لوعة الذكرى
[align=justify]
لقد كانت " المأساة النكبة " أشدّ من أن تحتمل وأقسى من أن يضمها هذا العمر الذي انتقل من حال إلى حال .. ومن الطبيعيّ أن نجد الشاعر دائم التذكر في حله وترحاله ، في كل حالات حياته .. فلسطين هنا لا يمكن أن تبرح أو تغادر بال ومشاعر وخواطر الإنسان الفلسطيني .. فهي موجودة فيه ، متنقلة معه ، مقيمة في سويداء القلب .. وقد كان الشاعر نور الدين يونس الخطيب ، الصحفيّ اللامع ، والخطيب المفوه المعروف ، يعزف على قيثارة فلسطين وجده وحنينه صباح مساء وكأنه ذلك العاشق الذي تجسدت حبيبته بفلسطين لا سواها .. وقد كانت مقالاته ، وخطبه ، تصبّ كلها في حب فلسطين والشوق المتصل إليها ..
في قصيدة " الحنين إلى الوطن " يقول الشاعر نور الدين الخطيب :"وطني الذي الجنّات بعض صفاته /والحسنُ آيٌ من رؤى آياته ِ.... ذاك الغريب تكشّفتْ أشواقهُ/ إثر الذي أذراه من عبراته ِ.......بل نمَّ عن وجد يعنّي قلبهُ/سيلٌ من النيران في زفراته ِ ..... تعتاده الذكرى ويلهبُ شجوهُ/ ماض ٍ طوى الأحلام في طياته ِ ..... لم يبقَ منها و الزمان عدوّه ُ/إلا أنين النزع في أنّاته ِ "... مثل هذه الأبيات التي قالها الشاعر نور الدين الخطيب ، تأتي محملة بحرقة الغياب، ووحشة العيش الذي يحياه الشعب الفلسطيني بعيدا عن دياره .. فما أصعب أن تفتح العين صباحا وفي ذهنك أنك موجود في بيتك ودارك ووطنك وبين أحبائك ،لتجد أنّ الحياة كلها قد انقلبت وصار الحال غير الحال .. وهاهو الشاعر يصير غريبا بعد أن كان آمنا هادئ البال في وطنه.. لماذا وبأي حق ؟؟.. لا أحد يجيب ، بعد أن صار العالم وحشا يترك للباغي أن يتمادى في بغيه، وللظالم أن يوغل في ظلمه ..
إن النقلة التي حدثت في حياة كل فلسطيني لا يصدقها أي عقل .. فهي نقلة تشبه ريحا هوجاء أتت على الثابت فزعزعته ، وهاجمت الراسخ فقلبته .. وتعتاد الذكرى الشاعر ، وسواه ممن تشردوا وتركوا الديار عنوة ، فيرى أن الأحلام حتى الأحلام تطوى مع ماض يطوى .. فلا يتبقى من كل ما كان إلا أنين النزع ..فما أمرّ وما أقسى هذا الزمان الذي جعل الفلسطينيّ شريدا بعيدا عن كل ما ألفه وعرفه ..
إن التذكر والحنين والتطلع إلى الماضي بكل ما يحمل ، سمة غالبة من سمات الشعر الفلسطيني في المنفى ، وقد كان هذا الالتفات الذي لم يتغير بطبيعة الحال ، شديد الحضور في السنوات الأولى من التشرد واللجوء ، لأن حرارة الفاجع ما زالت على حالها .. طبيعي أن تبقى هذه السمة حاضرة موجودة في شعر المنفى ، لكن مع الأيام والسنوات نجد أنها تتفرع وتتداخل مع سمات أخرى طبعت شعر المنفى .. وإن كنت هنا أتناول مثل هذا الشعر تناول التركيز على الشاعر أحيانا ، وعلى الموضوع أحيانا أخرى ، فلأن شعر المنفى متسع متعدد غير مقيد بمكان أو زمان محددين .. وإذا كانت الدراسة المنهجية تقتضي خطة نقدية محددة ، فما أصعب هذا بالنسبة للشعر الفلسطينيّ في المنفى .. لأن الخطة النقدية تفترض شيئا من الوحدة في أي موضوع متناول ، كما تقتضي شيئا من الوحدة في الصياغة والتوجه والمدرسة الفنية وما شابه، وهذا غير ممكن في شعر المنفى ..
إذن كان التذكر والحنين وما زال حاضرا كل الحضور في شعر المنفى، وهو أمر طبيعي في حال وطن مفقود وشعب مشرد ، يقول الشاعر نور الدين الخطيب:" يا لوعة الذكرى تطوف بخاطري/فتثير فيَّ مكامن الأشجان ِ.... هل كان ذاك العهد إلا غفوة / فصمت عراها أنمل الحدثان ِ...... واهاً فما أبقى الزمان لمثلنا/ إلا الدموع طليقة الأجفان"..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|