عرض مشاركة واحدة
قديم 12 / 04 / 2008, 01 : 03 PM   رقم المشاركة : [10]
ماهررجا
ضيف
 


رد: الاعلامي الفلسطيني ماهر رجا في حوار مفتوح ضمن مدارات اللغة..

شكراً أخت ناهد..
في الحقيقة السؤال الذي تطرحينه يحتاج إلى كتاب إذا أردنا إجابة شاملة..
لا أدعي أنني أمتلك تصوراً شاملاً لآفاق القصيدة العربية.. هذا أمر يختص بالمستقبل.. لكن أكيد هناك إشارات راهنة يمكن أن تعطينا تلميحات عن الصورة التي سيبدو عليها الشعر العربي في المراحل المقبلة..
الشعر ديوان العرب كما في مأثور القول العربي، إنما بتقديري أن المشهد الراهن لا يقول ذلك... اعتقد أن هناك أزمة.. لدينا هذا الكم الهائل الذي ترينه من الشعراء، تسمعين كل يوم بشاعر جديد، تقرئين قصائد وقصائد (تغص) بها مدونات الانترنت وصفحات الجرائد، حتى أصبح الشعر مهنة من لا مهنة له..!! ... قد يكون هذا جيداً بل رائعاً في وضع صحي ، أي حين يكون النتاج الشعري لهذا الكم الكبير من الشعراء يشكل إضافة إلى ديوان الشعر العربي .. لكن الأمر ليس كذلك في كثير من الأحوال، وفي الغالب ما من إضافة ولا إبداع بالمعنى الحقيقي للكلمة..
هذا رأيي طبعاً..
النقطة المهمة هي أننا فقدنا القدرة على خلق التيارات الشعرية.. في أوائل القرن الماضي كان هناك تيار الكلاسيكية الجديدة، كان العقاد وسبقه أحمد شوقي وجايله وكان خليل مطران وآخرون .. ومن بعد كانت هناك تجمعات تبدع أساطين، أدب المهجر، الرابطة القلمية، مجموعة أبولو، شعراء قصيدة التفعيلة العراقيين كالسياب ونازك الملائكة، ثم شعراء الأرض المحتلة، درويش وراشد حسين وتوفيق زياد، وسميح القاسم وسواهم.. فترة السبعينات أيضاً كانت استمراراً في العطاء الشعري وتياراته لكنها برأيي كانت الشوط الأخير نحو عد عكسي..
لا أدري ماذا جرى.. اليوم ليس لدينا كل هذا الحراك، هناك فقط أصوات مميزة وليست تيارات، والغث بات يربو على السمين، ثم جاء دخول كم كبير ممن يريدون التحديث والتجريب دون أن يكونوا قد قرؤوا بيتاً واحداً للمتنبي أو لأبي تمام، هذا زاد في الطنبور نغماً.. يريد الأخ أن يجرب وأن يهدم بناء القصيدة العربية وهو لا يعرف الفارق بين السبب والوتد في عروض القصيدة، أو بين التشبيه والاستعارة!..... القصة طويلة وسأكتفي بهذا القدر من الإجابة.
......
بالنسبة لسؤالك الثاني عن المواقف السياسية للشاعر ، لم أفهم بالضبط ما قصدت.. هل المقصود الموقف الشخصي للشاعر من قضية سياسية معينة وتأثير ذلك على القصيدة، أم أنك تتساءلين عن تأثير حضور الخطاب السياسي المباشر على القصيدة وقيمتها الفنية؟... أرجو أن توضحي لي.. وشكراً لك.
.....
في السؤال الثالث، لا أرى ارتباطاً مباشر بين عالم الصحافة والأدب....لكن هناك علاقة تأثير وتأثر بالتأكيد في جوانب معينة..
الصحافة تهتم مباشرة بالخبر، وهنا اللغة وسيلة إيصال، وهي يجب أن تكون حادة ومباشرة وسريعة الإيصال بعيداً عن التداعيات اللغوية البلاغية.. الهدف في النص الصحفي إيصال المعلومة بطريقة معينة وبآليات لغوية تحاول أن تنقل أيضاً وجهة نظر سياسية أو ثقافية أو اجتماعية حيال قضايا مختلفة... ما من اعتناء ضروري باللغة في الصحافة سوى أن تكون العبارات سليمة ورشيقة ومرتبطة بموضوعها مباشرة.. ثم إن النص الصحفي يجب أن يبتعد عن الخيال ويقوم بنقل الواقع أو الحدث أو الخبر، وينطلق التعليق على الخبر من ذات المعين وعلى أساس هذه القواعد..
لكن في الأدب الأمر مختلف.. اللغة في الأدب هي مادة أساسية .. الخيال هو جوهر وقيمة، التداعيات البلاغية دم وريد النص الأدبي، فأي قيمة للأدب بلا خيال وتخييل..
نعم يأخذ الأدب من الواقع ولكنه يعيد صياغته مضيفاً إليه قطرات من روح كاتبه وخياله.
وفي حين أنه لا مكان للتأمل في النص الصحفي ، فإن التأمل عالي الحضور في النص الإبداعي..
لا يتحدث النص الإبداعي عن وقائع، وإنما ينشغل بتداعيات هذه الوقائع في الخيال والروح والوجدان البشري، في حين من غير الممكن في نص صحفي جيد أن يظهر إيحاء وجداني.. كيف لنا أن نتخيل مثلاً دراسة حول حرب المياه في منطقة الشرق الأوسط ونرى الكاتب يضيف إليها موقفاً وجدانياً.. يمكن فقط أن يكون هناك موقف سياسي تحليلي، وتوجيه للقارئ كي يتبنى موقفاً بعينه دون سواه في هذه القضية أو تلك.
طبعاً هناك استثناء ما يسمى بالأدب السياسي، وهذا أمر مختلف .. نرى مثل هذا في الزوايا التي تخصصها على صفحاتها بعض الجرائد والمجلات، وهي تقبل مستوى من التعبير الأدبي والوجداني بحدود معينة.. والأمر نفسه ينطبق على الصحافة الثقافية إن جاز التعبير، فهي ليست كنقل الخبر أو كتابة الدراسة لكنها تبقى في إطار العمل الصحفي في نهاية المطاف.