31 / 03 / 2008, 32 : 12 PM
|
رقم المشاركة : [1]
|
ضيف
|
الوحدة الحيوانية.
[align=justify]
لا أحد من المسلمين يعارض من حيث المبدأ اقتراح التضامن الإسلامي الذي يجتاز الحالمون به الواقع الإسلامي الراهن للمناداة بوحدة اقتصادية و عسكرية. إنها أطروحة توصف بالعمياء إذا حاولنا أن نفهمها باستخدام معطيات ملموسة مأخوذة من حالة التخلف و الظلام المتفاوتة التي تعيشها البلدان الإسلامية. و التنافر مع الواقع و المستقبل القائم بين دعاة الوحدة الإسلامية موجود كذلك في فكرة القومية العربية. و رغم أن الولايات المتحدة و حلفاءها خصصوا مليارات متدفقة من الدولارات لمواجهة التيار القومي و تشويه رواده، و بخاصة الرئيس العراقي صدام حسين، فإن مؤشرات عديدة تمنع تحقق مثل ذلك الحل المثالي لمشكلات العالم المتخلف. أحد أبرز العيوب تنطلق من الشخصية العربية، إنها تتفاعل مع عطاء الموقف الأيديولوجي و لا تفكر في المشاركة الفكرية و العملية في بنائه. إن الأخطار التي داهمت العراق حين أصر على حرية فلسطين، و حين زود العالم العربي و الإسلامي بوسائل النهضة كالبترول و الخبرات العلمية لا تختلف عن العناء القاسي الذي ستتجشمه الشعوب العربية و غير العربية داخل نفس السياق العقائدي أو الثقافي أو الوطني، لإحياء، على الأقل، الجانب السوسيو-اقتصادي من المشروع القومي، فالحديث عن طمس و اكتساح الهوية رائج فيما يخص بند الترابط الجغرافي في صورة عربية عامة تستدمج اختلافات كثيرة على عدة مستويات. أعتقد أن التأسيس التطبيقي للاقتراحات السوسيو-اقتصادية مهما يكن منشؤها الأيديولوجي، دينيا أو لاديني، تمهيد واضح و متماسك للترابط الجغرافي ، و يستحيل، نظريا و مثلما أثبتته تجربة القرن الماضي، أن يتحقق التوحد الجغرافي قبل الاستعداد القطري المنبثق عن التشارك في التصدي للوضع الاجتماعي و الاقتصادي المتردي، بمقادير متمايزة، في كافة أنحاء العالم العربي و الإسلامي.
عندما نقرأ المثال الأوروبي المتعلق بالبناء الوحدوي المتراص الذي ابتكره الأوروبيون، فإننا نادرا ما ننتبه إلى خصوصية المراحل التي عبرها تشييد الإتحاد الأوروبي، لم يبدأ بفكرة التوحد الجغرافي، و إنما اعتبرها الهدف الأقصى، لقد بدأ الأوروبيون بتكتلات اقتصادية، فمن أجل إقناع المواطن بخطة ما يجب أن نخاطب غريزته، و ليس من الناجح، تاريخيا و نظريا، أن نحاور عقله. علينا أن نتسرب إليه من خلال الجوع و الفقر و كل الآفات التي ترتبط به ككائن بيولوجي، و بمعنى بسيط: كحيوان، ككومة مطالب بيولوجية، و فيما عدا الاستغلال النبيل للنزعات البيولوجية فإن مخططات تطوير المجتمعات الإنسانية تعرض نفسها لمصاعب و حواجز لن تتجاوزها. ستلاحظون أن العقل مصيره التغييب، سأقول إن وظيفته رغم هامشيتها إلا أنها أساسية و ضرورية، فالعقل نستعمله فقط للتأكد من نبل الجهة التي تحاور حاجاتنا البيولوجية. أقرب نموذج هو الدعاية الحزبية في العالم بأكمله، إذ أن الحزب السياسي يرسل إغراءاته إلى مواضيع مثيرة للشهوة، العمل، برامج مكافحة الفقر و مظاهر الإقصاء الاجتماعي، لا يمكن أن تجد في برنامج حزب معين خطة إعادة تأمل في الفلسفة، أو مشروع تحليل لمؤلفات أدبية، فهذه الاحتياجات الذهنية العقلية ليس لها وزن مقارنة بالنداء البيولوجي الصاخب لدى كل إنسان. و في كل الأحوال فإن الناس يختلفون لكنهم نفس:"الأشياء" في تركيبتهم البيولوجية و الفيزيولوجية، لن تعثر على إنسان رئتاه تشرفان على تصفية الدم، فعادة عندما نجد خللا في جهاز جسمي ما، فإننا نقول بأن الشخص المعني يعاني من مرض، لكنك لن تقول عمن يخالفك الرأي في قضية فكرية ما إنه:"مريض". الوحدة إذن مطلب محفز بواسطة حيوانية الإنسان، و المقصود بحيوانية الإنسان، انتماؤه إلى فصيلة محددة من الأحياء. لنتذكر دائما أن حالة الذروة الجنسية التي يصلها كائن حي ما، كالإنسان، هي نفس الذروة التي يولدها الحماس الشعاري كيفما كان مصدره.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|