رد: واقع يلفه الحلم
عندما دقت الحرب العالمية الأولى أبواب العالم في العام
1914 بدأت ملامح نظام جديد يتجه لترسيخ نفسه في حكم العالم ، ومنطقتنا أصبحت محور
الصراع بعد اكتشاف مادة الذهب الأسود و أهمية ممراتنا البرية والبحرية
وعندما تم هزيمة التحالف الألماني التركي وتراجع الحكم
أمام الحلفاء بعد هزيمته دخلت الجيوش البريطانية المنتصرة إلى
فلسطين وسقطت حامية حيفا بتاريخ 23\9\ 1918 ...
هذا الحدث السياسي الذي غير وجه العالم كان بداية الكارثة
بالنسبة للعرب عموما برغم مساعدة بعضهم للمستعمر الجديد
واستباحوا بلادنا ووضعوها في بازارات مصالحهم
حتى قبل احتلالها وعقدوا الصفقات وقسموا بلاد
العرب تقسيمات جديدة تتيح استباحة أرضهم وخيراتهم في نفس الوقت الذي كان عليهم البحث عن
أدوات تستديم للمحافظة على تلك المصالح فعملوا على خلق دويلات تجزئ المشرق العربي
والقلب منه سوريا الطبيعية أو بلاد الشام
فسُلخت فلسطين عنها وقسمت إلى شطرين ؛الشطر الأول كان غربي نهر الأردن ،
لتنفيذ وعد بلفور الشهير في العام 1917
والشطر الثاني كان شرقي الأردن من اجل " مكافئة " الأسرة الهاشمية
أما القسم الشمالي الغربي من سوريا ، فسلخ عنها وأصبح فيما بعد
" لبنان الكبير " تنفيذا لوعد " كليمونصو "
فإذا كانت فرنسا دعمت الأقليات الدينية في الشمال فهم
بالأصل أبناء المنطقة ، هم جزء من العرب السوريين
بل إنهم جذر شعبها الأصيل ...
أما في فلسطين فالوضع مختلف تماما لأنه لا توجد نسبة كبيرة من السكان
اليهود من اجل إقامة تلك الدولة الموعودة
فهم وبحسب الأرقام الرسمية لم يكن عددهم يتعدى ال 6%
من سكان فلسطين .. وكانت أحياءهم ضمن الأحياء
ذات الطابع الإسلامي يعيشون بأمن وسلام .
الهجرة إذن كانت الضرورية الملحة من اجل زيادة أعدادهم
والتي سوف تكون في اتجاهين ... هجرة ليهود العالم ،
والتهجير للسكان العرب ...!
ولكن ، ما الذي كان يدفع الحكومة البريطانية المستعمرة
إلى دعم وتأييد الحركة الصهيونية ومشروعها الاستيطاني
القائم على أساس واهن تدحضه الأدلة التاريخية التي لا تحتاج
إلى فلسفة لتجعل أفكار ذلك المشروع تتهاوى ..؟
هي القوة ولا شيء غيرها على الإطلاق ... فالحركة الصهيونية
إنما كانت نتاج لتحول عوامل القوة من مستعمر إلى مستعمر آخر
لم يشذ عن قاعدة احتياجاته إلى أدوات للإدارة استعماره
فانطلقت فكرة بناء " الهيكل الثالث " في " ارض الميعاد"
من كنائسه ورجال دينه تدعو " المؤمنين " لتحقيق الفكرة / الخرافة :
" العودة " إلى ارض الميعاد حيث لم يجدوا اغبي من
فقراء اليهود المضطهدين من دول أوروبا حتى يقتنعوا أو
يُقنَعوا بتلك الفكرة وتصبح وكأنها الهدف الذي خُلقوا من أجله يسعون إليه لتحقيقها
منذ قرون ..! علما بان " الحاخامين " اليهود لم تكن تلك
الفكرة لتخطر على بالهم قبل انطلاقها من الدوائر الكهنوتية المسيحية " البروتستنتية " إطلاقا
وتلك الدعوة انطلقت من بريطانيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية ..!
وكل الذي قيل من كتابات وفلسفات حول الحق " التاريخي " وتلك الأكاذيب التي
مع الأسف صدقها العرب عن وجودهم قبل الفي عام ، كل ذلك قيل بعد ذلك التاريخ
فوضعوا له تاريخا متأخرا من اجل خداع البشرية كلها ..!
يقول الكاتب اللبناني المتخصص ميشيل اده في إحدى
محاضراته حول الصهيونية :
عندما أراد مجلس العموم البريطاني مناقشة موضوع
تعريف" الصهيونية " في بريطانيا بعد مؤتمرها الأول عام
1897 والذي عقد بسويسرا لم يجدوا تعريفا علميا لتلك
الحركة حيث لا شبيه لها عبر التاريخ .. ! فلا هي حزب سياسي ..
ولا حركة اجتماعية تدعوا إلى الإصلاح .. ولا هي جمعية خيرية
أو جمعية دينية تدعوا إلى التبشير لأن هدفها المعلن
كان يرتكز إلى أمرين : سلخ اليهود من أوطانهم
وتهجيرهم إلى فلسطين
وشراء بعض الأراضي لإقامة المستوطنات ..!
وأصبح التداول المصطلحي لكلمة " صهيوني "
بين رجال الفكر والقانون والسياسيين في بريطانيا تعريفا تهكميا يقول :
الصهيوني هو الذي يقوم بإقناع أغنياء اليهود لدفع
مبالغ من المال للحاخامين ليقوموا بإقناع الفقراء منهم بالهجرة إلى فلسطين !!
والحقيقة إن أهل فلسطين قاوموا المشروع الاستعماري
والحركة الصهيونية منذ البداية .. وكانت حيفا من أول
المدن التي بدأت بالمقاومة وذلك بسبب التغيير
" الديمغرافي " الذي بدأ يحدث فيها بعد نهاية الحرب
واستسلام تركيا ... ذلك ان الجالية الألمانية التي بدأت
تغادر خوفا على مصالحها بعد احتلال الإنكليز وهي
جالية كما ذكرنا لها العديد من الممتلكات في حيفا
وجبل الكرمل وأقامت أول المستوطنات الألمانية
في منطقة الجليل الغربي والذي لم يكن يوجد به يهودي
واحد ... وبدأ ت تلك الجالية
بعمليات بيع لعقاراتها ومزارعها وحتى مستوطناتها
وترحل عن فلسطين .. ! ومن هو الشاري الجديد ..؟
بل من هي تلك الجهة القادرة على دفع الملايين من
الجنيهات ثمنا لتلك العقارات غير الوكالة اليهودية التي
أنشئت بالأصل لهذا الغرض .
وفجأة ، ومنذ بداية العام 1919 بدأ الفلسطينيون من
اليهود في داخل المدينة بالخروج منها وبالتحديد نحو
شرقي المدينة وعلى سفوح جبل الكرمل والى المناطق
التي كان يملكها الألمان ...! والإحصاء الرسمي الذي
جرى في العام 1922 قد بيّن أن نسبة اليهود في المدينة
أصبح 18 % من العدد الإجمالي للسكان وهذا العدد قد بدا
كبيرا ومفاجئا في تلك الأيام ؛ قال لي والدي : إنهم
استقدموا الكثيرين منهم من مناطق مختلفة من اجل هذا
الغرض .. فهم كانوا على علم بخطورة تلك الإحصاءات
وأهل المدينة الأصليون من العرب كانوا يتهربون من تلك
العملية نظرا لتخلفنا لما كان يُشاع من أن كل ما يأتي من
الغرب ،هو مشبوه يجب الابتعاد عنه ..!!
|