رد: الحلف الاستعماري وقضية فلسطين
خامساً ـ الخلاف المصطنع حول مركزية إسرائيل:
امتلك اليهود في أوروبا والولايات المتحدة ثروات كبيرة لا يستهان بها وعملت بريطانيا على دعم المشروع التوراتي وحلم اليهود لاحتلال فلسطين فحاول زعماؤهم نيل مباركة السلطان عبد الحميد الثاني العثماني الذي رفض بشكل قاطع من مواقفه المبدئية الدينية أن يتنازل عن شبر من أرض فلسطين[74]. وحتى تقف بريطانيا واليهودية العالمية حائلاً بينه وبين الباشا محمد علي حاكم مصر ودوافعه بإنشاء دولة قوية تضم مصر وبلاد الشام وحاولت بريطانيا نشر روح الصداقة والمحبة بين السلطان واليهود بأي شكل وإنهم سيقدمون خدمات جليلة لتركيا ضد باشا مصر حينذاك.
تحدث هرتزل عن أن المشكلة اليهودية ظلت موجودة أينما يوجد اليهود ولا توجد حيث هاجروا، لكنه يعتبر اليهود متأثرين لا بل وشعب واحد، رغم تأكيده بأنهم يهاجرون من مختلف البلدان ولا يجمعهم سوى "اليهودية"، كدين وعلى أنهم يعاملون كغرباء في الدول التي يهاجرون إليها، ويؤكد في كتابه "الدولة اليهودية"، أن اليهود الأثرياء ليس لديهم مشكلة ويفرضون قوانينهم ومصالحهم مع مصالح الأثرياء في دولهم أما اليهود المهاجرون فهم مصدر المشاكل والقلق لغيرهم من الأثرياء، ونلاحظ أن هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية العالمية أظهر يهوديته بوضوح من خلال عقليته اليهودية بتشجيع يهود العالم إلى الهجرة بهدف إقامة دولة يهودية، مؤكداً على تنسيق العمل لإقامة تلك الدولة الجديدة بتأسيس وكالتين "جمعية اليهود" و"الشركة اليهودية للاستيطان"، وركز على خيار مكان الدولة بين فلسطين أو الأرجنتين فكانت الأخيرة تستهويه أكثر لأنها أجمل وأخصب بقاع العالم[75].
لعل اختيار لندن كمركز رئيسي للشركة اليهودية للاستيطان كان سببه تعاون هرتزل مع شركة أسرة روتشيلد تحت حمايتهم وحماية إنجلترا.
ووجه هرتزل رسالته الشهيرة إلى روتشيلد لاستيطان أميركا الجنوبية 15/6/1895م، مؤكداً إنه وجماعته من المهندسين والفنيين والعلماء والرؤساء سيختارون الأهم في العالم[76].
إذاً جميع التحليلات والخطابات لهرتزل كانت تؤكد على إنشاء دولة يهودية بالتعاون مع بريطانيا، ولا يمكننا النظر إلى الخلافات بين الوكالة اليهودية العالمية، والحركة الصهيونية العالمية إلا كونها خلافات شكلية لها أبعاد سياسية خاصة بطبيعة التوجهات اليهودية ـ الصهيونية أكان تجاه الباشا محمد علي أو اتجاه السلطان أو اتجاه بريطانيا نفسها، البعض يؤكد أن الصهيونية تعاونت مع الامبريالية العالمية في إخراج المشروع الاستيطاني في فلسطين إلى الوجود، وتناسى ذلك البعض ماقاله هرتزل آنفاً فرغم ذلك لعبت الوكالة اليهودية العالمية عبر الشركة اليهودية الاستيطانية التي أسسها هرتزل بكل الأحوال، الدور المهم في جميع الأحوال بالتهجير، وشراء السلاح، والتدريب الحربي وبناء المستوطنات.
توافقت أنشطة الوكالة مع الحركة الصهيونية وشكلت الحارس الأمين للدور الاستعماري المباشر على فلسطين وأداة تنفيذية لتحقيق أهدافٍ رسمت خيوطها جيداً تحقيقاً لأهداف اليهود والصهيونية عبر التنسيق بإيجاد وكالة لرعاية مصالح الطائفة اليهودية بما لا يتعارض مع الانتداب البريطاني بل وبتعاون صريح بينهما عبر وعد بلفور 1917م وكانت الوكالة تحاول تمثيل الصهاينة وغير الصهاينة من النواحي الدينية بينما عارضت الصهيونية إلى حدٍ ما الفكر والنوازع الدينية اليهودية غير الصهيونية فشكلت لنفسها طريقاً سياسياً وقومياً اكتسبت صفة الشرعية من الانتداب البريطاني نفسه، وبهذه الصورة تتحمل بريطانيا المسؤولية التاريخية عن أنشطة والنفوذ اليهودي في مختلف أنحاء العالم الاتجاهين في فلسطين أيام الانتداب وعلى أن دور "الوكالة اليهودية"، ماهو إلا لتبرير أهداف الحركة الصهيونية فيما بعد تجاه التعاون مع بريطانيا ومراكز القوى، رغم وجود تيارات يهودية غير صهيونية، واجتمع حاييم وايزمن مع "ب.مارشال"، رئيس اللجنة اليهودية الأميركية باعتباره يمثل أكبر تجمع ليهود العالم، وطلب منه ومن زعماء آخرين الانضمام إلى الحركة الصهيونية العالمية ودعمها سياسياً ومالياً وتبرير هجرة اليهود من الولايات المتحدة، وشكلت عمليات الخداع والتضليل التي مارستها الوكالة اليهودية كأداة بيد هرتزل والصهيونية العالمية لإقناع اليهود بالهجرة إلى فلسطين وإن كانوا غير مقتنعين بالصهيونية أو أي اتجاه آخر لأجل استيطان فلسطين وتطوير إمكانياتها لاستيعاب الآخرين.
بالخداع والتضليل الذي مورس حتى انكشفت أهدافه ومراميه بعد اغتصاب فلسطين 1948م، وبعد ذلك أعلن عن أن الوكالة اليهودية ماهي إلا الحركة الصهيونية العالمية ذاتها واعترفت المادة رقم (4)، من قانون الدولة اليهودية المقامة بقرار التقسيم (181) بأن الدولة تعترف بدور المنظمة الصهيونية العالمية باعتبارها الوكالة اليهودية المهيئة للعمل من أجل الاستيطان والتطوير، والهجرة، وقيادة العمل في مختلف أعمال الدولة وهيئاتها أكانت داخل الدولة أم خارجها.
هيمنت قيادة حزب العمل الإسرائيلي على قيادة الوكالة اليهودية والحركة الصهيونية، بما في ذلك سيطرتها على "كيرن كيميت" الصندوق القومي اليهودي الذي يعود إليه استيطان فلسطين وتمويل المشاريع الاستيطانية وبالأخص في (الكيبوتس والموشاف)، وسيطرته على الهستدروت والأوضاع المالية والاقتصادية واستيعاب الهجرة والإسكان باستخدام الأسلوب الليبرالي الديمقراطي برؤية لا تفرق بين الدولة التي قامت على أنقاض شعب آخر وبين المنظمة الصهيونية العالمية ووكالتها حتى عام 1977م، وكانت تجمع المعراخ يعتبر نفسه ممثلاً من غير منازع للطبقة العاملة اليهودية وموظفي الدولة وأنشطتها، وفُرض لعضوية المؤتمر الصهيوني العالمي من داخل الدولة صراع صريح بين المعراخ والليكود وفقاً لانتخابات عامة 38% للدولة التي تتضمن الليكود والمعراخ 200 عضو من أصل 500 عضو عن بقية تجمعات اليهود وتنازع الحزبان على مقاعد الـ200 في المؤتمر واكتسح الليكود بانتخابات الكنيست عام 1977م، أغلب المقاعد 185 مقعداً وأدى ذلك إلى وجود نفوذ قوي لليمين الصهيوني في الدولة اليهودية داخل اللجنة التنفيذية للمؤتمر الصهيوني العالمي وفاز الليكود برئاسة المجلس ورئيس اللجنة التنفيذية.
وكان واضحاً أن الليكود بدأ يتمتع بنفوذ في داخل الدولة اليهودية وخارجها وبدأ تأثيره في المنظمة العالمية واضحاً وبهذه الصورة سيطر حزب الليكود كتكتل يميني متطرف على الدولة والوكالة اليهودية العالمية والمنظمة الصهيونية العالمية، الأمر الذي تحول ضغط الليكود داخلياً وخارجياً للقبول بآرائه، وتوجهاته وبدأت إشكالات عديدة حملت قيادات الليكود إلى فرض تصوراتها على اليهود خارج "إسرائيل" بخاصة؛ وأن الوكالة اليهودية والحركة الصهيونية لها آليات عمل ومؤسسات وأنشطة باتت مستقلة إلى حد ما عن آلية عمل الدولة، وبالأخص حينما رفضت تبعيتها لإسرائيل والكنيست رغم أن الحاخام شندلر رئيس مجلس رؤساء المنظمات والمجالس اليهودية في الولايات المتحدة وكان مؤيداً بالمطلق لسياسة الليكود والدولة وحقها في تقرير شؤونها السياسية والاقتصادية والأمنية والفكرية مع دعم علاقاتها الكاملة مع الولايات المتحدة، إلا أن حركة العمل الصهيونية لم تأبه لموقف الحاخام شندلر وطالبت بحقوق متساوية بين الدولة وبين الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة على أن لا تكون إسرائيل مركزاً لاهتمام يهود العالم ومنظماتهم، ودعوا إلى حق انتقاد السياسة الإسرائيلية المتخذة في الدولة ومناقشة قرارتها وانتقادها على أساس النقد والتدخل المتبادل فيما بينهما، وأكدت حركة العمل الصهيونية في الولايات المتحدة على حقوقها بمناقشة وضع العمل والحريات العامة والمؤسسات المدنية، ووضع جميع اليهود في الدولة إذا ما تعرضوا لإهانات أو القمع، والإرهاب من قبل قيادة تلك الدولة موضع المساواة، وأدى هذا الموقف إلى خلافات واسعة، شكلت حالة جديدة بين رواد الدولة اليهودية وبين منظمات وتجمعات يهودية تعيش نمطها السياسي والإعلامي والتنظيمي والمالي في بلاد بعيدة[77].
وحسب هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية في مشروعه المتضمن:
1 ـ دعوة رجال المصارف والبنوك اليهود الكبار ليشتركوا بدعم الوكالة اليهودية، والحركة الصهيونية بمشروع إقامة الدولة مع مراعاة آلام فقراء اليهود والإسهام المبكر بدعم المسألة اليهودية في أوروبا.
2 ـ تأسيس صندوق قومي يهودي يحقق استقلال الوكالة اليهودية عن أصحاب المصارف اليهود الكبار أكانوا في أوروبا أو أميركا[78].
3 ـ توفير دعم الدول الكبرى على مشروع إنشاء دولة يهودية في فلسطين وعلى بريطانيا أن تحقق توازناً دولياً يحافظ على أوضاع اليهود ومشروعهم ودون أن تخسر شيئاً عليها أن تلتزم علناً بذلك.
4 ـ التأسيس للبنك الاستعماري اليهودي تقوم به جمعية الاستعمار اليهودي، واستخدام جهاز الدعاية اليهودية بدعم تصوراتنا، لم يعرض أسرة روتشيلد فكرة البنك لأنه سيعمل على حل المسألة اليهودية أكانت ضمن مشروع فلسطين أو خارجها في أنحاء العالم، وخوفاً من أن يكسب ذلك البنك عداوات لأنه يهودي وجب أن تبتعد أسرة روتشيلد عنه مع تأمين دعمهم الخفي له. [79]
وضع هرتزل إذاً آلية الاستيلاء على فلسطين، وميكانزم إقامة الدولة في كتابه "الدولة اليهودية"، إلا أن تلك اليهودية العالمية وزعاماتها أكدت مراراً أنها (أي الدولة)، لا تستطيع استيعاب كل يهود العالم، وبهذه الصورة برزت الخلافات بين يهود إسرائيل الصهاينة في المؤتمر السادس 30/6/1977م، للوكالة اليهودية وبين يهود الخارج، حيث طالب المؤتمر اليهودي العالمي تطبيق قرارات التضامن بشكل مطلق وديكتاتوري صارم لدعم إسرائيل فأوضحت أعمال وأنشطة الوكالة واليهود فيها:
1 ـ أن الوكالة اليهودية هي وكالة للشعب اليهودي في الولايات المتحدة والعالم وهي أداة سياسية لهم جميعاً مهما كانت انتماءاتهم وعلى حكام إسرائيل الاعتراف بالطابع اليهودي للوكالة، وإن كانت على خلافات معينة مع طبيعة دولة إسرائيل.
2 ـ طالبت لجنة حوريف التي تزعمها (ماكس فيشر) المؤتمر بتطبيق قرارات وتوصيات الاستيعاب السكاني والهجرة لجذب المهاجرين الجدد وإن كانوا غير صهاينة، بسبب أن دولة إسرائيل حسب فيشر فشلت في عملية التنسيق مع الوكالة لإقامة وزارة خاصة بها لأجل استجرار يهود جدد، لأنه في عام 1976م، ألغيت دائرة الهجرة في الوكالة اليهودية، وأقيمت هيئة مستقلة تتقاسم المسؤولية العليا مع الوكالة، وحكومة إسرائيل، بهدف استيعاب أعداد جدد والتخطيط لذلك، إلا أن مناحيم بيغن حينما تولى رئاسة الحكومة ألغى الهيئة ووزارة الاستيعاب، وأعلن عن تشكيل هيئة عليا جديدة برئاسة (أهرون أبو حصيرة ـ ديفيد ليفي) على أن يكون هو رئيساً في اللجنة المشتركة بين الوكالة والدولة.
واعتبر دور الوكالة اليهودية العالمية في الكيان الصهيوني بأنه (دولة ضمن الدولة) فحاول الليكود تحجيم دور الوكالة باحتلال أهم المراكز في المؤتمر الصهيوني 29/في شهر شباط 1978م:
1 ـ الصندوق القومي.
2 ـ رئاسة مجلس إدارة الوكالة اليهودية.
3 ـ المؤتمر الصهيوني (29).
4 ـ دائرة الهجرة والاستيعاب.
5 ـ دائرة التعليم العبري في الخارج.
6 ـ الشبيبة والطلائع ومعسكراتها.
7 ـ دائرة العلاقات مع المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة.
وحصل خلافات معينة بين حكومة الليكود، وماكس فيشر لاحتلال الليكود مراكز هامة في الوكالة من خلال المؤتمر المذكور تجاوز الليكود أيضاً عمليات تجنيد يهود الشتات في أنشطة تقوم بها الوكالة نفسها مما أثار ردود فعل قوية لدى فيشر وزعماء الوكالة في الخارج وحملت سياسة الليكود المتطرفة الوكالة إلى تأييدها في استيطان القدس والضفة والقطاع فرفضت، وحصلت تحريضات من الوكالة اليهودية وأنصارها عام الاجتياح لـ/لبنان 13/12/1982م (المؤتمر رقم ـ 30). ضد (اسحق نافون) و(اسحق شامير)، للأكاذيب التي تفوها بها عن مجازر صبرا وشاتيلا واجتياح العاصمة اللبنانية وتم طردهما من منصة المؤتمر ولم يسمح لهما المؤتمر الاستمرار في خداع الوكالة ومؤتمراتها ورفضت الوكالة اعتبار إسرائيل وحكامها مركزية بالنسبة لها!...
سادساً ـ إدغار برونغمان يعارض هجرة يهود أميركا
وأكد ادغار برونغمان رئيس الطائفة اليهودية في نيويورك ضمن المؤتمر اليهودي العالمي 18/22/1980م، أنه على حكام إسرائيل أن يفهموا بأن اليهود في الشتات ليسوا في المنفى بل هم في بلادهم الأصلية ولن يذهبوا إلى إسرائيل وليس لديهم شعور بالاضطهاد فهم يسيطرون على كل شيء في الولايات المتحدة أكبر دولة في العالم وليس من مصلحتهم الهجرة إلى دولة صغيرة مثل إسرائيل "يمارس حكامها الأساليب الفاشية والعنصرية فضلاً عن عداء الدول المجاورة لها"، واعترض مع غيره من زعماء اليهود في الولايات المتحدة على مبدأ شامير ونافون وشارون بمركزية دولة إسرائيل بالنسبة إلى يهود العالم وهو مبدأ غير مقبول من الجميع واعتبروا أن التجمع اليهودي في إسرائيل، هو كأي تجمع يهودي في العالم، بما يعني رفض الضغوطات التي تمارسها حكومات الليكود ضد المؤتمر اليهودي العالمي في نيويورك.
مع وجود منظمات (بناي بريث ـ وإيباك ـ وهاتيكفا) الذين دعموا استيطان اليهود في فلسطين إنما لم تدعم (هياس) المشاريع الاستيطانية اليهودية إلا في كندا وأوروبا الغربية وإفريقيا والبرازيل والأرجنتين واستراليا إضافة إلى منظمة جونيت العالمية التي لها أنشطة واسعة في مختلف مناطق الولايات المتحدة لدعم استيطان اليهود فيها وليس في إسرائيل وكان ذلك خلافاً صريحاً مع قادة الكيان الصهيوني.
لقد طالب (موشي أريتر وشارون وديفيد ليفي)، محاصرة أعمال هياس وجونيت لأنهما منشقتين عن (إسرائيل)، ومبادئ هرتزل والحركة الصهيونية العالمية وطالبا بإيقاف أنشطتهما مهما كلف الثمن.
وعملت بعض المنظمات اليهودية بتأييد حكومة الليكود وبعضها انتقد بشدة أساليبها العسكرية العدوانية وانتقد (يهوذا شابير) الحكومة الإسرائيلية مؤكداً على الحق بانتقاد ممارساتها غير اللائقة لأن بيغن وغيره يقصدون من وراء الاستمرار بالاستيطان في الضفة والقطاع دفع الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة لإفراغ أماكنها والالتحاق بمشروع إسرائيل الاستيطاني وركزت رابطة مكافحة التشهير "ب.جوزيف". على أن سياسة حكام إسرائيل في الضفة والقطاع غير شرعية بكل المقاييس لأنها مأهولة بالسكان العرب[80].
وبالمقابل زار عام 1981م وفد من مجلس النواب الأمريكي تحت ضغط جماعات اللوبي الصهيوني (تل أبيب)، لدعم التعاون مع إسرائيل وعلق أرئيل شارون في صحيفة يديعوت أحرونوت:
"إن الأميركيين يعتبرون (إسرائيل) برج حصن عسكري يمكنهم الاعتماد عليه لحماية النفط وطرق إيصاله إلى الغرب وأمريكا، حتى وإن كان ذلك بالوسائل الحربية"[81].
وأشار العالم الأميركي الصهيوني "روستو" إلى أن إسرائيل حليف مضمون للولايات المتحدة وتشكل ركيزة استراتيجية لها في الشرق الأوسط ومساند فعال للمصالح الأمريكية، لذلك فإن الاستراتيجية الأمريكية تدافع عن إسرائيل في السلم والحرب معاً دون أي تردد، وهذا ما أكده المحلل الروسي كاراسيف في كتابه وليمة دسمة على حساب الغير مؤكداً اتفاق البنتاغون مع حكام (إسرائيل) كضمان للدفاع المشترك[82].
لقد شكلت التوراة إضافة لـ(بروتوكولات صهيون) بصيغها المعروفة المخزون العنصري ومنظومة مشتركة لتمنح القاتل، والإرهابي الإسرائيلي كفرد وكمؤسسة نيل رضى اليهودية بتعاليمها الشوفينية، يدعو رب اليهود موسى وطائفته بقتل الأطفال والنساء والحيوانات وقلع الأشجار ويدعوهم ليتجندوا ويقتلوا الشعوب والملوك والرؤساء".
"سبى بني إسرائيل نساء مديان وأطفالهم ونهبوا مواشيهم وأملاكهم، وأحرقوا جميع مدنهم وجميع حصونهم بالنار وأتوا إلى موسى والعازار الكاهن بالسبي والنهب والغنائم"، ولعل تعليقات الرابي إبراهام هكوهين الشخصية اليهودية الدينية المتعصبة الذي قال:
"إن الفرق بين اليهودي وغير اليهودي هو فرق نوعي كالفرق بين البشر (اليهود) وبين الحيوانات (غير اليهود)، وهذا ما يفسر تصريحات الحاخام اليهودي عوباديا يوسف متهماً شعبنا الفلسطيني بأنه من الثعابين السامة؟!..
ولا نجد في الولايات المتحدة لا من المسؤولين ولا من غيرهم تعليقاً واحداً على تلك السخافات والشعوذة التي يطلقها غلاة اليهود، بخاصة وأن قتل الأطفال بدماء باردة[83] لا تعني شيئاً للرأي العام الأمريكي أو الأوروبي[84].
وكان رئيس الوزراء البريطاني (دزرائيلي) ناصحاً الإنكليز أن يتخذوا من الغدر، والكذب، والافتراء، دليل عمل لهم ضد شعوب المستعمرات وباعتباره يهودياً متعصباً فإنه سار على طريقة أبناء جلدته باعتبار كل أبناء البشر (الغوييم) فهو من المتنصرين نفاقاً ورياءً، كي يحقق مآربه اليهودية الدولية وانتماءه للمسيحية البروتستانتية تحقق له الدوافع الخاصة للتأثير على العرش البريطاني، وتشجيع الحرب والهيمنة بكل الوسائل الدنيئة كهدف رئيس لجماعته في بريطانيا، حينما طالبوا بعد الحرب العالمية الأولى أن تعترف بريطانيا العظمى بامتلاك الجنسية البريطانية إلى جانب الجنسية اليهودية من أجل الوصول إلى المناصب العليا مثل الوزارات والقضاء والجيش والمؤسسات الأخرى لخدمة مصالحهم مادامت تؤدي إلى خدمة مآرب الحركة الصهيونية العالمية بالسيطرة والنفوذ في الدول الكبرى ولتحقيق الحلم التوراتي[85].
***
الباب الثالث
الصهيونية العالمية في روسيا
((روسيا القيصرية وثورة أكتوبر حتى الآن)).
(1)
مدخل لمعرفة الصهيونية في روسيا
إنه في عام 1881م جاءت ظروف محاولات اغتيال القيصر الروسي الكسندر الثاني في حالة سياسية عارمة ومؤقتة لتحقيق الأهداف الصهيونية وبدأت الهجرة اليهودية بمئات الآلاف من روسيا وبولونيا إلى أوروبا الغربية والولايات المتحدة على أساس الاستيعاب والهجرة في تلك المجتمعات، وكان (بسمارك)[86] قد أعلن تحرير اليهود قبيل ذلك بعشر سنوات 1871م، ففتحت أبواب الهجرة على مصراعيها للمراكز الصناعية والتجارية الأوروبية ـ والأمريكية لتحسين المستوى الاقتصادي والسياسي لليهود والدعوة الكاملة للاندماج في تلك المجتمعات كما اشتدت المعارك التي أثارتها البروتوكولات في بريطانيا أ كثر من أي بلد آخر، وشنت على ألمانيا الحروب لتثبت الأيام في أوروبا أن اليهود الصهاينة أوقعوا أوروبا تحت سيطرتهم.
أما النفوذ اليهودي في روسيا قبل وبعد الحرب العالمية الأولى كان كبيراً حتى ضمن العناصر البلشفية والاشتراكية مما يؤيد دورهم في مختلف الاتجاهات السياسية حينذاك، قبل ذلك بلغ عدد المهاجرين قبل ذلك (2) مليون يهودي واستغلتها الحركة اليهودية ـ والصهيونية العالمية لتهجيرهم إلى أوروبا وأميركا، ورغم تناقضاتها بين اتجاهين مواقف بسمارك لتشجيع الهجرة وبين مواقف (غولدمان وبن غورين)[87] إلا أن الصهيونية بفضل الدعم الرسمي وغير الرسمي البريطاني والأمريكي حظيت بما تريده وتحلم به منذ مئات السنين.
لقد صرح روزنبرغ (فيلسوف النازية) أنه اطلع على البروتوكولات واستفاد منها كل الفائدة في دعم سياسة هتلر والنازية وكان عوناً للسياسة الشوفينية "هتلر فوق الجميع"، واستبداده ومرجعيته من المصادر اليهودية، والتفوق العرقي، ولعب كتاب "الأمير" لميكافيلي كمبادئ للطغيان التي تستبيح كل شيء خلاق وحسن وإنساني.
أولاً ـ الصهيونية في روسيا القيصرية وبولونيا:
دلت الإحصاءات السكانية عام 1897م على أن عدد السكان اليهود في روسيا كان حوالي (5.2) مليون شخص، وهي أعلى نسبة سكانية في أوروبا ولم يكن هذا العدد موجوداً أساساً في ألمانيا التي لم يتجاوز عدد سكان اليهود فيها بضع مئات من الآلاف بعكس ما تذكره الدعاية الصهيونية الامبريالية عن ما يسمى بـ"المحرقة النازية"، وما زهق فيها من أرواح اليهود لم يتجاوز عددهم "850" ألف شخص مقابل /40/ مليون شخص زهقت أرواحهم في الحرب الكونية الثانية، وحسب المؤرخين ي.س.يفسييف ول.فوستوكوف فإن عدد اليهود الذين كانوا نهاية القرن التاسع عشر في روسيا كلها بلغ أكثر من أي بلد أوروبي آخر نسبة (93.9%) من اليهود الذين كانوا في المملكة البولونية في تخوم الحضارة جنوب روسيا، وعاش اليهود هنالك في اليهودية ومؤسساتها الطائفية العنصرية المغلقة التابعة لها[88].
وفيما إذا نظرنا لأصل مصطلح "الغيتو" فإنها نجدها في أصلها الإيطالي تمارس فيها سياسة التمييز الطائفي والعنصري وهي منطقة للسكن الإجباري ـ لليهود ـ في بولونيا وروسيا وبعض الدول العربية إلا أن كاوتسكي الايديولوجي الماركسي المرتد أكد بكونه "يهودياً":
"ليس ثمة من أي شك في أن اليهود بفضل ميزاتهم الروحية الخارقة والخاصة يلعبون دوراً مهماً في الحركة الاشتراكية في أوروبا وهي بلا أدنى شك دور هائل"[89]؟!...
لقد اعتبر كاوتسكي اليميني القومي المتعصب "لشعب الله المختار"، متطرفاً بآرائه وارتد عن الثورة الاشتراكية في روسيا وناصر عصبة البوند والمنظمات السرية اليهودية إذ شكل خطراً على الحركة العمالية الروسية ـ والعالمية وما كتبه لرئيس تحرير صحيفة (Neuezeit) اليهودية الصادرة في لندن، تؤكد خطورته ودوره في التطرف اليهودي ـ الاشتراكي، وغير الاشتراكي.
|