سمر رمضاني : حديث الأهلة
ماتت جدتي رحمها الله وهي ترفض فكرة صعود الإنسان إلى القمر , وكنا في البيت كلما أردنا إغاظتها غيظا جميلا نستعذبه بما تفيضه علينا من كلمات لا تفوت حد العتاب , حدثناها عن تمكن الإنسان من الوصول إلى القمر, وكيف أن أمريكا وروسيا تتسابقان على بسط النفوذ على ذاك الكوكب الجميل , فترد قائلة : " ماكاين لا مريكان ولا طاليان , هداك راه الملك ديال الله , حتى واحد مايقدر يوصل ليه , إيوا كونوا تحشموا ". فننفجر ضاحكين .
ومات شيخي رحمه الله , وهو يدعو على حكام المسلمين ــ قبل ربيع الثورات العربية طبعا ــ بالويل والثبور وعظائم الأمور , لأنهم يختلفون في كل رمضان حول تاريخ بدء الصيام , ويخفون الهلال في أقبيتهم المظلمة, ولا يسمحون بطلوعه حتى يطلع على الناس بيان يبشرهم بأن مولانا الحاكم يسمح لهم بالصيام , وعليهم أن يدعوا له بدوام العزة وطول العمر .
وعبثا كنت أحاول أن أشرح لشيخي أن الأهلة لا يحجبها سلطان , وأن الأرض تدور , ولدورانها تأثير على سرعة انتقال الضوء والصوت , وتعاقب الليل والنهار , وأنه من الطبيعي أن تتفاوت أمم الأرض بدقائق وبساعات في إعلان تاريخ الصيام , لكنه كان يستشيط غضبا ويقول لي : لنفترض أنك على حق , فكيف يعقل أن يصوم أهل المغرب ومعهم أهل الجزائر وتونس ومصر في نفس اليوم , بينما أهل الجماهيرية قد صاموا يومين قبلهم ؟ أليست بلاد النيل تقع وراء أرض ليبيا , فأين هلالك الذي تدعيه ؟ وكيف يقفز الهلال على الحدود ؟ أم هو هوى الحكام ولاشيء غيره ؟؟ .
ساعتها كنت ألوذ بالصمت ليقيني أن شيخي يقول صدقا , فأفتح شهيته لمزيد من الإحتجاج , وإذا به يضيف نكاية بي وبأمثالي من المتفلسفين : قل لي بربك .. كيف يكون لمسلمي إسبانيا هلالهم , ولمسلمي جارتهم فرنسا هلال آخر ؟ وكيف ينقسم المسلمون المقيمون في بلاد الإفرنجة فيصوم كل منهم تبعا لتاريخ إعلان الصيام في بلدانهم الأصلية , وينسون أنهم يعيشون تحت سماء نفس البلد ؟ وكيف ترضى أن يصوم مجاورو قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المشرق , ويقيموا التراويح في الحرم الشريف , وأنت تلاغيني هنا في المغرب بين رشفة شاي وأخرى ؟؟؟.
والحق أنني كنت لا أملك لقوله ردا , ولا لتهدئته بدا , وأنا أردد حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم :" إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى " .
رمضانكم سعيد .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|