[منى كبارة]

نظرة وداع لرصيف سيبس
.....................
( الجزء الخامس )






الدكتور قال لأمي الحامل لازم تتمشي في الشهور الأخيرة ..وأبويا قال ياللا يامنيرة ..ناخد ماما عشان نمشيها..وكلها شهور وييجي أخوكي..ياللا ياعين أبوكي ..وكانت الفسحة والتمشية من ميدان المنشية ..لغاية رصيف سيبس..
المشوار طويل ..ابتدى من قبل المغرب لأول الليل ..وكان الوقت في آخر الصيف ..وكلها شهرين ونستقبل الضيف..وماما طلبت إزازة بيبسي وأنا طلبت جيلاتي..وبابا أكل حلبة وترمس وقعد يهمس..وماما تضحك..عشان بيقول لها أنا سامع حركة النونو..وقلت لهم أنا كمان عاوزة أسمع..أصل أنا ماسمعتش نفسي وأنا في بطن ماما..وياما شغلتني فكرة أخويا النونو..والهوا مرة واحدة برّد..وطفل مش عاوز يمشي ,,وبابا وماما قاموا وأنا في ديلهم .. وقبل ماأمشي بصيت على الرصيف .. لقيته بقى من الحركة نضيف ..وحسيت إني بأودعه..وقلبي كأن حد بيخلعه ..وروّحنا.

وجه الشتا..ودخلت المدرسة ..وكان الأستاذ بيكلمنا عن الإستعمار ..ومابقاش له في بلدنا قرار..وافتكرت إنه من سنه ولا اتنين..كنت بشوف قدام بيتنا اتنين واقفين ..لبسهم غريب ..وحديثهم أغرب ..
وأنا كنت بستغرب ..وأسأل بابا يقوللي الوقت قرّب..ومش حنشوفهم تاني..أصل دول من البحر التاني..ومافيش أيام وجم تاني..وملوا البلد ..وباقي أيام وييجي الولد..عشان سمعت من نينه..إن ماما قرّبت ..
ويوم وأنا رايحة المدرسة الصبح .. أكدوا إن النونو هيشرّف النهاردة ..وقعدت في المدرسة أحلم وأقول لصحابي ..هييجي أخ..ولد ..أبويا بكده وعد..وماصدقت إن الجرس ضرب..والمرواح وجب..وجريت في الشارع..عشان الحق أشوف أخويا..ياترى شكله إيه..وهيسموه إيه..المشوار بقى طويل..وحسيت إن جسمي النحيف بقى تقيل ..وسمعت صوت شديد..مش عارفاه بالتحديد ..وشوية النار ابتدت تقيد..ووقعت على الأرض ..
لقيت واحد عجوز بيشيلني ..وبيقومني..وقاللي على بيتكم اجرى ..الجبارين عملوها..ومش فاهمة كلامه..ولا إيه إللي بيحصل ..وجريت ومش عارفة أوصل..كأني للمدرسة رجعت تاني..

ولقيت الناس كلها بتصرخ وبتجرى ..وأنا في مكاني ..وقابلني عم عناني جارنا.. وخدني من ايدى قدامه على العجلة ..ووصلنا شارعنا بالعجلة ..لقيت شارعنا والع..بيت عم محمود وكمان الجامع..










وروحت بيتنا بالعافية ..لقيته كوم تراب ..وصرخت ..والناس يشدوني ..تعالي هتموتي ..يعني إللي جوه البيت ماتوا؟!..
أمي وأبويا ونينتي ..وأخويا النونو ؟..والعياط في عنيا اتحجر ..ومابقتش عارفة أفكر..واترميت على الأرض ..والجيران خدوني..ولما فقت قعدوا يبصولي ويعيطوا..

يعني خلاص كل شئ راح ..بيتي..وأسرتي..وكمان لعبتي..إيه فايدة دنيتي ..وإللي راحوا..على فين راحوا..ودوهم فين..ويعني إيه موت؟!..يعني مش هاشوفهم تاني..وبنت صغيرة زي ..عندها عشر سنين ..هتروح عند مين..وطريقها هيوديها على فين؟!..
عند أهلي في المنزلة ..بابا وماما منها..ونينه كانت عندنا في زيارة..ساعت ماقامت الغارة..
وعشت مع أهل بابا وماما..وكأن كل شئ كان حلم صغير..زي ما أنا صغيرة ..بيتنا ..ومدرستي ..أبويا وأمي..وأخويا إللي كنت بأسمع حركته في بطن أمي ..
وكرهت الإستعمار ..والحرب ..ومهما يوصفوهم بقسوتهم..مش هيكون أد إللي جرالي..
فين بيتنا..وبلكونتنا..إللي كان فيها عشة الطيور..ودولابي إللي كان له مراية بلور..والقطر إللي كان بيلف ويدور بالزمبلك ..كله هلك..وكانت سنة سته وخمسين..أصعب السنين ..ولما بقت عيد للنصر ..هانت حاجات كتير..
لما كبرت واتجوزت وكان ليا ابن كبير ..بيمشي في احتفالات اليوم ده..وأحكي له ايه اللي حصل فيه..وان جده وجدته..كانوا شهداء فيه..وتروح تزورهم في مقابر الشهداء ..والأرض اللي اندفنوا فيها في شارع بيتنا..قبل ماينقلوهم للمقابر ..خير شاهد على العدو الغادر..اللي كان فاكر هنسيب أرضنا له..لكن كان درس له ..وبفتخر النهاردة اني بنت شهيد وشهيدة ..وجدتي كان شهيدة..





إلى لقاء مع جزء جديد بإذن الله..