منتديات نور الأدب - مدارس ومؤسسات بحث الآثار في فلسطين

مدارس ومؤسسات بحث الآثار في فلسطين :

بدأت الاستكشافات الأثرية في فلسطين مبكرة بالنسبة إلى غيرها من بلدان الشرق العربي, وذلك لعدة أسباب منها:
1) أن فلسطين هي الأرض المقدسة لدى الديانات السماوية الثلاث: الإسلام, والمسيحية, واليهودية .
2) لأنها نقطة وصل هامة بين القارات الثلاث:آسيا وأوربا وإفريقيا.
فمنذ العهد البيزنطي, وأثناء العصور الوسطي, تملكت الأوربيين رغبة في التعرف على تاريخ فلسطين, وعلى المواقع القديمة التي ورد ذكرها في الكتاب المقدس. ومع تطور وسائل السفر والاستكشاف تطورت وسائل البحث والتحري, فالصورة التي بدأت تتكون منذ العصور الوسطى أخذت تكتمل وتنمو تدريجيا.
تنوعت وتوزعت اهتمامات المكتشفين والرواد الأوائل من مختلف الجنسيات, فمنهم من كان عالما بالتاريخ يصبو إلى معرفة الخلفية التاريخية التي سبقت نشوء الديانات السماوية, ومنهم من كان يحاول ربط التاريخ الأوربي بنظيره التاريخ الشرقي بهدف المقارنة, ومنهم من كان يسعى إلى معرفة الآثار الفلسطينية والمكونات الحضارية للثقافات التي نمت وعاشت في فلسطين, وفريق رابع كان هدفه دينيا محضا وهو إثبات أن ماورد في التوراة من حوادث وأسماء وأماكن وأشخاص كان صحيحا. أما الفريق الخامس وهو الذي استغل الجهود السابقة وجاء متأخرا , وهو أخطرها على الإطلاق , فقوامه العلماء الصهيونيون أو الذين يدورون في فلكهم وكان هدف هؤلاء خدمة الأفكار السياسية الصهيونية بتقديم وثائق علمية مستخلصة من التنقيبات الأثرية – على حد تعبيرهم – لإثبات أن فلسطين هي أرض الميعاد " التي وعد بها الرب الشعب اليهودي للعيش فيها بسلام".
ساهمت كثير من المدارس والمعاهد والجمعيات في دراسة آثار وحضارة وجغرافية فلسطين, وأخذ العلماء من كل دولة يتبارون في ذلك. وهذا تلخيص لأهم تلك الجهود مرتبة حسب الدول:
أ- فرنسا: قام الرواد الفرنسيون بعدة رحلات استكشافية في فلسطين في القرن الثامن عشر , ومن أهمهم فيليسيان دو سولسي , وماركيز دو فوغوي , ودوق لين, و ف. غيران .
بعد ذلك أسس الفرنسيون المدرسة التوراتية في القدس برعاية معهد الدراسات العليا اللاهوتية الذي تأسس في باريس عام 1892. وافتتحت في عام 1920 المدرسة الأثرية الفرنسية بالقدس. وكان من أهم الأعمال الفرنسية في مجال الدراسات الفلسطينية :إصدار المجلة التوراتية في عام 1893 في باريس , ومن أهم كتابها الآباء: لاغرانج, وفنسان, وسافنياك, وآبيل,وباروا. واتجهت الموضوعات التي تناولوها إلى البحث في الآثار والجغرافيا والنصوص القديمة واللغات في فلسطين. وهناك عدة دراسات أخرى صدرت مثل "كنعان" للأب فنسان و"جغرافية فلسطين " للأب آبيل, وهو في جزئين صدرا في باريس في الفترة مابين 1934و 1936 , و"القدس" للأبوين فنسان وآبيل, وصدر في باريس سنة 1912 , و"بيت لحم" (باريس 1914), و "كنيسة عمواس وتاريخها" لفنسان وآبيل ومكاي(باريس 1932). كذلك صدر في سنة 1923 كتاب عن الخليل- حرم الخليل – لسافنياك والأب جوسن .
وقامت المدرسة الأثرية الفرنسية بعدة تنقيبات أثرية في القدس , أجرتها في عين ديوك وبيت جبرين وعمواس. هذا إلى جانب عدة رحلات استكشافية في فلسطين, خاصة في النقب وفي شبه جزيرة سيناء .
وإلى جانب المدرسة الأثرية الفرنسية في القدس ساهمت معاهد دينية فرنسية أخرى في أعمال الكشف والتنقيب في فلسطين , واقتنت كثيرا من الآثار الفلسطينية مثل الآباء الأغوستيين والآباء البيض .
ب - ألمانيا:بالإضافة إلى الرحلات الاستكشافية والدراسات الأخرى التي تمت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر , أسس الألمان عدة معاهد وروابط علمية لدراسة فلسطين , منها:
1) الجمعية الألمانية لدراسة فلسطين: تأسست في لايبزغ عام1877, وأصدرت مجلة , كذلك أصدرت الجمعية مجموعة من المطبوعات أهمها: نشرة إخبارية عن الجمعية ونشاطها الأثري, وخريطة مأدبا, وخريطة لشرقي الأردن .
2) الجمعية الألمانية الشرقية: تأسست عام 1898, وأصدرت مطبوعاتها تحت عنوان : المنشورات العلمية للجمعية الشرقية الألمانية, نشرات إخبارية , حوليات.وقامت بتنقيبات أثرية في لاكيش (تل الدوير ) وأريحا.
3) المعهد الألماني البروتستانتي لآثار الأرض المقدسة بالقدس: أسسه عام1900 البروتستانت الألمان, وأصدر حولية فلسطين منذ عام 1904 .
4) المعهد الشرقي لجمعية غورز- بالقدس: أسسه عام 1908 في القدس الكاثوليك الألمان, وقام بتنقيبات أثرية في رامات الخليل وعين الطابغة(طبرية) .
5) معهد غوستاف – دالمان للأبحاث الفلسطينية .
6) الجمعية الألمانية للدراسات المصرية والشرق أوسطية: شاركت في حفريات بلاطة.
7) جمعية الإنقاذ الألمانية: تأسست بعد الحرب العالمية الأولى, وتركزت أعمالها على دراسة وإنقاذ الآثار الفلسطينية .
8) اللجنة الألمانية – التركية لحماية الآثار الفلسطينية : تأسست أثناء الحرب الأولى من أجل حماية ودراسة المباني القديمة الموجودة في فلسطين .
ج – النمسا: أما النمساويون فقد شاركوا في التنقيبات الأثرية في تعنك وبلاطة وأريحا برعاية الأكاديمية الإمبراطورية في فيينا , ووزارة المعارف النمساوية.
هذا إلى جانب عدة مجلات ودراسات صدرت باللغة الألمانية فيها .
د – الولايات المتحدة الأمريكية :
1) المدرسة الأمريكية للأبحاث الشرقية في القدس: تأسست عام 1900, وأصدرت منذ عام 1919 مجلة كما أصدرت عام 1920 حولية . وقامت هذه المدرسة بعدة تنقيبات أثرية في تل الفول والمالحة وتل النصبة (بالتعاون مع مدرسة المحيط الهادئ الدينية) وتل بيت مرسيم وبيتين وبيت شمس وجرش وبيت صور أو بيت صاوير(قرية النبعة) والحمة على نهر اليرموك وغيرها.
كذلك قامت بحملتين استكشافيتين في سيناء في عامي 1923و1927 وحملة إلى الجنوب من البحر الميت عام 1924, إلى جانب عدد كبير من الرحلات في شرقي الأردن , في عمون ومآب (1932-1934).
2) المعهد الشرقي التابع لجامعة شيكاغو: قام بتنقيبات في مجدو(تل المتسلم) .
3) متحف جامعة بنسلفانيا(فيلادلفيا): قام بتنقيبات في بيسان(تل الحصن) , وأصدر قسم فلسطين في المتحف مجموعة من المطبوعات .
4)مدرسة بتزسبورغ اللاهوتية: في عام 1924 قام الدكتور م.ج.كيل مديرالمدرسة بمشاركة المدرسة الأمريكية للأبحاث الشرقية بالقدس, برحلة استكشافية إلى جنوب البحر الميت, وقد شاركه أولبرايت في تنقيباته في تل بيت مرسيم وبيتين منذ عام 1926 حتى موته عام 1932 .
5) مدرسة المحيط الهادئ الدينية- معهد فلسطين بيركلي- كاليفورنيا : قام و.ف. بيد منذ عام 1926 , وبرعاية هذه المؤسسة, وبالتعاون مع المدرسة الأمريكية للأبحاث الشرقية في القدس, بتنقيبات في تل النصبة. وأهم مطبوعاتها: المجلة ومراسلات معهد فلسطين .
6) كلية هيرفورد: أجرت تنقيبات أثرية في فلسطين ببيت شمس منذ عام 1928 بالتعاون مع المدرسة الأمريكية للأبحاث الشرقية. وقد أودعت نتائج أعمالها وتنقيباتها في الموقع المذكور عدة مجلدات أثرية .
7) جامعة هارفرد: أجرت تنقيبات أثرية في سبسطية ونشرت نتائج أعمالها.
8) المدرسة اللاهوتية بشيكاغو: قامت بتنقيبات في خربة الطبيقة بالتعاون مع المدرسة الأمريكية للأبحاث الشرقية .
9) المدرسة الأمريكية لأبحاث ماقبل التاريخ: قامت باستكشاف ودراسة كهوف ماقبل التاريخ في فلسطين بالتعاون مع المدرسة البريطانية للآثار بالقدس .

إضافة إلى ماسبق أنشئت عام 1870 الجمعية الأمريكية لاستكشاف فلسطين على نمط صندوق استكشاف فلسطين البريطاني, وقد حاولت القيام بمسح طبوغرافي للمنطقة الشرقية لنهر الأردن إتماما للمسح الذي قام به الإنكليز في فلسطين. وكان هدف هذه الجمعية الدفاع عن التوراة, إذ بدأت مخاطبة القراء بالكلمات التالية:"سوف تروق أعمال جمعيتنا لعواطف المسيحيين واليهود وسوف تكون مهمتها إيضاح التوراة والدفاع عنها, لأن النقد الحديث يهاجمها . وتشعر الجمعية بأنها قد تعهدت بخدمة مقدسة من أجل العلم والدين".

هـ - بريطانيا:
1) صندوق استكشاف فلسطين : تأسس في لندن عام 1865 , وبتأسيس هذا الصندوق بدأت الأعمال الاستكشافية المنهجية في فلسطين. وكانت هذه المؤسسة برئاسة رئيس أساقفة يورك. وقد حددت أهدافها بأنها أهداف علمية دينية فحسب, لكن الغاية الاستعمارية كانت من بين غاياتها, إن لم تكن على رأسها. فقد كان من العاملين في المسح الجغرافي والتنقيب الأثري لصالح هذه الصندوق عدد من رجال المخابرات البريطانية الذين سيكون لهم فيما بعد شأن في الاستعمار البريطاني لفلسطين, والتمهيد للاحتلال الصهيوني. ومن هؤلاء كوندر, ولورنس وكتشنر. وقد قام صندوق الاستكشاف بتمويل التنقيبات الأثرية وأعمال الاستكشاف في مناطق كثيرة في فلسطين وشرقي الأردن ولاسيما في النقب ووادي عربة. وأصدر في لندن منذ عام 1869 مجلة فصلية إلى جانب عدد من المطبوعات كانت المؤسسة تعلن عنها في نهاية كل عدد من أعداد مجلتها الفصلية .
2)المدرسة الأثرية البريطانية بالقدس: تأسست في القدس عام 1919/1920 وقامت بإدارة كل من ج.غارستانغ و ج.و.كرووفوت بدور نشيط في استكشاف فلسطين . وقامت بالتنقيبات الأثرية في عسقلان , وتل الخريجة, وتل عمر, وجرش, والطنطورة, وكهوف ماقبل التاريخ بفلسطين, ورهبانية القدس وغيرها. وأصدرت مجلة فصلية .
3) المدرسة البريطانية للآثار في مصر: مقرها القاهرة , ولكنها قامت أثناء إدارة فلندرز بتري بتنقيبات أثرية في تل جمة وتل الفارعة وتل العجول ووادي غزة بجنوب فلسطين .
و – الدانمرك : برعاية المتحف الملكي في كوبنهاغن. قامت بعثة دانمركية بثلاث حملات استكشافية في أعوام 1926و1929و1932 في موقع خربة سيلون الواقعة إلى الشمال من القدس بمسافة 40 كم .
إلى جانب هذه المدارس والهيئات الأجنبية كانت في فلسطين دائرة للآثار الفلسطينية تأسست عام 1920 مع بداية الانتداب البريطاني , وقد قامت هذه الدائرة بمراقبة المواقع القديمة والتنقيبات الأثرية. وأجرت تنقيبات أثرية في وادي المغارة وخربة كرزة, وجبل الكر مل, والنبي روبين, وعتليت, وتل أبو حوام , والقدس , وأصدرت مجلة فصلية كانت تنشر فيها نتائج تنقيبها وأوجه نشاطها .
وتأسس في القدس متحف للآثار , ضمَ الآثار المكتشفة في فلسطين, وأصدر مجلة خاصة به منذ عام 1924 .
كذلك تأسست عام 1920 الجمعية الشرقية الفلسطينية الأكاديمية الدولية التي ساهمت في أعمال البحث الأثري في فلسطين مع الجمعيات والمؤسسات الأخرى, وأصدرت عام 1921 مجلة مختصة بالآثار .
وقامت بعض المعاهد الدينية التابعة للرهبانيات المسيحية بحفريات أثرية , ومن هذه المعاهد المعهد البابوي التوراتي الذي افتتح في عام 1927 , وأجرى حفريات في تليللات الغسول وفي بعض مواقع ماقبل التاريخ. ومنها رعوية الأرض المقدسة التي أجرت تنقيبات في صفورية وجبل الطور وكفر ناحوم .
واليوم , تهتم دائرة التربية والتعليم العالي في منظمة التحرير الفلسطينية ببحث التراث الأثري الفلسطيني , والاشتراك في المؤتمرات الأثرية العلمية العربية والدولية. وقد أنشأت حديثا مركزا للآثار الفلسطينية والتراث الفلسطيني في دمشق. وهي في ذلك كله تسعى للحفاظ على هذا التراث الغني , وإبرازه على وجهه العلمي الصحيح , بعيدا عن محاولات المؤسسات الصهيونية, وبعض المؤسسات الأجنبية طمسه, وتشويهه, واستغلاله لصالح حق مزعوم تدعيه في فلسطين العرب