[frame="1 98"]
[frame="1 75"]
رسائل أدبية
رسالته إليها :
لا تبتعدي
[/frame]
كفانا ابتعادا ً يا رفيقة العمر كفانا ، لا تبتعدي عني بعد الآن ، كم مضى على بعدك ؟ لا أعلم ، لم أعد أعدّ الساعات ولا الأيام ، منذ زمن بعيد تساوى عندي الليل والنهار ، بل تشابها فلم أعد أفرق ليلي من نهاري .. ومن يأبه لهذا الليل وذاك النهار ؟
منذ زمن بعيد تسللت ِ من هذا القلب وأبقيته مسكونا ً بالوحشة والاغتراب ، أصبح كالساعة المعلقة على دوّار المدينة تلهث وراء الدقائق والثواني دون أن تضنيها حرارة الصيف أو يثقلها برد الشتاء .
منذ غادرته في ليلة لم أعد أذكرها ، ربما طواها النسيان أو خيّل إلي أنها في عداد النسيان أو أنك أنت في عداد النسيان ، وربما أنا ، من يدري ؟
يخيل إلي أنك بقربي الآن ، أم إنني أحلم ؟
مدي إليَّ يدك الصغيرة ، دعيني ألمسها ، دعيني أتحسس العمر الفائت فيها ، دعيني أشتم روائح الماضي وعبق السنين الجميلة التي غادرت على عجل ، لا تخجلي مني ولا تفزعي فهذا القلب الذي غادرتِه موصد على البرد والظلام ، لم يشق َّالنورُ
إليه طريقا ً ولم تداعبْه نسائم الربيع وخلجات الصيف وعبق الياسمين ، رائحة البرودة تفوح من جنباته ، ويسكنه ظل ثقيل من الفراغ لا يبرحه لثوان .
دعيني أنظر في عينيك ِ، دعيني أرى نفسي في مرآتيهما - لم أنظر نفسي في مرآة قط - آه ..
لقد غزا الشيب مفرقي ، نعم وقد علت التجاعيد قسمات هذا الوجه الضاحك ، وقد أخشوشنت نبرات حسي الدافيء و أنا أردد أسمك حبيبتي ،
آه لو تعلمين ؟
مدي ذراعيك النحيلتين وطوقيني ، ضمي إليك خاصرتي واحضنيني ، قلبي الآن يقفز بين ضلوعي وأشعر أن الطفل بداخلي بدأ يحبو على سِنيِّ العمر خذي بيدي وساعديني .
كم مضى على بعدك ؟ لا أعلم ، ربما دهر! واليوم صدى همسك يرن في أذني يوقظ فيّ عمرا ً مهجورا ً، مخلوعا ً على عتبات الزمان ، عمرا ً منسيا ً كقسمات وجهي التي تاهت في زحمة الأيام لن أسألك كيف عدت ؟ ولن أطيل السؤال .
هل أنت من طرق بابي ، أم أني أنا من بحث عنك في أعماقي ؟ لا يهم ولن ألح عليك في السؤال ، أنت الآن بقربي ، فلا تبتعدي بعد اليوم لن أطيق البعاد ولن تطيقي أنت عني البعاد هي كلمة واحدة أحبك .. وكفانا ابتعادا ً.. لا تبتعدي .. لا تبتعدي.
[frame="1 70"]
رد الرسالة :
لن أبتعد
[/frame]أنا يا حبيب العمر لم أبتعد ، لم أتسلل هاربة من حضن قلبك الدافيء ، لكنني وجدت نفسي في هذا المدى الضبابي وحدي ، وجدت نفسي في صحراء مترامية الأطراف وسكين الغربة مغروز في خاصرتي وليس بحوزتي إلا كم من الأسئلة المحمومة تحاصرني ومضارب من الشكوك تتلقفني وفراغ كبير يلفني .
وجدت نفسي ونبضات قلبي تعبث بفوضى ، تئن تحت وطأة الاستفهام ، من يجيب أسئلتي الحائرة سواك وأنا ما عدت أستطيع البحث في عينيك ؟ وبدا لي أن صدرك لم يعد مسكني ، ولم تعد أنفاسك الحارة تدفيء أيامي ، وهذا القلب الساكن بين ضلوعي استحال إلى كرة من الجليد ، إلى جلمود صخر، ما عاد رذاذ المطر يسقيه ، ولا نسائم الفل تدغدغ رئتيه .
عيناك كانتا مرآتي ، لم أنظر نفسي في مرآة قط ، لم أنتبه إلى غزو المشيب خصيلات شعري ولا إلى زحف تلك التجاعيد على وجنتي وباطن كفي ،ولا إلى بحة صوتي وأنا أنادي اسمك في منامي ويقظتي .
استسلمت لعجزي وضعفي ، وانزويت أحضن همي وأغسل بالدمع كل ليلة عيني ، ولم أفكر بالبحث عنك أو فيك ، لم أعد أبحث عن كفيك تحتضن عمري وأرقي وفزعي ، نفذت كل قطرات الأكسجين من دمي ولم أفكر أن أستنشق الياسمين من رئتيك كما عودتني ، إلى أن مددت يدك بحنو في ظلامي وانتشلتني كما ينتشل رضيع أوشك على الاحتضار، وحضنت بكفيك الصغيرتين كل ألمي ، ونظرت في عينيك فوجدت نفسي فيهما ملكة ً مُتوَّجَة ً وأن قلبك ما زال مسكني وملعبي وأنك حبيب العمر كنت ولم تزل .
[frame="1 70"]
ميساء البشيتي
[/frame]
[/frame]