الموضوع: الرجل الفذ
عرض مشاركة واحدة
قديم 09 / 03 / 2011, 30 : 01 AM   رقم المشاركة : [1]
محمدخير عواد
كاتب نور أدبي

 الصورة الرمزية محمدخير عواد
 





محمدخير عواد is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: فلسطين /حيفا

الرجل الفذ

الرجل الفذ


تنطق شواهد كثيرة على مدينة مجدها غابر، وما يعزي المرء تراكمات تربتها التي تحتفظ بطيات زمانها، بيد أن أبناءها كانوا قلة في حقبة من الزمن كحفنة قمح. ما لبث فلاحوها رميها في أرضهم وجاء الموسم حتى فاضت الأرض بغلاتها وباتت تشبع أمة بأسرها. طمع الطامعون، غزتها موجة غربان حجبت ضياء الشمس، على أثر ذلك قدم رجل شامخ ويبدو شموخه حزينا يحمل حقيبة ملأى (بكواشين) التراب والهضاب وأشجار الزيتون والبرتقال. صارع الأعداء واحتدم الصراع مما اضطره للمناورة والتسلل لكي لا تقع بأياد يخشاها، تابع المسير بين السهول والهضاب والأشجار مترامية هنا وهناك كأصنام دون حراك، والشمس ساطعة لتفضح أهوال الزمان المخبأ بالمجهول الذي ينتظره. هكذا حتى أنهكه الجهد والعطش فأخذ يشهق الهواء بفمه ليحصل على رطوبته. تابع السير دون كلل أو ملل حتى سقط على ظهره وعيناه شاخصتان إلى جبة السماء والغيوم مترامية بأطرافها والشفق الأحمر ضياؤه عليها، بدت كأنفاس أمة غاضبة.
انقلب على يمينه ليشاهد شيئا يستمد منه العزيمة وإذ بسندس أخضر على سفح هضبة مقابلة وطيور تهبط خلفها نهض إليها متثاقلا حتى وصل شاهد طيورا غاضبة صاخبة، بدت تستعد لتحرير أعشاشها وينبوع متدفق من بين صخرتين بارتفاع شجرة صنوبر أو أكثر. بدا كمارد يسكب الماء من خابية ضخمة ليروي أمة ظمأى وأسلاك تحاذيها أشجار العنب والبرتقال، تفصل بينه وبين الينبوع وتمتد أغصانها لكلا الجانبين كأم تعدل بين أبنائها وموال دخل مسامعه وقلبه دون استئذان يقول صاحبه: يا ذئب حالك مثل حالي كفاك نواحا لقد خيبت آمالي ". هم الرجل الفذ بتجاوز الأسلاك صاح به جندي: "قف لا تقترب ممنوع". وقف الرجل الفذ قائلا لا أريد بك سوء فقط أريد شرب الماء. رد عليه: "هذا ليس شأني، هيا ابتعد انكفأ الرجل خطوتين إلى الوراء قائلا لنفسه: "لا بأس من أكل بعض حبات العنب ستغنيني عن جوعي وعطشي". مد يده ليقطف عنقود عنب صغير صاح الجندي بأعلى صوته: "إياك أن تفعل وإلا أطلقت النار عليك".
وقف الرجل الفذ حانقا غاضبا وصاح بأعلى صوته مؤسف أن تنطق كلمة وعيد بحقي ولسان كلينا ينطق بلغة واحدة. تعلم من الينبوع فهو يستمد الماء من هضاب خلفك، ويخترق الجبال والصخور ليصل إلينا ويجري كالدم في عروقنا. واذكر موالك للذئب فإن ناح ليس على حاله بل ناح ألما علينا. أنا راحل وبالله عليك لا تفعلها مع غيري حتى لا يقال المروءة ماتت بيننا، لمحه بحنق وغضب وإذ به يطأطئ رأسه خجلا، وتابع سيره (كجمل محامل) لا يأبه بجوع أو عطش، صاح إليه: "توقف يا رجل، إلى أين تذهب؟"
لم يحفل به صاح ثانية: "توقف وإلا أطلقت النار عليك!" لكنه لم يمتثل لأمره صاح ثالثة:"توقف يا رجل وأطلق رصاصة إلى يمينه ولم يأبه، وأخرى إلى يساره حتى تطايرت الأتربة عليه. لكنه تابع السير لبضع لحظات وقد خيم السكون الذي يسبق العاصفة. فجأة دوى انفجار يفوق صوت طلقات البندقية بمئات المرات دهش الرجل الفذ ونظر إلى الدخان والغبار حتى انجلى وإذ بالأسلاك تقطعت وبعض أشلاء الحارس ومياه الينبوع تنساب بغزارة سالت من عينيه دموع ساخنة. عاود يغتسل ويشرب الماء وقرأ الفاتحة على روحه الطاهرة.


الكاتب محمد خير عواد


نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)

التعديل الأخير تم بواسطة خيري حمدان ; 02 / 05 / 2011 الساعة 03 : 11 PM.
محمدخير عواد غير متصل   رد مع اقتباس