق الأول): جاء من حديث عبد الله بن مسعود (ت: 32هـ/ 653م)، ولفظه: «إن لله عزَّ وجلَّ في الخلق ثلاثمائة، قلوبهم على قلب آدم عليه السلام؛ ولله تعالى في الخلق أربعون، قلوبهم على قلب موسى عليه السلام؛ ولله تعالى في الخلق سبعة، قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام؛ ولله تعالى في الخلق خمسة، قلوبهم على قلب جبريل عليه السلام؛ ولله تعالى في الخلق ثلاثة، قلوبهم على قلب ميكائيل عليه السلام؛ ولله تعالى في الخلق واحد، قلبه على قلب إسرافيل عليه السلام. فإذا مات الواحد أبدل الله عز وجل مكانه من الثلاثة، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله تعالى مكانه من الخمسة، وإذا مات من الخمسة أبدل الله تعالى مكانه من السبعة، وإذا مات من السبعة أبدل الله تعالى مكانه من الأربعين، وإذا مات من الأربعين أبدل الله تعالى مكانه من الثلاثمائة، وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله تعالى مكانه من العامة. فبهم يحيي ويميت، ويمطر وينبت، ويدفع البلاء»، فقيل لعبد الله بن مسعود: كيف بهم يحيي ويميت ؟ قال: لأنهم يسألون الله عز وجل إكثار الأمم فيكثرون، ويدعون على الجبابرة فيقصمون، ويستسقون فيسقون، ويسألون فتنبت لهم الأرض، ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء (حلية الأولياء 1 / 8، موضوعات ابن الجوزي 3 / 150). قال ابن الجوزي: إسناده مظلم، وكثيرٌ من رجاله مجاهيل ليس فيهم معروف. ● و(الطريق الثاني): جاء من حديث عبادة بن الصامت الأنصاري (ت: 34 هـ / 655 م)، وله طريقان: الطريق الأولى: من طريق عبد الواحد بن قيس، عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأبدال في هذه الأمة ثلاثون، مِثْلُ إبراهيم خليل الرحمن عزَّ وجل، كلما مات رجلٌ أَبْدَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى مكانه رجلاً (مسند ابن حنبل 22138)، قال عبد الله بن أحمد بن حنبل (ت: 290 هـ / 903 م): قال أبي رحمه الله: هذا حديثٌ منكر. وعبد الواحد بن قيس السلمي: تابعي، عالم أهل الشام بالنحو، لكنه لم يدرك عبادة بن الصامت ولم يره، وكان الحسن بن ذكوان يحدّث عنه بعجائب. قال ابن حبان (ت: 354 هـ / 965 م): لا يعتبر بمقاطيعه ولا بمراسيله ولا برواية الضعفاء عنه (ثقات ابن حبان 9 / 49). الطريق الثانية: من طريق عمرو البزار عن عنبسة الخواص، وكلاهما من الرواة المجاهيل (تفسير ابن كثير 1 / 304، تاريخ مدينة دمشق 1 / 298). ● و(الطريق الثالث): جاء من حديث على بن أبي طالب (ت: 40 هـ / 661 م)، وله ثلاثة طرق: الطريق الأول: من طريق شريح بن عبيد الحضرمي الشامي، وهو ثقة لكنه لم يسمع من علي بن أبي طالب. قال: ذُكر أهل الشام عند علي بن أبي طالب، وهو بالعراق، فقالوا: العنهم يا أمير المؤمنين، قال: لا. إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الأبدال يكونون بالشام وهم أربعون رجلاً، كلما ما مات رجل، أبدل الله مكانه رجلاً، يسقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب. أخرجه ابن حنبل في المسند (رقم 899) وفي فضـائل الصحابة (1727)، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (1/289)، والمقدسي في المختارة (2/110/484). وروي موقوفاً على علي بن أبي طالب من وجه أصح، ليس فيه ذكر عددهم ولا أوصافهم. أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (11/ 249)، ونعيم بن حماد في الفتن (1/ 235)، وابن أبي الدنيا في الأولياء (ص 30)، والضياء في المختارة (2ح 485، 486). والضياء لمَّا ذكر الاختلاف في رفعه، ووقفه قال: الموقوف أولى. والطريق الثاني: أخرجه ابن أبي الدنيا في الأولياء (8)، من طريق مجاشع بن عمرو، وهو أحد الكذابين. قال ابن حبان: كان ممن يضع الحديث على الثقات ويروي الموضوعات عن أقوام ثقات، لا يحل ذكره في الكتب إلاَّ على سبيل القدح فيه، ولا الرواية عنه إلاَّ على سبيل الاعتبار للخواص. والطريق الثالث: أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (4/176/3905)، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (1/334) من طريق: الوليد بن مسلم، وزيد بن أبي الزرقاء، عن ابن لهيعة. ووهم فيه ابن لهيعة، فرواه حال اضطرابه واختلاطه، فخالف الثقات الأثبات. فقد رواه الحارث بن يزيد الحضرمي ـ أحد أثبات المصريين ـ عن عبد الله بن زرير عن علي موقوفاً، ولم يرفعه، وليس فيه ذكر عددهم ولا أوصافهم. أخرجه ابن عساكر (1/335). ● و(الطريق الرابع): جاء من حديث أبي هريرة (ت: 59هـ/ 679م)، بإسناد تالف، من طريق عبد الرحمن بن مرزوق الطرسوسي، ولفظه: لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم خليل الرحمن، بهم تغاثون، وبهم ترزقون، وبهم تمطرون (المجروحين لابن حبان 2 / 61، موضوعات ابن الجوزي 3 / 151)، وقال ابن حبان: هذا كذب. عبد الرحمن بن مرزوق بن عوف أبو عوف؛ شيخ كان بطرسوس يضع الحديث، لا يحل ذكره إلاَّ على سبيل القدح فيه. ● و(الطريق الخامس): جاء من حديث عوف بن مالك الأشجعي الغطفاني (ت: 73 هـ / 692 م)، من طريق عمرو بن واقد، قال: لما فتحت مصر سبوا أهل الشام، فأخرج عوف بن مالك رأسه من برنسه، ثم قال: يا أهل مصر، أنا عوف بن مالك لا تسبوا أهل الشام، فإني سمعت رسـول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «فيهم الأبدال، وبهم تنصرون، وبهم ترزقون» (المعجم الكبير للطبراني 18/65/120، تاريخ مدينة دمشق 1/290). وعمرو بن واقد الدمشقي، مولى بنى أمية (ت: 130 هـ / 747 م): هالك تالف، منكر الحديث، ليس بشيء، وكان يكذب. ● و(الطريق السادس): جاء من حديث عبد الله بن عمر (ت: 74 هـ / 693 م)، من طريق سعيد بن أبي زيدون، عن عبد الله بن هارون الصوري، وكلاهما مجهول لا يُعرف (حلية الأولياء 1 / 8، تاريخ مدينة دمشق 1 / 302)، قال ابن الجوزي (ت: 597 هـ / 1201 م): الحديث موضوع، وفيه مجاهيل (موضوعات ابن الجوزي 3 / 151). وقال الذهبي (ت: 748 هـ / 1348 م): عبد الله بن هارون الصوري عن الأوزاعي. لا يعرف. والخبر كذب في أخلاف الأبدال (ميزان الاعتدال 4 / 217)، وأقرَّه الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان 3/369). ● و(الطريق السابع): جاء من حديث أبي سعيد الخدري (ت: 74هـ/ 694م)، بإسناد تالف، من طريق صالح المري عن الحسن (شعب الإيمان للبيهقي 10893). وصالح بن بشير المري القاص: منكر الحديث جداً، يحدث عن قوم ثقات أحاديث مناكير. قـال ابن حنبل: كان صاحب قصص يقص، ليس هو صاحب آثار وحديث، ولا يعرف الحديث. وفيه مخالفة: فقد رواه جماعة عن صالح المري عن الحسن مرسلاً (شعب الإيمان للبيهقي 7 / 439). كما أنَّ فيه انقطاعاً: فالحسن البصري لم يسمع من أبي سعيد الخدري (جامع التحصيل 1 / 163). ● و(الطريق الثامن): جاء من حديث أنس بن مالك (ت: 93 هـ / 712 م): وله أربع طرق: الطريق الأولى: بإسناد مظلم، جاء من طريق العلاء بن زيدل، عن أنس بن مالك، مرفوعاً (الكامل لابن عدي 5/220، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 1/291). والعلاء بن زيدل الثقفي: تالف، يضع الحديث. والطريق الثانية: جاء من طريق محمد بن عبد العزيز الدينوري. قال ابن عدي (ت: 365 هـ / 976 م): هذا الحديث بهذا الإسناد ليس يعرف إلاَّ بابن عبد العزيز الدينوري، وهو من الأحاديث التي أنكرت عليه (الكامل 6/289)، وهو ليس بثقة ولا مأمون، ينفرد عن الثقات بالمقلوبات، ويأتي بالبلايا والطامات، كأنه المتعمد لها. وحديثه رواه جماعة من الضعفاء عن الحسن البصري، واختلفوا عليه، فمرة عـن أنس، وثانية عن أبي سعيد الخدري، وثالثة عن الحسن مرسلاً، ولا يصح منها كبير شئ. والطريق الثالثة: جاء من طريق أبي عمر الغداني، عن أبي سلمة الحراني، عن عطاء، عن أنس قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: الأبدال أربعون رجلاً وأربعون امرأة، كلما مات رجل بدل الله مكانه رجلاً، وكلما ماتت امرأة أبدل الله مكانها امرأة (الموضوعات لابن الجوزي 3/152). وأبو سلمة وأبو عمر: من المجاهيل، لا يعرفان. والطريق الرابعة: وإسناده واه بمرة، جاء من طريق عبد الله بن معقل، بإسناده عن أنس، قال: قال صلى الله عليه وسلم: دعائم أمتي عصائب اليمن، وأربعون رجلاً من الأبدال بالشام. كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، أما إنهم لم يبلغوا ذلك بكثرة صلاةٍ، ولا صيامٍ، ولكن بسخاوة الأنفس، وسلامة الصدور، والنصيحة للمسلمين (تاريخ مدينة دمشق 1 / 292). قال الذهبي (ت: 748 هـ / 1348 م): عبد الله بن معقل بصري عن يزيد الرقاشي. لا يدرى مـن ذا ؟! روى عنه نوح بن قيس فقط (ميزان الاعتدال 4 / 204)، ويزيد بن أبان الرقاشي: ذاهب، متروك الحديث. قال ابن حبان (ت: 354 هـ / 965 م): كان يقلب كلام الحسن فيجعله عن أنس عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو لا يعلم، فلما كثر في روايته ما ليس من حديث أنس وغيره من الثقات بطل الاحتجاج به، فلا تحل الرواية عنه إلاَّ على سبيل التعجب، وكان قاصاً يقص بالبصرة، ويبكي الناس، وكان شعبة يتكلم فيه بالعظائم (المجروحين 3 / 98). ** ** ** كما أنَّ في الباب أحاديث مراسيل، لا تنتهض بمثلها الحجة. ** ** ** فهذه المراتب لم تُعرف في القرون الثلاثة الأولى، ولم يأت ذكرها عن أحد من الصحابة أو التابعين أو أتباع التابعين، باستثناء ذكر الأبدال. ثم جاء أبو بكر محمد بن علي الكتاني (ت: 322 هـ / 933 م) في القرن الرابع فذكر أعداد كل طبقة من طبقات الأولياء وأماكنهم وبعض وظائفهم، فقال: النقباء ثلاث مائة، والنجباء سبعون، والبدلاء أربعون، والأخيار سبعة، والعمد أربعة، والغوث واحد. فمسكن النقباء المغرب، ومسكن النجباء مصر، ومسكن الأبدال الشام، والأخيار سيَّاحون في الأرض، والعمد في زوايا الأرض، ومسكن الغوث مكة، فإذا عرضت حاجة من أمر العامة ابتهل فيها النقباء، ثم النجباء، ثم العمد، فإن أجيبوا وإلاَّ ابتهل الغوث، فلا يتمَّ مسألته حتى تُجاب دعوته (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 3 / 76) |
رد: نافلة القول في مراتب أهل التصوف
منذ زمن كنت قد قرأت في نفس الموضوع وتولعت بتلك الأحوال ، وتمنيت من كل قلبي أن ألتقي في حياتي بمثل هؤلاء ، وربما أكون قد التقيت بامرأة منهم ، لكنها كانت لقاءات عابرة في مسجد ما من مساجد الأرض ، وكل ما كان بيننا ، مشاهدتي لأحوالها في أوقات محددة ، وسرعان ما تنتهي ، ومصافحات عابرة ، لكن الوجود عن قرب ، ذلك هو ما رجوته من الله ، فمصاحبة الصالحين فردوس الأرض !!
شكرا لك أ/ منذر .. موضوع روحاني يجذب تلابيب الروح إلى صدر السماء .. كل التحية والتقدير .. |
رد: نافلة القول في مراتب أهل التصوف
الأستاذة الأديبة عزة عامر: جميعنا يتوق إلى الطمأنينة بقرب مساكب النور، والعيش بهناءات دائم أفراح الملائكة.. لكن همة عزم الاقتراب من تحقيق ذاك التوق المنير، قد يشوبها شيء من شرك خفي، أو تراكم جهالات لا سند صحيح لها، فينزلق بنا الاتجاه، وتغيب بوصلة الحق، فنتوه في مسار بعيد، ونقترب من (شيطان الهوى والغرور وتبرير أخطاء النفس وغفلاتها) دون أن ندري. |
رد: نافلة القول في مراتب أهل التصوف
نعم نتوق الطمأنينة ،بقرب مساكب النور ، فما أعظمه من شعور ومن معنى ، ومهما تلهنا الدنيا ، وتغيب بوصلة الحق عمن يحمل في قلبه بذرة خير ، ويقر في نفسه روح للحق ، يظل في جهاد حتى اليقين ، نسأل الله تعالى أن يخرجنا من الدنيا غير مفتونين .. شكرا لرقي تعليقك د. منذر أبو شعر ..
|
رد: نافلة القول في مراتب أهل التصوف
أصل البذرة من داخلنا.. تنبت، فتكبر، ثم تقوى بأنس الآخرين، وبشباب فتو نشاطهم، فتصير مع الأيام وارف فيء واحة خير، يقصدها المتعبون، وينزل عندها المسافرون، فتطيب الرحلة، ويُنسى التعب.
|
رد: نافلة القول في مراتب أهل التصوف
نعم هو كذلك .. واصل الرواء ، لتينع حدائقك وتصير غناءا ، وتصير حدائقنا ، ودائما نأنس بزهر حروف ماسية المعنى ، جوهرية الصدر !! شكرا لك مرة أخرى ..
|
رد: نافلة القول في مراتب أهل التصوف
الأستاذة الأديبة عزة عامر: اتبعي صوت عالي خفق قلبك.. واغمضي عينيك حتى لا ترى سوى مكامن النور.. فاستمرارك بلذة ألم المتابعة رغم وجعك، ورغبتك في الوصول دون الالتفات إلى القيل والقال، أو إلى ضجيج سخف من حولك.. بداية طريق شاقٍّ أوحد، فيه الخير كل الخير، والاطمئنان كل الاطمئنان، والرضا كل الرضا. وكل المحبة لك، ومعك نكسب عزم مواصلة سير. |
رد: نافلة القول في مراتب أهل التصوف
ربما يكون شاقا ، لكنه يسير لمن خلق له ، واستعذب الولوج في نورانيات الروح ، هو فقط يريد الدليل ، والأثر ، إذا أمكن وتمكن من خطواته ..
شكرا دكتور .. فكلما قرأت كلماتك شعرت بغمرات نورانية لا حدود لها تأخذني لعمق ، وددت يوما أن أبلغه حتى منتهاه |
رد: نافلة القول في مراتب أهل التصوف
ما دمنا نحاول، فهذا هو المكسب الحقيقي الثابت.. ولأنه طريق (الحق)، فهو رحب، يشد بيدين طاهرتين أزرنا، منتظراً قدوم المتعبين.
|
الساعة الآن 34 : 11 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية