حسن الحاجبي
|
أيا خصيم هاته الدار
الحمد لله الذي نهج لعباده من مسالك الخير والشرمنهاجا , وأوقد لهم من فوانيس العقول نورا وسراجا,ونصب لهم من السبيل العلمين , وأبان لهم من الطريق النجدين ,وصلى الله وسلم على النبي المصطفى المختار , وعلى آله وصحابته الأطهار , صلاة وسلاما نسعد بهما في الدنيا وفي تلك الدار . ...آمين .
أما بعد فيا خصيم هاته الدار ...
إعلم أن الخلاف بيني وبينك قد ساغ حتى طابت به نفسي ونفسك ,فافترشت وإياك وسائد الغرور , وضاع مني ومنك فضل العمل المبرور , وإن تك نفسك بعداوتي قد سليت , فإن نفسي بما كتبت يدي قد شقيت , وإن تك متحللا من دينك ودنياك , بكل ما أعجبك واستهواك , فإني مربوط إلى ديني ودنياي الفانية , بوثاق أعمالي الواهية , وأخاف يوم أعرض فلا تخفى مني خافية .
فأين الدين مما أنا وأنت فيه ؟؟ وأين الحق المفروض بالوحي النازل , من الباطل المعروض بالرأي الزائل ؟؟ ..
أيا خصيم هاته الدار ...
تالله لئن لم ننته لنسفعن بالناصية , فكيف بي وبك , وقد رفعنا لواء سوء الظن الخسيس , وملأنا بالضغينة والبغضاء أسواق إبليس . لا عقلي ولا عقلك حضر , ولا علمي ولا علمك انتصر , وإنما العاقل متى غشيه الغضب ذهبت حكمته وقل انتفاعه بعقله , والعالم متى أعماه هواه ضاعت هيبته وبطل انتفاعه بعلمه .
كيف بي وبك , وأنا وأنت على سبيل الغرور درجنا , وعن منهج الخير جنحنا , فلا أنا لرأيك أوافق , ولا أنت لنظري تطابق , ومن فرط عمى البصيرة الذي أصابني وأصابك , رأيت فيك ذا رأي مخذول , ورأيت في صاحب قول مرذول , فانحبس كل منا على ما رآه , والحق أنك ضعيف برأيك لوحدك , وأنني أضعف منك برأيي لوحدي , وإنما هي عزة بالإثم أخذتني وإياك , فأدركتنا وساوس الشيطان عما سواه , ونالتنا بوديعة الصدر عن كل ما عداه .
أيا خصيم هاته الدار ...
حدنا عن سبيل الرشاد , وركبنا مطية العناد , فوصلنا على طريق الغي إلى حافة المهالك , وأغلقنا دون شعاع النور كل المسالك , حين زعمنا أننا وحدنا على مطاوي الصادقين , وظننا أننا دون سوانا للحق مواطئين .
نسينا الله فأنسانا أنفسنا , فلم نلهج بحمد خالق الأنام , ولا راعينا كيف تزول سبل الخصام ,وانتفخنا انتفاخ الطواويس , وتعفرنا من الذنوب بوحل وغيس , وتمادينا حتى غمستك من غيظي في الذلة , وأخرجتني بجهالتك من الملة . فيا ويحي وإياك من يوم تفتح فيه الصحائف والمولى عني وعنك غير راض , يوم تكون الملائكة شهودا ويكون تعالى خير قاض .
أيا خصيم هاته الدار ...
هلا عملنا حسابا لدار القرار .. أعف , فما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا . أعف , وحسبي وحسبك مما أنا وأنت فيه , وكفاني وإياك تماديا فيما لا خير فيه . تعبنا وما أغنينا , ونصبنا وما أجدينا , وساغ لي ولك أن نجعل من أنفسنا الضعيفة رقبانا يترصدون معصوم الأفعال , ومراتب الأقوال . أخذتنا لواهب الحمية , فلم نبق للود من بقية , ولم نورد موارد الصالحين , ولا رقينا مدارج الناصحين , وإن لم يتداركني ربي وربك بعفوه لنكونن أنا وأنت من الخاسرين .
فالله الله أستحلفك , أن تحلني مما أثمت به في حقك ظلما وقولا بورا , والله الله أشهدك , أنني برأتك مما رميتني به بهتانا وزورا . رب اجعلني من الذين إذا أخطأوا توفقوا لإجابتك , وأذعنوا لطاعتك , واهتدوا إلى عفوك ومغفرتك , إنك أعلم بمن ضل عن سبيلك وأعلم بالمهتدين , فاكتبني عندك من التوابين , ولا تجعلني آثما يوم الوقوف بين يديك يا أرحم الراحمين يارب العالمين . آمين .
مكناس في : 4 يونيو 2011
غرة رجب 1432 حسن الحاجبي .للمزيد من مواضيعي
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|