[frame="1 98"]الحديث عن مسعدة[/frame]
[gdwl]
[align=justify]
وبعد أن تحدث الرجل حمدان طويلاً عن أيام الطفولة الجميلة اللذيذة في وادي الطواحين الذي يقع في غرب مدينة صفد .. انتقلنا سوية للحديث ما طاب لنا الحديث ، عن أيام قاتلنا فيها عسكر اليهود .. وكيف كانت هذه الأيام مليئة بالحياة والحركة والعطاء .. وأخبر الرجل حمدان ، أنه لابد من العودة إلى قتالهم .. فقلت : هو الحق ، علينا أن نقاتلهم دون هوادة .. فقال الرجل حمدان مودعاً : أجل دون هوادة يا مسعود دون هوادة .. وانصرف..
ومن غير أن يسطر القلم كلمة واحدة ، ذهبت مفكراً إلى غرفتي .. وكان الشارع مليئاً بالمارة ، يضطرب بالحركة الدائبة المستمرة … ولا أدري لماذا تذكرت يوماً كانت أمي كثيراً ما تتحدث عنه .. كانت تضع يدها على خدها ، تشرد بين الحين والحين .. ثم تعود لتردّ عن جبينها شعرها الأسود الذي خالطه الكثير من البياض .. وتقول : كان ذلك في الثاني والعشرين من نيسان عام 1948 ، بعد منتصف الليل ، أخذ عسكر اليهود ، يهاجمون حيفا .. دخلوا البيوت والشوارع والمباني العامة .. قتلوا خمسين واحداً منا ، وجرحوا الكثير .. فوجئنا .. أخرج الرجال النساء والأطفال إلى منطقة الميناء لنقلهم إلى عكا.. وفي أثناء ذلك ، هاجم عسكر اليهود النساء والأطفال ، وقتلوا مائة منا .. وكنت أسأل أم مسعود التي هي أمي : ولماذا هاجموا الأطفال والنساء ؟؟ وكانت أم مسعود تجيب : هكذا هم دائماً يا ولد، وما كان ذلك بأمر جديد … وكانت تتابع : ولكن تأكد يا ولد يا مسعود ، أن رجالنا وشبابنا قاتلوا ببسالة ، رغم قلة السلاح والذخيرة.. فما كنا نملك إلا القليل الذي لا يذكر.. وأنت تعلم يا ولد .. كانت الأسلحة تتدفق على عصاباتهم . وكنا محرومين ومحاصرين ، فلا يسمح للواحد منا ، أن يملك رصاصة واحدة ..
وما أن أتذكر ذلك اليوم حتى يمر شريط طويل من الذكريات .. وأشرد : كيف كنت أسأل أمي عن قتلهم لنسائنا وأطفالنا .. !! ولا أرى في الشريط الطويل إلا الدم والدم .. وفي كل مرة ، النساء والأطفال يقتلون ، يذبحون.. فكيف كيف ، يمكن لنا أن نسقط الذاكرة ، أن نسقط الحقد ، أن نسقط الجسر الطويل من الدم . ذات مرة ، قالت أم العبد : إياك إياك يا ولد يا مسعود أن تنسى .. يومها ضحكت وقلت : وكيف يا أم العبد كيف ؟؟ أتصدقين أن ينسى الفلسطيني أمه وأخاه وهما يقطران دماً ودماً ودماً ؟؟ يومها وضعت أم العبد يدها على خدها ، وحكت عن طبرية ، عن أطفال ونساء في بركة الدم .. فتذكرت أمي وصرخت : الرصاص ، الرصاص .. الزناد ، الزناد.. لتكن كل الأصابع يداً واحدة في مقاتلة عسكر اليهود.. الزناد الزناد .. الرصاص الرصاص .. بركة الدم تسألكم تصرخ فيكم : الزناد الزناد .. الرصاص الرصاص .. قالت أم العبد : حدثني عن مسعدة يا مسعود.. وكنت غائم القلب والعينين .. فأخذت أحكي عن عبد الرحيم الذي يقاتل عسكر اليهود ، وعن الرجل حمدان الذاهب لقتالهم .. قالت أم العبد : عن مسعدة يا مسعود ، عن مسعدة !! فأخذت أحكي عن فاطمة التي من طبرية .. فضحكت أم العبد وقالت : لأول مرة لا يطيب لك الحديث عن مسعدة يا مسعود .. فتطلعت إلى الشمس وقلت : وهل أتحدث عن غيرها يا أم العبد.. أليست مسعدة في كل هؤلاء.. أليست عرعرة القريبة من عارة في كل هؤلاء .. وحيفا ، تلك التي تحدثت أمي عنها .. وطبرية التي تحدثت أنت عنها يا أم العبد .. أما حيفا وطبرية في كل هؤلاء .. ضمتني أم العبد إلى صدرها وقالت : أجل يا مسعود يا ولدي .. مسعدة في هؤلاء .. وعرعرة في هؤلاء .. كما كل فلسطين في هؤلاء ..
[/align]
[/gdwl]