الموضوع: الشمعة؟
عرض مشاركة واحدة
قديم 12 / 04 / 2008, 12 : 09 PM   رقم المشاركة : [1]
هشام البرجاوي
ضيف
 


الشمعة؟

[align=justify]
دعوني أتناول الشمعة التي تضيء غرفة حالكة لكاتب متثائب، تستمر في منحه النور دون ضجر، لكنه لا يشعر بعمق التضحية التي تهبها الشمعة لكتاباته، ينفق جهوده الذهنية من أجل ابداعاته، و لم يخامره أن يخصص هدية لمصدر الضياء الذي يتألم بصمت بجانبه فوق منضدة عريضة تناثرت حولها أوراق كثيفة. لا يتذكر رفيقة متاهات الأدب و الفكر إلا لدى استعداده لإرجاء أعماله المتواصلة، ينظر إلى الفقرات التي أضافها إلى كتاب لا ينتهي و بدون عنوان، ثم يقترب من الشمعة المعطاء ليطفئها بهدوء. لم يأبه بحمايتها، و بمفردها انتصرت على سأم سنوات حزينة، و بمفردها تخلصت من المناخ المكفهر. تقضي كل فصول السنة بتغيراتها المفاجئة على نفس القدر من الفداء. و إن لم تجتهد من أجل السمو عن دورها المعتاد الذي يلومه الكاتب القاسي، صاحب الإنسانية المقفرة، فإنها لم تستطع تحمل إثم التخطيط للتقليص من أهمية المهمة المقدسة التي تؤديها عن طيب خاطر أو خاطر تناثرت أشلاؤه في العديد من الأحداث المرعبة. بل إن جدتي الخرافية أخبرتني أن المتأمل في جسم الشمعة المتعب يوحي إليه بأنها تبتسم. ابتسامة صمود تتحدى الجراح و الأوجاع المتفاقمة.

أعوام طويلة و الدموع تتهاطل من قمتها البيضاء النقية، بادلت تحجر الكاتب بالعطاء الجزيل، كلما ازداد تطرفا و ارهابا، ازدادت ارادتها القويمة على مواصلة أداء رسالتها التالدة في حياة كاتب تتناهى إلى الإنقراض مع كل دمعة تذرفها مطمئنة شمعة عقيدتها الصبر المزمن.
- يجب أن يشع مني نور لا يضاهى، سيوقظ عقله الذابل ليفكر في خلق شمعة أخرى تنوب عني بعد أن أهلت ارهاصات الخريف الأخير.
لا توجد شمعة أخرى، هي الأخيرة، فإنجازات الكاتب الثاقبة أبادت جميع كائنات جنسها. تطهير مفزع شامل و لا تزال الشمعة تلبي آمال بسلام و تفان و اصرار. حينما بلغت جدتي الخرافية هذا المقطع الملبد بذنوب الكاتب، تساءلت عن الإنقلاب؟ تساءلت عن الثورة؟ تساءلت عن الثأر؟ تساءلت عن البعث؟ كل أحلامي تحطمت لدى علمي بأن الشمعة انبعثت لتضيء دون تمييزعرقي أو فكري. و استفحل ذهولي عندما واجهتني جدتي الخرافية و هي تحكي لي أسرار الشمعة:
- هل تستطيع أن تشرح لي لماذا يخلق الإنسان و له يدين فقط؟ لماذا لا تكون له أربع أيادي أو أكثر. ما سيحققه من وظائف و قدرات بأكثر من يدين و عينين أهم مما أنجزه و هو يمتلك فقط عددا محددا و قياسيا من الأجهزة و الأعضاء. ما ستعجز عن فهمه أن الشمعة كانت بمثابة العين الثالثة للكاتب، بهذا الموقف يتخلى عنها عندما تكتمل مهمتها.
ازدهرت أشعتها خلال ليلة هجرها القمر، و أثارت خيوط الضوء المنسابة من شعلة فردوسية انتباه الكاتب الرهباني، فارتسمت على ثغره ابتسامة ماكرة، إذ استشف ربيب ماكيافللي أن ارتفاع كمية الضوء سيساعده على الإستمرار بوتيرة أسرع في أشغاله التي يراها عبقرية و ضرورية. لم يرتق إلى سمو إدراك أن سكوت الشمعة و قمعها للألم ليس سكوت الميت أو الخائن أو الخائف، و إنما سكوت روحاني يلوذ به الحكيم. إنه صمت الحكمة.
لا يتنازل عن حقه إلا الميت أو الخائن أو الخائف(خائن نفسه)؟ و كلها ألقاب لا تليق بالنضال الطويل للشمعة؟

حينما سألت عن اسمها، قيل لي: اسمها:"أفريقيا".
[/align]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
  رد مع اقتباس