القصيدة السابعة
عرس مكة
نفحات من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
للشاعر / إبراهيم بشوات
إنّي بدأتُ قصيدي بالصلاة على**خير الأنام ومن تُهدى به الأممُ
مُحَمَّدُ المصطفى المحمودُ جانبُه**مِن فيضه يتغذّى المجد والقيم
في أرض مكةَ عين الله تحرسه**حتى يشب غلاما كُله همم
فتَى الجزيرة حاميها وناصرُها**إذا تحيّر محزون ومهتضَم
حليمةٌ مِن بني سعد له شهدت** وزوجُها ومراعي القومِ والغنم
كانت تعودُ خِماصا من مراتعها** وطالما حُبست عن نبْتها الديَم
فأصبحت بقدوم الطفل في نِعم** مباركات وفي أبدانها نِعم
عمّت على القوم في البطحاء مرحمة ** من خيره فكأنّ القومَ ما عَدموا
ويَحكم الله أن يبقى الصغير بلا**أب وأم، وباب الشدة اليتُم
ألَم يجده يتيما ثم كرّمه** حتى غدَا ويداه كلُّها كرم
ولم يزل عن هوى الأحداث منعزلا**إنّ البعيد عن اللّذات محترَم
لـمّا رآه بَحِيرَا والظِلال حَمت** مسيره حيثما يرتاح ترتسم
قال: ارْبَعوا وكلوا عندي جميعُكمُ ** لا يَحمَدُ الخيرَ إلا خيرُ من قدِموا
وقال للعمّ: من هذا الفتى فعلى** سيماه نورُ الهدى الوضّاءِ مبتسم؟
هذا الفتى ابنُ أخي والكل يعرفه** صافِي السريرةِ بالأخلاق معتصم
اِحذر عليه يهودًا إنّ موعدَه** وحيٌ به تنجلي الآثام والظُّلَم
رأت خديجة من أخلاقه شيما** وعند أهل التقى تُستعظم الشيم
فغالبت قلبَها كيما تغالبه** لكنها رجعت والصبر منهزم
ولم تزل برسول الله هائمةً** لا تكتُمُ الحبَّ منها مقلةٌ وفم
حتى غدت لرسول الله خيرَ يد** تحنو عليه فجُرح الحزن ملتئم
عام الرمادة ما أقسى فجيعتَه؛** جراحُ مكةَ لم يُحقَن لهن دم
تلك الشعاب التي آوتْه باكيةً** تكاد من سطوة الباغين تنتقم
هذا الذي في قريشٍ كان مؤتَمَنًا** اليوم بالرفض والإلحاد يصطدم
قالوا: أنترك أصناما تبلّغنا** مقاصدَ الخير لما يَعمُر الحرم
واستعصمت بحبال الكفر أنفسُهم** وما درَوا أن حبل الكفر منفصم
وعانتِ الدعوة الغرّاءُ في غدها** أمرَّ من أمسها فالحقد مضطرم
وحاولت ثلةُ الكفار يائسةً** وَأْدَ الهدى فإذا في قلبهم ندم
في بئر بدر أضاء النصر واندحرت** قوى الجهالةِ لما رفرف العلم
خاض المعاركَ جندُ الحق وانكسرت** في الحرب شوكة من ضلوا ومن أثموا
واستقبلتْ مكّةُ الحُجاجَ باسمةً** وطالما قُطِعت في مكةَ الرّحم
ثم اشرأبّت رؤوس القوم يغمرهم** خوفُ العقاب وما يُخْفِيه منتقم
وسار في الموكب المختارُ محتسبا** لله حتى هوى في الساحة الصّنم
وكبّر القومُ تكبير الـمُـجِلّ وفي** أرجاء مكةَ جمْعُ الكفر منهزم
وأقبل المصطفى من بعد ما برِئَت** جراح مكةَ لما أثمر الألم
وقال للجمع في حِلْم وفي دَعة:** ماذا تظنون أني فاعل بِكُمُ؟
قالوا: أخٌ مستفيضُ العفوِ نعرفه** من سَيْبِ راحته يُستقبَل الكرم
قال: اذهبوا طلقاء في منازلكم**وهذه فرصة الإيمان فاغتنموا