[رأفت العزي]

كان عراق صدام حسين " يثير الدهشة " عندما توقفت الحرب
العراقية الإيرانية في مثل هذا " اليوم " الثامن من آب 1988 ؛
فعراق ما قبل الحرب كان لديه 10 فرق عسكرية ، وها هو وبعد
حرب استمرت ثماني سنوات صار لديه 55 فرقة وأكثر من مليون
جندي مدربين منظمين وأكثر من 5500 دبابة حديثة ! فمن كان يُصدق
أن بلدا قد خسر مليون شهيد في تلك الحرب قد خرج بهذه القوة
العسكرية في مقابل ديون وصلت إلى 100 مليار دولار مع تبخّر
ال 30 مليار الاحتياطي غير أطنان الذهب الذي كانت في خزينة
الدولة قبل بدئ تلك الحرب !

قرر حينها النظام الاستفادة من أسعار البترول المرتفعة لسداد
بعض ديونه لكن دولة الكويت قررت رفع إنتاجها من البترول
مخالفة قرار الأوبيك خصوصا وأن زيادة الإنتاج تركزت على
حقول الرميلة الحدودية المتنازع عليها بين الكويت والعراق
بالرغم من عدم حاجة الكويت اقتصاديا إلى رفع ذلك الإنتاج
وتعرفون باقي القصة والرواية التي انتهت بمأساة لكلا الدولتين
والوطن العربي بأسره !

يسوقني هذا إلى قرار حكومة الكويت الأخير بإنشاء أكبر ميناء
بحري في المنطقة العربية وأين ؟ في المنطقة الضيقة أو لنقل
في عنق زجاجة الخليج العربي وتحديدا فوق جزيرة " بوبيان "
الناظر إلى خريطة تلك المنطقة
http://www.worldatlas.com/webimage/c...sia/kwnewz.gif
يعلم بأن عشرة أرصفة على مدخل ميناء البصرة العراقي سيعيق
حركة السفن بشكل خطير هذا أولا ، أما ثانيا هو نوعية الخدمات
التي سوف يتمتع بها هذا الميناء الجديد ، والذي سوف يزود بأحدث
التقنيات مما يوفر الوقت والمال ومما سيؤدي إلى إغراء الكثير
من شركات الشحن تفضيل الميناء الكويتي على العراقي !

وذلك يعيدنا إلى ذلك المربع الأول عام 1989 عندما ردد العراقيون
القول العربي : " قطع الأرزاق من قطع الأعناق " خصوصا وان
الكويت لا تملك منفذا تجاريا لتسويق حركة تجارتها إلا عبر الأراض
ي العراقية وهي بالتأكيد سوف لن تنافس الموانئ البحرية للملكة
السعودية ولا موانئ دول الخليج وبالتالي يقدّر المراقبون بأن
الكويت من الناحية الاقتصادية لا تحتاج إلى هذا الميناء الجديد
وهي لا تشكو من أزمة بهذا الخصوص ولا حاجة لها إلى
الاسترزاق من موارده المتوقعة !

هذا يدفعنا إلى سؤال مزدوج : من هي الجهة التي دفعت الكويت
في العام 1988 لترفع من طاقتها الإنتاجية في الحقول المتنازع
عليها ، ومن الذي يدفع بالكويت حاليا لتنشئ الميناء المزمع إنشاءه
وفي منفذ الرئة الاقتصادية للعراق ؟!

أجوبة لا نعرف الإجابة عنها إلا بعد مرور الوقت ، وحين يعترف
" الدافعون " بفعلتهمالتي لا تخدم إلا مصالحهم التي لا تستقيم إلا
إذا بقيت أساطيلهم الحربية تحتل كل بحارنا .

فرحمة بأمتنا التي تعاني من الويلات ورحمة بشعب العراق المظلوم
نتمنى من الله القدير في هذا الشهر الفضيل أن يلهم أولى الأمر في
دولة الكويت الحبيب بإعادة النظر إن لم يكن بالتراجع عن قرارهم
فبتغيير موقع الميناء خصوصا وأن سواحل الكويت ليست ضيقة
ولا قصيرة حتى تحشر ميناءها حشرا في حنجرة العراق .