![]() |
طنوس فلق رأسي
جلسنا على طاولة مشرفة على البحر بمقهى أحد نوادي المدينة ، كان الجو حاراً و السماء زرقاء صافية .... سكون يخيم على المكان إلا من صوت ارتطام أمواج البحر بأسفل بناية النادي ... طلبنا من النادل شيئاً بارداً حسب الطقس الطاغي على المكان و جلسنا نتبادل أطراف الحديث ... و أنا أقلب صفحات مجلة كانت بين يَدَيَّ كان طنوس يلوح بالجريدة آملاً بذلك في تلطيف الجو و الترويح على وجهه و عنقه المتصببين عرقاً ... فجأة ألقى صاحبي طنوس بالجريدة على الطاولة و ضرب كفاً بكف قائلاً بعد أن وضع يده على خده : ـ مسكينة أمريكا ، أمس زلزال سان فرانسيسكو و قبله إعصار فلوريدا و المرة الفارطة تدمير لأبراجها العالية و كل مرة ضربة هنا و ضربة هناك .... اليوم " انتفاضة الحرامية " و تضخم و بطالة و ركود و أزمة و .... و في آخر المشوار تخسر بلايين الدولارات سنوياً معنا بسبب " قلة ذمتها " لأننا صرنا نقلد كل منتجاتها و نطرحها بالأسواق .... تعجبت لصاحبي طنوس و دار الحوار الآتي بيننا : ـ لا بأس طنوس ... دائماً المؤمن مبتلى ـ أنا " زعلان " على بوش ... هذا الرجل لا يستحق ما حصل له بعد كل هذا الخير الذي قدمه للعالم . فأنا لا أستطيع أن أتصور كيف سيواجه الناس و كيف سيدعو إلى تطبيق الشرعية الدولية و مبادىء حقوق الإنسان و مكافحة الظلم و الإضطهاد و الإرهاب .... ـ بدون أن تضخم الأمر طنوس ... ما دخل " انتفاضة الحرامية " في لوس أنجلوس ... بالسياسة الدولية ؟ ـ أمريكا في عيون العالم بلد الحضارة و القانون و فجأة يكتشف العالم أن أولادها غير حضاريين و استغلوا قضية تافهة للتحول إلى مجموعة لصوص يخالفون كل القوانين المنصوص عليها ... فيضطر المسكين بوش إلى الإستعانة بالجيش لفرض هبة القانون بالرصاص ... ـ و ما هناك ؟ ـ ليس هناك شيء .. لكن بوش نفسه يقول إنه ضد " القمع " و استخدام القوة ضد الشعوب ... فكيف سيدافع عن حقوق الإنسان في دول أخرى أو بالأحرى كيف سيدافع عن حقوق الإنسان في دول العالم " الهايف " و حقوق شعبه منتهكة ؟ ـ لم أفهم !!!!! ـ اسمعني جيداً ... أنت تعرف أن سبب ما حدث هو الإحتجاج على تبرئة لأربعة رجال شرطة ذوي اللون الأبيض لبشرتهم اعتدوا على سائق أسود بالضرب ... ـ طبعاً ـ الحادث معناه أن البراءة صدرت لأن الضاربين " بيض " و المضروب " أسود " .. ـ ممكن ـ و أن رجال الشرطة ضربوا السائق لأنهم " بيض " و السائق ضُرِبَ لأنه " أسود " ـ ممكن ـ لو كان رجال الشرطة " سود " و السائق " أبيض " هل يستطيعون ضربه ؟ ـ ممكن ـ و لو ضربوه .. هل يصدر القضاء حكماً ببراءتهم ؟ ـ ممكن ـ إذاً القانون الأمريكي يكيل بميزانين : واحد للبيض و واحد للسود ـ ممكن ـ و السياسة الأمريكية تكيل بمكيالين : واحد للعرب و الثاني لأعداءهم ـ ممكن ثارت ثائرتي و غضبت من طنوس و صرخت بوجهه : ـ فلقت رأسي بِ " ممكن " أليس لديك رأي ؟ ـ ممكن مؤامرة شيوعية ضد بوش تقودها موسكو لتقليب الرأي العام الأمريكي ضده ـ لكن الشيوعية انتهت بانتهاء الإتحاد السوفياتي و صارت بخبر كان و تحول الإتحاد إلى مجموعة دول تابعة ... ـ أنا عندي رأي آخر ـ ما هو ؟ ـ الله كبير ، لا يترك أحداً مهما طغى و تجبر وضع صاحبي طنوس يده على خده من جديد و التقط الجريدة ليعيد حركاته الترويحية و تطلع إلى السماء شاهقاً شهيقاً مسموعاً و فلقني من جديد ... ممكن . |
الساعة الآن 37 : 10 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية