رد: ( رسائل بلا عنوان ) .. الفتى السوري محمد حليمة
( الرسالة الثانية )
المُرسِل : المَنسيّ
المُرسَل إليه : سحر الشرق
لك يا سحر الشرق بمناسبة عيد ميلاد السيد المسيح ...
حبيبتي سحر الشرق :
يصاف اليوم عيد ميلاد المسيح ـ عليه السلام ـ رسول المحبة والسلام .. فكل عام وأنتِ بخير وصحة وسلام .
وقد صادفت هذه المناسبة ، أيامَ اعتكافي في المنزل الذي بدأ من شهر تقريبا ، لكني عزمتُ ـ أثناء أسبوع
التحضير لهذا العيد ـ أن أقطع اعتكافي، وأخرج ... فهـِمتُ في الشوارع المضيئة بأضواء الميلاد ، حتى
حسبتُ الليل نهارا . وفي أثناء سيري ؛ ما انقطع لحظة تداعي أصوات التراتيل إلى مسامعي ، وأصوات أ
أجراس الكنائس تقرع ، فرحا بميلاد مخلص البشرية من أردان الشرور ، ومن لبوس الأحقاد ، ودنس
المعاصي ، وقد أضاء الناسُ الشموع ، وزينوا شجرة الميلاد .. تعبيرا عن سرورهم وابتهاجهم وإيمانهم
بمن جاء لهم برسالة المحبة ، وبمن عمّ العالم حبا، وسماحة ، وعرفانا ... أمشي فأرى شرفات المنازل
وقد أعيدت لها الحياة والدفء ، في هذه الأيام الشتوية ،الباردة ، المظلمة ، وأرى المنازل وقد تلألأت
بالأضواء ، يتوسطها شجرة الميلاد المتلألأة ، وحولها الشموع .. فاكتست البيوت حلة روحانية شفيفة ،
تجعل الإنسان يعيد التفكير فيما مضى ، محاسبا نفسه ، ومعاتبا ذاته ، ومحاولاً إصلاح ما فسد منها ،
وتهذيب ما شذّ عن الطريق القويم ، ولجم ما انفلت من أهوائه .
ويا لها يا حبيبتي من مفارقة عجيبة ، ومقاربة لا تكاد تهدئ لقلبي وجيبة ، وذكرى تذكر المحبَّ البعيدَ
بالحبيبة.. مفارقة قد رأيتها ولمستها وأحسست بها، وأنا أهيم في الشوارع .
فالناس اليوم يحتفلون ويحتفون بإنسان رسول ، كان قد قدر الله أن يجعل المحبة بين يديه ، فيقسمها على
الناس أجمعين .. إنهم اليوم يحتفون برسول حمل إليهم رسالة سماوية إنجيلية ، مِلؤها الحبّ والسلام ،
وحروفها صفاء الروح والوئام ، ومدادها شعور الإنسان بأخيه الإنسان ، وتـُختـَمُ ـ إن هم التزموها ـ
بالغلبة على الشيطان ، والفوز بالجنان . وهذه الأجراس لميلاده تـُقـرَع ، والقلوب لاستقبال نفحاته تـُشرَع
، والأيادي بدعائه تـُرفـَع ، ولمَ لا .. وهو مَن علمهم أن يزرعوا الحبّ في قلوبهم بذورا صغيرة ،
ليحصدوها غدا أشجارا باسقات ، ويقطفوها ثمارا يانعات . هو مَن علمهم أن يقابلوا المحبة بالمحبة ،
والحقد بالتسامح ، والسّباب بالتغاضي ، والعنف بالتروّي .. علمهم أن يحتفوا بالقريب ، ويسألوا عن
الغريب ، ويتعاونوا عند المصاب ، ويتعاضدوا إن أراد بهم عدوّ شرا ، ويتماسكوا إنْ صُبَّ عليهم عذاب .
إنّ مسيحيي الشرق والغرب اليوم ؛ يحتفلون بكلّ هذا ، ولهذا .. ويشعلون الشمعة الحادية عشرة بعد الألفين .
أما أنا.. فإني اليوم أشعل الشمعة الرابعة ، محتفلاً بميلاد رسولي .. رسول العذاب .. أنتِ يا سحر
الشرق .. إني اليوم أحتفل بعيد ميلادنا الرابع ، عيد النظرة الأولى التي أدخلتني عالم الحبّ الكبير ، عيدكِ
أنتِ .. يا مَن جعلتِ لي العذابَ نمارق مصفوفة ، وجعلتِ دربي بأشواك الشوق محفوفة ، وكلماتي على
أرصفة الآهات مرصوفة ، وكلّ ذلك لأني كفرتُ وأردتُ أن أتخذكِ لي محبوبة . وليس لي للتوبة من سبيل،
كما لا يقدر شوقي أنْ يستقيل ، ولا يقوى جسدي على الهروب والرحيل، فقد كـبَّلـتـْني في عينيك لعنة ،
واستعذبتُ من يديك ألف طعنة ، فصرتُ إذا أردّتُ أنْ أكـتـبَ الـمـبـنـى ، صاغـتْ لـحـاظـكِ المعـنى ، فكأنني أنـتِ ، وأنـتِ أنـا .
هل يمكن أن أحظى منكِ ـ في هذا العيد ـ بنظرة قد تعيدُ الفرح إلى قلبي المهجور ، وتسقي عطش شوقي
إليكِ . ألستِ مسيحية يا حبيبتي ..! أليس رسولك الذي تحتفلين بميلاده ، قد جاء برسالة المحبة لكل
الناس ، فلماذا تعذبينني بإعراضك عني ، وعدم السؤال عن حالي ، وما إذا كنتُ ميتا أو حيا ، سعيدا أو
محزونا ، مرتاحا أو قلقا . آه يا معذبتي .. أحسبُ أنكِ تطبقين تعاليم دينك الذي يدعو للمحبة والسلام
على كلّ الناس من مسلمين ومسيحيين ، إلا عليّ .. فقد اتخذتِ الإعراض عني مذهباً ، وأعلنتِ عليّ حربا
غير مبررة ؛ على طفل لم يتقن لغة النار والحرب ، حتى لغة الكلام.. لمّا يتقنها بعد ، وعندما قرر هذا
الطفل الصغير أن يتعلم ويتقن لغة الكلام ، فإنه لم يتقنها إلا ليقول لكِ أحبك . فأصررتِ أن تصمي أذنيكِ
عن سماعها ، ولكني ما زلتُ إلى اليوم ، وإلى ما لانهاية .. أحبكِ .. أحبك فوق تصور البشر ، وحبي لك
قويّ؛ أصلب من الحجر ، وكثير ؛ أغزر من المطر ، فماذا أفعل أكثر مما فعلتُ ، وقد فرشتُ لك الأرض
شعرا على مدّ النظر ، وخبأتكِ بين جفوني من كل شرّ ، فليس لي منك ، وليس لكِ مني أي مفر .. و إلى
أين المَفر من قضاء الله والقدر . لم أملكْ قلبي عندما أحببتكِ ، ولا أملكُ إلا أن أستمرّ في حبّكِ .. ويا
لـَلعَجب..! كان حبكِ الدواءَ الأحلى ،فأصبح الداءَ والدواءَ الأمَرّ .
حبيبتي سحر الشرق .. قد يفرق بيننا المال ، أو المكانة ، أو الجمال ، أو الدين... لكن ما يجمعنا ـ أو ما
يجمعني أنا معك على الأقل ـ هو الحبّ الذي يدين به جميع العشاق على هذه الأرض ، الذين تمسكوا به
،وعاشوا به ، وماتوا عليه ، وما ارتدّ أحدٌ منهم عنه ، حتى ولو وضعوا السيف في نحره . إني أعدكِ ـ
أيها الملاك ـ أن أبقى متمسكا بديني ـ دين الحب ـ وألا أرتدّ عنه ، حتى ولو وضعوا السيف في نحري .
وإنْ حصل وقـُتلتُ ؛ فما همني .. فقد سمعتُ ممن سبقنا ، أنّ مَن يُقتل في سبيل عشقه ؛ يموت شهيدا.. ليس بينه وبين الجنة حجاب .
حبيبتي ... قد يصادف اليوم ، في الأول من السنة الجديدة ،عيد ميلاد كثير من الناس، ومن هؤلاء الكثيرين؛
عيد ميلادي أنا ، ولكن ليس الميلاد الزمني.. ليس في عالم الفناء ، بل هو عيد ميلادي في عالم البقاء ..
عالم الحبّ ،الذي دخلته طفلاً، منذ أن رأيتكِ ، واليوم تكتمل سنيني الأربع ، وسأظلُّ أكبر في حبكِ.. وأكبر..
وأكبر.. وهكذا إلى ما لانهاية ، فليس في عالم الحبّ موتٌ ، بل خلود أبدي ، ومَن يدخله لا يلقى فيه
شيخوخة ولا موتاً .. بل شبابا دائما.. وحياة أبدية .
وسأظلُّ أحبكِ وأكتبُ لك .. إلى أنْ تترفقي بي ، وتردّي على إحدى رسائلي ...
جعل الله السنة القادمة .. سنة خير ونماء وسلام، ومحبة ووئام .. لكِ.. ولكلّ الأنام .
1/ 1 / 2011
كانون الثاني
|