الأستاذة فاطمة البشر
عقب قراءتي لمداخلتك اللطيفة وجدتني أسأل نفسي: هل يحق لي أن أكره؟ وإذا كانت المسافة بين الحب والكراهية بعيدة بعيدة، فما هي المسافة بين (الكره) و(اللاحب)، أتراهما وجهان لعملة واحدة؟؟ وهل من تخوم تربط مملكة (الحب) وقفار (اللاحب)؟ وهل أجد دليلاً في كتاب الله يجيز لي - حين يضيق صدري بعلاقة ما- إطلاق غول الكراهية الهاجع في قاع نفسي من عقاله ليشوّه ما حوته طيّات ذاكرتي من علاقات ملأت حياتي ذات يوم فرحة، وحباً، وعطاءً، وألقاً؟
عكفت على كتاب الله أستنطقه، وهو ملاذي حين تتخطفني الشكوك وتنهش عقلي التساؤلات. فأجابني بحزم وجزم أن الأصل في العلاقات الإنسانية هو التعارف، واللقاء، والإلفة، والمحبة : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍوَأُنثَىوَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباًوَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ); [الحجرات آية: (13)]، وهذه العلاقة قد يصيبها البلى عبر مرور الأيام كما الثوب، وقد تعتورها صنوف النزاع والخصومة والخلاف. بيد أنه من غير المسموح به أن يفجر المرء بصاحبه، وقمة الابتذال أن ينسى مآثره ويبتر محاسنه: (وَلاَتَنسَوُا الفَضْلَ بَيْنَكُمْ)؛ [البقرة آية: (237)]. وهنا مربط الفرس ! فإن كان ليس من الفراق بين الأحبة بدٌ، فليلتزم محبو الأمس وخصوم اليوم بشرط عدم نكران الفضل الذي كان بينهم ولينتقلوا سوية إلى قفر (اللاحب) بدل أن يقبعوا في زنزانة (الكره) حيث لا يُسمع إلا صرير الأسنان، وهناك - أي في قفر(اللاحب)- لن تتجرع قلوبهم غصص الحقد والكراهية إذ (اللاحب) منطقة منزوعة العاطفة؛ لا تشرق فيها شمس الحب الدافئة ولا يلفـُّها صقيع الكراهية. إنها المنطقة الرمادية لمشاعرنا تجاه من لم تربطنا به أواصر معرفة في يوم من الأيام.
وأراني متحمساً بعض الشيء لإنضاج هذا الموضوع، فلعلي أفرد له مقالاً على صفحات الموقع.
ولك التحية والاحترام من مدينة الياسمين