![]() |
بائعة الكبريت
[frame="2 98"]
بائعة الكبريت في يومٍ ماطرٍ عاصف ، اكتسى المدينة ظلامٌ دامس ، الرياح تزمجر بشدة ، و أصواتُ صفيحٍ يتكسر ، أوراقَ تتطاير ، و شوارع خالية إلا من قليلٍ من المارة ، ضوءٌ خافت يظهر فجأة يبدو أنها سيارة تحاول التراجع و تخشى التقدم ، غريب فما أمرها ، كأنها أخيراً بدأت تتقدم نحو بابٍ حديدي نُقش عليه اسم السيد " أمجد " صاحب المنزل ، توقفت أمام الباب و خرج منها رجلاً بشعرٍ أبيض و أسود و ملامح شرقية بنكهةٍ جذابة . يعبر الشارع من الضفةِ المقابلة فتاةٌ يلف جسدها النحيف ملابسَ رثة لا تصلح لشتاءٍ قارص ، و لها عينين غائرتين ظهرت عليهما آثار التعب و الإرهاق الشديدين ، تمسك في كفها الصغير علب كبريتٍ بللها المطر ، و بالكفة الأخرى احتضنت جوريةً حمراءَ تمسكها بقوة كأنها مهداة من عزيز ، تقدمت نحو الرجل الوسيم ، نظرت إليه و ابتسمت بادلها بواحدة ، بدأت عينيها تمتلئان بالدموع و كأنها تريدُ أحداً يحتويها و يزيح عنها هماً يكبرها سنيناً ، اقترب منها الرجل قال لها " لا تخافي " فأعادت الابتسام و بصوتٍ مخنوقٍ يتنهد - " علب الكبريت بللها المطر " لم تكمل و أجهشت بالبكاء ، - لا تقلقي سأشتريها منك كلها رفعت رأسها بسرعة و مسحت دموعها - بحق يا سيدي!! - نعم يا ابنتي ، سأشتريها كاملة ، فكم سعرها ؟ - تفضل سيدي أخذَ العلب المبللة و همَّ بدخول المنزل ، اتجهت نحوه مسرعة - سيدي سيدي انتظر التفت للوراء فوجد يدٌ ناعمة تمنحه جورية حمراء ابتسم لها و ودعها آملاً لها ليلة سعيدة . عادت تعبر الشارع المعتم بقدمين متثاقلتين أعياهما التعب ، و سعادة لا يحدها شئ فقد باعت علب الكبريت كلها رغم البلل ، كانت تمضي مبتعدة و السيد أمجد مازال واقفاً يتابعها و لم يبرح المكان حتى توارت عن ناظريه . ليلة لم يستطع النوم فيها و هو يفكر بأمر تلك الفتاة ، يا ترى أين ستقضي ليلتها ؟ ألها بيت يأويها أم غطاؤها السماء و فرشها الأرض ؟ لام نفسه كثيراً لِمَ لَم يدعوها الليلة للمبيت عندهم فالجو جد بارد ، شعر بالذنب تجاه براءتها و ما إن نظر للجوريةِ الحمراء بدأ بالبكاء كطفلٍ مُنع عن صدر أمه ، نظراتها البريئة لم تبرح مخيلته و صدى صوتها يتردد بذاكرته " علب الكبريت بللها المطر ، علب الكبريت بللها المطر ، علب الكبريت بللها الم ... " ضوء برق عمَ المكان صوت رعد يخطف الأنفاس - آآآآآه الصغيرة أصابها مكروه ، رحماكَ ربي الطف بها نهض كالمجنون مسرعاً ، قطع درجات السلم بقفزة واحدة ، أخيراً وصل الباب أخذ يتلفت يمنة و يسرة ، أين ذهبت يا ترى ، بصوتٍ كاد يخترق العوالم كلها نادى - صغيرتي أين أنت ، أيـــــــــــــــــن أنت ِ ؟!! - هاه ... سيدي ... ما بك ؟ التفت ناحية الصوت أين مصدره ، إنه من الأسفل ، نظر بجوار قدميه و إذا بجسدٍ نحيلٍ تكوَّم على نفسه ووجدها قد جمعت ذاتها لتمنحها دفئاً - صغيرتي ما أعادك هنا ، ولِِمَ لَم تطرقي الباب ؟ أين بيتك ؟ من اهلك ؟ وو ... سيلُ من الأسئلة بدأها السيد على الفتاة لتقاطعه بابتسامة تذيب كل عناء - لا تقلق عليّ فأنت اليوم يا سيدي منحتني سعادة لم أشعر بها قبلاً ، لأول مرة أبيع كل ما أملك من علب الكبريت رغم بللها ، فعدت أنتظر خروجك صباحاً لأشكرك و أهديك تلك الجورية الحمراء لتتذكر دوماً فتاة يسعدها و يمنحها أماناً أن تبيع علب الكبريت كلها و لا تحلم بشئ آخر فهي لا تعدو كونها بائعة كبريت وجودها ينتهي باحتراق العود ... [rams]http://www.kuwaityes.com/song/7zen8.ram[/rams] [/frame] |
رد: بائعة الكبريت
قصة مؤثرة وتحمل من المعاني الإنسانية الشيء الكثير .. كم من أجساد عارية إلا من أسمال تفترش الثرى وتلتحف السماء دون أن تجد التفاتة كهذه و قلبا كهذا ..
إيمان .. احييك على ما كتبته .. جعلتني أعيش حقا في تلك الأجواء .. نص وصورة وموسيقى .. أقول لك كما يقول الفرنسيون وهم يبدون إعجابهم الشديد : [align=center] Chapeau [/align] |
رد: بائعة الكبريت
أستاذ رشيد حسن
تواجدك دوماً يشجعني و يعطي النص نكهة خاصة ... شكراً للطفك بالرد تحيتي و مودتي لك ملاحظة / أعتذر عن بعض الأخطاء النحوية بالنص :( |
الساعة الآن 21 : 08 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية