05 / 11 / 2011, 29 : 12 AM
|
رقم المشاركة : [18]
|
كاتب نور أدبي متألق بالنور فضي الأشعة ( عضوية فضية )
|
رد: سوريا وأزمة أعداء النظام !
بلاد الشام هي نموذج البلاد التي يمكن ان نسميها " مثالية "
فجذورها وعلة وجودها وجوهرها... ليس أرضا وحسب، بل ثقافات متعاقبة ..
وأسلوب حياتي وحضارة ... لا تقضي تحولاتها على استمراريتها
والتاريخ كله يوضح ، أن الجغرافيا السياسية " ومواهب البشر" ، إلى جانب المصادفة ،
قد رسخت منذ البداية وعلى مر السنين أهميتها في منطقة شرق المتوسط كلها .
وان هذه الأهمية التي لا تتناسب مع عدد السكان والكيلومترات المربعة كانت
حاسمة في نطاق الحرب والسلم والحضارة .. سواء أكان ذلك أبان عصر " ايبلا"
أو أثناء حكم الرومان أو زمن الأمويين ، فهي ما تزال كذلك حتى اليوم "
( المؤرخ العربي سهيل زكار / من مقدمة موسوعته الرائعة " تاريخ الحروب الصليبية " )
فهذا الدور التاريخي قد يجتمع مع موهبة إنسان سكنه التاريخ وأستقرأ
تلك الحقيقة التي يغفلها كثيرون أو يسقطها أيضا كثيرون من اطر تحليلاتهم
عندما يتحدثون عن تلك المنطقة ، وقد نختلف من كل الزوايا في فهمنا للأحداث
التي وقعت والصراعات القاتلة والتي ما زالت تدور وكلٌ حسب أهواءه
ومشاربه السياسية والثقافية والاجتماعية ؛ فنحن في منطقة فُرض علينا
ألا نكون على حياد " ذكي " خلف حدود يمكن الدفاع عنها بالسلاح أو
التنازلات السياسية أو بالتخلي عن بعض الحقوق كما فعلت بعض الدول ..
وعليه لا يمكننا القفز عن ذكر القادة الذين تبنوا هذه الثقافة وبذلوا الجهد
لتحقيق الدور الذي فرضه التاريخ على هذا البلد والمنطقة ، وحافظ الأسد
واحد من القادة العظام لم ينصفه التاريخ الذي كتبه الأقربون بالرغم من أن
الأعداء اعترفوا بعبقرية الرجل .. فهو :
" يمتع بموهبة قيادية فّذة في القيادة جاءت فيه الصدفة في زمن لا يمكن
لمثله ان يكون على حياد كمعظم سكان بلاد الشام ؛
رغم انه تعرضه إلى ضربات كان يمكن أن تكون مميتة .. وأثار عليه لدى بعض
الرجال والدول ، أحقادا لا تخمد ؛ فضلا عن عدم " التفهم " وكان قادرا
على الصمود لأنه يستبق مجرى الأحداث .. فهو من أعاد لسوريا استقرارها
بعد عشرات الانقلابات ، واستطاع أن يسيطر عليها سيطرة أفضل "
( لوسيان بيترلان المفكر و المؤرخ الفرنسي)
إن استباقه لمجرى الأحداث بدأ باكرا وتعامل مع مختلف القضايا بمنطق
العقل وليس العاطفة وهذا النمط لم يعتد عليه الإنسان العربي بشكل عام ؛
عندما نشبت الحرب بين إيران والعراق وقف حافظ الأسد مع الإيرانيين
وحده دون كل العرب وقد كان يحذرهم من مغبة دعم صدام حسين
وهو وحده لم يحضر قمة بغداد دون الحكام العرب وبرر ذلك بأن هذا الاجتماع
سيعزز من غرور هذا الرجل / يقصد صدام / ويضفي عليه هيبة كان يطلبنها !
يقول الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز
في كتابه " مقاتل من الصحراء " ص 268 : " إنني أحترم حافظ الأسد واقدّره
لأنه كان على صواب في موقفه من صدام بينما أخطانا نحن التقدير ،
وكم كان حكيما لعدم حضوره قمة بغداد الذي عُقد في مايو / أيار 1990
وأصبغ على صدام الهيبة التي كان يريدها "
وعندما غزا صدام الكويت سارع إلى إرسال فرقة مدرعة من
الجيش السوري عندما شعرت المملكة بالخطر لوجود نصف مليون
جندي عراقي على حدودها يتهددها ويتوعدها تلك القوات رابطت
على أرض المملكة قبل عقد لواء التحالف الدولي لتحرير الكويت وإعلانه
حيث شارك الجيش السوري في عملية التحرير ؛
" وكانت وحدات الجيش السوري طليعة الوحدات التي اقتحمت الدفاعات
العراقية " ( كما قال الأمير خالد في نفس المرجع ص 272)
والجدير ذكره أنه وعند اشتعال الحرب ما بين إيران والعراق في
العام 1980 وشعرت الكويت بالقلق اقترح حافظ الأسد على أمير
الكويت بإرسال 25 ألف جندي سوري للمرابطة على أرض الكويت
التي رفضت العرض ، ولو فعلت لتجنب جميع العرب مأساة احتلالها
من القوات العراقية التي ما كانت لتجرؤ وهي في حماية عربية ؛ وفي بداية
حرب لبنان قام بدفع قواته بناء على اقتراح قدّمه إلى الرئيس اللبناني
سليمان فرنجية فقامت قيامة كل العرب ضد سوريا وجيشها الذي وصف
" بالغازي " وبعد ستة أشهر وافق جميع العرب على إدخال 40 ألف
جندي سوري لوقف القتال المستعر في لبنان وذلك في 16 نوفمبر /
تشرين الثاني 1976 مع دفعهم للتكاليف !
أقول إن حافظ الأسد تعامل بالعقل والمنطق حيث لا شعبية لذلك .. فنحن
كعرب نحب " الهيصة " مع عبد الناصر مثلا بكينا عندما قال " أنا تنحيت "
بالرغم من انه تجرعنا لكأس الهزيمة المرّ في العام 1967، وبالرغم من
إدارة مصر لقطاع غزة لمدة 20 عاما ألا أنه لم يسمح بأي عمل مقاوم ضد
كيان العدو بتاتا بل وكانت سجون غزة ممتلئة بالمعتقلين ومع ذلك ، لم يحمل
عليه الفلسطينيون كما حملوا على حافظ الأسد برغم أن نظامه يعامل النصف
مليون منهم والمقيمين على أرض سوريا بشكل لائق ومحترم ويمتعون بكامل
الحقوق التي يتمتع بها السوريون بل أن لهم الأفضلية هذه المسالة يعرفها كل
الفلسطينيون ومع ذلك ، فمعظمهم لم يحبه ، حتى أولئك المقاومون الذين يتمتعون
بحماية هذا النظام منذ أربعون عاما ويزيد ..!
أما الأسباب فهي عديدة متشعبة ومعقدة ، أولها أنه تعامل بحزم
مع فصائل المقاومة الفلسطينية التي كانت تنتشر على الأراضي السورية
من أقصاها إلى أقصاها بعدما كانت تعيث فسادا من العام 1967حتى 1973
على طول البلاد وعرضها الأمر الذي جعل تلك التنظيمات تتسلل إلى لبنان
الدولة الضعيفة بعيدا عن سلطته .. فياسر عرفات قد نقل مقر قيادته إلى
بيروت ولم يكتفي بذلك بل راح يصرخ من هناك ويطلق الشعارات المستفزة لنظام الأسد :
" لا للوصاية ، لا للتبعية ، نعم للقرار الحر والمستقل " .
علق أحد المسئولين في إحدى التنظيمات التي ظلّت موالية للنظام وقال :
مستقل نعم .. لكن عمن ..؟
فقط عن سوريا ..!؟
أما في لبنان فكان الأمر مختلفا .. فنظام حافظ الأسد غير محبوب من مُعظم
الفئات والطوائف .. فالمسيحيون يكرهون سوريا كدولة منذ ولادة لبنان سياسيا
عام1920 أما المسلمون السنّة فكرههم متعدد الجوانب من الصعب على
المتلقي فهمها بسهولة لأنها تحمل نقيضا عجيبا عند مسلمي لبنان من السنة ، فدمشق
في عرفهم هي قلب العروبة النابض ، في نفس الوقت يعتبرون أنظمتها
وأيضا منذ قيام لبنان أنظمة تفتقد للعروبة ففي رأيهم أن دمشق قتلت حلم
الوحدة مع مصر ، والمفارقة أنهم في ذات الوقت الذين هم أنفسهم يكرهون الوحدة مع أي
آخر بل أن المسلمين والمسيحيين كلبنانيين لم يرسخوا وحدتهم أصلا بل أن النظام السوري
نفسه هو من لمّ شملهم وهيأ لهم مناخ الوحدة وبناء المؤسسات بعد حروبهم الطاحنة . أمر عجيب ؟
والأعجب هو أن المسلمون وفي أزماتهم المتتالية مع الشريك الآخر
في الوطن اللبناني لا يلجئون إلا إلى دمشق ونظامها ليؤمن لهم التغطية
في جميع المجالات السياسية والعسكرية حين يتحدث السلاح .. هكذا كانوا
في أعوام 1958 / 70/ 75 /1979 السنة الأخيرة كانت سنة ذبح بيروت التي
استغاثت بدمشق فأعادت قواتها دون منة ولا جميل !
أما المسلمون الشيعة فقد كانوا لا يكترثون لا في هذا ولا ذاك بل أن
أكثرية شبانهم كانوا يشكلون العصب الأساسي لأحزاب اليسار القومية
والشيوعية وكان بعض شبانهم ينتمون إلى التنظيمات الفلسطينية على
مختلف فصائلها حتى قيام حركة " أمل " السياسية وبناء على اقتراح
وتمويل من ياسر عرفات كما صرح بذلك مرارا ( سوف نعرف الأسباب )
|
|
|
|