رد: مدونة المختار الأحولي
تحيّة إلى الصديقة العزيزة فاطمة البشر:
تقسّم القصيدة إلى ثلاثة أطوار متداخلة :
المعنى – المبنى – الزمن "الذي بدوره ينقسم إلى":
ينقسم الزمن إلى ثلاثة فرضيّات أو إلى ثلاثة مشاهد :
- زمن المساحة
- زمن المعنى
- زمن الزمن في ذاته افتراضيا وواقعيّا.
فالقصيدة تتعرى تدريجيّا بتداخل قويّ للعناصر المشكّلة للمعنى عبر مبنى اختياري في ما يبدو لكنّه إجباري حسب إيقاع المرايا التي هي الكلّ الذي يعيش في المساحة على خارطة الانتماء لهويّة الشاعر . حيث يكمن المباشر والرمزيّ فيها ويصنعان حدود لعبة الخيال لغويّا عبر صور مشتقّة من واقع مفترض للمساحة وهو قوّة المتخيّل له فيه . ويتمازج هذا الكلّ ليعطي نفسا قويّا للمنتقى كأدوات للإبهار.
لا حظ استعمال المسك والعنبر عوض أنواع "البرفان سينيه" الفخم أو أيضا السواك عوض معجون الأسنان أيضا وهو تكثيف مشفّر ومركز للرمز المنتقى للدلالة على زمن المعنى واختزال لزمن جميل عايشه الشاعر مع حبيبته .
أما السكر فهو حالة سبر غورها العلم ليكتشف كم تسقط كلّ الأقنعة التي يتخفى الإنسان العاديّ في يومه. وهي حالة تحرّر الذات لتتجه نحو الموضوعيّ فينا والعضويّ . وتتحد والعالم الحقيقيّ الواقعي في ظاهر متماسك والباطن. لذلك فإن السكر هو حالة نشوة وانتشاء بانتصار على أسرار يفضحها كونها وعالمها بكلّ حبّ فيه ويهشّم ما يكابده العقل والقلب جرّاء كتمان متخيل. بحيث يصبح السكر في وجهه المنتشي لبّ للمصارحة وطريق نحو المصالحة مع التاريخ الجمعي للوطن وتاريخه بكل ما يحتوي من وزر ثقيل أحيانا.
وعلى وجه التدقيق ترتقي إنسانيتنا بنا في حالة السكر إلى مصاف الآلهة "ذي الشرى"مثلا.
من خصب ووفرة نماء واحتفالا بقوّة مفترضة أنتجت كلّ الخيرات من قوّة الشعب لا من قوّة الحاكم وبمعونة الآلهة وهو عند العرب القدامى ما يعادل "باكوس" عند الرومان . و"ديونيزوس" عند الإغريق آلهة للخمر والخصب والنماء ومعبده بالبتراء الأردن حاليّا حسب تقسيم الخارطة الاستعمارية . ورغم أن الرومان والإغريق بحثا وتقصّا حقائق تاريخهم بغير خجل أو تكفير أو خوفا من تعريته للعموم. خشية عار متخيّل. حرمنا أن يكون لدينا تاريخ كباقي أمم الكون ووقفنا فيه عند حدود الرسالة رغم أنهم يفضحون أن عند دخول الرسول إلى الكعبة لتحريرها من المشركين وجد ما يقرب من 365 آلهة فيها وفي محيطها . وحتى أن بعض مظاهر الحجّ هي من خوالي الزمان الشركي كالسعي مثلا وغيره من طواف و... و...
لكن آلهة الرومان والإغريق أنتجت ملاحم ... ونحن أنتجنا لكن التكفيريين منذ الزمن الأول حطّموا هذا التاريخ وما بقي لنا منه جال على الأرض شفاهة حتى بلغنا وهم المعلّقات التي يحدّد الجاحظ في حيوانه عمرها بمائة إلى مائة وخمسون سنة قبل الإسلام فنسأل كيف تكون مكتملة وبتلك الروعة والعمق بلا تاريخ للتجارب على صياغتها على الأقل هذا إذا لم نسأل عن تاريخها منذ ولادة إلى اكتمال وحتى لا أطيل هناك الآن بحوث جميلة وجيّدة في هذا الصدد أذكر منها ما يدور في سوريا الآن لعديد من الباحثين في التاريخ الإبداعيّ للأمة .
ستقولين ما دخل هذا الحديث عن التاريخ في القصيدة التي قمت بالبحث فيها والحفر في معانيها ومراميها وكنت مصيبة في جلّ ما أتيت عليه وهذا ما دفعني لكتابة هذا الذي أكتب لأحاول أن أدفعك مرّة أخرى للمزيد "وهذه أنانيّتي التي تتحدّث" فقد أعجبني منك ما قلته في حقّ القصيدة ... ولكن رأيت أنك تشبث بالأم الواقعيّة ولم تربطيها بالعمق الأموميّ الذي ربّتنا عليه من خلال عبادتنا لها . إننا نعبد فيها إخصابها الذي أنتجنا في البلاد ببعديها الحضاري والتاريخي . وما عشقها سوى عشق البلاد برحابة نفترضها تتسع للكلّ بلا استثناء. المتشبّث بسلفه والطامح للتفوّق إنسانيّا والطامع في رزقنا وخبزنا منّا وفينا ...
أختي العزيزة فاطمة ما قرأته في تحليلك كان راقيا ودافعا لي لرؤيتي بعيون السلف الذي تربينا على وعضه وإرشاده ممّا أثار فيّ رغبة إعادة قراءة إبن رشيق القيرواني مثلا وليس حصرا"مع عدم إغفال ما أبدع العقل الإنساني الحرّ من مدارس نقديّة" لأثبت للكون أننا نحن من علّمهم الأسماء قاطبة والذين وهبناهم من صور القديمة أحرف أبجديتهم اللاتينية التي يفتخرون الآن بتفوّقها والحال "وبتصرّف"ستسوؤك أزمان" لأن لا حال يدوم على حاله مادام على الأرض شباب كفاطمة البشر ./.
شكرا صديقتي وأختي العزيزة وإلى لقاء آخر ....
|