منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   القصص (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=229)
-   -   الحرم (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=3587)

طلعت سقيرق 16 / 04 / 2008 16 : 09 PM

الحرم
 
[frame="10 98"]
[align=justify]
رفع ورقة التقويم وقرّبها من عينيه /الجمعة 15 رمضان 1414هـ-25شباط 1994م/ غرقت الورقة بالدم.. أخذت تنقط.. ثم انفتحت بركة حمراء لا نهاية لها.. سجد المصلون في الحرم الإبراهيمي الشريف.. فجأة هبّ الرصاص وحشاً لا يعرف الرحمة.. التفتت مدينة الخليل وحاولت أن تمسح دمعة ونشيج روح.. عندها كان صوت المؤذن شجرة خضراء في القلب والشريان.. قال وهو يقبض على ورقة التقويم: "صلاة الفجر معلقة بسجود هؤلاء الراحلين.. فمن يعيد لهم أمان صلاتهم"؟؟ بحث في شوارع المدينة عن جواب ..غصّت الطرقات بالأقدام الراكضة.. الدم في كل مكان.. الصرخات تطال الجدران والشبابيك والأبواب.. في لحظة النشيج اقترب من المرآة.. حدّق في وجهه.. قال "من يعيد أمان الصلاة لهم"؟؟ رأى في المرآة وجهاً آخر لا يعرفه.. كانت الملامح إشارة استفهام كبيرة.. هوت قبضته على المرآة.. هرب الوجه المسطح واندلق.. ركض في الشوارع.. أخذ يصرخ.. أراد أن يرى وجهه الذي كان.. أن يقبض على جزء من ملامحه.. لكن هيهات..
عدد الشهداء في تزايد.. بركة الدم تفتح فمها وتصرخ.. على حافة السؤال وقف وأخذ ينادي.. كان الناس يركضون.. الشوارع تخلع ثيابها وتحمل الجرحى وتركض.. السيارات تزعق وتنهب الأرض نهباً.. قال: "كيف حدث ما حدث" سقط السؤال جثة على الأرض.. انحنى.. حاول أن يرفعه.. تبخر وانطوى في الهواء.. تركه ومضى.. في الطريق كان يشاهد الأسئلة جثثاً لا تجد أكفانها.. تمنى للمرة الألف أن يستعيد شيئاً من ملامح وجهه.. اقتربت المرآة.. رفع يده ومسح السطح اللامع.. أطلًت العظام من بين أصابعه وانطبعت في المرآة فشعر بالرعب.. نظر في يده.. لم تكن كما كانت من قبل.. حدّق في ملامح وجهه.. أخذت صور الشهداء تتلاحق بسرعة مذهلة.. كل شيء تحوّل إلى صور.. تسقط المرآة وتغوص.. ينهض الشهداء ويدخلون في عينيه.. يغمض الصورة ويحاول أن ينام.. تنفتح عيناه اتساعاً على الدم..
أخذت ورقة التقويم شكل شجرة ذات أغصان كثيرة.. كل غصن يحمل عدّة وجوه.. الوجوه أزهار.. الأزهار تنفتح مطلقة صورة وراء صورة.. الشهداء يسيّجون الشجرة.. اللحاء دم.. الجذور دم.. يمدّ ذراعيه فيمتدان ويمتدان.. يطوق الشجرة.. تنهض الوجوه وتأخذ في الصراخ.. يصيح "من يعيد أمان الصلاة لهم"؟؟ تصرخ الشجرة ذات الوجوه الكثيرة "من يعيد الأمان لهم"؟؟.. يرتفع الصراخ.. خاف أن يحدث بركان ما.. الأصوات تعلو.. الوجوه تطلع من كل مكان.. يداه تمتدان.. الشجرة تكبر.. يتساقط الدم.. عقارب الساعة تأكل القلب.. مدينة الخليل تحمل حجراً وتركض في شوارع الوطن.. في العينين دمعة وجمرة.. لأول مرة يرى المدينة هكذا.. أوراق التقويم نسخة واحدة.. يرفع الورقة الأولى.. الورقة الثانية.. الثالثة.. الرابعة.. ودائماً /15رمضان.. 25شباط/ لا يصدق.. يرفع الأوراق كلها.. لا يجد أي تغيير.. يجمع الأوراق ويحدّق.. تبدأ في الانفتاح على الدم.. تغرق.. وتأخذ في الوميض.. تبدأ الوجوه في الظهور من جديد.. تشكل في البدء صلاة ومئذنة ونداء.. ثم تذهب في الشوارع.. في المدن.. في العالم.. ترفع صوتها.. تصرخ.. تلتفت الدروب المؤدية إلى الأقصى وتئن.. يرفع رأسه ويبحث عن حدود أصابعه.. يصيح: "من يعيد أمان الصلاة لهم"؟؟ تئن الدروب المؤدية إلى هناك وتجمع باقة من دم ترفعها إلى الأعلى.. تصير الباقة نجوماً وحدقات تنظر وتنتظر.. حاول المطر أن يغسل الجرح فتجمد لهول ما رأى وآثر الانسحاب.. ارتفع العلم مخضباً بالدم.. انبثق الصباح ملوناً بالدم.. لفت الخليل وشاحها الأحمر ونادت، فأتت المدن كلها وهي تمسح دمعة بيد، وتحمل حجراً باليد الأخرى.
[/align]
[/frame]

رأفت العزي 12 / 04 / 2012 54 : 01 AM

رد: الحرم
 
خلقنا الله لنحب دون توقف .. دون ملل أو كلل. بل أن دائرة الحبّ تتسع كلما تقدمنا بالعمر
لتشمل كل " الناس " الوطن هنا حب من نوع آخر.. حبّ يطغى على أي حبّ سبقه ونكتشف
باننا على استعداد للتضحية من أجل هذا الحبّ كما كنا على استعداد لنقاتل من أجل حبنا " الأول"
وبين هذا وذاك حكاية عشق لا تنتهي ولا تتوقف .. شعب يعشق أرضه يسترخص من أجله الغالي
وكاتب يعشق وطنه كرّس جل حياته يدافع عنه أو يتغزل .. إنه الحب يا رفاق .

محمد الصالح الجزائري 12 / 04 / 2012 32 : 03 AM

رد: الحرم
 
[gdwl]"صلاة الفجر معلقة بسجود هؤلاء الراحلين.. فمن يعيد لهم أمان صلاتهم"؟؟ [/gdwl]
رحلتَ وبقي الوطن لأنك غرسته في وجداننا فأنتَ مازلتَ بيننا روحا وحرفا مضسئا مشرقا كالشمس تغيب ولكنها لا تموت ولا تزول!!!

علاء زايد فارس 14 / 04 / 2012 35 : 02 AM

رد: الحرم
 
لا زلت أذكر حتى هذا اليوم، ورغم صغر سني وقتها، كيف شعرنا بالغضب ينفجر في كل مكان، كنا وقتها في الشتات
لكن الكارثة هزت قلوبنا كفلسطينيين في كل مكان واجتاحتنا موجة من الغضب الشديد، بعد هذه الكارثة عدنا إلى فلسطين وحدثت انتفاضة النفق وبعدها انتفاضة الأقصى ولا زال الصراع مفتوحاً بيننا وبينهم على المزيد من الانتفاضات كونهم لا يعترفون بحقنا في الحياة على أرضنا!

إن من يقرأ هذه القصة يدرك كم كان تأثيرها على الأستاذ طلعت رحمه الله، لقد اعتبر هذه الجريمة ضمنياً أول مسمار في نعش ما سمي وقتها بمعاهدات السلام وكانت الطريق التي مهدت للانتفاضة، وبالفعل كان الواقع كذلك!


طارق شهاب الدين 16 / 04 / 2012 37 : 01 PM

رد: الحرم
 
رحمك الله رحمة واسعة أيها الأديب العملاق
رحلت عن دنيانا وبقيت كلماتك كتاباتك سقيا للبنات الوطن وجدرانه التي لن تنهدم أبدا
رحلت وبقيت كلماتك نبراسا لمحبيك تمنحهم الأمل في أحلك اللحظات
رحمك الله وجعلك في فردوسه الأعلى

محمد جادالله محمد 10 / 05 / 2012 05 : 10 AM

رد: الحرم
 
من يعيد امان الصلاة لهم....باقة من الدم ترتفع للاعلى...تصير الباقة فى الاعلى نجوما...ارتفع العلم مخضبا بالدم..
..انبثق الصبح ملونا بالدم...لفت الخليل وشاخها الاحمر...ونادت فاتت اليها المدن..وهى تمسح دمعة بيد ...وتحمل حجرا بالاخرى..
تسجيل فنى وثائقى لمزبحة المسجد الابراهيمى بالخليل ..وقف التقويم عند يومها ..وتلون الزمان بلونها..
وتقمص الكاتب كل الشهداء لدرجة انه لم يرى وجهه فى المراة وانما راى وجوه الشهداء...قصة مؤثرة ...
..رحم الله الكاتب

عبدالكريم سمعون 12 / 05 / 2012 32 : 10 AM

رد: الحرم
 
فأتت المدن كلها وهي تمسح دمعة بيد، وتحمل حجراً باليد الأخرى.
\
ما أكبر وطنك الذي يتسع ويتسع ليملأ قلبك ويضيق ليشمل الكون ..
فأي وطن كان ذاك وكم تتوق روحك للفضيلة والجمال ..
ويبقى الوطن هاجسك الأوحد ..
وسيستعيد ملامحه ذات فرح
كم أحبّك أيها الكبير طلعت ..

هيام ضمره 13 / 05 / 2012 47 : 12 AM

رد: الحرم
 
سرد شعري وطني يتخذ الحالة الترميزية لقصة الهجوم على الحرم وقتل المصلين، ومحاكة بجمال وذكاء

وصور تتقافز بخفة تسارع الخطى تجعلك منشداً بقوة مترقبا تطور الحدث

وقدرة قوية ومتمكنة على جعل الخيال والرمزية يخلقان لك واقعاً يصور الحالة الوطنية برمتها

رحمك الله أيها المبدع طلعت سقيرق وإرثك الإبداعي تاج يفاخر به كل فلسطيني وعربي ومسلم ومسيحي

فلتسكن روحك في قرارها في برزخ العبور ولتهدأ حيث هناك لا شيء يغير مزاجها

اللهم اجعل عبدك آمناً في جنانك واغفر له وارحمه


خالد مخلوف 15 / 05 / 2012 14 : 05 PM

رد: الحرم
 
أيها الهرم
من يكتب هذه
الكلمات
يبقى حياً
في النفوس
لايموت
لروحك الطائرة
هناك في فلسطين
تعلن إنتفاضه جديدة
عائدون بإذن الله
ولتكن روحك
منارتنا للدرب

حسن الحاجبي 19 / 05 / 2012 02 : 01 AM

رد: الحرم
 
الصلاة هي أعظم تجليات الحب أيها الأديب الرائع
ما أصفى هذا القلب الذي مايزال يسكب صبيب الحب في كؤوس القارئين
رحمك الله وأسبغ عليك آلاء حبه جزاء حبك يا أمير المحبين


الساعة الآن 00 : 08 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية