[عبد الحافظ بخيت متولى]

اخى الحبيب عبد الكريم
أخوتى الأحباء الذين وضعوا بصمتهم هنا
لا أعرف هل أنا هذا الرجل أم أنه غيرى؟ هل أقرأنى بين سطوركم أم أعيد اكتشافى من جديد؟
حقا أنا مرتبك وكأنى أنظر فى مرآة لأول مرة فأرانى أكثر بهجة وإشراقا , فقد كنتت من قبل عندما أواجه بالسؤال : هل أنت عبد الحافظ؟ أقول: هذا ما أبقت الأيام من وهنى, لكننى اليوم أرانى عاجزا عن إجابة هذا السؤال بهذا الطرح وعن تصنيفى الزمنى , أرانى فتيا أرتد إلى سنوات الصبا الأولى , وما انا إلا نتاج بيئة جغرافية لا تعرف منطقة وسطى, فهى جغرافية متطرفة فى حرها متطرفة فى بردها فى صعيد مصر, لذلك فالصعيدى افراز طبيعى لهذه البيئة , فهو غاضب حد القتل عاطفى حد البكاء , وما بين هاتين النقطتين أعيش اللحظة التاريخية بكل عنفوانها , أرانى اهتز عند الباطل وأريح الحق عنوة وأتدثر بالوضوح عمقا وأسير على خيط من الفجر فى الصدق والحق والجمال, أقاتل حتى الطواحين من أجل فكرة تعلى من قيمتى ومن قيمة أهلى , تخرجت فى مدارس كثيرة منها الفقر والمعاناة وبأس الرغيف ومنها الفكر وكيف أن توفر ثمن الكتاب ومنها الحفر فى الصخر حتى تحقق ذاتا فكرية وثقافية فاعلة, ومنها أجلاَّء التصقت بهم فارتفعوا بى من أساتذتى الذين تقليت على يديهم العلم والفكر, حافظت على استقلالى الفكرى ولم أنحز لمنجز سياسى أو فكرى إلا ليكون جزءا من تكوين فكرى جديد عندى و محطات كثيرة تعكسها مرآة الروح -أخى كريم-ولا أعرف إن كنت الآن أتحدث عن نفسى وفق أدب السيرة الذاتية أو كتابة المذكرات أو الثرثرة فى مقام الوجد, لا أعرف , لكنى أريد أن أقول انى مدين للكثيرين فى حياتى بصنائع جميلة أولهم بعض أساتذتى وآخرهم أنت ,مرورا بأشخاص لعبوا أدورا جميلة فى حياتى ومنحوها سحرا جديدا وألقا مغايرا ,وجماعات ذوبتنى فيها أهمها مربع الحب الذى أرانى انصهرت فيه حتى النخاع وغير ذلك, تلمع أسماء كثيرة منها حسن السمعونى والصالح والسلطانى وطلعت سقيرق وهدى الخطيب ونور الأدب والنقد والفكر والندوات وسهرات المناقاشات الحادة والدخول فى عراك مع ايديولجيات مغايرة ومحاربة الآخر المفسد ورحلات القطار والصعلكة فى أروقة الفكر وقراءة الكتب بالاستلاف واقتناء مكتبة وحب مصر حد الخرافة والدفاع عن الصعيدية كقيمة فكرية ومؤتمرات كثيرة يمور فيها الفكر مع الشعر وإنسانة غيرت وجه حياتى وأبرقت فيها نجمة للوفاء والإخلاص
أرانى الآن أسكب ذاكرتى يا كريم بين يديك دون ترتيب أو تنميق فلا أنا "أيام" طه حسين ولا "أربعون "ميخائيل نعيمة ولا" أنا" العقاد , إنما أنا عبد الحافظ المُكتَشف من جديد يضع الذاكرة كيف هى هنا دون مواربة أو خجل وأضع نصف الكوب المملوء هنا فالسكر دائما فى قاع الكأس فاعذرونى جميعا على هذه الثرثرة التى أثقلتكم بها
للجميع محبتى وخالص تقديرى