عرض مشاركة واحدة
قديم 15 / 01 / 2011, 27 : 07 AM   رقم المشاركة : [13]
محمد حليمة
شاعر نور أدبي

 الصورة الرمزية محمد حليمة
 





محمد حليمة is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

رد: ( رسائل بلا عنوان ) .. الفتى السوري محمد حليمة

( الرسالة الرابعة )

المُرسِل : ساعي بريد العشاق
المُرسَل إليه : المَنسيّ

السّلام على المَنسيّ في ذاكرة الحبيب ، المَـنـفيّ مِن قـلبه المَهيب ، المُدّعي لـَبوسَ الأديب ...
أودّ أولا أن أعـتـذر عن عـدم استطاعتي الوفاء بما وعـدتك به من قبل ، من إيجاد عنوان المحبوبة ـ فاعلمْ يا بني ـ أني لم أهنئ براحة ، ولا بنوم ، طيلة هذه المدة ، وقد فرّغت نفسي نسبياً من عملي اليومي ، سوى من عملي الاستثنائي ؛ وهو البحث الـدّؤوب عن عنوان سحر الشرق . ولكني عاهـدت نفسي ألا تخلو رسالة أكتبها لك من بشارة، قد تـُفرح قلـبـَك الصغـير العليل.. وهذه البشارة هي أني تمكنتُ بعد جهد جهيد، أن أعرف مكان إقامتها على العموم ..لا بالتحديد .
إنّ مكان إقامتها ـ يا بني ـ يكمن في لـقـبها ، أما عنوانها بالتحديد، فأحسب أنـّا لسنا بقادرَين على أن نصل إليها . فمن خلال كلامك عنها ، استطعت أن أتفرس بنور من الله، أنك لم تستطع أن تصل حتى إلى منتصف الطريق، ما بين عينيك وعينيها، فكيف إذا ستصل إليها ، يا شماليّ الهوى ...
ولا تسلني كيف عرفتُ كلّ ذلك ،فكما استطعتُ أن أقرأ عينيكَ وما تحويان ، استطعتُ أيضا ،أن أتكهن طبيعة علاقتك معها ، كيف هي الآن ، وكيف ستكون ...! إنها صبّية ليست ككلّ الصّبايا ، حوريّة بعثها الله إلى الأرض ، إما ليجعلها فتنة فيختبر بها عبادَه الطائعين ،وإما ليجعلها هداية ، فيهدي بها عبادَه العاصين ، وإما ليجعلها ابتلاءً ، فيمتحنَ بها صبرَ الصّابرين ، أو حافزا ، ليعليَ بها همّة القاعدين ، أو وسيلة توصل إما إلى نعيم دائم ، أو إلى شقاء دائم .. فاختر أنتَ ـ يا بني ـ من أيّ الفِرق تحبّ أنْ تكون . فليست أقدارنا إلا ما نصنع ، وليست ذواتنا إلا ما نكوّن ، وليس أحباؤنا إلا مَن نختار . فهل كنتَ صائبا في اختيارك ، وهل أنتَ راض عن التخبط في أحوالك ، أم أنّ دلالة الحال ، تغني عن المقال .
آه يا ولـدي ... لقد أقحمتَ نفسكَ مسالكَ الأشقياء ، وأوردتها المهالك ، فحُقّ لأمثالك العزاء . فما لي أرى النقيضين ـ اللذين استحالا على الاجتماع ـ يجتمعان في عينيك . هل سألتَ نفسك يوما.. أيمكن أن يجتمع الحبّ مع الحقد في النفس الواحدة ..؟ دعني لا أكلفك عناء الإجابة ، وأجيبك أنا . نعم يا ولـدي ، قد يجتمع الحبّ والحقد في نفس واحدة ؛ هي نفس المحبّ .
فعندما لا يعلم المحبوبُ، سرَّ ذويّ عودنا ، واصفرار بشرتنا ، وغور عينينا ، وسببَ مجافاة النوم لنا .. يكون ظالما . عندما نحبّ المحبوبَ حتى يرضى ، ونعطيه ما يحبُّ ويرضى ، فيجازينا بالسّهاد يكحلّ مآقينا ؛ حالَ ظلمُه دون تدانينا ، عندما نتهافتُ عليه بشتى أنواع الرّضا، فلا يرضى ويجافينا ، ونسوق له النـّعماءَ نضعها بين يديه ، فلا يأبَه، ويردّ بلا سببٍ أيادينا ، ولو يدري ـ يا بني ـ ما يفعل ذلك كله فينا . ألا يجدر بنا أن نحقد على الحبّ ، فينسحب هذا على المحبوب أيضا . لأنّ المحبوب عين الحبّ ، ولولاه لما دخل الحبُّ قلوبنا .
إنّ الحبّ نفسه يحقد علينا،عندما يقـتحمُ شغاف قلوبنا،ويخالط كلّ نبضة من نبضاتنا، وعندما نطالب الحبَّ أنْ يكون في قلب المحبوب بعضاً ممّا غزانا ، علّ المحبوب يهتدي إلينا ، أو يشعرَ بنا . يجيبنا الحبُّ بفظاظة وعنجهية لا سابقة لها ، مردّداً ( إني يا هذا لا أفـرَض .. بل أعـرَض ) وإذا اعترضنا على كلامه المتناقض، قائلين : فلماذا إذا دخلتَ قلوبنا بدون استئذان ، واقتحمتَ علينا سـكـينتـنا ، وحوّلتَ هدوءَ بالنا إلى انشغال ، واستقرارَ صحتنا إلى اعتلال ، وأمنَ مشاعرنا، إلى اقـتـتال . عندها ـ يا بني ـ يجيبنا الحبّ رافعا رأسه ، ونافخا صدره ، ومجلجلا صوته : لأنني أنا الحبّ .. فلا سيد عليّ ولا سلطانا ، ولا أتقيد بمكان ولا بزمان ، آتي إلى قلب الإنسان ، فأجعل الحليم حيـرانا ، والرشيدَ سكرانا ، والسيدَ عبدا ، والحرَّ أسيرا..... إني أنا الحبّ أيها الحمقى ، لا فكاك لكم مني ، ولا مفرّ لي منكم . خـُلقـتُ قبل أن تخلقوا ، وحاربتُ قبل أن تحاربوا، لكن الفرق ما بيني وبينكم .. أني دائما أحاربُ فأنتصر ، أما أنتم .. فإما أن تنتصروا ، وغالبا ما تـُهزموا ...
أني أنا الملك ، فلا ملك عليّ إلا الله ، هو مَن توّجني على رؤوسكم ، وأنا أتوّجُ مَن أريد منكم .
أي بني .. هذه هي حقيقة الحبّ فإما أن نقبلَ به طائعين ، وإما أن نرفضه بعد أن نكون قد استنزفنا كلّ طاقاتنا ، فلا يبقى لنا طاقة إلا على الندم والحسرة . وإنْ كان لديك رأيٌ آخر في هذا الذي تسمونه حبّاً ، فيسرني سماعَه مكتوباً في إحدى رسائلك لي . وأنا بانتظار رسالتك القادمة إلى سحرك الشرقي ، فمكان إقامتها ـ كما علمتَ ـ صار معلوما لديّ ، لكن ما لا أعلمه حقا ـ إن أنا وجدتها ـ هو قبولها ، أو رفضها الرسالة .
أذهب الله عنك الأرق يا بني .. وهداك إلى ما تحب وترضى .

15 / 1 / 2011
كانون الثاني


توقيع محمد حليمة
 إنّ الـحـياة لا تقـف عـند مرض ٍ، أو نـائـبَةٍ ، أو حـِقـبة تـاريــخ ٍمـَريــر ..
فـمــا هـي إلا حـواجـز ، خـُلـقـتْ فـي طـريـقـنـا الـطـّويـل ..
ولا بـدّ لـنـا إلا وأن نـمُـرّ عـلـيـهـا ...
فـتجـلـدْ إنّ الـطـّريـقَ مـا يـزالُ طـويــلا .
محمد حليمة غير متصل   رد مع اقتباس