الأستاذ الفاضل عبد الكريم أشكر مداخلتك القيمة
الدراسة النفسية ضرورية و لها صلة وثيقة بحالة الإبداع
لأن الشعر و الكتابة عموما تعبر عن الحالة النفسية قبل كل شيء
و التي تسير بالشاعر نحو الإبداع خصوصا في حالاته اللاشعورية
إن كان مثلا في حالة الإحباط أو الغضب أو قلق أو خوف أو شوق إلى غير ذلك من الحالات التي
تدفعه للكتابة بشكل لاشعوري
أي ان الإبداع تجربة نفسية قوية ، نوع من الخروج عن الاستقرار النفسي و عن حالة الملل الفكري و الرتابة
النفس تكون في حالة فيض و انفلات و انبعاث
وبتلاشي هذه الحالة النفسية أو خمودها تتلاشى التجربة الإبداعية أو تخمد لفترات قد تطول أو تقصر بحسب دائما الحالة النفسية
فالنص الشعري أثر لغوي لتجربة شعورية
أما عن فكرة شعرية النص و التي أراها اهم شيء يتحكم في النص و يحدد طبيعته إن كان شعر أو نثر فيمكننا تفصيلها و تعريفها في مفردات بسيطة سهلة الاستيعاب
شعرية النص : هي نوع من الهزة الشعورية و التجاوب الوجداني المتكون من المتعة الذهنية او اللذة التي يبديها النص
فيشعر المتلقي من خلالها أنه يحلق عاليا و يعايش بروحه المحلقة أجواء القصيدة و كأنه يتجول بين سطورها
و لا يتأتى ذلك إلا من خلال الإثارة اللغوية المتنوعة و التي قد تدفع بالمتلقي إلى محاولة عيش تلك الحالة النفسية بتبني الأفكار و المشاعر و يعيش ظروفها كما لو كان هو كاتبها .
و يساهم في بناء شعرية القصيدة ان يكون الشاعر متمكنا من اللغة و يملك ثراءا لغويا يمكنه من التلاعب بالمفردات و استحداث الصور الشعرية الساحرة
كما انه غاليا ما يستعين بالطبيعة لتشكيل قصيدته و منحها جمالية خاصة تتراقص لها الأرواح و القلوب و تفتح النفس على ألوان الجمال
إضافة إلى عنصر الخيال :
فهو تصوير جديد للواقع ينفعل من خلاله المتخَيِل إنفعالا نفسيا لا فكريا و إن كان الشيء المتخَيَل كذب معناه ان الخيال هو اصطناع للفكرة .
ليس فقط القدرة على تشكيل صور الواقع بل يجب أن يتعدى الواقع الموضوعي إلى خلق واقع جديد و بعث الحياة من جديد و في هذا التجاوز يبتدئ الجانب الإبداعي للخيال و يتميز عن عمل الذاكرة و عن التقديم الحسي البارد للتجارب الشعرية .
لاحظ أبو القاسم الشابي أن " الخيال ضروري للإنسان و هذه أبسط معلومة يمكن أن يعرفها أي مثقف و كل شاعر .
و يقسم الخيال إلى قسمين، القسم الأوّل وهو ما أسماه "الخيال الشعري" لأنه يضرب بجذوره إلى أبعد غور في صميم الشعور أمّا القسم الثاني فقد أسماه "الخيال الصناعي" لأنه ضرب من الصناعات اللفظية ويسميه أيضاً "الخيال المجازي" لأنه مجاز على كل حال .
أما الإيقاع :
هو إعطاء النص الشعري نوع من الموسيقى الداخلية و الخارجية تأسر المتلقي باستعمال مختلف المحسنات البديعية من جناس و طباق إلى غير ذلك من تقنيات و فنيات الكتابة ( نتحدث عن الشعر عموما إنطلاقا من الشعر العمودي ).
و كل هذه العناصر نجدها في الشعر التقليدي كما نجدها أيضا في قصيدة النثر ( لا استعمال للمحسنات البديعية في قصيدة النثر ) مما يتضح أمامنا أن هذه الأخيرة أيضا تملك مقومات النص الشعري لا كما يدعي المعارضون لها أنها تقتصر( خاصة الإيقاع ) على الشعر التقليدي ... باعتبار أن قصيدة النثر تحتوي على موسيقى داخلية و هذه الموسيقى تختلف عن الإيقاع الذي حصروه كمما سبق القول في الشعر التقليدي العمودي و شعر التفعيلة ) .
عموما قصيدة النثر وجدت لتثبت نفسها كلون ادبي جميل يثري لغتنا و له متذوقوه تماما كغيره من الألوان الشعرية الاخرى .
و العبرة قبل كل شيء بجمالية النص و بالروح الإبداعية للشاعر و مدى قدرته على التأثير .