رد: رسائل القلوب
أخي عبد الكريم .. ما دمت قد كتبتَ لي هذه الرسالة ، فقد صحّ اعتقادي ، بصلة الصحبة التي انعقدت
بيننا . ولا أعتقد أن بين الأصحاب ألقاب تتداول ، لذلك اسمح لي بأن أناديك ..
صديقي عبد الكريم .. مع كل ما يتبادر إلى ذهن من يسمع كلمة ( صديقي ) ، من استغراب ، واستهجان ،
وحتى استنكار ، فكيف تنعقد الصحبة بدون مخالطة..؟! وكيف نقطع بوجود الصلة ، بدون مجالسة ولا
مؤانسة ..؟! وإني لألتمس العذر للقائل ، ففي نفسي شيء منه .
والرأي عندي .. ألا نعرض عن تبادل هذه الكلمات ، مثل ( صديقي ، صاحبي ، حبيب... ) وأن نستخدمها ،
ونروّج لها ، لا بل يجب أن نعتقد بها ونتحققها قولا وسلوكا ، على الأقل على سبيل المجاز ، إن لم على
الحقيقة ، مع الإيمان أن صدق النفوس ،ونقاء السرائر ، وشفافية الكلمات ، وصفاء الأرواح .. ستحوّل
يوما ، المجاز إلى حقيقة ، إنْ باللقاء أو غيره .
وبعدُ يا صديقي عبد الكريم .. إنّ تلك الرّسالة التي كانت شفيعة لصدقك معي ، عندما تلاقى قلمانا أوّل مرة
، لدليلٌ واضح ، ولا يحتاج إلى برهان ، وحجة دامغة ، لا يختلف عليها اثنان ، بأنكَ ضربتَ مثالا يُحتذى،
للكرم ومعالي الأخلاق ، وعنوانا لسمو النفس ، وتعاليها عما قد يخالطها من دسائس وخبائث .. وقد حرتُ
ـ والله ـ في أمر النفس وخبائثها ، أهي من فطرة الإنسان ، أم أن الإنسان قد اكتسبها اكتسابا . وما زلتُ
أرجح الفطرة حينا ، والاكتساب حينا آخر . ولكن ما يرجح عندي كفة الفطرة على الاكتساب ، أشياء كثيرة
، ومنها أمران ، الأول .. هو قتل ابن آدم الأول لأخيه .
والثاني .. قوله تعالى (( واستبقوا الخيرات ..)) فقد أمرنا بالتسابق لفعل الخيرات ، ووعدنا بالثواب على
فعلها ، وتحققها ، فلو كان الخير متحقق فينا ، وممزوج بجبلـّتنا ، لما أمرنا بالتسباق إليها ، وهو في
حقيقته اكتساب لها . ولما تفاضلنا بنسبة تحقق الخير في نفس كلٍّ منا . ولن أخوض في هذا الجدلية أكثر
من ذلك ، فالمقام لا يسمح ، والغاية لي هنا لا تتوافق . أعود إليك ، وإلى كرمك الذي بصرته ولمسته ..
فما وصف مَن يسقيك بحرا ، في مقابل غرفة من ماء سقيته إيّاها ، وما وصف مَن أعطاك بضعة من روحه
ـ وأي شيء يستطيع أن يمثل الروح أقدر من الكلمات ـ في مقابل كلمة حقٍّ قلتها فيه . إنه أنتَ .. صديقي
عبد الكريم ، فقد أغرقتني في بحر، لا أعرف كيف سأرسو على شاطئه ، وغمرتني بسموّ روحك المتمثلة
بكلمات رسالتك ، وليس لي استطاعة على مقابلة هكذا كرم ، وتحمل هكذا عطاء .
أخي عبد الكريم .. من كهف فقري ، وخجل عجزي ، وصومعة غربتي ، لا أملكُ أن أهبك ، إلا هذه الكلمة ،
فهي ما تفضل به الله عليّ ، وهي ما أملك الآن ، ولا أعتقد أن إنسانا يستطيع أن يهب ما لا يملك . فتقبلها
بروحك المتواضعة ، ونفسك الشيّقة ، مع علمي أنها لم ولن تصل إلى مقامك الرفيع .
صديقك محمد حليمة .
|