رد: الحلف الاستعماري وقضية فلسطين
4
مشروع شمعون بيريز طبيعته وأهدافه ونتائجه
قدم شمعون بيريز رئيس وزراء إسرائيل السابق في كتابه الشرق الأوسط الجديد الصادر عام 1993م خطط اقتصادية شكلها العام تنموي ولكنها تخفي في ظلالها أو من ورائها رؤية جديدة للتعامل مع المنطقة وإذا كان مشروعه من أهم المشاريع الاقتصادية السلمية المقدم من قبل (حزب العمل الإسرائيلي) من حيث الشمول والتفصيل إلا أنه لقي معارضة كبيرة من الجانب العربي رغم أنه مشروع بيريز عدله خبراء منذ مؤتمر مدريد ضمن الإطار التفاوضي متعدد الأطراف والذي هدف بالأساس إلى تحقيق التعاون بين إسرائيل والأطراف العربية على أساس مقابلة الأرض بالسلام حيث انبثق عنه العديد من اللجان عن المياه، والبيئة، والتنمية، والتسلح ومسألة اللاجئين وعلى أساسه تجري انسحابات- إسرائيلية من الجولان وجنوب لبنان والأراضي العربية المحتلة بعد عام 1967م ووفقاً للقرارات الدولية وإذا رجعنا قليلاً إلى الوراء فإن المفاوضات الثنائية هدفت إلى رفع المقاطعة العربية الاقتصادية عن إسرائيل من خلال الوهم الدعائي الذي بثه إعلام النظام الإمبريالي العالمي بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية حينما قامت بعض الدول العربية بالهرولة إلى أحضان إسرائيل عبر إقامة علاقات تجارية وسياحية ودبلوماسية والاعتراف المتبادل، ورغم أن بعض الدول العربية تجاوبت مع الضغوطات الأمريكية –الأوروبية- إلا أن (إسرائيل) وحزب العمل لم يترجما السياسة تلك على أرض الواقع إلا بمزيد من التسلط والإرهاب المفضوح وبطلب مزيد من الامتيازات المتنوعة.
يتضمن تصور بيريز[147] المشروعات الأمنية والمشروعات الاقتصادية وهدف تلك التصورات الإخلال بموازيين القوى السياسية والاقتصادية باعتبارها تمثل الدور الأبرز الذي يناط بإسرائيل القيام به لإيجاد فرصة تاريخية مؤاتية للانقضاض نهائياً على مقدرات المنطقة العربية ومصالحها وحدودها وطموحاتها من خلال الاختراق الاقتصادي والإرهاب النفسي، ومخططات إسرائيل وواشنطن تدعمها فئات أخرى تساعد النظام الاحتكاري العالمي –والرأسمال اليهودي على التغلغل أكثر فأكثر بالمنطقة تحت حجج (التنمية- والأمن) والهدف المتاجرة بالإنسان واعتباره سلعة رخيصة لكي يتفاقم المجتمع العربي ويحقق الأزمات للمواطن فيه، الذي يكتوي بنار الأكاذيب والأضاليل والحروب الاقتصادية والنفسية الخفية بمساندة المأجورين والكمبرادور العميل للاحتكارات والإمبريالية العالمية ومشاريعها.
أما في فترة إدارة الرئيس الأمريكي بل كلنتون أثر اللوبي الصهيوني بشكل ملحوظ وواضح على الإدارة الأمريكية وبخاصة في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة العربية والعالم، ولعبت وزيرة الخارجية الأمريكية "مادلين أولبرايت" باعتبارها يهودية تشيكية، سياسة خلط الأوراق وكسب الزمن في العملية السلمية، ولم تتقدم تلك العملية خطوة واحدة منذ اتفاقية مدريد (1991)م، أو منذ اتفاقية أوسلو المشؤومة عام (1993)م، وشكلت السياسة الأمريكية الخارجية استمراراً لخداع وتضليل دول وشعوب المنطقة لصالح الكيان الصهيوني وحكامه، لا بل ضغطت أولبرايت عبر مبعوثها على الجانب الفلسطيني لكي يقدم مجموعة تنازلات خطيرة تؤثر على مصير الشعب الفلسطيني ومستقبله ورفض قرارات الشرعية الدولية (242-338) أو قرار الجمعية العامة (194) ببحث العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وأراضيهم بعد تهجيرهم بالقوة وبالتآمر الدولي عام (1948م) في نكبة فلسطين أو في نكسة عام (1967م)، وتصرفات أولبرايت ووزير الدفاع الأميركي (وليم كوهين) أثرت بعمق على مصير السلام في المنطقة العربية وأدخلتها في سياق اللاسلم واللاحرب، فالمنطقة واقعة بين فكي كماشة المصالح المشتركة لهما.
إنما الحفاظ على الأماكن الدينية العربية المقدسة في القدس وقضية الشعب الفلسطيني شغلت دول المنطقة وشعوبها لعقود عديدة نتيجة للتواطؤ الأمريكي المستمر مع حكام إسرائيل منذ سياسة هنري كيسنجر وزبيغنو بريجنسكي حتى ساندي برغر مستشار الأمن القومي وأعيد صياغة كامب ديفيد رقم (2) بأقل مما كانت عليه كامب ديفيد أيام أنور السادات بعد خسارة حليف للقضايا العربية الاتحاد السوفييتي ومحاولة روسيا أيام بوتين الحالية من لعب دور ما، تجاه تلك القضايا وكان للراحل الرئيس حافظ الأسد الدور القومي البارز في إيقاف عمليات التطبيع الاقتصادي والثقافي الرخيصة بين بعض العرب وإسرائيل، واهتماماته القومية في تحفيز الدول العربية للتضامن العربي الأشمل وإحياء جبهة الصمود والتصدي، بعد كامب ديفيد الأولى وسعيه الحثيث لإعادة صياغة استراتيجية عربية تستبعد المخططات الأمريكية الموجهة للمنطقة لضرب المنطقة العربية مع الدول الإسلامية المجاورة كإيران وتركيا، برؤياه النافذة النابعة من صوت العقل[148].
وحاولت الدول العربية بكل إمكانياتها منذ عام (1948م) حتى الآن بإصدار أطنان من البيانات والاستنكارات الواسعة تدعو فيها العرب جميعاً إلى مقاطعة إسرائيل وبضائعها وكل ما يتعلق بها ويدعمها كجزء من نضال حركة التحرر العربية والدول العربية ضد الأنشطة الصهيونية- والإسرائيلية المهددة للأمن القومي العربي.
مع وجود ركائز قوية للأمن القومي العربي والمصير الواحد من خلال الركائز السياسية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والمصادر الطبيعية والبشرية بمواجهة إسرائيل باعتبارها العدو الرئيسي لها.
لذلك اعتبرت الدول العربية السلام في المنطقة هدفها الاستراتيجي وطالبت راعيي مؤتمر مدريد (روسيا- والولايات المتحدة) بالضغط على حكام إسرائيل بضمان التزامهم بالعملية السلمية وفقاً لمرجعية مدريد والشرعية الدولية، وبما تعهدت به إسرائيل أساساً في مباحثات جنيف أيام المغدور (إسحق رابين) وبالأخص القضايا التي تم التوصل إليها في تلك المباحثات على أساس الانسحاب من الجولان لحدود الرابع من حزيران 1967م وتحركت الدول العربية من خلال اجتماعات القمم العربية، والأنشطة السياسية والدبلوماسية المشتركة والمتعددة للتنبيه إلى خطورة ممارسات حكام إسرائيل وتهديدهم المستمر لدول المنطقة خصوصاً لـ سوريا ولبنان، ودعت مراراً لاستئناف المباحثات السلمية على أسس واضحة وعلى جميع المسارات لتحقيق السلام العادل والشامل، وكان لمجلس جامعة الدول العربية العديد من الدورات العادية وغير العادية لمعالجة مشكلة التغلغل الإسرائيلي في البلدان العربية، وطالبت بقطع العلاقات مع إسرائيل وإيقاف خطوات التطبيع الاقتصادي والثقافي أو أي تعامل مع إسرائيل وإغلاق مكاتب وبعثات العلاقات معها حتى تنصاع لمرجعية مدريد وقرارات الشرعية الدولية.
إلا أن إدارة بل كلنتون سوغت مواقفها وسياساتها لمصلحة حكومة إسرائيلية تتنكر لحقوق العرب وتحاول فرض مصلحتها على الجميع متجاوزة القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ولعبت أولبرايت في مباحثات السلام دور المتفرج وساعي البريد وبررت لإسرائيل اعتداءاتها واستيطانها ولاذت بالصمت والانكفاء وتركت إسرائيل تنتهك عملية السلام وكل ما تم التوصل إليه بانحيازٍ صريحٍ وواضحٍ للسياسات العنصرية الصهيونية وكيف لا وهي عضوة نشطة في منظمة "إيباك" والنادي "الروتاري" اليهودي العالمي والمعروفة بدورها المنحاز كلية إلى حكومة باراك وسابقاً إلى حكومة نتن ياهو متجاهلة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تدهور عملية السلام وأسبابها الإيغال بالاستيطان اليهودي في الضفة والقطاع والجولان والتهجير القسري لسكان القدس والاعتقالات العشوائية والاغتيالات ومنع الشعب الفلسطيني من التعبير عن إرادته الوطنية في انتفاضة الأقصى 2000م واعتبرتها دورة عنف يقوم بها شباب فلسطينيون وتمسكت مع غيرها في الإدارة الأمريكية بـ أولويات أمن إسرائيل وتغليبها على مصلحة الشعب الفلسطيني والعربي وضربت عملية السلام واستحقاقها[149].
في 6/آب/ 1997م أكدت مادلين أولبرايت وبشيء معروف من المراوغة والتضليل من على منبر (نادي الصحافة القومي بواشنطن) والذي يسيطر عليه جماعات الضغط اليهودية في الولايات المتحدة: "إنها ملتزمة بمرجعية مدريد وبقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن" وأكدت أنه لابد من تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني؟، وطالبت إسرائيل بوقف الاستيطان بالضفة والقطاع لدفع عملية السلام إلى الأمام، وبعد ثلاث سنوات من تصريحاتها تلك لم تستطع أولبرايت من تبديد السلوكيات الإرهابية الإسرائيلية ووقفت تندد بالعنف ومساواة القاتل بالضحية عندما شنت قوات الاحتلال الصهيوني حملاتها الجوية والبحرية والبرية ضد الشعب والسلطة الفلسطينية في غزة ورام الله ونابلس والخليل من خلال انتفاضة الأقصى المجيدة، ودعمت محاولات من قبل ألمانيا وكندا وأستراليا لتقديم عروض سخية للدول العربية والسلطة الفلسطينية لتهجير أبناء الشعب الفلسطيني وتوطينهم في تلك الدول للانتهاء من قضية فلسطين ومع تجاوزهم الصريح والمتفق عليه لقرار 194 وجميع قرارات الشرعية الدولية.
وفي نهاية عام 2000م وبداية عام جديد ظهر جلياً في الانتخابات الرئاسية الأمريكية دور اللوبي ومجموعات الضغط اليهودية الصهيونية في الضغط والابتزاز على الشعب والحكومة الأمريكية حتى تم ترشيح آل غور نائب الرئيس الأمريكي السيناتور اليهودي المتطرف "جوزيف ليبرمان" نائباً له في المعركة الانتخابية.
يلاحظ هنا أن المجتمع الأمريكي لا يعاني من حالة استقطابات شديدة التباين الفكرية والأيديولوجية أو السياسية ولا تظهر نقاط الاختلاف بين الحزبين (الجمهوري- والديمقراطي) التي تكاد تكون ضئيلة جداً، فالقضايا الفكرية والطبقية غائبة تماماً عن الانتخابات الأميركية وإدارة الصراع يشكل هامشاً طفيفاً على المستوى القومي ولا يقترب البرنامج الانتخابي على مناقشة مستوى أداء وسلوك وأخلاقيات حكام الولايات المتحدة كنظام أو كفكر سياسي أو ما شابه بل تلعب عوامل عائلية واحتكارية، وظواهر الضغط الخفي المالي الملتصق بالمجتمع الأمريكي أشد الالتصاق[150] للهيمنة والسيطرة.
يتضح بأن سياسة الولايات المتحدة في المنطقة لا ترتكز أساساً على ما تبنته في مؤتمر مدريد أو قرارات الشرعية الدولية، وتبتعد عن السياسة المحايدة بل تتعداها كثيراً إلى تأييد سياسة إرهاب الدولة المعتمدة من قبل باراك أو شارون والأحداث الأخيرة في فلسطين أكان ذلك في أراضي 1948م أو أراضي الضفة والقطاع 1967م مليئة بالنواحي الخطيرة الداعمة للكيان الصهيوني ففي الوقت نفسه الذي يعاني فيه جورج بوش (الأب) عن اعترافه وحكومته بالدولة الفلسطينية فإنه يصرح على التوالي ضد عملية السلام ومصلحة الشعب الفلسطيني فيدعم أرئيل شارون بممارساته الفاشية والإرهابية ويضيء له الضوء الأخضر، ولا يندد مطلقاً بأعمال الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني وبنيانه التحتي والفوقي إذ ترتكز سياسته على:
أولاً: علاقاته في المنطقة المذرية تشجع على (حرب الإرهاب والإبادة الصهيونية) ضد المدنيين، وتعتبر حرب شارون ضد شعبنا حرباً تستخدم فيها الطائرات الدبابات والصواريخ لنسف البيوت والأحياء والاغتيالات بينما يعتقد الرئيس الأمريكي أن الذي يواجه آلة الحرب الصهيونية بالحجارة أو بالعمليات الاستشهادية هو إرهاباً، ومحاولات طرد الاحتلال من الأراضي الفلسطينية المحتلة عمل لا يدخل في نطاق المقاومة الوطنية، إذ أثبتت الأيام الماضية أن الرئيس الأمريكي بوش أسوأ بكثير من كلنتون ومادلين أولبرايت فعلاً.
ثانياً: سياسة الولايات المتحدة فوضوية (Anarchisme) وتشجيع على الحرب والفوضى وهي بهذا الاتجاه لا يمكنها أن تكون راعياً نزيهاً لعملية السلام، وتوجب تدخل قوات دولية لحماية الشعب الفلسطيني من الهمجية والبربرية الإسرائيلية ويظهر فعلياً أن سياسة الولايات المتحدة لجورج بوش يقودها اللوبي الصهيوني ويؤثر بشدة على إدارة البيت الأبيض وعلى سجل التوجهات السياسية الدولية إزاء شعب فلسطين أو شعوب المنطقة، وبهذا الشكل فإنه لا يمكن إلا النظر لمقدار الضغط الصهيوني الصريح على الحكومة الأميركية وبالأخص الجناح العسكري والجنرالات فيها التي تدعم مصالح شارون "وحكومته" على حساب قضايا العرب عموماً ومستقبل عملية السلام برمتها خصوصاً.
الباب السابع
مشاريع التسوية بعد مدريد وأوسلو
((حكومتي نتنياهو وباراك مع الحرب ضد السلام))
1
منطقة الشرق الأوسط في أعقاب حكومة نتنياهو المتطرفة:
تصاعدت في المنطقة اللهجة المتطرفة لحكومة الليكود بزعامة بنيامن نتن ياهو التي أدت في حينها إلى توتير الأجواء العسكرية، بعد توتير الأجواء السياسية وبعد سلسلة مواقف وتصريحات من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي لا تشجع أبداً على المباشرة في عملية السلام على قاعدة الشروط الإسرائيلية الجديدة التي رفضتها سوريا، ومنظمة التحرير، وجمهورية مصر، واستفزت الرأي العام العربي والعالمي الرسمي والشعبي، عند البحث في قضية خطيرة على مستوى من المسؤولية لأبعاد تطور المواقف المفاجئة في الشرق الأوسط على أثر صعود نتن ياهو إلى سدة رئاسة الحكومة الإسرائيلية فإنه توجب عادة رصد المواقف وتحليلها، وتوخي الدقة فيها لاعتبارات أمنية واستراتيجية خطيرة تؤثر على الأمن القومي العربي بالدرجة الأولى وتحليل المعطيات الأساسية للمرحلة بالدرجة الثانية، واستشعرت الإدارة الأمريكية نفسها خطورة نتن ياهو بعد تهديداته بإحراق واشنطن، وهي لهجة إرهابية ضاغطة على كلينتون وحكومته.
لذا لابد من التطرق إلى بعض الأفكار التي قدمت بقالب أو بآخر وتحليلها والاستنتاج من خلالها بما تهدفه كل تلك التصريحات والمواقف الإسرائيلية لتسميم أجواء المنطقة ودفعها إلى فوهة حرب جديدة لا تحمد عواقبها بعد النتيجة المغلقة التي وصلت إليها حكومة العدو وأغلقت كل الأبواب أمام الحلول السلمية المتوقعة بعد مدريد 1991م كمرجعية أساسية من أجل الأرض مقابل السلام كما طُرح شعار لضمان الأمن واستقرار الدول وشعوب المنطقة:
أولاً-ضرورة نزع السلاح الشامل وبالأخص النووي منه:
كل التقديرات الاستراتيجية العالمية والعربية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن المنطقة باتت تشكل حالة مهمة في الاهتمامات المختلفة السياسية والأمنية والاقتصادية على السواء، نتيجة تفاعلات تاريخية وطبيعية ومصلحية جعلتها تمتاز بالعديد من النواحي أهمها:
*أولاً: أنها تشكل بؤرة خطيرة لعمليات استيراد السلاح وارتفاع معدلاتها في مختلف النواحي الأمنية والعسكرية، وتراكم الأسلحة فيها قد يعرضها على المدى البعد إلى انفجار الصراعات المسلحة بين دولها، وبخاصة انتشار الأسلحة النووية، والجرثومية، والكيميائية، التي تعتبر من أخطر عوامل نشوب الحرب فيها وتفجير عوامل الاستقرار والأمن.
*ثانياً: تعتبر الأسلحة النووية التي بحوزة إسرائيل الآن من أخطر أنواع أسلحة التدمير الميداني على الإطلاق وبسبب عدم وجوب قيود دولية تمنع استخدامها من جهة وعدم وجود منطقة عازلة فإن إسرائيل تتمتع بميزة خطيرة للتفوق على الدول العربية الأمر الذي يخل بموازين القوى لصالح إسرائيل على المدى البعيد، وتقف الدول الأعضاء في النادي النووي مكتوفة الأيدي إزاء هذا الوضع، ولم تنجح جامعة الدول العربية بعد في تسليط الأضواء على خطورة السلاح النووي الإسرائيلي أكان على صعيد رسمي أو شعبي بالشكل العملي المناسب واتخاذ خطوات عملية تجاهها حتى الآن.
*ثالثاً: لأن منطقة الشرق الأوسط تتمتع بمزايا استراتيجية لدى الولايات المتحدة بالدرجة الأولى والدول الكبرى الأخرى بالدرجة الثانية فهي ترتبط بالقضايا المصيرية الحيوية للأمن القومي، والاقتصاد العالمي، ولتدفق المواد الحيوية إليها، (النفط- الاستثمارات-التجارة العالمية طرق المواصلات)، فإن أي تفجيرات أمنية وتفاعلات من هذا القبيل تؤثر بشدة على المصالح الجوهرية للدول الكبرى وما حصل منذ الحرب الإيرانية العراقية الأولى من أحداث، وبالتالي ما حدث في الحرب العراقية- الكويتية، والتدخلات الأجنبية في الخليج، والحصار الذي تعرض له العراق حتى الآن، وتحجيم دوره السياسي والعسكري في منطقة الخليج والشرق الأوسط، وزيادة عمليات التسليح في الخليج، والتغطية على التسلح العسكري الإسرائيلي وترسانتها النووية لها دلالات استراتيجية عميقة تمس الأمن القومي العربي المباشر وغير المباشر[151].
في عام 1974م قدمت كل من إيران وجمهورية مصر تصورات هامة رئيسة لإنشاء منطقة معزولة وخالية من الأسلحة النووية وذلك إلى الجمعية العمومية لهيئة الأمم بدورتها (التاسعة والعشرين) تركزت على ثلاث نقاط:
أ-يوضع تصور دولي ونظام فعال لإجراء رقابة وتفتيش ومسح لدول المنطقة بما فيها (إسرائيل) والتأكد من استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية فقط.
ب-أن تتوقف الدول المنضوية في النادي النووي عن إرسال أسلحة نووية أو شحنات مماثلة إلى دول المنطقة وأن تتعهد دولياً بذلك.
ج-أن تمتنع جميع دول المنطقة ضمن معاهدة رسمية عن إنتاج أو حيازة أسلحة الدمار الشامل وبالأخص النووية منها، فمن الواضح أن الدول العربية معرضة قبل غيرها لهجوم معاكس من قبل إسرائيل أو هجوم مباغت بالأسلحة النووية قد يهدد المدن والعمق العربي في حال تعرض إسرائيل لحالة انكسار شديدة على أرض المعركة التقليدية أو انهزامها سياسياً، حيث لا تزال الدول العربية المجاورة لإسرائيل تحتفظ لنفسها بتصورات معلنة وأكيدة أنها لن تدخل في سباق تسلح نووي ولن تدخل إلى أراضها أي نوع من السلاح النووي، ففي عام 1993م كان هنالك موقف عربي رسمي بعدم معاهدة على الأسلحة الكيميائية، إذ لم توقع (إسرائيل) على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في نيسان 1995م وكان هنالك موقف عربي رسمي أيضاً بعدم التمديد لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية من طرفهم، ورغم أن العديد من الدول العربية تؤكد أنها لا تمتلك الأسلحة النووية أو الكيميائية إلا أن هنالك صيغاً تمس الأمن القومي العربي وتحثه على امتلاك العناصر التكنولوجية العسكرية الكفيلة بحماية الأراضي العربية من أجل اتباع أساليب ضاغطة على إسرائيل لتحقيق الأهداف الاستراتيجية العربية الأساسية التي تكمن في إيجاد فرص السلام العادل والشامل في المنطقة.
ثانياً-قيادة الجيش الإسرائيلي: خلافات وتسريب معلومات:
في الوقت الذي يحث المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة الخطي للقضاء النهائي على ترسانة الأسلحة العراقية الكيميائية بعد حصار شامل عليها، وبعد التلميحات الإسرائيلية عن وجود أسلحة كيميائية في مصر وسوريا وإيران وبعد تحطيم قدرة العراق، تحرص "إسرائيل" على استثمار المؤسسات الدولية وهيئة الأمم وهيئة الطاقة النووية الدولية لصالحها، فرغم حقيقة وجود ترسانة نووية فيها إلا أن المجتمع الدولي لا يحرك ساكناً إزاءها كما حركة ضد العراق على سبيل المثال.
لقد ذكرت إحدى الصحف العربية الرسمية ومن مصادر دبلوماسية روسية رفيعة المستوى في الأمم المتحدة أنه تم كشف النقاب عن أن الحكومة الإسرائيلية بدأت منذ شهر أيلول الماضي، ونزولاً عند إلحاح العلماء المشرفين على مفاعل (ديمونا) النووي في صحراء النقب وإلحاح إضافي من قيادة الجيش الإسرائيلي بتسريب معلومات لأول مرة عن حدوث تسربات نووية في إسرائيل، والتي ستؤثر على شعوب المنطقة، مؤكداً المصدر نفسه أن(15) عاملاً فنياً من العاملين في مفاعل ديمونا- ماتوا، نتيجة لتسربات خطيرة بالإشعاعات النووية منذ عام 1988م، وحسب المعطيات المتوفرة من المصدر أن إسرائيل تحاول بطريقة غير مباشرة، استمرارها نفي حصولها على السلاح النووي رسمياً، لتحذر العالم العربي من جديد بتقادم مفاعلها النووي في ديمونا الذي يعود بناؤه إلى ما قبل 36 عاماً، من أجل تجديده أو استبداله أو تطويره بطريقة أكثر فعالية لأنه بات يشكل خطراً فعلياً، ومميتاً على سكانها وسكان المنطقة العربية المحيطة بها أيضاً.
كذلك حمل مندوب فلسطين في جامعة الدول العربية بالقاهرة على امتلاك إسرائيل للسلاح النووي من خلال تسرب (تقرير سري) من المعهد النووي العلمي الإسرائيلي المقام في (نحال سوريك) والذي يعتقد بأن التقرير تم تسريبه بإشارة من رئيس الوزراء نفسه أو من قيادة الجيش، للإشارة إلى تسربات نووية خطيرة في صحراء النقب حيث أكد تقرير آخر الصادر عن المعهد العبري الذي نشرته وكالة "كونتاكت ميدل أيست" وتناقلته عنها وسائل إعلام غربية محددة، قائلة: "إن ذلك التسرب الجديد، يؤثر بطريقة خطيرة على طبيعة نمو الحياة في المنطقة ويشمل النباتات والإنسان، والحيوانات، والبيئة، والمياه "وكما هو واضح أن الخطر بالتسرب النووي لا يؤثر على السكان المستوطنين فحسب بل وعلى سوريا والأردن ولبنان والمملكة العربية السعودية ومناطق الحكم الذاتي ولتسريب هذه المعلومات أهداف تكتيكية فيما يبدو!
لكن بات من الواضح أن تسريب المعلومات تارة من مفاعل ديمونا وتارة أخرى من الخلافات في أجهزة الاستخبارات يعبر بشكل ما عن واقع الاضطراب الذي تعيشه القيادة العسكرية بسبب اعتماد نتن ياهو على مستشارين جاؤوا من الولايات المتحدة الأمريكية ولا يعرفون طبيعة المنطقة، لذلك فإن ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العسكرية المسمى (AMAN أمان) وأمام التوترات الحاصلة أكدوا أن هنالك تسربات للأدمغة من أجهزة الأمن إلى جهاز الأمن الخارجي المعروف باسم (MOSSAD موساد) وذكرت الخبر وأكدته صحيفة (يديعوت أحرنوت) أن تلك الأجهزة تخوض منافسة حادة فيما بينها تسيء على حد زعمها للتعاون الاستخباراتي فيما بينها، ومن الممكن أن تكون لعملية تسريب المعلومات نتيجة منطقية للخلافات الحاصلة، وأمام اللجنة الفرعية للإنفاق العام كشف ضابط مسؤول أن (الموساد) تنتزع خيرة الضباط من الأجهزة الأخرى بفرض شروط مغرية جداً عليهم للعمل في صفوفها.
وعرض الضابط في اللجنة البرلمانية "أن أجهزة الأمن لا تتبادل المعلومات فيما بينها، وبخاصة في المرحلة الحالية التي تتواجد فيها القوات الإسرائيلية على الحدود مع سوريا ولبنان"، مؤكداً أن كل جهاز يحاول الاحتفاظ لنفسه بالمعلومات الهامة التي يتوصل إليها على حساب التعاون المفترض، ومن الممكن جداً أن تكون تلك الخلافات صحيحة، لكنها في الأغلب تكون لذر الرماد في العيون بهدف تضليل العرب وأجهزتهم الاستخبارية، لكن من الممكن أن يكون مجيء نتن ياهو إلى ممارسة أساليبه الفردية قد أثر بقوة على مستوى أداء عمل الضباط الكبار في قيادة أركان الجيش والأجهزة الأخرى، حيث نقلت الصحيفة نفسها عن مسؤول آخر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تولى ملف المشكلة شخصياً وسيعمل على حلها بطريقته الخاصة به، وبعقليته المتطرفة وقرر تشكيل (لجنة مصغرة) لتدارس ذلك ولمكافحة ما أسموه الإرهاب، وتحشيد القوات الإسرائيلية على طول الحدود السورية لأهداف تحقق سياسة الليكود.
الأمر الذي يدفع الولايات المتحدة بأن ترعى التصورات الإسرائيلية وتدعمها وبالأخص تلك الصادرة عن قمة شرم الشيخ فإن دبلوماسي رفيع المستوى من الطرف الإسرائيلي اجتمع على غداء عمل مع مساعد وزير الخارجية الأمريكي (بيتر تارنوف) للبحث في عدد من القضايا السياسية والأمنية، ذات الاهتمام المشترك، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيكولاس بيرنز للصحفيين: (أن اجتماع تارنوف مع "إيتان بن سور" يأتي بعد يومين من مباحثات أجراها الفريق الثاني المشكل من المتخصصين الأمريكيين –والإسرائيليين في واشنطن لدراسة المسائل الأمنية المتعلقة بالمنطقة وبالقضايا الأمنية المشتركة).
أما بيرنز أكد من طرفه: "أن الولايات المتحدة ملتزمة باتفاقيات قمة شرم الشيخ بشأن مكافحة الإرهاب" معرباً عن رغبة الولايات المتحدة الدائمة في التعاون مع إسرائيل أمنياً وعسكرياً لتطوير عملها العسكري الأمني بهدف مكافحة الإرهاب، ملمحاً إلى أهمية التعاون مع السلطة الفلسطينية وبعض الدول العربية في هذا السبيل للقضاء على ما أسماه الإرهاب، ولكن على ما يبدو أن حجم الهوة تزداد بين إسرائيل وبين مصر والسلطة الفلسطينية والدول العربية برمتها ومن جهة أخرى بعد قطع دولة قطر للعلاقات مع إسرائيل حتى تتم عملية السلام، ففي الوقت الذي تمارس (إسرائيل) سياسة الإرهاب الرسمي ضد الشعب الفلسطيني تدعي بأنها تحارب الإرهاب معتبرة نضال الشعب الفلسطيني في سبيل حقوقه إرهاباً في الوقت الذي تصادر فيه الأراضي الزراعية وتحولها إلى مستوطنات أو شبكات لطرق إسرائيلية وتستخدم سياسة الإبادة الجماعية، مما يفضح سياستها التوسعية والإرهابية المعادية للسلام في المنطقة والعالم.
ثالثاً-تكنولوجيا الفضاء تفضح إسرائيل:
استمرت وتيرة التصعيد العسكرية والسياسي الإسرائيلية ضد سوريا والدول العربية في عهد نتن ياهو، وأعلن عن الاستمرار في سياسة الاستيطان في الجولان والضفة، وأكدت سوريا على لسان وزير خارجيتها السيد فاروق الشرع: "أن إسرائيل تتعمد تقويض عملية السلام بإعلانها عن بناء (900) وحدة سكنية للمهاجرين اليهود الجدد في المرتفعات السورية المحتلة، وأن استقدام عشرات الآلاف من الإسرائيليين وتوطينهم في الجولان تكشف "حقيقة بالغة الخطورة"، وتتجسد تلك الحقيقة بأن حكومة نتن ياهو تتعمد توتير الأوضاع السياسية في المنطقة ووأد عملية السلام والتلويح لأجواء الحرب والتحضير لها، الأمر الذي حدا بوزير خارجية المملكة العربية السعودية سعود الفيصل إلى التأكيد على أن المواقف الإسرائيلية من عملية السلام في الشرق الأوسط تهدد المنطقة برمتها بأزمة خطيرة أو باندلاع حرب شاملة.
من جهة أساسية وملفتة للانتباه وبشيء من الاستعراض العسكري قال الجنرال (إيتان بن الياهو) قائد سلاح الجو الإسرائيلي: "إن الطيران الإسرائيلي قادر على مواجهة أسلحة الجو العربية" وأمام حشد واسع من اليهود وبحضور عيزرا وايزمن رئيس الدولة الصهيوني أكد على:
"أن الطيران الحربي الإسرائيلي مستعد لتغيير الأوضاع السائدة في المنطقة" ملمحاً إلى أن إسرائيل يمكنها أن تقوض عملية السلام برمتها، وإن دل هذا التصريح على شيء فإنه يدلل على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يحث الأجهزة العسكرية وأطرافها للاستعداد للحرب والإرهاب، واستصدار تصريحات من هذا القبيل لضرب عملية السلام برمتها، فإن تلك الحكومة ستدفع بالمنطقة بكاملها إلى هاوية العنف والدمار والحرب، كذلك كشف كاتب أمريكي متخصص في الشؤون العسكرية أن أقمار التجسس الصناعية الفضائية الروسية كشفت بما لا يدع مجالاً للشك عن وجود أكثر من مائتي سلاح نووي إسرائيلي منصوبة في ثمانية مواقع من بينها مواقع قرب الحدود السورية- اللبنانية وهي صواريخ متوسطة وبعيدة المدى، ومتوضعة في طائرات جاهزة للانطلاق باستمرار من المطارات الحربية الإسرائيلية.
ذكر ذلك (هارولد هوج) الكاتب في مجلة "زجيتر" الدفاعية البريطانية أن الصور الفضائية التي التقطتها أقمار التجسس لدول كبرى مثل روسيا وأميركا تميزت بالدقة المتناهية لدرجة أن الأجهزة الحديثة فيها اخترقت المواقع الإسرائيلية الحصينة وتتبعت آثار الترسانة النووية الإسرائيلية من مراكزها حتى مواقع انتشارها في منطقة الجليل الأعلى على الحدود مع سوريا ولبنان، وأن المفاعل الذي يزود تلك الترسانة هو مفاعل ديمونا الذي ينتج المواد النووية مثل مادة (البلوتونيوم) المستخدمة في القنابل النووية، ويقع المفاعل في صحراء النقب بينما يقع مركز التصاميم والتجارب في منطقة (نحال سوريك) الساحلية الذي يتشابه مع مركز التجارب النووية الأمريكي في لوس الاموس بالولايات المتحدة.
من تلك الصواريخ التي يجري تجميعها في أماكن متعددة صاروخ (أرو) و (حيتس) ونوع جديد من بريدرج رقم (2) ويجري تخزين القنابل النووية في منطقة تدعى إيلاين القريبة من الحدود مع سوريا، وأن مراكز إطلاق الصواريخ من القاعدة المركزية المخصصة لذلك في منطقة (كفر زكريا) بالضفة الغربية وعلى مرتفعاتها وكهوفها وهي منطقة مناسبة تماماً للأغراض العسكرية التي يبنى فيها مخابئ لتلك الصواريخ في عمق الجبال، باعتبار أن رئيس الوزراء (ب.ب) الإسرائيلي عمل في الفترة الأخيرة من حكمه إلى السيطرة على أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية والداخلية والعسكرية وجعل نفسه منسقاً عاماً لمختلف عملياتها، فإن الخوف يتركزها هنا من أنه قبض على مفاتيح عملها ونشاطها واتخاذ القرارات فيها كمهمة إضافية له، وبما يتوافق مع نشاطاته السياسية الجديدة ذات الطابع الهجومي والتي عبر عنها (هنري كيسنجر) بأنها مرحلة إعادة التوازن للأمن الإسرائيلي على أساس إعادة الشرعية التفاوضية لياسر عرفات وسوريا ولبنان من خلالها، وليس ذلك فحسب بل واعتبر مصلحة إسرائيل هي العليا، وأن أمنها هو أساس عملية السلام دون الأخذ بعين الاعتبار أنه لا وجود للأمن دون سلام، معللاً نتن ياهو هذه التصرفات الجديدة على أنه يحق "لقوات الجيش الإسرائيلي" التمتع بحرية العمليات والنشاط العسكري في الضفة والقطاع وجنوب لبنان والجولان، ويظهر هذا الأسلوب المخادع والمراوغ في التعامل مع المعطيات الجديدة التي حاولت تجسيدها عملية السلام القائمة على أساس الأرض مقابل السلام، دون أن يلتزم بالقرارات الدولية أو بما توصلت إليه حكومات إسحق رابين أو شمعون بيريز، وهو بهذه الصورة يحاول تغيير أوراق عملية السلام وآفاق مسألة الشرق الأوسط بعقليته التي يستمد منها دفع المنطقة إلى حافة الهاوية والحرب، ويعتقد هنا أنه يطبق سياسة جديدة مستندة على آراء اللوبي الأميركي، الذي يعتبره الصهاينة العصب المحرك لسياسة "إسرائيل" من الناحية الجوهرية ودعم اللوبي الصهيوني في كل ما يتصوره نتن ياهو مجدداً.
كذلك ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" أن الجيش الإسرائيلي أنفق نحو 300 مليون دولار خلال ثلاثة أشهر لتكديس الأسلحة والذخائر استعداداً للحرب المحتملة مع سوريا، تمت هذه التحركات تحت السرية التامة، التي أشار إليها الجنرال احتياط (إسرائيل تال) المستشار في وزارة الدفاع وأحد كبار واضعي الاستراتيجيات الإسرائيلية مؤكداً أنه على إسرائيل أن تحافظ على الكتمان الشديد، وقال (تال) في خلال ندوة أقيمت عن حرب 1967م: "إن عنصر المفاجأة سيكون حاسماً في حرب محتملة مع سوريا".
رابعاً- حول دراسة أعدها مستشار نتنياهو دوري جولد:
اعتبر دوري جولد مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي أن مصر ستسعى لبناء نظام أمن عربي جديد يعمل على محاور جديدة لإعادة التوازن العسكري مع إسرائيل وقوتها العسكرية وفقاً لاستقراءاته واستنتاجاته كمستشار معتمد عليه، والتقرير الذي أعده جولد جاء بعنوان "إسرائيل والخليج العربي أطر أمنية جديدة في الشرق الأوسط" صادر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى المعروف بصلاته القوية مع إسرائيل مؤكداً في التقرير أن كل من مصر وسوريا يسعيان لإحياء ترتيبات دفاعية عربية مشتركة للقضاء على أية قدرات عسكرية إسرائيلية غير تقليدية من خلال مبادراتهما بخلق تحالف عسكري فيما بينهما بالدرجة الأولى تدعمه السعودية ودول الخليج وبالتالي السعي لإيجاد مناطق خالية من أسلحة الدمار الشامل.
زعم دوري جولد في التقرير أن هدف مصر الرئيسي من هذه العملية إقامة (نظام أمني عربي خالص) يستهدف إبقاء مصر القوة العسكرية والسياسية المؤثرة على العالم العربي، والتخلص من احتمالات أن تدخل إسرائيل –وتركيا في حلف أمني مهيمن في إطار نظام أمن إقليمي ضد دول المنطقة مدعومة من حلف الشمال الأطلسي والبنتاغون.
أشار التقرير إلى أن ضرورة قيام إسرائيل بفك الارتباط بين إتمام عملية السلام الشاملة في المنطقة وبين البدء في التحضيرات الأكيدة لإقامة ترتيبات أمنية إقليمية تخدم بالأساس أمن ومصالح إسرائيل وتصوراتها حول أمن الخليج والأردن والمنطقة، وجاءت الدعوة الأخيرة من قبل بعض الدول الأوروبية، ودعمها الأردن للتأكيد على ما يرمي إليه دوري جولد حول ضرورة (إقامة منظمة أمنية إقليمية) على غرار (منظمة التعاون الأوروبية) على أن لا تمانع الدول العربية بالتالي من انضمام "إسرائيل" إلى هذه المنظمة التي أعلنت عنها الدول الأوروبية دون شروط مسبقة لإتمام عمليات السلام في المنطقة، وتجيء هذه التصورات استكمالاً لتصورات شمعون بيريز في السوق الشرق أوسطية وتدعيماً لها.
لكن تعتبر هذه الدراسة التي قدمها مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي من أهم المؤشرات الجوهرية على صياغة أفكار إرهابية خطيرة من قبل الحكومة الإسرائيلية وسعيها لإقامة ترتيبات إقليمية مدعومة بمواقف أوروبية بما فيها من تصورات خطيرة وجديدة تفوق في الكثير من الأحيان دور ونفوذ وزير الخارجية الإسرائيلي (ديفيد ليفي) نفسه في صنع القرار السياسي داخل مطبخ نتن ياهو، حيث يعتمد التصور الإسرائيلي للأمن في المنطقة على ما تراه تهديداً مشتركاً ليس لها وحدها فحسب، بل ولدول الخليج والتواجد (البريطاني- والأمريكي) فيها من جانب إيران والعراق وسوريا، وتستهدف وضع سياسات استراتيجية بمساندة الولايات المتحدة الأمريكية والحلف الأطلسي[152] تكون بديلاً عن سياسة "الاحتواء المزدوجة" التي تتبعها واشنطن ضد العراق وإيران، ووفقاً لتصورات مارتين انديك السفير الأمريكي في إسرائيل "ورئيس معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" قبل تعيينه سفيراً في إسرائيل الذي يساند تلك التصورات الجديدة التي يدعمها دوري جولد، وهذا الأخير يعتبر التحديات القادمة ستتبلور بعد رفع العقوبات الدولية عن العراق واستعادته لتوازنه إضافة إلى سياسة الأردن المستقبلية (كدولة عازلة) عن بقية الدول العربية، وتأمين إسرائيل بعلاقات ودية من خلالها لدول الخليج في السلم والحرب وبخاصة مع قطر وسلطنة عمان، حيث تتجسد مصالح إسرائيل في منطقة الخليج، وهي تسعى مع الولايات المتحدة لإثارة شكوك عرب الخليج حول دور إيران والعراق على السواء في محاولاتهما اتخاذهما دوراً مستقلاً وفاعلاً في المنطقة العربية.
تزعم الدراسة أيضاً أن بغداد تحاول إقامة حوار مع إسرائيل لتحسين صورتها في الولايات المتحدة تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على العراق، وأن جولد مستشار نتن ياهو يزمع القيام بمبادرة منفردة مع العراق لإجبار سوريا على تقديم تنازلات غير متوقعة في مفاوضات السلام[153].
***
|