رد: على المحك - خدوش على زجاج العمر - هدى الخطيب
صرير نفس بمقالة رائعة تُعبّر عن وجع أليم فالإرهاب صار نهج الأفراد والجماعات
الغالية الأديبة الرائعة هدى نور الدين الخطيب
احترت مرة في أمور ووقعت في تساؤلات كثيرة حولها
: ما الذي يجعلنا حتى نتميز بالشكل في تلك القطبة ما بين الحاجبين ؟
ما الذي يجعلنا نفقد الصواب إن أضاء النور حقيقة أوضاعنا فجأة ودون مقدمات ؟
من الذي أسس لثقافة الخوف من الطغيان وركّب فوق رؤوسنا منذ الطفولة
حتى الكهولة مستبد طاغ قاتل كأخطر ما يكون القتل حين تُدمر الأنفس
وتصبح عبدة له ولمن أراد مستسلمة ؟
ما الذي لا يجعلنا نتحاور كالعصافير المغردة لا تؤذي أصواتها أحدا
بل تطربهم بالرغم من اختلاف نغماتها واشتراكها في أقوالها في وقت واحد ؟
تساؤلات خلصت بعد ربيع العمر إلى فكّ بعض رموزها فبدأت أول اختبار :
في الصباحات الجميلة ، وعلى امتداد عدة أيام نظرت في وجوه جميع الناس
الذين التقطتهم عيني وهم ذاهبون إلى أعمالهم ووظائفهم وراهنت صديقي
بعد ذلك بأيام أن يريني من آلاف تلك الوجوه وجها وحيدا ضاحكا !
وفي اختاري الثاني : هذا رجل لا يأكل الثمار إلا في عتمة الليل
فلا يرى ولو كانت بعض ثماره ممتلئة بالحشرات يكره النور
من بخله ويفقد الصواب ؛ وهذا الشاذ من الناس يفعل في العتمة
ما يتناقض عند ظهورالنورفيصعق ، والنور يا سيدتي كما نعرف يكشف
العيوب ما ظهر منها وما بطن ، وجلسة واحدة تحت الأشعة يصدقنا النور
غالبا بما رأى حين يرى جميع سوءاته ويظهرها في صورة واحدة
أما الاختبار الثالث فحكايته طالت معي وكان يحتاج إلى عدة تجارب
أولها كان في بيت أبي رحم الله أبوينا
وكمعظم الآباء الذين ولدوا في مطلع القرن العشرين
كانوا صارمين في كل شيء بالنسبة للأبناء فإن عليهم ألا يرفعوا
أعينهم في عيون آباءهم حين يتحدثون وكل شيء بالأمر وعلينا
الطاعة ؛قلت له مرة بمرارة : أنا صرت جدا يا أبي ، اسمعني
أنت لمرة واحدة فقط دون ان تقاطعني أو تسكتني ولم يفعل !
اكتشفت عبرّ التجربة إني كنت على خطأ حين اعتقدت أن باستطاعتي
مناقشة رجل يمتهن من الدين وظيفة اسمه الشيخ او الواعظ وقلت
بأن مئات الكتب التي قرأتها ربما مولتني بذخيرة لا باس بها وكنا في
رمضان أستمع إلى ما يقوله كما كل رمضان ؛ وعند أول سؤال اعتراضي
على ما كان يتفتق أماط بوجهه جانبا بعد أن كشفت ضعف بنينة عقله
الفكرية وما كنت أقصد وقد بات لا يرد لي السلام حتى تركت مجلسه
وبدأت مع غيره وغيره فتبين بأنهم يغرفون من نفس المعين ونفس
المدرسة والأخطر ، وهذا بيت القصيد بأنهم لا يعرفون الجدل ..
والخطر الأكبر بأنهم علموا الناس على عدم القدرة على الجدل والحوار ،
همّ يتحدثون وعلى الناس ان تسمع ، لم يتعودوا الإنصات إلا إلى أنفسهم
ولم يتعلموا إلا من أموات اقفلوا الأبواب على أنفسهم وحرّموا علينا فتحها ..
ومن حال فالويل والثبور " والثعبان الأقرع " ! سألت فيما سألت
على سبيل النكته هل هناك له ثعبان له شعر مثلا أو يلبس شيئا فوق الرأس !
إنها ثقافة الخوف و الخوف من الثقافة ؛ إنها إدعاءنا بأننا نعرف كل شيء
والأنكى بأننا على اعتقاد ان الذي نعرفه كله صحيح ؛ إنها ثقافة
الخوف من فقدان سيطرة البعض على البعض مرة باسم الأبوة
ومرات باسم الله الذي لو نزعنا كما يردون التفكير من عقلنا
ما بقي فيها ..ولكن حين أسمع حوار العصافير المغردة
وهي تطربني بالرغم من اختلاف نغماتها واشتراكها في أقوالها
بوقت واحد أحمده تعالى وأتمسك بالأمل بالعيش ما بين تلك الطيور
حتى ولا أخشى من كمين صياد مموه ولو غرّد بنغمات مصطنعة ليغشنا
فسينكشف امره مهما فعل .
سيدتي الغالية تقبلي مني كل المودة والاحترام والتقدير
|