منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   النقد (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=231)
-   -   حسين مهنا والضحك من الأعماق (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=5566)

طلعت سقيرق 10 / 07 / 2008 39 : 10 PM

حسين مهنا والضحك من الأعماق
 
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/10.gif');background-color:firebrick;border:4px ridge darkred;"][CELL="filter:;"][ALIGN=justify]
منذ قراءتي الأولى لبعض قصائد الشاعر الفلسطيني حسين مهنا، وكان ذلك قبل سنوات، استمالتني لغته القريبة من النفس، وعبارته المتواصلة مع الوجدان، إلى جانب تميزه بنقل مشاعره النابضة بوجدان شعبه، مما يجعله قريباً كل القرب من الجماهير العريضة وهمومها.
أشير هنا.. وقبل المضي في قراءة قصيدته، إلى أن حسين مهنا من مواليد فلسطين، وفي قرية البقيعة تحديداً، عام 1945… وكان له أن أنهى دراسته الثانوية في الرامة، ثم حصل على درجة تأهيلية من معهد "أورانيم "بحيفا في تدريس اللغة الإنجليزية.. يعمل في مجال التعليم حيث يقوم بتدريس اللغتين العربية والانكليزية في مدارس قريته . وكان من الشعراء المثابرين على نشر الكثير من القصائد في صحف ومجلات الوطن المحتل، وقد صدرت له عدة دواوين، منها:
"وطني ينزف حباً "عام 1978.. "تمتمات آخر الليل" عام 1988.. "أموت قابضاً حجراً" 1986 وأخيراً: "قابضون على الجمر" 1991 " أنا هو الشاهد" 2001 ومجموعة قصص بعنوان " وطني ردني إلى رباك شهيداً" 1981. حصل على جائزة الزيتونة الخالدة، وهي جائزة دار الأنوار بالاشتراك مع المؤسسة الشعبية للفنون.
والآن ماذا تقول قصيدة الشاعر حسين مهنا ؟؟...
أميل هنا إلى التوقف عند جانبين من جوانب شعره، الأول يلتفت إلى الخاص فيرى الفرح المصادر، والفرح الحقيقي.. والثاني يلتفت إلى العام، وإلى مفهوم المواجهة والتحدي والمقاومة، فيرى إلى ضرورة إشعال الفرح وجعله سلاحاً لا يعرف التراجع أو الانكسار..
في الجانب الأول، تطالعنا قصيدة "من خلل الفرح الجامح" لتقول بالشعور الإنساني الكبير في النظر إلى عذابات الآخرين، وفي النظر إلى عذابات وآلام الشعب العربي الفلسطيني المشرد / اللاجئين . هنا يبرز كم كبير من الحزن والحنين والشوق. حيث:
حين يعانقني طفلي
أرجع طفلاً
أصرخ في فرح الأطفال
أصفـّق
أضحك من أعماق الأعماق
أقفز.. أركض.. ألعب
لكنْ...
من خلل الفرح الجامح
أبصر في عينيّ طفلي
طفلاً آخر من شعبي
يتعذبْ ... "...
كما يلحظ، ينساب الشاعر بتلقائية لا حدّ لها. وطبيعي أن تكون الصورة رائعة في كل معالمها الإنسانية الآسرة. هنا، تتسع خطوة الشاعر في عالم التحليق والانطلاق في فضاء لانهائي من الفرح.و"لكن" يسقط من هذا العالم فجأة، وتنكسر كل الصور لتقع أسيرة ألم جارح مع بروز صورة طفل لاجئ يعيش المعاناة والعذاب.
حسين مهنا مسكون بواقعية الواقع. ومصرّ على قراءة صفحة حياته الحاضرة بكل الوعي والانتباه… من هنا هذه المزاوجة الأولية بين حالتي الفرح والحزن. الحالة تبدأ من هذا العناق، وتندلع المسافة مليئة بالنبض الطفولي. لتلف الوجود كله دون تراخ.. في مثل هذا الوجود قد لا تحضر أية صورة من صور الكآبة أو الحزن في المفهوم العام، لأنه وجود "الفرح" بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى وأبعاد. ولكن في المفهوم الخاص، وفي حالة الجرح المقيم في القلب، تبرز صورة الأهل اللاجئين ضاغطة وشديدة الوقع، لتقول بلامعقولية مثل هذا الفرح الذي يلف كل شيء.
هذه الصورة جزء من تركيبة الشاعر النفسية والشعورية والحياتية، لذلك كان الفرح مصادراً وواقعاً في الأسر. إذ كيف للشاعر أن يفرح وينطلق ويمرح، وجزء منه مسيّج بالعذاب والألم.؟؟..
هنا يبدو الفرح وكأنه "ذنب" أو "خطأ" وما إلى ذلك وكأنّ الشاعر يريد أن يقول: كيف لنا أن نفرح ونعيش حياتنا الطبيعية وجزء من شعبنا يعيش مشرداً، غريباً، بعيداً عن وطنه ودياره..؟؟..
نقرأ ذلك أيضاً في مقطع آخر، حيث:
حين يعانقني النوم
ويسري خدر في جسدي المتعب
أتراخى فوق سريري الدافئ في كسل
أتمطّى.. أتثاءب..
لكنّي
من خلل الدفء الناعم في جسدي
أبصر شيخاً مقروراً من شعبي
في ليل الغربة..
يتقلـّبْ"…
كما قدمت، لا يمكن لصورة الفرح أن تأخذ مساحتها الكلية. هناك دائماً تدخّل حاد يمنع تدفق الألوان بأي شكل من الأشكال. لذلك كان ختام القصيدة:
لست إلهاً كي أجعل من حقل الأشواك ِ
المسمومة أجمل بستانْ
لست مسيحاً كي أمسح آلام البؤساء ِ
بكفّ النسيانْ
لكني أصرخ من قحف الرأس بأني
إنسان.. إنسان.. إنسانْ..
ستظل الغصة في قلبي زاوية مظلمة
ما دامت في هذا الكون جبال شامخة
من مرّ الأحزانْ.."..
إنه السؤال المر الشائك الذي تختصره "كيف" بكل ما تعنيه في هذه الحالة من الغوص في الحياة والوجدان والشعور. ويلحظ تركيز الشاعر حسين مهنا على إبراز صور الحزن بكل تفاصيلها. وكأنه يمسح ويلغي صورة الفرح ويلقيها بعيداً، ولا جدال أن الشاعر ينتقل ليحمل همّ كل إنسان أو مظلوم في كلّ مكان من العالم. وفي إعلانه العريض الواسع، أنه لا يمكن له أن يعيش الفرح ما دام هناك إنسان يتعذب ويتألم.. وفي الاتجاه إلى الفرح الحقيقي، أو الفرح الذي يبزغ من خلال صورة يطرحها الواقع المعيش. نرى إلى الشاعر وهو يغني بطولة الطفل الفلسطيني وهو يتحدى ويصمد أمام الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.. هنا تطلع يده منديل حب يمسح دمعة كل أم فلسطينية ويزرع مكانها وردة فرح وفخر، حيث:
لا تبكي يا أمي
أطفالك في التاسعة
وفي العاشرة رجالْ..
صاروا يا أم رجالاً.. أيّ رجال.."..
إنه الخروج من الحزن إلى الصورة المشرقة المليئة بكلّ معالم الفخر والاعتزاز:
لا تبكي يا أمي
ها أنذا أخرج من مأساتي
مرفوع الرأس قويّ الزندينْ
ها أنذا ألقي كل الأدران العالقة بلحمي
أتنفس ملء الرئتين ْ "..
الشاعر هنا شديد الميل إلى نبض القلب الفلسطيني إن صح التعبير، وفي قصيدته هذه، يبقى هذا الإصرار على التفاؤل بكل امتداداته ومعانيه.. يعرف تماماً أن الحزن كبير، وأن مساحة الجراح لا تحد. ولكنه يطالب الآن بالتحول إلى صورة الفرح الحقيقي والغامر جرّاء هذه النهضة البطولية الرائعة.
طبيعي أن يتوهج هذا الفرح الحقيقي مع انطلاق الانتفاضة الباسلة في الوطن المحتل، لتكون استمرارية في الأمل والتفاؤل والإصرار على الحياة. هنا يطلع الفرح بطولة تتحدى وتقهر الغاصب. ويكتب حسين مهنا "قصيدة بأحرف حجرية" ليضعنا أمام هذا اللون الذي رأيناه من الفرح:
وبقيت وحدك ترتدي فرح النهارْ
وترتدي مرح الفراشات الملونة
الطفولة.. والبطولة َ
ترتدي التاريخ قفازاً
وقبّعةً..
وتأتينا مسيحاً منتظرْ .."..
وطبيعي أن تشتعل القصيدة بكلّ معالم الانطلاق والشموخ وهي ترى إلى هذا التحدي الرائع يرسم أجمل صورة من صور المقاومة. وفي مثل هذا السياق نرى إلى التوحد مع الطبيعة الفلسطينية، ولا نستغرب أن تنهض هذه الطبيعة مباركة معانقة لإنسانها المقاوم:
رفعت مناكبها الجبال وعانقتكَ
تقمصتكَ
خلعتَ صمتكَ وانتعلتَ حذاءك الحجريَّ
ثم مشيتْ "..
ويرى الشاعر إلى صورة العطاء اللانهائية:
فافتحْ صنابير الدماء ِ
قرنفل الشرفات أضجرهُ انتظار العيد
والجوري يقتله الضجرْ
لك ما تشاء
فشدّ هذا الكون من قرنيهِ
أطلع فجرك الورديَّ
من دمك الزكيّ.. وبالحجرْ "..
في مثل هذا الجانب من الفرح بصورتيه، يركز الشاعر على التلاحم والتداخل مع نبض الشعب في كلّ حين. ويرى إلى ضرورة محاربة الظلم والقهر في كلّ مكان وزمان. ويطلق فرحته العارمة مع كل نشيد يتحدى ويصمد ويقاوم الجلاد.
في الجانب الثاني، تبرز صورة الفرح المقاوم، صورة الضحك الذي تحول إلى سلاح يتحدى ويقاوم رغم كلّ شيء.. الشاعر هنا يطالب بالفرح حين يشتد السواد:
افرحْ يا شعبي
واضحكْ من أعماق الأعماقْ
اِضحك رغم سواد المأساة
انتزع الضحكة من فكِّ الأفعى
وعيون السعلاة
أعلم أن حرباً غادرة تنهش في الصدر
ما من شبر أو فتر في جسمك إلا وبه طعنة غدر
لكن..
ما عاد مكان للحزن الدابق في عينيك
أخرج كل الآهات المخزونة في رئتيك
وانفثها لهباً في وجه السارق
فرح الأطفال
وخبز الأطفال
ودنيا الأطفال.."..
الشاعر هنا، وكما أسلفت يحول الضحك إلى "سلاح" في المواجهة. وهو يرى أن مثل هذا الضحك المليء بالسخرية والاستهزاء من جهة، وبالأسى والدموع من جهة أخرى، إنما يعني إسقاط وانتزاع الضحكة من فم العدو الذي لا بدّ أن يقف في شك وحيرة أمام مثل هذا "الضحك" الغريب القادم فجأة وكأنه السكين. ولكن كيف للذبيح أن يضحك..؟؟..
"أعرف تماماً عمق المأساة" يجيب الشاعر. ولكن لماذا لا يكون الضحك دليلاً على تشبثنا بالحياة؟؟.. لماذا لا يكون الفرح دليلاً على عناقنا الدائم مع الأرض والجذور والتاريخ… يقول:
افرح يا شعبي
ما عاد مكان للحزن الآسن في عينيك
هذي الساحات الرحبة ساحاتك "بوزيد"...
فاركب مهرتك الكنعانية
وارقص ما شئت على صدر الوطن الدافئ
ارقص.. أطرب.. غنِّ
فجبال فلسطين العطشى
كرهت موسيقى الجاز المجنونة والغيتار
وتحن إلى زغرودة أمّ علي
وتحن إلى دبكة " محمود" شيخ الدبيكة
والمزمار.."..
وتتبدى الإصرارية على التفاؤل، من خلال قراءة مسيرة الشعب الفلسطيني، كما يقول الشاعر، وعنده أنّ هذا الشعب، استطاع أن يصمد ويستمر ويتحدى من خلال قدرته على تجاوز الجراح، ودون الوقع في شرك البكاء واليأس:
علمك الجرح الغائر كيف تحيل المأساة
حكايا
وبطولات
تحكيها أجيال تتلوها أجيال
علمك الجرح الغائر كيف تحيل الغصة في
حلقك شهداً
وجراحاً في صدرك ورداً
ودموعاً في عينك وعداً
وصراخاً في جوف الليل الحالك موسيقى
وصدى موالْ.."..
يبقى الشاعر حسين مهنا مصرا ً على الأمل والتفاؤل والاتجاه بكلّ عشق نحو الحياة، من خلال عشقه وحبه لشعبه. ويبقى أن الكلمة عنده نتاج فعل ومعايشة وتلاحم مع أرض فلسطين، وثبات في المقاومة والتحدي.. من هنا نميز قصيدته وقدرتها على الانتشار والوصول. ومواكبة النبض الفلسطيني دون أي تراخ أو تقصير.


[/ALIGN]
[/CELL][/TABLE1][/ALIGN]


الساعة الآن 06 : 09 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية