عرض مشاركة واحدة
قديم 16 / 03 / 2008, 59 : 12 AM   رقم المشاركة : [1]
خيري حمدان
أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم

 الصورة الرمزية خيري حمدان
 





خيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond reputeخيري حمدان has a reputation beyond repute

أفئدة على قارعة الطريق

[frame="13 98"]


- اقتربي يا زينب، أرجوك .. لا أدري إن كان الثوب مناسب؟
- أنت في منتهى الجمال والروعة. إنّه يومك المنتظر، كلّ فتاةٍ تتمنّى أن ترتدي الثوب الأبيض يوماً ما.
خاصّة، إذا كان العريس مثّقف وعاقل ومحترم بل ووسيم كذلك.
- أهذا هو رأيك بأيمن يا زينب؟.
- ما سرّ هذا الحزن يا هند .. والله مسكين يا أيمن!. يا مجنونة .. كلّ فتاة تتمنّى أن تكون مِلك يديه الليلة. يبدو بأنّ هند ما زالت تفكّر بذلك المعتوه كمال أفندي .. رحل قبل خمس سنوات ونسي بأنّ هناك امرأة على استعداد لاختراق كافة الحواجز العسكرية الإسرائيلية من أجل النفاذ الى قلبه وعالمه. وحياتك يا أميرة، هذا البعيد لا يستحقّ ابتسامة من رمّان شفتيك.
سالت بضع قطرات من الدمع الحارّ على وجنتيّ هند ولاذت بالصمت، كانت اللحظات تمرّ طويلة وقاسية. يصعب إعادة ترميم الإناء بعد كسره .. فما بالك بالقلب.
- إنّها دموع الفرح يا زينب ولكنّ، أخبريني .. لماذا تضطرّ المرأة العربية قذف فؤادها عبر النافذة دائماً. أكره الضباب، أكره لندن. وأحبّ تلك المدينة لأنّها تحوي حبيب قلبي يا زينب.
- لماذا وافقت على الزواج يا أميرتي. ربّما كان عليك أن تنتظري قليلاً.
- أخشى أن تنهش الذئاب فؤادي حين أضطرّ الى قذفه عبر النافذة ثانية.
- والله أنا لا أفهم شيء من هذه الطلامس وهذه الألغاز.
- أتمنّى ألا تضطرّين لفهمها يوماً ما...

* * *

- (سو تشاو)، أرجوك يا حبيبتي لا تتركيني هنا وترحلي ... أنت مجرّد رقم في الصين. هناك ما يزيد عن المليار ونصف مواطن. أرجوك، إبقي هنا الى جانبي؟.
- ولكنّي يا روبرت غير قادرة على التأقلم ... أنت ولدت هنا في لندن، وأصبحت جزءاً من نظام هذه المدينة العجيبة. حتّى اسمك غريب عنّي.
- أنا روبرت لي.
- لي غير موجود هنا. لي هي اللوحة التي تحميك من غربتك الداخلية. لي أصبح مجرّد اسم عائلة قديمة في الصين.
- أنا غير قادر على ممارسة الحياة من دونك يا سو. اسمك يسير في دمي، أنتِ يومياتي وكتاب حياتي الذي أقرأه كلّ يومٍ وكلّ ساعة وكلّ ثانية.
- إذن تعال معي. تعال معي الى بكّين.
- يا مجنونة، أنا هناك أختنق .. أنا حتّى غير قادر على إنتاج أكثر من ولد واحد في الصين. أين ذهبت مشاريعنا وعشقنا ومخطّطاتنا من أجل بناء عائلة نموذجية.
- حتّى وإن كان هذا على حساب سعادتي؟
- لا ولكن .. ولكن.
- تعال الى عالمي، حتّى وإن كنّا مجرّد أرقامٍ في الوطن ... تعال معي!
نهضت سو تشاو على عجل وأضافت لمحات الحزن الشرقيّ جمال وجهها البيضاويّ جمالاً. وعندما أدرك روبرت لي بأنّه سيفقدها لا محالة، تناول مسدّسه من جرابه وصوّبه الى صدغه وسط ذهول روّاد المقهى الصغير في وسط العاصمة لندن وصاح
- سو تشاو .. سأقتل نفسي، سأفعلها .. سأفعلها أنا لا أطيق فراقك.
ذهلت سو عندما شاهدت المسدّس المصوّب الى صدغ حبيبها روبرت. هرعت إليه وكانت تردّد روبرت .. روبرت. لا تفعلها أرجوك. ثمّ رمت بنفسها فوق صدره محاولة أن تبعد المسدس عن رأسه. انطلقت رصاصة عابثة، شقّت زجاج المقهى وطارت في سبيلها نحو الخارج.

* * *

كانت تلك السنة صعبة على كمال. لم تكن الأمور تجري حسب ما كان يشتهي، وكان يتسكّع كثيراً في شوارع لندن دون هدفٍ واضح. صحيح أنّه عاشر الكثير من الأجنبيات يستره الضباب والغربة والرغبة الجامحة في نِسيان ماضٍ ما يزال يؤرّق لياليه الطويلة. كان يعمل في إحدى الصحف المحليّة والتي تصدر باللغتين العربية والإنجليزية، ولكن الدخل الذي كان يحصل عليه لا يكفي سوى سدّ الرمق. وبقيت الأيام تدور على عجل دون أن تنتظر كمال حتّى ينتهي من عدّ الشعرات البيض التي تجمّعت في أصل رأسه. كان عائداً الى غرفته الصغيرة في أحد أحياء لندن النائية، لكنّه قرّر تناول بعض القهوة في أحد النوادي قبل أن يأوي الى فراشه المسكون بالوحدة. نظر الى المقهى، كان الروّاد قلائل ذلك المساء. وكان في حيرة من أمره، لأنّه في حقيقة الأمر كان يسعى نحو الضجيج حتّى ينسى صمت روحه المتمرّدة. قرّر أخيراً الذهاب الى منزله. وما أن أنهت قدمه الخطوة الأولى حتّى استقرّ دويّ الرصاصة قريباً من قلبه. شعر بقوّة هائلة تدفعه الى الخلف. وقع ووضع يده على صدره. أخذت الدماء تتدفّق وغرق قميصه باللون الأحمر اللازج. صرخ كمال من حدّة الألم، وبعد لحظات غاب عن الوعي.

* * *

- أنا رجل أعمال إماراتي، وقد أنعم الله عليّ ورزقني أكثر ممّا أستحقّ يا وِلدي. أحضر هنا كلّ عامٍ لإجراء الفحوصات اللازمة كما أشرت عليّ يا دكتور عبد المجيد.
- الله يعطيك الصحّة والعافية يا سيّد رشيد. الحمد للّه، جميع الفحوص تشير الى أنّ المرض الذي كنت تعاني منه قد أصبح قيد النسيان.
- هذا كرم من ربّ العالمين. لا أدري كيف أشكرك يا دكتور. أنت اكتشفت المرض في مراحله الأولى، وإليك يعود الفضل في شفائي. هل أنت على ثقة من أننّي شفيت تماماً يا دكتور عبد المجيد؟.
- أتمنّى أن تبقى على تواصل مع طبيبك المشرف في الإمارات، وأهلاً وسهلاً بك ضيفاً في لندن، وليس مريضاً. تستطيع حتّى التبرّع بالدم يا عزيزي.
- صحيح .. هذه مناسبة لأثبت بأنّ صحّتي جيّدة وأنا أحمل نوعية الصفر الموجب. أستطيع تقديم دمي الى جميع فئات الدمّ يا دكتور. أخبرني أين المختبر.
- جزاك ربّي كلّ خير. سأرافقك الى المختبر.
مضى الاثنان الى المختبر وفي تلك الأثناء تلقّى الطبيب مكالمة عاجلة.
- هذا هو المختبر وأسمح لي بالذهاب فهناك حالة طارئة.
ذهب الطبيب الى غرفة العمليّات على عجل، وأدرك بأنّ المصاب رجلٌ شرقيّ الملامح. قال له الطبيب المناوب الآخر:
- هناك خطر على حياته، وأنا لن أجري له العملية دون موافقة احد أقربائه.
- ولكن قد يتطلّب حضور أحدهم وقتاً طويلاً، ونحن لا نمتلك الوقت يا دكتور سيمون.
- الموافقة على الهاتف تكفي في هذه الحالات.
أخذ الدكتور عبد المجيد يفتّش ملابس كمال وسرعان ما عثر على صورة فتاة عربية وكان هناك رقم هاتف. سارع الدكتور بطلب الرقم المكتوب على ظهر الصورة.
- أنا آسف سيدتي على هذه المكالمة الطارئة، ولكنّ هناك رجل مصاب في غرفة مستشفى الطوارئ في لندن واسمه كمال عبد الهادي. إصابته خطيرة للغاية، ولا بدّ من إجراء عملية جراحية له، لهذا نحن بحاجة لموافقة أحد أقربائه قبل إجراءها.
- هل حالته خطيرة الى هذا الحدّ
قالت هند جزعة.
- نعم .. لقد فقد الكثير من الدمّ.
- لا تقدّموا له البنسلين، فهو يعاني من حساسية شديدة ضدّ هذا المضاد.
- بدون بنسلين. صرخ الدكتور عبد المجيد بأعلى صوته الى الممرّضات والطبيب الآخر. وأضاف موجّهاً حديثه الى هند "هل تخبريني بصلة القربى التي تربطك به؟"
- كمال ما يزال خطيبي يا دكتور. ( حتى منتصف هذه الليلة ما يزال خطيبي) أضافت - أشكرك سيدتي .. لقد انقذت حياته. ثمّ أغلق الهاتف.
- زمرة دمه نادرة يا دكتور عبد المجيد.
ابتسم الدكتور عبد المجيد وقال
- زيرو موجب؟
- نعم .. زيرو موجب.
- لا تخف يا دكتور .. الله كريم.


[/frame]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
خيري حمدان غير متصل   رد مع اقتباس