منتديات نور الأدب

منتديات نور الأدب (https://www.nooreladab.com/index.php)
-   الرواية (https://www.nooreladab.com/forumdisplay.php?f=166)
-   -   رومانسيون في غزة (https://www.nooreladab.com/showthread.php?t=9064)

خيري حمدان 10 / 02 / 2009 46 : 10 AM

رومانسيون في غزة
 
هل من الضروري أن تشرق الشمس كلّ صباح
-2-
أنا محمود الحانوتي، أعلن بكلّ جرأة بأنني أصبت بطلقات نارية مجهولة المصدر، كما أدرك بأني أرقد الآن في سرير الموت في أحدى المستشفيات في غزة. وأريد أن يعلم الجميع بأني أرفض المضي نحو العالم الآخر حتى أعرف هوية من أطلق النار علي.
هل هذا واضح؟
لا أسمع ردّاً على سؤالي، ولكني أرى جميع هذه الأنابيب المطاطية تخترق شرايين جسدي، أنتم مجانين! لا يمكنكم أن تتصوروا حجم فجيعة الجسد عندما يخترقه الرصاص. على أية حال، أتمنى ألا يمرّ أحدٌ بهذه التجربة المؤلمة، وهذا بطبيعة الحال لا يعني بأني على وشك إسلام الروح إلى بارئها، ليس قبل أن أعرف هوية القاتل. لقد أعلنت التمرد على الموت، حتى وإن كانت كلماتي هذه مجرد مذكرات لرجل ميت. ولنبدأها بردود فعل العائلة. حضرت أمي وجلست على حافة السرير طِوال عشرة ساعات متتالية، ولكنها شعرت بالإرهاق والتعب وقررت الذهاب إلى المنزل لنيل قسطٍ من الراحة. كانت طِوال الوقت تمسك بيدي، وكنت أشعر بحاجة ماسة لإراحة باطن يدي المتعرقة، كان الخدر قد وجد الطريق إلى ذراعي، أردت أن أصرخ في وجهها صائحاً، دعي يدي يا أمي، ولكن صوتي علق عند أصل الحنجرة، ولم يتمكن من الانطلاق إلى فضاءات بهو الغرفة من حولي. شعرت بالراحة عندما غادرت غرفة الإنعاش، نظرت إلى يدي، كانت طريحة الفراش إلى جانبي، وحيدة وحرة، ولكني لم أكن أقوى على تحريكها، واكتفيت بمراقبة سكونها. قال المريض هامساً:
- بماذا يحدق محمود يا حضرة الطيب؟ أجاب الطبيب قائلا:
- ولله في خلقه شؤون، دعه يحدّق في اللاشيء، ما دمنا غير قادرين على مساعدته أكثر من ذلك.

أعرف الأطباء والممرضين جيداً، وأعرف المتدربين من طلاب كلية الطب أو حديثي التخرج. تصوروا، بعضهم يحاول التلاعب ببعض أجزاء جسدي حتى يتيقن بأنني حقيقة جثة تتنفس! لا أقدر على الضحك أو حتى إبعاد أيديهم عن جسدي، أشعر برغبة في حكّ قدمي اليمنى .. آه، لقد بُتِرَت! .. لقد بترت، ما الذي تعرضت له تلك الليلة. هل من الممكن أن يكون الموت سريعاً إلى هذا الحدّ. هذه ليست مجرد طلقات نيران عادية، لقد تمزق جسدي نتيجة لارتطامه بأجسام متطايرة سريعة وقاتلة وساخنة، بل كانت حارّة درجة الغليان. فقدت الوعي على الفور، وارتفعت روحي رافضة الانصراف لتراقب المشهد العام. إذاً، ما زال في الروح بقية

تسلل أحد المتدربين إلى غرفتي ليلاً، جلس إلى جواري، شاهدت عينيه مليئة بالدموع، المصيبة أنني لا أشعر بالألم، والآن أشعر بالدهشة، لأن الفضول يقتلني في هذا المكان، الفضول فقط يا عالم الأحياء.
- محمود الحانوتي .. شاب في مقتبل العمر.
قال المتدرب بحسرة، لا تبكِ يا رجل، يكفيني قلم الكاتب الذي لم يتوانَ لحظة عن بتر قدمي في الصفحة الثانية من الرواية. هل تحتاج غزة إلى أدباء؟ هل يحتاج الوطن إلى شعراء. ماذا لو حرمت حماس الشعر لأنه يخالف الشريعة مثلاً؟ وماذا لو استخدم وزير في رام الله هذه الأوراق لمسح مؤخرته عند الحاجة؟ لا يجب الاستمرار بهذه الأفكار في لجة الموت المتناثر، على أية حال، قد تعود للثقافة مجدها يوما ما في العالم العربي، عندها، سيقرؤون بأن محمود الحانوتي رقد في مستشفى الشفاء طويلاً رافضاً الموت بسهولة. عندها سيعرفون بأن للروح مداراتها الخاصة.

- لماذا تهزني يا رجل؟
صاح المتدرب مناديا الطبيب، والذي حضر بعد لحظات،
- ماذا هناك، خير إن شاء الله؟
- لقد شاهدت عينيه ترمش للحظة!
- هذا طبيعي يا بني، الجسد ما يزال حيّاً، ويمارس بعض ردود الفعل. لماذا لا تتركه وشأنه؟ دعه يتوحّد في غيبوبته، عُدْ إليه في وقتٍ لاحق إذا شئت.
ومضى الفتى أخيراً بعيداً عن غرفتي ليتركني أتوحد في غيبوبتي كما أشار الطبيب وليته لم يفعل.

حضرت إلى غرفتي أختي العزيزة، وبدأت فصلاً من البكاء الذي يفطر القلب حقيقة. لماذا يا سلوى كلّ هذا البكاء؟ أشعر ببعض الألم يحاصر أعضاء جسدي، أريد أن أتحرك بعض الشيء، يا لها من معجزة، قالت أختي للطبيب المناوب:
- حرّكوا بقايا جسده يا دكتور، لا يُعْقَل أن يبقى في وضعٍ واضح طِوال هذه المدّة. وبعد لحظات كانت أيدي الممرضين تحرّك جسدي ذات اليمين واليسار، يا له من نعيم! شكراً لك يا سلوى، لقد قمت بما عجز الطبّ عن القيام به طِوال هذه الفترة. لقد قرأت روحي في لحظة عابرة، أنت حقيقة نصفي الآخر، والدماء التي تجري في عروقنا متشابه. ولكن هل بقي في شراييني دماء يا تُرى؟

يتبع



رولا نظمي 14 / 05 / 2010 34 : 07 PM

رد: رومانسيون في غزة
 
يا الله أستاذ خيري حمدان القدير
قصة رائعة جدا
وكان من حظي قراءة القصة بعد أن وضع الدكتور أحمد فرحات رابطها في تاكسي نور الادب
يؤسفني انني لم ارها قبلا
ولكن الآن اشعر بالرضى لقراءتها
وكلي تقدير لما تكتبه استاذي الكريم
دمت بحفظ الله تعالى

نصيرة تختوخ 06 / 10 / 2012 01 : 11 PM

رد: رومانسيون في غزة
 
يبدو أنه علي أن أخرج سريعا من المنتدى قبل أن يرتفع مستوى حزني أكثر. قرأت قصة عن فارين من جحيم الحرب والعنف استقروا في قاع البحر و قصة للكاتبة فاطمة يوسف عبد الرحيم عن واحد من قدامى المحاربين الذين تستيقظ الذكريات القمعية المؤلمة في حياتهم وتصيبهم هيستيريا محزنة..وهاأنذا أقرأ أجزاء رومانسيي غزة الملفوفة في جراح هذا الإنسان الغزي المتشبث بالحياة والذي تطارده آلة الحرب وآليات الحصار ومباضع الجراحين... هذا الإنسان العربـي واقــعه مـؤلم كم عليه أن يقطع من مشوار حتى ينجو من شرك الذل والأذى...
غــزة تبدو متأبطـة لسجلات من المآسـي فهل سيتم إنصافها ذات يوم أم أن الملفات ستموت بموت الحكايات مع أصحابها.
معذرة عن الإطالة أستاذ خيري وكل الاعتذار الإنساني من غزة التي لازالت تعاني.

Arouba Shankan 07 / 10 / 2012 33 : 01 AM

رد: رومانسيون في غزة
 

ليس من الضروري أن تُشرق الشمس كل صباح طالما الإشراق ينبع من داخلنا بالأمل
لكننا وعلى ما يبدوسنعيش رومانسية وعذاب الحانوتي
هناك من المُدن مايشبه غزة
لك تحيتي

وسام أحمد 20 / 01 / 2013 56 : 08 PM

رد: رومانسيون في غزة
 
ومحمود الحانوتي لم يعد الوحيد وليس الأول ولا الأخير
وقد أصبح الموت ليس حكرا على غزة
أستاذ خيري حمدان
ساتابع بقية الأجزاء لهذه الرواية الرائعة
بعد ان وجدتها فقد كنت أعتقد بأنها ستتدرج هنا بالتتابع
تقديري وودي

زين العابدين إبراهيم 20 / 05 / 2014 59 : 11 PM

رد: رومانسيون في غزة
 
أستاذي الجليل خيري حمدان لايمكنني التجرأ بإبداء الرأي في ما قرأت لأنني وبكل بساطة أمام كاتب كبير نتعلم منه صياغة فن الأدب الروائي بكل معانيه وأجناسه ومذاهبه
إننا نحن هنا في رحاب الفن الروائي الرفيع .. وذره الثمين في بلاغته أوطوق الحمامة في حسنه وصياغته تارة نستحضر الياطر في جنون هذيانه وطورا الحانوتي في زمنه الموحش .... كأن الكلمات السلسلة البسيطة المحكمة تستميل القارئ وتداعبه لكنها فجأة تخدعه وتستفزه لقراءة السؤال بصيغة جديدة ومغايرة ..

هل في شراييني دماء لتبقى ؟
فلعله الحانوتي المنبثق من من رحم المعاناة أو من رجال من الظلال أو علها الرصاصة الطائشة من مخزن الجريمة والعقاب,,,,,
شكرا لك سيدي الكريم [/COLOR]
ورحم الله طلعت [/color]
[/font][/i][/color][/center][/size]

خيري حمدان 26 / 05 / 2014 42 : 03 PM

رد: رومانسيون في غزة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رولا نظمي (المشاركة 72312)
يا الله أستاذ خيري حمدان القدير
قصة رائعة جدا
وكان من حظي قراءة القصة بعد أن وضع الدكتور أحمد فرحات رابطها في تاكسي نور الادب
يؤسفني انني لم ارها قبلا
ولكن الآن اشعر بالرضى لقراءتها
وكلي تقدير لما تكتبه استاذي الكريم
دمت بحفظ الله تعالى

الأديبة العزيزة رولا نظمي. هذه الرواية تحدّ كبير بالنسبة. رفضت الردّ قبل أن أقرر إكمالها أو التوقف عن الكتابة، وما دمت قد رددت الآن لكِ أن تعرفي النتيجة. خالص المودة.

خيري حمدان 26 / 05 / 2014 44 : 03 PM

رد: رومانسيون في غزة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نصيرة تختوخ (المشاركة 160409)
يبدو أنه علي أن أخرج سريعا من المنتدى قبل أن يرتفع مستوى حزني أكثر. قرأت قصة عن فارين من جحيم الحرب والعنف استقروا في قاع البحر و قصة للكاتبة فاطمة يوسف عبد الرحيم عن واحد من قدامى المحاربين الذين تستيقظ الذكريات القمعية المؤلمة في حياتهم وتصيبهم هيستيريا محزنة..وهاأنذا أقرأ أجزاء رومانسيي غزة الملفوفة في جراح هذا الإنسان الغزي المتشبث بالحياة والذي تطارده آلة الحرب وآليات الحصار ومباضع الجراحين... هذا الإنسان العربـي واقــعه مـؤلم كم عليه أن يقطع من مشوار حتى ينجو من شرك الذل والأذى...
غــزة تبدو متأبطـة لسجلات من المآسـي فهل سيتم إنصافها ذات يوم أم أن الملفات ستموت بموت الحكايات مع أصحابها.
معذرة عن الإطالة أستاذ خيري وكل الاعتذار الإنساني من غزة التي لازالت تعاني.

الأديبة العزيزة نصيرة تختوخ
لا تسارعي بالخروج من أجواء هذه الرواية، أنا ماضٍ بكتابتها والتماهي مع بطلها كان الله في عون أهل غزة. خالص المودة والتقدير.

:nic93:

خيري حمدان 26 / 05 / 2014 45 : 03 PM

رد: رومانسيون في غزة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة arouba shankan (المشاركة 160416)

ليس من الضروري أن تُشرق الشمس كل صباح طالما الإشراق ينبع من داخلنا بالأمل
لكننا وعلى ما يبدوسنعيش رومانسية وعذاب الحانوتي
هناك من المُدن مايشبه غزة
لك تحيتي


الأديبة العزيزة عروبة شنكان
ستشرق الشمس يومًا فوق المدن العربية المحروقة وفوق غزّة أيضًا. خالص المودة والتقدير.

خيري حمدان 26 / 05 / 2014 47 : 03 PM

رد: رومانسيون في غزة
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وسام أحمد (المشاركة 168061)
ومحمود الحانوتي لم يعد الوحيد وليس الأول ولا الأخير
وقد أصبح الموت ليس حكرا على غزة
أستاذ خيري حمدان
ساتابع بقية الأجزاء لهذه الرواية الرائعة
بعد ان وجدتها فقد كنت أعتقد بأنها ستتدرج هنا بالتتابع
تقديري وودي

الأديبة العزيزة وسام أحمد
سأعمل على إنجازها وستكون هذه الرواية في موعد قريب. شكرًا لحضورك ودعمك للكاتب.


:nic93:


الساعة الآن 25 : 10 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية