عرض مشاركة واحدة
قديم 18 / 04 / 2011, 56 : 06 AM   رقم المشاركة : [164]
عادل ابوعمر
شاعر وأديب / يكتب مختلف الأصناف الشعرية والأدبية

 الصورة الرمزية عادل ابوعمر
 





عادل ابوعمر is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مصر

رد: عش رشيد الميموني الدافئ

اقتباس
 مشاهدة المشاركة المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشيد الميموني
[align=justify]
بجانب الفرن العتيق كنت مستندا ظهري إلى جذع جاف أتملى بحبات القمح بعد أن فركت السنبلة الصفراء ورميت بأهذابها جانبا .. تملأ خياشيمي رائحة الدخان الكثيف المنبعث من داخل الفرن وحليمة تدس داخله الأغصان الجافة وقد دمعت عيناها .
تلتفت إلي بين الفينة و الأخرى وقد احمر جفناها .. أبت إلى أن تطبخ لي خبزا ليكون زادي في الطريق ، بعد أن لمست رغبتي في الانطلاق .. حاولت إثناءها عن عزمها و توفير العناء عنها لكنها لم تصغ إلي واندفعت بكل حماس تجمع الحطب المكدس وراء الدار لتنقله إلى الفرن . وفي كل التفاتة منها كنت أحس بوخز في صدري . وأتجاهله لكنه يعود مع كل نظرة دامعة منها .
هل ما أفعله الآن و أنا انوي مغادرة هذه البلدة الطيبة ، هروبا ؟ ألا يشبه تصرفي ما كانت تفعله الأخرى معي وهي تعد الفراق بعد كل لقاء ؟ لماذا إذن كنت ألومها ؟ ولماذا لا ألوم نفسي الآن وأنا على أهبة الاستعداد لفراق حليمة التي أعطتني كل شيء دون شروط ، وبكل بساطة و تلقائية ؟ هل يكون هذا جبنا ونذالة مني ؟
كان شعوري هذا يجعلني لا أجرؤ على مبادلة حليمة النظر .. وكنت أحس بالألم يعتصر نظرتها الدامعة وهي ترى إطراقي ، وربما كانت تفسره على أنه إعراض و مقدمة لهجر وفراق . كيف السبيل لإقناعها أنني لا أفكر أبدا في هجرها .. وأنني لا يمكنني العيش بدونها .. لكنني أخاف أن يكون تأكيدي لها على حبي و تمسكي بها مبعثا لها على الأمل في استبقائي و التأثير علي إما بالنحيب الصامت الذي كثيرا ما يمزق قلبي و يشعرني بالذنب ، أو بالصمت الطويل الذي يحمل بين طياته عتابا و لوما لا اتحملهما .
عند الأصيل و حين كانت أفواج الفلاحين تعود محملة بما درسوه من قمح في النوادر ، كانت حليمة قد انتهت من عملها ، وأسرعت إلى داخل الدار تهيئ صرة كبيرة جمعت فيها بعض الفواكه الجافة كالتين المجفف و الجوز و اللوز .. ثم لفت خبزة كبيرة لا زال بخارها بينا ، في صرة أخرى .. هي تعلم أنني لا أطيق حملا ولو كان خفيفا أثناء رحلاتي .. لكنها لم تحتمل فكرة بقائي جائعا و أنا أوغل في الغابة ..
انتهى الإعداد ، وكان لا بد لنا من لحظة وداع ولو أنه مؤقت .. وجدنا نفسينا نسير خارج البلدة .. تقودنا خطواتنا على غير وعي منا نحو المرتفع الذي يبدأ منه الطريق إلى الجبل ..
- هل ستطول رحلتك ؟
- لا أدري .. لكني حتما سأعود .
- ستذهب إلى الكوخ ؟
- نعم .. اشتقت إليه ..
أطرقت برأسها هنيهة .. كانت عيناها لا تزالان دامعتين من أثر الدخان .. وجفناها محمرين كأنها تبكي ..
- سأشتاق إليك ..
كنت أعلم كم كلفتها هذه الكلمة لتفوه بها ، وأحسست بالخجل لأني لم أكن سباقا لقولها .. هي هكذا .. تلقائية في كلامها كما في تصرفاتها .. فوجدتني أقول بلهفة :
- أنا أيضا سأشتاق إليك ..
ثم ماذا ؟ هل ألجم لساني عن قول المزيد ؟ وأنا الذي كنت أزهو بكلماتي التي لا ينضب معينها .. هل هذا كل ما يحمله قاموس حبي لها ؟ .. رباه .. كأنني عاجز حتى عن النطق ، بينما هي تنتظر وربما كان انتظارها على أحر من الجمر ..
- لا عليك .. فقط انتبه لنفسك ولا تخاطر بالمرور حيث أنثى الخنزير .. انطلق في رعاية الله .. خذ هذه لتذكرك بي .
دست في يدي سبحة جميلة .. وضغطت على يدي بخفة ، ثم أخذت تتراجع باتجاه البلدة ..
- سوف أحتفظ بها حتى أعود .. لن أنساك أبدا .
كانت قد اختفت وراء منعرج قبل أن أتفوه بآخر كلماتي .. ترى هل تكون سمعتها ؟ ما أبخلني و ما أغباني .. ما ضرني لو قلت ذلك و هي تسير بجانبي ؟ .. ألم أكن سأسعدها على الأقل وهي تنتظر عودتي لتكون كلماتي بلسما لجراح هذا الفراق ، وسلوى لها في وحدتها ؟ .. كم أحس الآن بمدى حبي لها .. هل أعود أدراجي لأعتذر لها و ننطلق نحو المنبع لأسمعها ما وعدتها من قبل من كلمات الغزل ؟ .. فات الأوان .. ولا ينفع الآن تأنيب الضمير .. لأحث الخطى وأصل إلى الكوخ قبل أن يدركني الليل وأتيه في الغابة .
لحظة الفراق وما تلاها من تفكير و تأنيب ضمير جعل نفسي متأججة و دمي يفور .. فلم أملك أن انبطحت أمام جدول صغير ينحدر إلى أسفل الجبل ويغوص من جديد حتى ينبعث من جديد كمنبع بالقرب من دار حليمة .. شربت حتى ارتويت ثم مرغت وجنتي في مياه الجدول الصافية .. وخلت للحظة أنني أقرب ما أكون من حليمة ، فغمرني انتعاش وهدأت نفسي .. وجلست بالقرب من الجدول أعبث بنثر الماء في الهواء مستمتعا بفقاعاته المتطايرة .
لم اعد الآن أخشى التيه في الغابة و البعد عن الكوخ .. فقد صارت معالم الطريق بينة عندما بدأت الأشجار تقل في المنطقة التي وصلت إليها ، بحيث كانت هناك بقعة مستديرة معشوشبة تحيط بها الأشجار من كل جانب ، وتتفرع عنها عدة مسالك . وكان المسلك المؤدي إلى الكوخ مألوفا عندي لوجود صخرة مميزة بالعشب الذي نما عند جانبها . إذن لم يعد أمامي سوى ولوج الغابة من جديد لأصل بعد لحظات قليلة إلى الكوخ .. هاهو يرنو إلي .. تعلوه مسحة من الحزن و الكآبة .. لكني أحس بجنباته تتراقص طربا بمقدمي .. ربما كان يحس هو أيضا باستحالة عودة صاحبه الأول إليه .. فوجد العزاء في مقدمي .. أو ربما أيضا كان ينتظر أن تكون حليمة برفقتي لتذكره بأنيسه .
استلقيت على مصطبة في أحد أركانه لأستريح .. يبدو أن أحدا كان هنا منذ مدة قصيرة لأنني لم أجد غبارا ، و كل شيء كان في مكانه بعناية تامة .. الغطاء الصوفي و القدر الأسود وغيره من "تجهيزات" الكوخ . ثم عدت لأقف عند الباب وقد حل الظلام .. وجدت نفسي ألمس ، دون أن أعي ذلك ، حبات المسبحة المستكينة في جيبي .. السكون يخيم على المكان .. تشملني راحة وغبطة .. فأغمض عيني و أطلق العنان لذهني يحلق بعيدا .
[/align]

هل تعلم يا أخي كم أحن لقراءة الروايات الطويلة التي كنت ألتهمها في صغري وصباي .. لكني من زمن ليس بالقصير لم يعد لدي صبر ولا وقت لقراءة القصص القصيرة حتى بل والخواطر إلا ما ندر .. أصبح حبي لمطالعة الشعر بكل أشكاله هو الباقي من زمان جميل ..
أخي الجميل الميمونة طلعته والبهية طلته .. سرحت مع خاطرتك البسيطة المدهشة .. رأيت حليمة الخير .. الحب .. الصدر الحنون .. الوطن .. رأيت الغابة والكوخ يغفو في انتظار الزائرين .. ونبع الماء والعشب الراحل في مد البصر وعمق الروح هدوء وسكينة .. خيال .. جمال ..
................... سيدي سأعود لكوخك الهادئ كلما شدني الحنين للحظة صفاء ..
دمت بخير وتقبل مروري وتحياتي وتقديري ..
توقيع عادل ابوعمر
 كن جميلاً تر الوجود جميلا
عادل ابوعمر غير متصل   رد مع اقتباس