رد: الحلف الاستعماري وقضية فلسطين
الباب الثامن
علاقات إسرائيل مع تركيا
((وحرب المياه))
1
الحلف العسكري الأمني التركي –الإسرائيلي:
أعلن السفير التركي في عمان (سوها أومار) أنه سيتم توقيع اتفاق عسكري وأمي بين الأردن وتركيا وأنه يجري اتصالات جادة لوضع التفاصيل وتنفيذ الاتفاق وهي دلالات جديدة على الدور التركي الإقليمي.
ويعتقد أنه سيتم تبادل الخبرات والمعلومات العسكرية والأمنية وتدريب الوحدات العسكرية بين البلدين وأن الأردن سيتلقى مجموعة من طائرات (إف 16) الأمريكية التي يتواجد فيها تطور ملحوظ في أجهزتها التكنولوجية، وأن هذا التعاون على ما يبدو سيشكل نواة (التعاون إقليمي-أمني واسع) فضلاً عن أن التعاون سيشمل المياه والكهرباء وتطوير التعاون أكثر مع "إسرائيل" بهذا المجال.
من جهة ثانية ضغط المجلس العسكري التركي على نجم الدين أربكان رئيس الوزراء التركي لتوقيع اتفاقية عسكرية مع إسرائيل بقيمة 600 مليون دولار تتضمن تحديث طائرة (f4) (إف 4) التابعة لسلاح الجو التركي بمساندة المساعدات التكنولوجية الإسرائيلية حيث لم يوافق عليها سابقاً أربكان لولا الضغوطات التي تعرض لها ولم يوافق عليها (سليمان ديمريل) أساساً، وعلى أن تقوم المؤسسة الإسرائيلية العامة (إسرائيلي إيركرافت أندراستريز) بموجب هذا الاتفاق الذي ينص على برنامج موزع على خمس سنوات بتجهيز (54) طائرة تركية بمعدات إسرائيلية متطورة تتضمن رادارات وأنظمة ملاحية وتشويشاً إلكترونياً وعلى أن يتم تجهيز (26) من هذه المقاتلات في إسرائيل والطائرات الأخرى في منشآت عسكرية بتركيا بإقليم (ايسكي شهير).
لا تتوقف عملية التعاون والنشاط المشترك بين إسرائيل وتركيا في هذا المجال فحسب بل تتعداها لنشاطات مشتركة غير معلنة بعد، وجاءت تلك الاتفاقيات في نهاية عام 1996م وهي تدخل جميعها في إطار اتفاقية أمنية مشتركة موقعة سابقاً، لذلك توظف الولايات المتحدة الأمريكية جهودها من خلال استنباط أشكال عملها في السياسة الخارجية بالاعتماد على آراء خبراء سابقين في الأمن القومي الأمريكي الذين يحسبون الحساب لإسرائيل ومطامعها ومصالحها قبل أي طرف عربي آخر وهنا تكمن الصورة الأساسية لانعكاس السياسة الأمريكية في المنطقة.
يتبين من خلال المنظور الأمني الاستراتيجي لسياسات واشنطن ومن خلال استعراض آراء البعض ممن لهم معرفة دقيقة بالأمن القومي الأمريكي وبخاصة في صياغته في المناطق الاستراتيجية مثل الخليج العربي والشرق الأوسط وتطوير الولايات المتحدة للمقدرة على الاستجابة السريعة والمنظمة للأزمات أو الظروف الطارئة بهذه المناطق، مع تباين وجهات النظر للمحللين الأمريكيين فإنها تأتي ضمن إطار تحليلات شاملة متفقاً عليها، والوضوح فيها، إنها تطالب إدارة الرئيس بل كلنتون بتجديد سياسته في الشرق الأوسط والخليج على أساس المصلحة الأمريكية أولاً وليس على أساس مصلحة اللوبي الصهيوني الذي يمارس ضغوطاته الشديدة على الإدارة الأمريكية ثانياً والوقوف عند التلاعب بمصير المنطقة التي يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتن ياهو وضربه لأسس عملية السلام ثالثاً والوقوف بجدية أمام الخطر الذي تحتله إيران وبعض الدول العربية المتعاونة معها لزيادة التطرف الأصولي[170] ضد الولايات المتحدة رابعاً وبالتالي التعامل مع العراق بحنكة ودراية بعد إخراجه من الحصار الاقتصادي الدولي المفروض عليه خامساً إضافة إلى الضغط على ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية لكي يقدم تنازلات أكثر مما سبق على أن ينال الصفة الشرعية التي تريدها (واشنطن- وتل أبيب) سادساً.
من الواضح أن شبكة اهتمامات الولايات المتحدة وإسرائيل ومصالحهما المشتركة كبيرة، وهي جوهر اهتمام السياسة الأمريكية العالمية، فتدخّل الدول- الكبرى لصالح إسرائيل في الصراع العربي- الإسرائيلي يضمن الأمن والسلام لليهودي العالمي القادم من أصقاع الأرض ودعم مستوطناته الجديدة كل هذه الأمور تملي على الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية معاً تطوير عملهما في جميع أنحاء العالم، وبخاصة في (أفريقيا وآسيا) حيث منابع المياه ومنابع النفط، والوقوف عند الدور الجديد الذي تلعبه فرنسا والاتحاد الأوروبي الذي بدأ ينتقل إلى حد ما من معسكر الخصم إلى معسكر المتفهم لقضايا الأمة العربية.
هنا يكمن تقدير الاستخبارات القومية العربية التي تقع على عاتق دولها والاستخبارات الوطنية فيها أيضاً في تحليل المعطيات الأساسية للمتغيرات والمواقف القديمة والجديدة وإجراء عمليات اختبارات وتعاون مع الدول الحليفة والمنتقلة إلى فهم مصير ودور دول وشعوب المنطقة ضد "إسرائيل" وممارساتها التعسفية وعقلية نتن ياهو النازية التي لم توافق عليها بريطانيا ووزير خارجيتها أيضاً. من هنا بالذات تجري عملية دراسة شاملة للتطورات الحديثة للموقف الأوروبي نواياها ودوافعها الحقيقية ومقدار ترجمتها على الأرض والإسناد لقضايا العرب المصيرية في القضايا السياسية والاقتصادية، وبالتالي دراسة المواقف الأمريكية في عهد حكومة بل كلنتون صاحب فضيحة (مونيكا غيت) واستقراء ما يمكن استنتاجه من أفكار وخطط يمكن على أساسها تحديد جوهر السياسات المتوجهة نحونا بشكل أدق، والمطلوب القيام بتوجهات تعتمد على الرؤى المشتركة من أجل السلام العادل والشامل والتنمية الحقيقية واسترجاع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والجولان وجنوب لبنان.
في هذا السياق عبرت التصورات والتحليلات السابقة عن رؤية لما يشهده عالم الشرق الأوسط، ومقدار الاهتمام التي تحرزه الدول الكبرى فيه وبخاصة أوروبا- والولايات المتحدة إلا أنه يسود انطباع عن استمرار السياسة الأمريكية على ما كانت عليه مع تحسن طفيف في استدراك بعض القضايا في المنطقة وإذا كانت (مادلين أولبرايت) المرشح الجديد في وزارة الخارجية إذا ما أرادت النجاح في قيادة الدبلوماسية الأمريكية لمرحلة جديدة فإنه ينتظرها تحركات ونشاطات دبلوماسية هامة جداً، وخلافاً (لكريستوفر) الدبلوماسي المحنك المعروف بمماطلته وطول صبره، فإن سياسة الشرق الأوسط لعلها ستلقى اهتماماً كبيراً من قبل مادلين أولبرايت المعروف عنها أنها حازمة، وتهتم بالأمور بشكلٍ جدي، وتنتظر فريقاً لمجلس الأمن القومي يقوم بمهام كبيرة في مختلف أنحاء العالم، في روسيا، وأوروبا، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وتعزيز الديمقراطية، وانفتاح الأسواق في أمريكا اللاتينية، إضافة إلى علاقاتها مع الصين، وكوريا الشمالية، وملفات سياسية ودبلوماسية عديدة أخطرها أزمة الشرق الأوسط وقضية الأراضي العربية المحتلة أساساً فهل نجحت أولبرايت في سياستها الدوغمائية الروتاوية: التي تصيغها من خلال دورها في اللوبي الصهيوني ودعمها لحكام "إسرائيل" وأنشطتهم العدوانية والاستيطانية في نجاح دورها.
عند الحديث عن مجال التعاون المشترك بين إسرائيل وتركيا في التصنيع العسكري ومشروعاتها وهو الجانب الأهم، فإنه تم عقد (14) اتفاقاً في هذا المجال حتى حزيران عام 1997م بعضها يجري تنفيذه حتى الآن وبعضها الآخر قيد البحث والدراسة، أضف إلى أن هنالك اتفاقيات سرية تطورت منذ اعترافات تركيا بإسرائيل منذ عام 1949م، لكن زيارة (أمنون شاحاك) لتركيا تم التوقيع على أهم اتفاقيات سرية[171] بينهما وهو الاتفاق على إنتاج الصواريخ الباليستية التي يصل مداها أكثر من (500 كم) وتتميز بقدرات عالية، وتحديث شبكة الأسلحة الصاروخية التي تعتمد على تحريض دعائي مرده أن مصر وسوريا تطوران هذا النوع من السلاح بالتعاون مع الصين وإيران وكوريا الشمالية مما يزيد عملية التعاون التركي الإسرائيلي مع الولايات المتحدة بشكل لا مثيل له عما سبق تحت حجج مكافحة الإرهاب.
وتتمثل عمليات التعاون بين القوات الجوية والبحرية والبرية بموجب اتفاقيات عقدت قبيل المناورات المشتركة دعيت بـ (ذئب البحر) 1997م في خلال فترة وجود القوات التركية في الشمال العراقي، وبالوقت نفسه جرت هذه المناورات قبالة السواحل السورية، وفي خلال انعقاد مؤتمر وزراء خارجية دول إعلان دمشق (باللاذقية) واخترقت في حينها الطائرات التركية- والإسرائيلية المجال الجوي اللبناني والعراقي مستخدمة المناورات وسيلة ابتزاز وضغط مدعومة من واشنطن، لذلك فإن التعاون في مجالات الأمن والمعلومات (الاستخبارات) ووضع أجهزة تنصت عالية الدقة وتزويد إسرائيل بمعلومات متعددة فنية وعسكرية عن نشاطات المقاتلات ميغ (29) أو غيرها لها دلالات خاصة تقوم بها تركيا والولايات المتحدة بهدف دعم الموقف الصهيوني بشكل عام في المنطقة.
أضف إلى أن تشكيل قوة ردع تركية- صهيونية ووضعها على الحدود مع العراق وسوريا بمباركة واضحة من البنتاغون الأمريكي وحلف الشمال الأطلسي كشف مضمونها تصريح وزير الدفاع الصهيوني إسحق موردخاي في 26/4/1997م، تؤكد أن الضغوطات التركية على سوريا والعراق ليست فقط في قضية المياه فحسب بل تتعداها إلى الأمور العسكرية والأمنية!؟.
ولا يمكن فهم هذه العلاقات المتطورة بين تركيا- وإسرائيل- والولايات المتحدة إلا لتوتير العلاقات بين سوريا- وتركيا والعراق بسبب أزمة المياه التي تفتعلها تركيا وليس ذلك بل ولاحتلال حكومة أنقرة لبعض الأراضي العربية، وبالأخص دخولها لمسافة 30 كم في الأراضي العراقية واحتلالها للواء إسكندرون قبيل استقلال سوريا، بهدف توحيد أهداف الطورانية التركية- مع الأهداف الصهيونية بعيدة المدى، وتحاول الحكومات التركية تصدير أزماتها الداخلية، وبالأخص أزمة الحريات العامة، والديمقراطية، حرية التعبير والتظاهر، وحقوق الإنسان، إلى الدول المجاورة فتجد ضالتها ضد العراق وسوريا ولا يمكن تفسير التعاون التركي الإسرائيلي بالمدى القريب والمدى البعيد إلا تنفيذاً للطموحات العدوانية الإقليمية بدعم وتخطيط مسبق من قبل دوائر الاستعمار والصهيونية منذ زمن بعيد إلى الآن، ولتحقيق المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.
ويعمل تلميذ هنري كيسنجر (نتنياهو) وغيره لتنفيذ تصورات جاهزة للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وتنفيذ مخطط (إسرائيل الكبرى) بتوتير الأجواء السياسية والعسكرية في المنطقة برفض سياسة السلام مقابل الأرض، ورفض حتى الاتفاقيات التي وقعتها حكومة إسحاق رابين مع منظمة التحرير في أوسلو، والمأزق الخطير الذي تتعرض له عملية السلام برمتها وزيادة الصلف والتعنت الإسرائيلي وازدياد أعمال القتل والإرهاب الصهيوني ضد شعوبنا العربية بدعم أمريكي صريح.
يحتم على العرب إعادة ترتيب مشهد العلاقات العربية والنظام العربي على أسس استراتيجية قوية متماسكة إذ لا سلام دون الأرض كاملة ودون أمن المواطن العربي[172].
2
نظرة على المشروع المائي التركي:
علق الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون[173]، على الدور التركي الذي اعتبره هاماً في البيئة الإقليمية والدولية، قائلاً:
(علينا أن نشجع تركيا لاستغلال مميزاتها التاريخية والحضارية في الشرق، لكي تلعب دوراً كبيراً سياسياً واقتصادياً، وإذا أمكن حل مشكلة النزاع العربي- الصهيوني، لأن مشكلة المياه سوف تكون أهم مشكلة في منطقة الشرق الأوسط ونظراً لأن تركيا دولة لديها مصادر غنية بالمياه فإنه يمكنها الإسهام إلى حد كبير في موضوع المياه وذلك ليس إمداد سوريا والعراق بالمياه فحسب بل وإمداد إسرائيل أيضاً بها ودول أخرى عن طريق أنابيب ضخمة تساعدها واشنطن في ذلك بشكل إيجابي)[174].
كما ورد بشكل أساسي في حديث لشمعون بيريز رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق عام 1991م ما ذكره:
(إن المعادلة التي تتحكم بالشرق الأوسط ومشروعه الجديد سوف تمثل عناصر المياه والنفط والأيدي العاملة العربية والعقول اليهودية الدور الأبرز فيها)؟!.
على أن الدور الأمريكي –الإسرائيلي المشجع للدور التركي له صدى في العديد من الكتابات العربية التي بدأت تهتم بالمياه ومشكلتها، والمشروعات الاقتصادية الطموحة والمكلفة مثل مشروع أنابيب السلام التركية وتحلية المياه عن طريق التحلية النووية خلال احتياجات متنامية لدول المنطقة، ومن المعروف أن المشروع التركي يتشكل من ثلاث نقاط، وهي:
*الأولى: مشروع سد أتاتورك المشروع الكبير جنوب شرق الأناضول.
*الثانية: مشروع ري الأراضي الشرقية والجنوبية، وإقامة المشاريع عليها.
*الثالثة: مشروع أنابيب السلام، المحدد أساساً في مشروع الشرق أوسطية[175] حتى تنطلق هذه المشاريع عبر مشروع الشرق أوسطية الذي طرحه شمعون بيريز فإنه لابد أن يكون مجمل التحويل من المؤسسات والشركات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنك الإسلامي والمؤسسات والشركات فوق القومية، التي تساهم بشكل أكيد في تكلفة الإنشاء وأن تتحمل الدول المستفيدة من المشروعات تكاليف صيانة العمل وحدودها الإقليمية، الأمر الذي يثير مخاوف دول عربية، على أساس أن تأخذ تركيا وإسرائيل كل منهما الدور الاستراتيجي في العملية في مواجهة الدول العربية وبخاصة سوريا- والعراق وذلك من خلال الموقف الأمريكي الذي يقدم فرصة تاريخية لإسرائيل بالاستفادة من مشاريع المياه والقيام بدور مركزي في مجمل العملية مع تبديد الدور التركي الذي سيقدم تنازلات أكيدة لإسرائيل في مواجهة سوريا والعراق على حد سواء حيث يستهدف المشروع الضغط عليهما للقبول بمشروع الشرق أوسطية وترتيباته على أن يتم تشكيل لجنة عربية إسرائيلية تركية لإدارة الخطين (الغربي- والخليجي) على أساس من تحقيق القدرة الإقليمية لعملية السلام وتوفير المياه والكهرباء والمواصلات المطلوبة[176].
يبلغ إجمالي الموارد المائية في تركيا (195) مليار م3 منها (134) مليار م3 موارد داخلية مستمرة لا تتجاوز استخداماتها من هذه المياه 15.6 مليار م3 سنوياً أي نسبة 8% وتخصص الكمية 2% لتلبية الاحتياجات الصناعية والمنزلية والزراعية 58%.
بلغ عدد سكان تركيا عام 1988م حوالي 55 مليون نسمة، تعد الزيادة السكانية السنوية حتى يصل عدد السكان عام (2000) إلى 68 مليون نسمة، وتقدر احتياجات السكان في هذا العام (أي عام 2000) 19.50 مليار م3، وتحاول تركيا بيع إسرائيل ما نسبته 500 مليون م3 سنوياً.
إن مشكلة البحث والإدراك العميق لقضية المياه وأزمة الشرق الأوسط، بالنسبة للإمكانيات الدراسية والبحثية عند الباحثين العرب كون هنالك غياب واضح للقواعد المعلوماتية والبيانات الكافية لأداء المهام الأساسية التي تقع على عاتقهم في سبيل توضيح صورة الموقف التركي أو الموقف الإسرائيلي فضلاً عن المواقف العربية، وهذا يشكل جذراً أساسياً للهيئات والمؤسسات البحثية الحكومية وغير الحكومية المتعمقة التي من الممنوع أحياناً نشرها ووضعها في أرشيف من الصعب الوصول إليه والاستفادة منه من قبل الدراسات الجادة، وأتاحت الفرص لتعميق الفهم العربي لمشكلة حجم المسألة المائية والكهربائية التي يطرحها الطرف الآخر ومقدار فائدتها أو عدم فائدتها، وأن الجوهر الأساسي في كل ما تقدم وجود مركز أبحاث ودراسات عربي قادر فعلاً على إيجاد التصورات الجديدة للقدرات والسبل التي تطرح من قبل المؤسسات الدولية ومقدار فائدتها الإقليمية والدولية.
إن غياب قاعدة بيانات ومعلومات مائية في مختلف النهر العربية، وغير العربية والدولية بخاصة في مختلف الأقطار العربية قاعدة بيانات وتحليلات موضوعية، يبعد القدرات العربية عن تصوير المستقبل وتوفير السبل لاستخدامها في دراسات رسمية أو أكاديمية، ووضع نظم للتعامل مع القضايا المائية تعتمد على قدرات سياسية واقتصادية واستراتيجية لها أبعاد اجتماعية وقانونية، وبالأخص رؤية القانون الدولي لما يجري ويخطط له وعدم تغييب الجانب التكنولوجي الذي يوفر الإمكانية لاستشفاف معالم المستقبل بشكل أفضل وبتناسب دقيق مع المعطيات الإقليمية.
3
إسرائيل وحرب المياه جزء من "الحرب السرية" ضد مستقبل المنطقة ودورها:
اختلف الجانبان العربي- والإسرائيلي في المباحثات المتعددة الأطراف حول قضية المياه، حيث تمثل قضية المياه لدول المنطقة والمخططات الإسرائيلية أهمية كبرى لاستغلال المياه العربية في الصراع الناشب في المنطقة، وباعتبار أن مسألة الأمن المائي تأخذ حيزاً هاماً في السنوات الأخيرة وصارت تفوق أي اهتمام آخر، وتعتبر مصادر الأمن القومي العربي مفقودة في ظل استخدام منابع المياه والطاقة الكهربائية المعتمدة عليها في الحرب القادمة، باعتبار أن منابع المياه الأساسية للأنهار الكبرى تتوضع خارج الحدود العربية وضمن أراضي دول منافسة أو معادية للتطلع القومي العربي المستقل، الأمر الذي يشكل توتراً ملحوظاً وتفاقماً حقيقياً من الممكن أن يشكل جوهر الصراع المستقبلي للضغط والابتزاز وفرض الإرادات حيث شكلت مجموعات عمل خاصة تدرس وتهتم بموضوع المياه المنبثقة عن مؤتمر مدريد، ونقاط اجتماع وتداول آراء واتفاق بين سوريا والعراق وتركيا، أو بين الأردن وإسرائيل، أو بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل أو بين السودان وإثيوبيا.
وقد اهتم "مشروع شمعون بيريز" في الشرق أوسطية بجانبيه الأمني والاقتصادي بموضوع المياه والكهرباء على أساس أن يكون له دور هام بدفع "إسرائيل" كقوة مركزية في المشروع ويتحدد الخلاف في تناقض الرؤيا العربية مع الرؤيا الإسرائيلية التي طرحها بيريز على أساس أنها قضية تهم "إسرائيل" والمنطقة لتطوير المشاريع الاستثمارية والبنى التحتية للمشاريع الصناعية فوق القومية، وأنها قضية فنية تحتاج إلى لمسات سحرية في حين أن الرؤية العربية تضع المشكلة في وضعها الجوهري كإطار لحرب قادمة انتزعت منها أراضي ومناطق مليئة بالمياه ولابد من استردادها، أو اللجوء إلى القانون الدولي وهيئة الأمم باعتبارها حقوق مغتصبة[177].
لقد طرحت عمليات الربط الإقليمي بين الاقتصاديات العربية –والاقتصاد الإسرائيلي على مشاريع جوهرية عديدة في مجالات المياه والطاقة والزراعة والبيئة والبنى التحتية وقنوات الربط المائي والسياحة وتوليد الطاقة الكهربائية في مشاريع صناعية بين سوريا وإسرائيل أو بين الأردن "وإسرائيل" وإقامة البنك الاستثماري –الإقليمي للشرق الأوسط..[178]
وترتبط هذه المشاريع بمشروع السلام الإسرائيلي الذي طرحه شمعون بيريز- وإسحق رابين التي تفترض رؤيا خاصة معتمدة على نقطتين:
أ-تقليص دور الدولة في مجال الاقتصاد وخصخصة الجوانب الاقتصادية بما يسمح للقطاع الخاص، والاستثمارات الانطلاق نحو الاقتصاد الرأسمالي الحر، وهي رؤيا البنك الدولي لتشجيع مؤثرات الليبرالية والمجتمع المدني الحر؟!.
ب-الاعتماد على نظام إقليمي لنشاط حركة السلع ورؤوس الأموال على أساس (دعه يعمل دعه يمر) وتقسيم العمل الإقليمي لصالح تصورات تكاملية هدفها خلق نظام إقليمي اقتصادي وتجاري حر دون مراقبة من خلال مشاريع الخصخصة الهادف إلى دعم كامل للقطاع الخاص ونشاطه.
هنالك اتجاهات عربية تتعامل مع هذا الأمر على أساس أنه أمر واقع في متغيرات عالمية جديدة وضمن نظام العولمة لابد من أخذها بعين الاعتبار واتجاهات عربية أخرى ترفض التعامل مع هذه المشاريع على أساس أنها تحاول تعويم إسرائيل وجعلها "دولة وشعب" من نسيج المنطقة وجعلها دولة مركزية هامة في النشاطات والتصورات المطروحة وهدفها البعيد تقسيم الوطن إلى أقاليم وتأسيس الجامعة الشرق أوسطية المستمدة تصوراتها من المشاريع الأوروبية الموحدة، علماً أن الاتجاه القومي والإسلامي السياسي في المنطقة يرفض هذه المقولات جملة وتفصيلاً ويسعى لقيام الدولة العربية والإسلامية في المنطقة العربية وإفشال المشاريع الصهيونية برمتها وتتركز مجمل المواقف السياسية حول ذلك[179]:
أولاً- طبيعة الأزمة المائية:
باعتبار أن المنطقة العربية من المناطق الصحراوية والجافة فإن التقديرات المحلية والعالمية تفترض قطعاً أهمية المياه فيها وهي محاولة لاستبعاد شعوب ودول المنطقة ومنظماتها السياسية المختلفة عن موضوع (النفط) ونسيان هذا الموضوع الحيوي في صراع الإرادات والتقديرات التي تضعها مراكز الأبحاث والمخططات الأوروبية- الأمريكية حينما بدأت تهتم بهذه القضية بشكل كبير في الآونة الأخيرة، حيث صدرت العديد من التقارير العربية والأجنبية تسمى مضامينها بـ (حرب المياه المقبلة) وهي دراسات وتقارير تدرس آفاق الحرب السرية القادمة على أجواء المنطقة، حيث حذر بعض الخبراء:
(من أن أزمة المياه ستزداد توتراً، وتتحول إلى مرحلة جديدة إذا ما فشلت الحلول السياسية السلمية فإن المياه عنصر هام لمحاصرة الأطراف المتصلبة لجرها لأتون حرب جديدة تكون المياه والكهرباء فيها سلاحاً هاماً بيد إسرائيل وإثيوبيا في مواجهة الأطراف العربية)[180]، وذكرت إحدى الدراسات المنشورة لمركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن:
(الشرق الأوسط بدأ يقف على حافة أزمة خطيرة من أزمات الموارد الطبيعية، حيث سيتحول الصراع حول الموارد المائية إلى الواجهة ويهدد باضطرابات واسعة لم يسبق لها مثيل)[181].
من الواضح أن المخططات الأمريكية على وجه التحديد تحاول إبراز أهمية المياه على أنها جوهر الصراع في المنطقة، بينما يعتبر جوهر الصراع اغتصاب أراضي ومناطق تعتبر تاريخياً حقاً من حقوق العرب والمسلمين التاريخية واختزال الصراع وتوجيهه نحو (المياه) بالتحديد يحدد المسألة على أن الصراع على الحدود والمياه، بينما الصراع هو صراع وجود أو عدم وجود والذي يتجسد في خلق البؤر والاضطرابات لإشغال العمق العربي بقضايا تخل بالهدف الرئيسي لحقيقة الصراع السياسي في المنطقة وهي مفاهيم وخطط جديدة إسرائيلية أمريكية متكاملة تدرس مقدار تأثير الموارد المائية والطاقة على الصراع العربية- الإسرائيلي وإذا كانت المياه هي مشكلة من المشاكل التي تخلقها إسرائيل في مفردات استراتيجيتها الجديدة فإن أطماعها تخرج عن نطاق مشكلة المياه إلى السيطرة الكاملة.
ثانيا-المياه في جبل الشيخ والجولان وسوريا:
حتى أن قضية (جبل الشيخ) والجولان تؤثر بشكل شديد على المباحثات الإسرائيلية –السورية على اعتبار أن هذه المنطقة المرتفعة جغرافياً عن سطح البحر والتي تشكل على سفوحها الثلوج تؤمن المياه العذبة لمناطق الجليل الأعلى ومدنها بنسبة 45% على أقل تقدير وهذا لا يعني مطلقاً أن سوريا ليست متضررة من احتلال مرتفعات الجولان الغنية بالمياه بل تؤثر بشدة حتى على مدينة دمشق ومياهها بشكل لم يسبق له مثيل عدا عن مدن وقرى الجولان من الطرف العربي السوري.
رغم أن إسرائيل تستفيد أيضاً من المناخ الطبيعي للمنطقة فهنالك مئات الوحدات الهوائية التي تولد الطاقة الكهربائية في الطرف الإسرائيلي التي تغدي شبكات الكهرباء الإسرائيلية في المناطق الشمالية لفلسطين المحتلة عدا عن المشاريع الزراعية.
كذلك فإن سيطرة "إسرائيل" العسكرية على مرتفعات الجولان تؤهلها من الناحية العسكرية (اللوجيستيه) من السيطرة على مناطق عجوز كبيرة في مرافق المياه في إسرائيل تقدر يومياً بـ 2 مليار م3، وهي تقدر استهلاك "إسرائيل (السنوي من المياه وفي تقرير تابع للدولة الإسرائيلية أنه في يناير من عام 1993م (وقدر الإسراف واللامبالاة منذ عقدين من الزمن أدى إلى جفاف الاحتياطي الإسرائيلي من المياه وأن إسرائيل لا تمتلك الآن أية مياه احتياطية في استراتيجيتها السنوية)[182].
لكن إذا أردنا تحليل ما جاء في تقرير الدولة الإسرائيلية فإن أكاذيب من هذا النوع لا تنطلي على أحد رغم أن إسرائيل تسيطر على المياه العربية ومنابعها الأساسية في جبل الشيخ والتي يستفيد منها لبنان وسوريا والأردن وتؤمن لها احتياطياً –مائياً- واسعاً وكثيفاً- لا يستهان به سنوياً فإن مثل تلك التقارير تأتي لتبرير سياسة الاحتلال في دوام السيطرة على منابع المياه وأحواضها وأنهارها والمطالبة بالمياه الجديدة للحفاظ على التوازن في المنطقة وهي بكل تأكيد أضاليل دحضها الواقع تماماً، حيث تتركز أسس التسوية الإسرائيلية وبخاصة في عهد (نتنياهو) حول الاحتفاظ للأبد بهضبة الجولان ومرتفعات (جبل الشيخ) ومياه نهر الليطاني ومياه نهر اليرموك لأنها تؤمن في الواقع مصادر المياه الرئيسة بمقدار 68% من المصادر المياه الإسرائيلية من خارج حدود فلسطين بينما تسرق إسرائيل المياه من داخل الأراضي المحتلة (الضفة والقطاع) بهدف المحافظة على مصادرها الداخلية- والخارجية، وإذا ما فكر العرب باستخدام استراتيجية جديدة بإعادة السيطرة على مصادر المياه التابعة لأراضيهم فإن عملية التوازن ستنعكس على حرب تعطيش ضد إسرائيل وبالتالي الحفاظ على توازن عربي لمياههم التي تستخدمها إسرائيل للحيلولة دون الإخلال بميزان القوى لصالح العرب أنفسهم لكن حرب المياه تستخدم حتى ضد العرب الآن[183].
لعل التعاون التركي –الإسرائيلي الجديد الأمني والعسكري سيؤثر لاحقاً على طبيعة التوازن في المنطقة الشرق أوسطية برمتها لصالح إسرائيل فيما إذا استخدمت منابع دجلة –والفرات في حرب الإرادات، ورغم أن تركيا دولة إسلامية ولها علاقات طيبة مع بعض الدول العربية إلا أن (الجيش- والميت) المسيطرون على تركيا إضافة إلى اعتراف تركيا بإسرائيل منذ عام 1949م فإن الأتراك قادرون على التأثير على سوريا والعراق من خلال السدود الضخمة التي تم إنشاؤها على نهر الفرات أو دجلة وآخرها سد (كمال أتاتورك) الضخم والذي باركه شمعون بيريز وقام بزيارة السد في عام 1996م تأكيداً على التعاون الأمني والسياسي الإسرائيلي- التركي لحماية المصالح المشتركة ضد سوريا- والعراق على السواء.
يذكر أن دجلة والفرات ينبعان من تركيا ويعبران سوريا والعراق حيث يلتقيان في شط العرب على الخليج، ونتيجة لتفاقم مشكلة المياه اجتمعت اللجنة السورية- العراقية في دمشق بـ 22/10/1997م في إطار التنسيق بين البلدين حول المياه الدولية المشتركة، وأعرب مدير دائرة المياه الدولية في وزارة الري السورية عبد العزيز المصري أن الاجتماع بحث مشكلة المياه السنوية حيث دعت الدولتان تركيا عقب مؤتمر المياه الدولي المنعقد في اسطنبول إلى المباشرة في التباحث حول تقسيم المياه.
إن عدم قدرة سوريا- والعراق على تأمين المياه المستفاد منها في مجالات الزراعة والطاقة الكهربائية والحفاظ على البيئة، فإن عجزاً مائياً عربياً سيؤثر على آلاف الهكتارات المزروعة في البلدين ليس ذلك فحسب، بل وستضرب مشاريع الكهرباء الضخمة المقامة على السدود العربية التي ستؤثر على الأوضاع الاقتصادية –والمعيشية للمدن الكبيرة في الشرق العربي أو في السودان ومصر لذلك حددت عمليات استيراد الدول العربية من الأغذية نتيجة هبوط معدلات الإنتاج الزراعي بـ مبلغ (50) مليار دولار سنوياً في وقت يبلغ فيه عدد سكان الوطن العربي /225/ مليون نسمة؟...
ورغم أن سوريا تحاول الآن بناء بعض السدود الداخلية مثل سد 17 نيسان في مدينة حلب فإن المشروع يهدف إلى إرواء 30 هكتار من الأراضي الزراعية من خلال تخزين المياه التي تمر في مياه نهر عفرين أحد فروع الفرات والتي تقدر بـ 20 مليون متر سنوياً ويقع نهر عفرين بالقرب من قرية (ميدانكي) على بعد 70 كم من مدينة حلب.
أما سد الفرات الذي قام الرئيس الأسد بتدشينه عام 1978م من أضخم المشاريع الإنمائية –المائية في المنطقة العربية حيث تم توقيع بروتوكول البدء في المشروع عام 1966م إلا أن العمل لم يبدأ إلا في عام 1968م.
حيث تحول السد إلى مصدر للزراعة ومصدر اقتصادي لسكان المناطق الشمالية والشرقية وتم العمل به عام 1973م وأطلق اسم الأسد على البحيرة الكبيرة التي توجد أمام السد المذكور.
من هنا فإن الإنتاج (الكهرمائي) المحطة –الكهربائية- في سد الفرات منذ بدء التشغيل وحتى الآن 45 مليار كيلووات و 2.5 مليار كيلو واط/ ساعي من محطة سد البعث[184].
من المعروف أيضاً أن هناك في هضبة الجولان السورية أكثر من (100) نبع لمياه كبريتية وصافية تماماً تنتج منه 60 مليون م3 سنوياً وأعلنت إسرائيل سيطرتها الكاملة على بحيرات (بحيرة السخنة- أو عين السخنة- وبحيرة طبريا).
لقد علق أحد الخبراء الإسرائيليين أن تحقيق السلام في المنطقة يتطلب وضع مصادر المياه في الجولان وجنوب لبنان والضفة والقطاع تحت السيطرة الإسرائيلية نهائياً لأن برأيه من يسيطر على المياه يتملك مفاتيح الضغط على المنطقة، على أن تسليم المصادر الأساسية للمياه من قبل دولة عربية أو أجنبية سيؤدي إلى خلق بؤرة توتر متصاعدة قد يؤدي إلى نشوب حرب جديدة لن يكون فيها السلام مستقراً فيها.
أما السياسة المائية الإسرائيلية في الضفة القطاع فتعتمد على سياسة عدوانية هدفها إبقاء الشعب الفلسطيني تحت رحمة الاستيطان اليهودي الزراعي والمهاجرين اليهود حيث تسحب إسرائيل من المناطق ما قرابته 40% من مياه الأراضي المحتلة[185].
تعمل الشركات الإسرائيلية على حفر الآبار ولم تحدد لها الكمية المطلوبة سنوياً من سحبها وأعقبت تلك السياسة على تخريب الأشجار والمحاصيل العربية عوضاً عن جفاف الآبار العربية وتصحر لبعض الأراضي فيها.
ثالثاً- مشاريع مشتركة في الشرق أوسطية:
كذلك فإن السياسة الإسرائيلية المائية تستخدم ضد مصر التي ستكون بحاجة إلى 64.5 مليار م3 أو إلى 79 مليار م3، حيث تحاول إسرائيل زيادة نسب المياه الواصلة إليها من ترعة الإسماعيلية وتريد تنشيط عملها الزراعي في سيناء.
|