رد: الحلف الاستعماري وقضية فلسطين
- دور القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة في تحديد أهداف ومطالب الشعب الفلسطيني, وعدم إيقاف الانتفاضة حتى تفكيك المستوطنات, وانسحاب جيش الاحتلال من الضفة والقطاع وإيقاف الإرهاب والبطش والاغتيالات الصهيونية, وحتى يتم الاستقلال الفلسطيني وتكريس السيادة الوطنية الفلسطينية على أراضي الضفة والقطاع, وإعلان القدس الشرقية كاملة عاصمة للدولة الفلسطينية. مع تهديدات كلنتون – وباراك إلى السلطة بعدم إعلان الدولة إلا من خلال طاولة المفاوضات وليس بالعمل الجماهيري السلمي (الانتفاضة) أو بالعمل الجماهيري المسلح أو بالعصيان المدني الشامل, ومن جراء ذلك قتلت سلطات الاحتلال بأساليب وحشية أكثر من 500 مواطن فلسطيني, معظمهم أطفال وشباب وتلاميذ وطلاب مدارس وجرحت أكثر من 14000 ألف مواطن فلسطيني في الشهر الأول والثاني والثالث لانتفاضة الأقصى, أي أكثر مما سقط من شهداء وجرحى في انتفاضة عام 1987م.
- عدم قبول الولايات المتحدة بما أعلن عنه في القمة العربية أو في شرم السيخ بتعيين لجنة دولية للتحقيق بالمجازر والمسبب الحقيقي لها, باختصارها إلى لجنة دولية (لتقصي) الحقائق, المشكلة من دون نيلسون مانديلا, وبوجود خافيير سولانا وسليمان ديميريل والسيناتور الأمريكي (جورج ميتشل) وما تمخض عن تقريره من مغالطات كبيرة.
تلك اللجنة التي عملت على استلام تقارير من الطرفين دون أن تدرس على الأراض ما ترتكبه سلطات الاحتلال من مجازر هي بالقوانين و الاعراف الدولية خرق فاضح لها, فماذا يعني لجنة دولية بدون تنفيذ قرارات دولية, ووضع الكيان الصهيوني وجيشه عند حدود إيقاف أنشطته وإخراجه من الأراضي المحتلة بالقوة و تسعير عمليات الاستيطان التي تؤدي إلى إجهاض نشاط اللجنة الدولية من مضمونها وفعاليتها.؟
- مفارقات العملية السلمية, إن كامب ديفيد فشل لأن صانعي السياسة الأمريكيين والإسرائيليين ضللوا الرأي العام الأمريكي والعالمي بشأن طبيعة عملية السلام, بينما افتتح باراك و كلنتون وعرفات كامب ديفيد رقم (2) وعرض باراك على عرفات92% من أراضي الضفة الغربية والقطاع, على أساس التخلي الكامل للسلطة عن مواضيع الاجئين, والقدس عاصمة لدولتها المستقلة, هذا ما عبر عنه كيسنجر نفسه منتقداً العملية السلمية وموقف كلنتون وباراك منها.
- أخيراً المفارقة التي تستوجب هنا التأكيد عليها بأن كيسنجر اعتبر قيام دولة فلسطينية ورقة لم تعد المساومة عليها مطلوبة من باراك أو غيره في الكيان الصهيوني, لأنها باتت أمراً محتوماً لأنها قائمة بالأساس, وبخاصة أن بيغن في اتفاقيات كامب ديفيد الأولى عرض الاستقلال الفلسطيني 1978م
في مباحثاته مع أنور السادات وكارتر على أساس حكم ذاتي انتقالي تقام بعدها الدولة الفلسطينية المستقلة.[212]
كان هذا مفهوماً بشكله العام في اتفاقيات أوسلو, ويعامل عرفات ( حسب كيسجر) كرئيس دولة, وفي المستقبل المنظور ستحظى الدولة الفلسطينية باعتراف الدول كلها, بما فيها الدول الأوربية حتى وأن لم ترض الولايات المتحدة بذلك فإن معارضتها ستكون لبعض الوقت.
هناك إذاً دلالات واضحة على موقف المسؤول والسياسي الأمريكي هنري كيسنجر مما يحدث في فلسطين المحتلة, إلا أن نواياه تتركز أساساً على الكيفية التي يمكن فيها إخراج إسرائيل من مأزقها, وبتصوراته أن كامب ديفيد الأولى والثانية هي الخلاص وإن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن؟.
2- هنري كيسنجر وتصورات جديدة للأمن القومي
نشرت صحيفة الواشنطن بوست مقالة بقلم (مايكل ستيرنر) السفير الأمريكي السابق في الخليج العربي والنائب السابق لوكيل وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا، حيث قدم بعض الشخصيات الدبلوماسية والسياسية والأمنية مجدداً تقاريرهم الهامة، لصوغ المبادئ العامة التي يجب أن تحكم السياسات الأمريكية الخارجية وبخاصة تجاه الشرق الأوسط، وكذلك تجاه مهام جديدة عالقة أساءت إلى السياسة الخارجية الأمريكية نفسها، وتجدر الإشارة هنا أن التقرير المطول (160) صفحة أصدره مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية بواشنطن الذي ساهم في إعداده وصياغته خمسون خبيراً على مستوى عالٍ تحت إشراف مستشار الأمن القومي الأسبق (زبينغنو بريجنسكي) (كاثوليكي) (والسيناتور لوجارد) (والسيناتور هاملتون)، إضافة إلى مقالة هامة لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق (هنري كيسنجر) الذي يتمتع بنفوذ أمريكي وعالمي كبيرين، نشرتها أيضاً الواشنطن بوست، هدفت تلك التقارير بمجملها خلق فرضيات وتحليل معطيات مختلفة تستهدف بالأساس خلق إجماع سياسي- وأمني جديد حول الأهداف التي يجب أن تسعى واشنطن إلى تحقيقها، وتحدد على أساسها الجذور والقضايا المهمة في المستقبل القريب وبخاصة اتجاه سنياريوهات الحرب والسلام في الشرق الأوسط.
على أساس ما قدمه السفير الأمريكي (مايكل ستيرنر) يبدو أن السياسات الخارجية السابقة تعرضت دائماً إلى ضغوطات من اللوبي الصهيوني مما جعلها على الأغلب سياسات غامضة غير متكاملة المعالم والأهداف أي أنها مضطربة، وفوضوية وغير جدية بالتعامل مع دول المنطقة، أو من خلال الضغوطات المستمرة من منظمة إيباك هذا الدور المضطرب أدى إلى وجود تحديات كبرى حسب التحليلات جميعها على الأمن القومي الأمريكي، بحيث التحركات العسكرية- والأمنية الأمريكية، بحيث ظهرت التحركات العسكرية- والأمنية الأمريكية مغرقة بالتأييد لسياسة إسرائيل، وهذا ما يؤيده مايكل ستيرنر وانتقده بشكل لاذع في تحليلاته، فالسياسة الأمريكية الموجهة ضد كل من:
- العراق: بسبب ادعاءات امتلاك السلاح الكيميائي بعد الحظر الدولي الشديد عليه والخوف من العودة إلى اجتياح الكويت.
- إيران: بسبب ما تدعيه واشنطن أنها تحمي الإرهاب الأصولي، وتحذير دول الخليج من تطلعها الأصولي العدواني تجاهها وفقاً للتصورات الأميركية.
ليبيا: وما يشاع عنها من قضايا حول طائرة لوكربي، أو امتلاك السلاح والمصانع الكيميائية [213].
- السودان: بسبب فقرها، وعدم انسجام قياداتها مع تصورات (البنك الدولي) وعدم تعاملها مع الشركات الأجنبية، وحمايتها للقيادات الأصولية في المنطقة.
مع تزايد المد الديني الإسلامي ضد واشنطن، رغم أن التفجير الذي حصل في (أوكلاهوما)، أكد عكس ما ذهبت إليه الإدارة الأمريكية وتبين أن منظمة يهودية متطرفة كانت وراءه، مما زاد الصعوبات أكثر صعود نتن ياهو بسياسته الهجومية ورفضه تطبيق اتفاقيات أوسلو أو الالتزام بمؤتمر مدريد، إلى تزايد المعارضة الأوروبية للممارسات الصهيونية المساندة من قبل واشنطن، وبالتالي اتخاذ أوروبا رسمياً لمواقف مستقلة نسبياً عن سياسة واشنطن تجاه عملية السلام، وجاءت العملية الجوية الإسرائيلية الوحشية في (قانا) في عهد شمعون بيريز خطوة خطيرة تجاه المنطقة فإذا كانت الحمائم تتصرف بهذه الصورة الوحشية فكيف سيتصرف الصقور إذا، وظهور موقف أوروبي، وبالأخص فرنسي متميز تجاه عملية السلام، مما دفع بالأمين العام لهيئة الأمم من نشر التقرير الخاص بالعملية العسكرية الإسرائيلية في (قانا) الذي قدمه قائد قوات الطوارئ الدولية في لبنان، مؤكداً أن العملية الجوية الإسرائيلية استهدفت مباني هيئة الأمم وقوات الطوارئ، فضلاً عن استهدافها للسكان قبل كل شيء تحت حجج ملاحقة أنصار ومقاتلي (حزب الله) في جنوب لبنان.
أتاح ذلك الموقف الأمريكي الداعم لسياسة إسرائيل، والمتساهل إزاء كل ممارساتها الإرهابية إلى وجود فراغ سياسي في المنطقة، قدر لفرنسا أن تلتقط حلقته الجوهرية وتلعبه بشكل منقطع النظير، أكان عبر وزير خارجيتها ومقارعته بكل معنى الكلمة لوزير خارجية الولايات المتحدة "كريستوفر، أو من خلال زيارة الرئيس "جاك شيراك" لسوريا والمنطقة وموقفه تجاه المحاصرة الأمنية التي مارستها قوات الشرطة الإسرائيلية ضده في زيارته إلى القدس القديمة والذي أظهر الموقف الفرنسي- والأوربي بشكل إيجابي وداعم للقضايا العربية، مما حدا بالاتحاد الأوروبي إلى تطوير سياسته للمنطقة بدفع المزيد من ثقله السياسي، معللاً ذلك أنه لا يمكن أن يبقى داعماً لتطلعات المنطقة اقتصادياً وموقفه السياسي غائباً تماماً عنها، وبالأخص في تحريك عملية السلام ومحاولة حل القضايا الساخنة فيها. لذلك يرى العديد من المسؤولين الأمريكيين ضرورة إعادة النظر في سياسات واشنطن تجاه مختلف قضايا المنطقة، وبخاصة تجاه عملية السلام، وتجاه العراق، ومحاولات عزله عن العالم في الوقت الذي سعت هيئة الأمم إليه لإرجاعه إلى الحظيرة الدولية، بحيث نجحت سياسة بطرس غالي في هذا المجال مع مواقف فرنسا وروسيا والصين ضد مواقف أمريكيا وحتى في محاولات عزل إيران، الأمر الذي زاد من نفوذها السياسي في المنطقة وبخاصة في لبنان إضافة إلى فشل كريستوفر في توفير المناخات السلمية في المنطقة.
أما هنري كيسنجر بأفكاره الجديدة التي قدمها بقالب أكثر تحديداً من العموميات، التي تحدث عنها ستيرنر مع غموض الأول ووضوح الثاني، فإنه اعتبر أن سياسة الخطوة خطوة باتت قديمة، وأنه على واشنطن حسب آرائه القيام بتقديم رؤية شاملة وواضحة وأن تسعى إلى تعبئة برنامجها الجديد وشعبها تجاه معالم جديدة مقبولة أكثر لدى الشعب الأمريكي أو الشعوب الأخرى.
يمكن تلخيص أفكاره بالشكل التالي:
1-تقديم رؤية شاملة لحل الصراع العربي- الإسرائيلي على أساس أن سياسة الخطوة خطوة لم تعد نافعة في ظروف المنطقة الجديدة، وأنه لا بد من إيجاد سياسة جديدة للقرن الواحد والعشرين.
2-أن تقوم واشنطن بإيجاد رؤية سياسة جيدة على أساس الموازنة بين شرعية الأطراف المفاوضة وبالأخص الطرف الفلسطيني مع حساب (أمن إسرائيل الخاص) على أساسها.
3-تحميل ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية المسؤولية الكبيرة في إيصال الأمور إلى ما هي عليه الآن، باعتباره دعا إلى إضراب عام بعد افتتاح النفق في القدس، أو دعوته للإضراب، قبل فتحه أثر على مشاعر المسلمين والمسيحيين وأدى إلى توتير الأجواء كلها بسبب التصرف الصهيوني.
4-كذلك يجد كيسنجر أن انتخاب بنيامين نتن ياهو رئيساً لوزراء إسرائيل جاء ليدلل على أهمية إعادة النظر في العلاقة بين ضرورات الأمن الإسرائيلي القصوى- وشرعية المفاوض الفلسطيني وبالطبع تقف هذه الآراء التبريرية إلى جانب تصرفات نتن ياهو الفاشية لتحميل الطرف الفلسطيني وبالتالي الأطراف العربية المسؤولية الكاملة.
5-رفض نتن ياهو لمقابلة ياسر عرفات في العملية التفاوضية مع "إسرائيل"، على أن رئيس السلطة الفلسطينية لم يعط الشرعية بعد لقبوله طرفاً أساسياً في المفاوضات، مما أدى إلى تفجير الأوضاع، والغريب في هذا المنطق أنه كيف كان اسحق رابين يلتقي مع ياسر عرفات أو مع شمعون بيريز للاتفاق على قضايا مصيرية تهم الشعب الفلسطيني، وتضع حداً لمأساته، وتجاوبت سياستهما مع هذا الطرح؟! رغم انزعاج أوساط فلسطينية عديدة وشخصيات فاعلة من الأسلوب الفلسطيني التفاوضي المخزي مع حكام إسرائيل.
الغريب في منطق هنري كسينجر الأعرج والمرواغ في اعتماده لرؤية مشوهة للوقائع والمعطيات السياسية، أكان تجاه الطرف الطرف الفلسطيني نفسه أو تجاه سوريا ولبنان، باعتبار أن تصرفات الجيش الإسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني، وقتل المئات وذبح الآلاف والرد الفلسطيني من قبل الشرطة الفلسطينية المعادي للتسلط والإرهاب الصهيوني، قد حدد بالضبط آفاق التعايش بين الطرفين، ونسف بالتالي الكرامة والشخصية الفلسطينية بالصميم، إضافة إلى التعنت والهجوم الشخصي المتكرر للقيادات الإسرائيلية على شخصية الرئيس حسني مبارك وشخصية الرئيس حافظ الأسد، مما يكشف مقدار الاضطراب والخلل في الخطاب السياسي لدى المقربين من رئيس الوزراء الإسرائيلي.
يؤكد كيسنجر أيضاً وبشيء من الموضوعية أن خبرة رئيس الوزراء الإسرائيلي (ب.ب) ضئيلة ولا بد من إعطائه فرصة ودفعه إلى التصرف السلمي، لأن قدرته على المناورة السياسية ضعيفة ومهلهلة ويلاحظ أن ثمة فارقاً كبيراً بين رؤية كيسنجر للأمور، ورؤية خصمه زبيغنو بريجنسكي حيث شكك الأخير بصدق نوايا رئيس الوزراء الإسرائيلي ورغبته بالسلام، وحمله المسؤولية الكاملة في تعثر عملية السلام في المنطقة، وبالتالي فشل لقاء واشنطن الأخير بين الولايات المتحدة وإسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية، وقال مستشار الأمن القومي الأسبق:
"إن لقاء واشنطن هو قبل كل شيء امتحان هام لدراسة مصداقية نتن ياهو ورغبته الحقيقية في السلام كما أنه كان اختباراً لمقدار نجاح السياسة الخارجية للرئيس كلنتون".
من هنا نجد أن الخطاب السياسي لبريجنسكي أدق وأهم من الخطاب السياسي لهنري كيسنجر، لأن بريجنسكي حدد بشكل دقيق ما يلي:
أ-رئيس الوزراء الإسرائيلي هو المسؤول عن الأحداث الأخيرة التي شهدتها الأراضي المحتلة وليس ياسر عرفات أو أي طرف عربي آخر.
ب-إن نتن ياهو لا يقدم لعملية السلام سوى الكلام الفارغ والمراوغ، في حين يتصرف على الأرض بصورة تخرب عملية السلام برمتها وبخاصة سياسة توسيع المستوطنات ورفضه الانسحاب من الخليل وبالتالي شق النفق تحت جنح الظلام في القدس القديمة ، مما يؤكد أن هذا الرجل مذبذب ومخطئ في كل تصرفاته.
يتضح من كل ما تقدم أن ثمة اختلافات حادة ظهرت كانعكاس لما حصل في المنطقة بين الساسة الأمريكيين، ودفعهم إلى تحليل الظروف والأخطاء التي وقعت بها واشنطن في دعم نتن ياهو، كان من الممكن أن يحوّل المنطقة إلى منطقة استقرار وازدهار كبيرين، إلا أن واشنطن لا تضع ثقلها بالشكل المطلوب للضغط على حكومة (ب.ب) وتصوراتها الجديدة.
لذلك تعتبر استراتيجية واشنطن في المنطقة مستمدة من العداء المستمر للعرب وقضاياهم، وبالتالي اعتبار إسرائيل الضحية (كدولة ديمقراطية) تدعمها بكل السبل والإمكانيات، من منطلق أنها الحمل الوديع لكن الأحداث الأخيرة كشفت بما لا يدع مجالاً للشك، بأن إسرائيل في عهد (حزب العمل) أو (حزب الليكود) دولة إرهابية متسلطة تنهج الأسلوب الفاشي التوسعي ضد العرب ولا تقيم وزناً لحقوق الإنسان الفلسطيني أو العربي، أو للرأي العام العالمي أو حتى لملاحظات المسؤولين الأمريكيين.
أ-رؤية قديمة في أفكار كيسنجر:
بستند وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في تحليلاته السياسة والأمنية الاستراتيجية على رؤياه القديمة البالية، التي لم يأت بجديد فيها وهي معالم لرؤيا اللوبي الصهيوني [214] نفسه في الولايات المتحدة، فمن الواضح أن المنظور الأمني المباشر وغير المباشر بالذي اعتمدت عليه تحليلات غيره مثل ستيرنر، أو تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية الدولي انطلقت من نقطتين جوهريتين:
النقطة الأولى: إن واشنطن ترى المنطقة جزءاً لا يتجزأ من مصالحها القومية، وأن أي تدخل في شؤونها الداخلية والخارجية يمس الأمن القومي الأمريكي مباشرة، خوفاً على مصالحها الاستراتيجية النفطية والمالية والكونية الاتصالات فيها، إنما لحماية المصالح الأمريكية قبل أي شيء أخر.
النقطة الثانية: إشراف واشنطن على عملية السلام كراعٍ لها في الشرق الأوسط، يظهر تماماً أنها لا تجد مصلحة أخرى أهم من مصالح الأمن الإسرائيلي، وأن أي مشروع يهدد أمن إسرائيل يهدد بالتالي الأمن القومي الأمريكي، مما يؤكد أن أي مشروع أو رؤى أمريكية تنظر إلى المنطقة لا يمكنها أن تكون حيادية إزاء عملية السلام، وكما قال ستيرنر أن خطأ السياسة الخارجية الأمريكية إنها تقع تحت ضغوطات داخلية، والمقصود هنا ضغوطات منظمة إيباك الصهيوينة واللوبي الصهيوني.
من هنا فإن تحليلات وآفاق كيسنجر تتحدد سلفاً كتحليلات مناصرة لإسرائيل وليس للعرب أو للقضايا السلمية الحقيقية.
لقد علل هنري كيسنجر التقارب بين إسحق رابين- وياسر عرفات في شبكة المفاوضات السلمية، بأنها جاءت لاعتبارات آنية ومرحلية ودون الأخذ بعين الاعتبار القضايا البعيدة حيث وجد رابين في المفاوضات وسيلة لتحقيق قبول عربي بدولة إسرائيل وأمنها، أما ياسر عرفات دخل في تلك المفاوضات لضمان نفسه في الحياة السياسية أمام معارضيه، قبل أي شيء آخر، على أنه لم يتم تحديد هوية السلطة الفلسطينية بعد، وحدودها ومصير الخليل والقدس المستقبلي عوضاً عن مصير اللاجئين أيضاً.
بعكس ما كان يتوقعه أنصار السلام في إسرائيل ومعهم إسحق رابين و"شمعون بيريز" من أن مشكلة الحدود لن يكون لها أهمية تجاه قضايا أخرى بينما يرى نتن ياهو وجماعته العكس تماماً أن مصير السلطة وحدودها وأمن إسرائيل هو الذي يحدد القضايا الأخرى بالضبط.
كل هذه العوامل مجتمعة دفعت بهنري كيسنجر إلى تقديم رؤيته القديمة والجديدة، ومطالباً واشنطن (كلنتون) بصياغة رؤياه الجديدة والشاملة لحل مشاكل المنطقة، أما تقرير معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية /بواشنطن/ قدم بعنوان "تحديات القيادة الأمريكية للقرن القادم" حيث تنطلق التقرير من:
1-اعتماد الولايات المتحدة بشكل أساسي على نفط الخليج سيزيد من احتياجاتها بنسبة 70% بداية القرن الحالي.
2-أن تكون واشنطن طرفاً رئيساً في حماية أمن واستقرار الخليج على أساس أن لا تتدخل أية قوة أخرى بالسيطرة على تلك المنطقة الاستراتيجية.
3-تعتبر منطقة الخليج بالنسبة لواشنطن نقطة ارتكاز أساسية لحماية أمن واستقرار المنطقة، لكي تؤدي وظيفتها للمصالح الاستراتيجية الأمريكية، ومن الواضح أن المنظور الأمني غير المباشر الذي تعتمد عليه الشخصيات الأمريكية ومراكز الأبحاث فيها وفقاً للتقرير المقدم من معهد الدراسات الاستراتيجية، أو وفقاً لتصورات كيسنجر أو تصورات ستيرنر، تتركز على حث الرئيس الأمريكي كلنتون على اختيار رجالات جدد في مجلس الأمن القومي على معرفة ودراية في التعامل مع القضايا الخارجية، وبخاصة بعد استقالة وليام وبستر عام (1991م)، الذي كان يتولى إدارة الوكالة منذ عام (1987م) وعين روبيرت غيث مديراً للاستخبارات الخارجية الـ (سي آي إيه) لمدة 14 شهراً، وقبل أن يعين بيل كلنتون بعيد انتخابه رئيساً جيمس ولسي في مكانه، فَقَدَ (وولسي) منصبه بعد (33 شهراً) عبر فضيحة (الدريش أيمز) وعين جون وويتش مكانه، وكان وويتش عكف على اعتماد نظام صارم وأعفى اثنين من المسؤولين من مهامهما، لأنهما لم يحترما الإجراءات الجديدة، ورغم أنه سعى لأن يعمل جهاز الأمن الداخلي fbi والـ cia معاً مما أتاح اعتقال هارولود نيكسون المسؤول في الـcia بعد شهور من اعتقال (الدريش أيمز) ومن العام نفسه.
لا يزال اللوبي الصهيوني الأميركي يلعب دوراً في السياستين الخارجية والداخلية، وحتى ضمن الأجهزة نفسها في تحقيق المصالح الإسرائيلية على مدى أعوام عديدة، ولا يزال هنري كيسنجر اللاعب الأساسي المؤثر على السياسة الخارجية الأمريكية، إضافة إلى مجموعة شخصيات يهودية تؤثر بوضوح على الإدارات الأمريكية، آراء وتحليلات صاحب جائزة نوبل للسلام هي الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني أولا وأخيراً وأمن شعوب المنطقة فهو غير معني بها.
***
الباب الثاني عشر
حمى الانتخابات الأمريكية (2000)
((ليبرمان مرشح للرئاسة الأمريكية))
حمى الانتخابات الأمريكية 2000م ليبرمان مرشح ونائباً للرئيس:
شهد العالم كله نهاية عام 2000م الانتخابات الأمريكية في نهاية عهد بل كلنتون، التي تعود إليه أساساً أكبر حملة دعم سياسة واقتصادية ومالية واستيطانية لحكومة الإرهابي ايهود باراك، وفاقت في دعمها للكيان الصهوني جميع الإدارات الأمريكية السابقة، فرغم سعي إدارته للسلام في منطقة الشرق الأوسط إلا أنها التزمت بالمعايير المزدوجة المكشوفة التي ترجح كفة إسرائيل على كفة المصالح والحقوق العربية كاملة، أما هموم واشنطن كانت ولا تزال، ضمان أمن ووجود إسرائيل وتمسكت إدارة صاحب "فضيحة مونيكا غيت" كبقية الإدارات السابقة لا بل وأكثر بقليل بساستها في مجلس الأمن وهيئة الأمم لصالح همجية الإرهاب الصهيوني في جنوب لبنان والضفة والقطاع، والسماح عملياً بالسياسات غير الشرعية وغير القانونية لمصادرة الأراضي اللبنانية (مزارع شبعا) بالضغط على أمين عام هيئة الأمم للدفاع عن هذا المو قف، واتهام حزب الله بالقيام بأعمال معاكسة لقرار 425 وما يسمونه الخط الأحمر والأزرق، ولم تلعب مادلين أولبرايت ولا حتى دينيس روس الصهيوني أي دور حيادي على المسار الفلسطيني أو اللبناني، وحتى بعد أن وافقت سوريا بعهد الرئيس الراحل الأسد في مطلع التسعينات على المطالب الدولية بتوفير ضمانات أمنية مع عدم تطبيع العلاقات، فيما إذا انسحبت إسرائيل إلى خطوط الرابع من حزيران 1967م.
ويدرك العديد من المطلعين أن الرئيس حافظ الأسد لم يوافق على الشروط الإسرائيلية الأخرى، كفتح "سفارة في دمشق" للكيان المستعمر والسبب العوائق التي وضعتها إسرائيل في عملية السلام واستمرارها بسياسة الاستيطان في الجولان والضفة القطاع ويعد ذلك خرقاً للقانون الدولي الذي يحرَّم بناء مستعمرات على أرضٍ تم الاستيلاء عليها بالقوة والحرب، فإن الرئيس كلنتون وعلى عكس سياسات الإدارات السابقة لم يعارض استمرار المستوطنات رسمياً، انما هدد بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس إذا لم تنجح عملية السلام على المسار الفلسطيني بعد كامب ديفيد (2).
وأكدت حكومة كلنتون أن القرارات التي وصفت إسرائيل بالعنصرية، الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة بأنها قرارات خاطئة، رغم أن معظم تلك القرارات الدولية لا تزال حبراً على الورق من قبل الطرف الإسرائيلي من بناء المستوطنات، وتهجير سكان القدس، انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني والعربي، و تطوير ترسانة الأسلحة الشاملة، وإعادة احتلال القدس الشرقية والضفة والقطاع، وضرب اتفاقيات أوسلو بعرض الحائط ومواجهة الانتفاضة الشعبية الفلسطينية "انتفاضة الأقصى" بكل روح فاشية، وبأسلوب نازي جديد، مما دفع كل من الرئيسين الفرنسي والتركي وآخرين [215] للاحتجاج الرسمي على سياسة باراك وحكومته ضد الفلسطينيين المفرطة في العنف، في أماكن العبادات وبالأخص في داخل الحرم القدسي الشريف.
إضافة إلى التعاون الاستراتيجي ويثق الصلة بين الولايات المتحدة وإسرائيل في مختلف المجالات الحربية، والتقنيات الحديثة، والتقدم التكنولوجي، ودعم الجيش الصهيوني بكل متطلبات الدعم (المادي والمعنوي) الذي يجعل من إسرائيل أقوى من الدول العربية المجاورة لها بعدة أضعاف، وتستخدم في ميزانيتها العسكرية 45 مليار دولار وتتلقى 40% من إجمالي المساعدات الأمريكية الخارجية.
وعلى أساس ما تقدم يتبارى المرشحون للرئاسة الأمريكية لتقديم المساعدات، والدعم للكيان الصهيوني أمام التجمعات والمؤسسات اليهودية، بغرض كسب أصواتها واستمرار العلاقة الاستراتيجية، وتنطوي الحملة الانتخابية الجديدة على جاذبية خاصة للرئيس الأمريكي القادم، الذي يضمن الأمن القومي الأمريكي وتطوير الجيش ودعم الكيان الصهيوني، وأثرت تلك الانتخابات حسب مؤشر "ناسداك" على عمل وأنشطة شركات عالمية كبرى، كما تؤثر على حركة الدول الأوروبية ودول العالم الأخرى إضافة إلى الدوائر السياسية والاقتصادية العالمية ويبدو هنا أن هيمنة النموذج الأمريكي وجاذبيته الديمقراطية واقتصاده لعب دوراً مهماً في الحركة والتفكير الإنساني فيما يبدو، فقد حثت المسيرات في فيلادلفيا لمؤتمر الحزب الجمهوري باختيار المرشح بوش (الابن) وديك تشيني كمرشحين للرئيس ونائبه.
إضافة إلى تظاهرات لوس أنجلس في خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي ضد اختيار ألبريت آل غور لـ جوزيف ليبرمان لمنصب نائب رئيس، والسبب من تلك المسيرات والمظاهرات المعادية لكلا المؤتمرين تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية لطبيعة النظام العالمي الذي تقوده واشنطن فأحداث "سياتل" التي قادها الحزب اليسار الأمريكي، وبالأخص في خلال مؤتمر التجارة العالمية أواخر عام 1999م، وأكدت على طبيعة تهميش وعزل معظم أبناء الشعب الأمريكي عن الحياة السياسية كونها تهم مصالح العائلات الرأسمالية والاحتكارية الكبرى فقط.
إلا أن دخول رالف نادر من أصل لبنان، والذي ولد عام 1939م كمرشح لمنصب الرئيس عن حزب الخضر للحفاظ على البيئة والإنسان وهو أحد أهم منظمي مظاهرة سياتل، وبسبب انخفاض أجور العمال الأمريكيين بدلاً من رفعها، مما أدى إلى ظهور فقراء جدد على قارعة الطرقات والتي أضرت بوضع المرأة والطفل الأمريكي بشكل ملحوظ جداً، وأظهرت الانتخابات الأمريكية أن 50% من أفراد المجتمع الأمريكي هم من الأميين لا يقرؤون ولا يكتبون.
أما (بات بيوكانان) اليميني الأخضر يعادي الصهيونية ويصف الكونغرس الأمريكي بأنه: (أرض أمريكية تحتلها إسرائيل) وحينما اصطدم الرئيس جورج بوش الأب مع الكيان الصهيوني واللوبي، دعاه إلى تجميد قرضٍ بقيمة 10 مليار، بسبب الاستمرار ببناء المستوطنات في الضفة والقطاع والجولان، وألب الرأي العام الأمريكي على "إسرئيل"على أنه احتقر آل غور لأنه اختار ليبرمان اليهودي المتعصب نائباً له، ولا حظ الجميع كيف تربص كل حزب بالحزب الآخر، وكل زعيم بالزعيم الآخر في الانتخابات الأمريكية حتى أن المحاكم القضاء الأمريكي والمحاكم العليا الفيدرالية تدخلت لحسم الانتخابات بعد تجاوزها للفترة القانونية [216].
لعل اختيار نائب الرئيس الأمريكي آل غور لنائبه ليبرمان لحملة انتخابات الرئاسة الأمريكية 2000م، في حال فاز بالرئاسة الأمريكية لأهم الأسباب، وهي العلاقات الحميمية التي تجمع آل غور مع جماعة اللوبي الصهيوني المتنفذة في الإدارة الأمريكية، وبالأخص اختياره لـ (مارك غينسبيرغ) كرئيس للطاقم السياسي في الخارجية الأمريكية، والذي يحمل الجنسية الأمريكية- الإسرائيلية، فتربطهما علاقات وطيدة مع مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية، ووليام كوهين وزير الدفاع، ووزير المالية روبين، وكبير موظفي وكالة الاستخبارات المركزية (ج.تينت)، و(صموئيل بيرغر) رئيس مجلس الأمن القومي و(ساندي برغر) مستشار الأمن القومي، والمستشار السياسي (راهام عموائيل)، إضافة إلى مستشاري آل غور أنفسهم، وأولهم ليون فويرت مستشار للأمن القومي وجوزيف ليبرمان المستشار السياسي الخاص، إضافة إلى مارتن بيريز صاحب جريدة (نيو- ريبابليك).
ويلاحظ من خلال الحياة السياسية العامة في الولايات المتحدة عدا عن المناسبات الكبرى، كالانتخابات العامة الفيدرالية أو غيرها التأثير الكبير للوبي الصهيوني ومنظماته، على الإدارات الأمريكية والبيت الأبيض، حيث نسبة العاملين فيهما تتجاوز الـ 45%، ومن هنا يأتي اختيار الحزب الديمقراطي لمرشح يهودي في النظام الرئاسي الأمريكي لأول مرة بهدف تغطية آل غور سياسياً وأمنياً من الفضائح التي يمكن أن تصيبه من مؤامرات، ودسائس المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة كما حصل في قضية (مونيكا غيت)، إلا أن الحزب الديمقراطي وآل غور أخطأا خطأ فادحاً باختيارهما يهودياً متعصباً بهذه الصورة، وبخاصة أن قضية اغتيال الرئيس الأمريكي الأسبق جون كنيدي لا تزال في الأذهان، وتستطيع منظمة إيباك أو بناي بريت بالتعاون مع ليبرمان أو بدون التعاون معه باجترار المبررات والأكاذيب لقتل آل غور في حال أنه فاز بالرئاسة، فكيف سيكون مصير الولايات المتحدة في قبضة "اليهودي العالمي" جوزيف ليبرمان [217]؟.
يبدو أن الشعب والقضاء والناس الفاعلين في الانتخابات الأمريكية، استشعروا هذا الخطر الداهم إليهم وبخاصة أن قضية (مونيكا) لم تجف حبرها وأوزارها بعد من ملفات القضاء الأمريكي، فالأفضل الركون إلى جورج بوش الذي وضع أمريكياً من أصول أمريكية نائباً له (ديك تشني) وإن كانت عناصر اللوبي الصهيوني لا تزال تهيمن بشكل أواخر على الحزب الجمهوري الأمريكي أيضاً [218].
***
|