[align=center]
تجليات دحلانية
[/align]
بقلم: د. حلمي محمد القاعود
الظاهرة الدحلانية تُنسَب إلى الفتى "محمد دحلان" قائد الأمن في غزة، وهو الفتى الذي أُعجِبَ به فضيلة الإمام الأكبر "جورج بوش" قائد الصليبية الدولية الاستعمارية الوحشية الديمقراطية المستنيرة الراهنة!
وهو الابن المدلَّل للقتَلة الغزاة النازيِّين اليهود في فلسطين المحتلة، وهو المليونير صاحب فندق الواحة (خمسة نجوم) في غزة هاشم الأسيرة، والمشروعات المليونية الأخرى في الخليج السعيد. الظاهرة الدحلانية فكرة سياسية، تتلخَّص في الاستسلام للعدوِّ النازي اليهودي، والعيش في ظلاله غير الوارفة، وإنهاء النزعة الإرهابية لدى الشعب الفلسطيني المعتدي، الذي أتى باليهود من الشتات ليحاربَهم ويُقلقَهم ويقضَّ مضاجعَهم على أرضه (يعني المقاومة)، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في مهاجرهم ومنافيهم، والاعتراف بالقدس عاصمةً وحيدةً وموحدةً وتاريخيةً وأبديةً للشعب النازي اليهودي الغازي، وإقامة دولة (فلسطينية!) في الكانتونات المتاحة على أرض الضفة والقطاع، دون تسليح أو مقوِّمات هيكلية؛ اللهم إلا هياكل الأمن الوقائي، وأجهزة المخابرات.. ثم، وهو الأهم، محاربة الإسلام واستئصاله في البر والبحر والجو والمخيمات!!.
وقد عبَّرت هذه الظاهرة عن نفسها عمليًّا في محادثات أو مفاوضات أو مشاورات الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في صنعاء (النصف الثاني من مارس 2008م) بين وفدَي حماس وفتح من أجل المصالحة الوطنية الفلسطينية، وتمخَّضت جهود الرئيس اليمني عن اتفاق تم توقيعه من الطرفين بحضور فخامته، وظنَّ الناس أنه آن الأوان أخيرًا لتتسامح فتح أو من يمثِّلها (السلطة المحدودة في رام الله) مع حماس (الحكومة المُقالة في غزة)، وتبدأ صفحة جديدة لترتيب البيت الداخلي، وتوزيع الأدوار، وإصلاح الأوضاع الفلسطينية، والاستعداد لمستحقَّات المرحلة القادمة، ولكن خاب ظنهم!.
الدحلانيون أو مليونيرات أوسلو وما بعد أوسلو حتى أنابوليس، حلفوا مليون يمين، بأن اتفاق صنعاء للتنفيذ وليس للحوار، وأنه لا بد من العودة عن انقلاب غزة في صيف 2007م، وإلا فلا اتفاق ولا كلام، وجاء موقف الغزاة الذي ترجمته السلطة المحدودة قاطعًا وواضحًا؛ إما أن تختار فتح التصالح مع حماس، أو الولاء المطلَق للغزاة النازيين اليهود، ولا مكان بينهما لشيء آخر، وقد اختارت فتح الولاء والمنهج الدحلاني؛ من أجل السلام والوئام وصلة الأرحام مع أبناء الأعمام!!
ومن البديهيات التي يعرفها كل من له أدنى علاقة بالفهم والوعي، أن الغزاة القتَلة لن يعطوا الشعب الفلسطيني شيئًا إذا ضمنوا الاحتلال الآمن، وأن المفاوضات دون أوراق قوة وتأثير تعني الحصول على صفر كبير ولا صفر المونديال إياه؛ يرسمه العدو الوحشي في كل مكان.
بَيدَ أن مليونيرات أوسلو التقدميين المستنيرين الذين يضحُّون بأرواحهم، لا يؤمنون بهذه البديهية ولا محتواها، ويعتقدون وفقًا للعلاقات الحميمة مع قادة العدو، والقبلات والأحضان التي تجري بينهم، أنهم بمجرد التخلُّص من المقاومة المسلَّحة (حماس، والجهاد، والشعبية، و..) سيتم لهم المراد، وسيتحقَّق لهم الأمل في دولة فلسطينية منزوعة الدسم عاصمتها أبوديس، تحفُّها وتخترقها مستوطنات أولاد العم الغزاة التي يحميها الأمن الوقائي، وأجهزة الطيراوي والزحفاوي والقفزاوي!.
لم يكن غريبًا أن تتبنَّى الفلسفة الدحلانية التنويرية مصطلحاتٍ أشدَّ وحشيةً ضد حماس والفصائل الأخرى المقاومة؛ لدرجة أن تصف حماس مثلاً بالعصابات في فضائية أوسلو وأجهزة دعايتها وبالطبع فالسلطة لا تتحاور مع عصابات فلسطينية، ولكنها تفضِّل التحاور مع العصابات الصهيونية؛ لأن الأخيرة أجمل وأقوى، وتحمي الملايين الدحلانية، وتسحق الفلسطينيين يوميًّا في رام الله ونابلس وجنين والخليل، وغيرها من المناطق التي لا يطلق أهلها صواريخَ عبثيةً، ولا ألعاب أطفال تستفز السادة اليهود القتلة!!.
الظاهرة الدحلانية لم تتوقف تأثيراتُها وتجلياتُها عند سلطة رام الله وأدبيات آية الله محمود رضا عباس ميرزا مرشد السلام الفلسطيني وملحقاته، بل امتدَّت إلى القاهرة المعزّية؛ حيث انطلقت كتائب الدفاع اللاظوغلية عن دحلان وتجلياته النضالية المليونيرية؛ تشيد به وتأخذ بأفكاره، لقد تغزَّلت فيه كتائب الدفاع، وطالبت برفع الإصْرِ عن معاليه بوصفه مناضلاً عريقًا، دخل السجن اليهودي من أجل فلسطين وشعبها، وهو صاحب منهج يستحق الاتباع والاقتداء والاحتذاء؛ فهو أسوةٌ حسنةٌ في المجال السياسي والفكري والأمني.
ومن حقنا أن نفاخر الأمم؛ لأن "دحلان" حقَّق بنظريته النضالية اختراقًا فكريًّا وسياسيًّا وإعلاميًّا داخل المحروسة، ووجد الأنصار والأتباع الذين ينكرون على خصومه أن يقولوا فيه شيئًا حتى لو كان ترديدًا لما يقوله أصدقاؤه في واشنطن وتل أبيب والقاهرة نفسها؛ فالرجل في كل الأحوال مؤمنٌ بما يفعله، معتقدٌ في صحته، وقد انضمَّ إلى كتائب الدفاع عنه بعض الطائفيين المتعصِّبين من رجال القروض، ربما لتسهيله بعض صفقاتهم مع أولاد العم، وكتب هؤلاء في الصحف التي يملكونها متعجِّبين من انتقاد دحلان، لأنه رمز وطني وعربي، عانى في سجون الاحتلال سنوات طويلة، وتعرَّض لأقصى درجات التنكيل والتعذيب والحرمان بشهادة (الجميع!)، والرجل له شعبية كبيرة تتضاءل إلى جانبها، كما يقول صديق دحلان ورفيقه في البيزنس، شعبية حماس الساذجة سياسيًّا وعسكريًّا!! والعميلة لإيران وسوريا عمالةً مؤكدةً؛ حيث تخلَّت عن القضية الأساسية بحثًا عن بطولة زائفة لتغييب الشباب الفلسطيني والعربي، وجرَّت الويلات والبؤس والفقر والحرمان على الشعب الفلسطيني!.
وهذا الدفاع عن دحلان ونظريته النضالية يحتاج إلى إقامة نصب تذكاري دحلاني يطوف به زوَّار الهولوكست الفلسطيني الذي صنعه الغزاة النازيون اليهود في مخيم جباليا وما حوله، فقد أنجز الرجل للشعب الفلسطيني ما لم يحقِّقه أحدٌ من قادة فلسطين على مدى ستين عامًا؛ بدءًا من الشقيري حتى عرفات، فأقام علاقاتٍ تاريخيةً أمنيةً وقائيةً مع الغزاة النازيين اليهود، ومكَّنهم من تصفية أساتذته وقادته؛ بدءًا من قدوته ووالده الروحي أبي عمار إلى فتحي الشقاقي وأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وغيرهم، وهو صاحب التقرير الشهير عن الضفة والقطاع، الذي وضعه أمام بوش وشارون، قائلاً: "إن هناك أشياء نستطيع القيام بها"، طالبًا المساعدة الأمنية الأمريكية لأجهزته!. ومن المؤكد أن النظرية الدحلانية قد تعمَّقت في واقع سياسة مليونيرات أوسلو، الذين أفشلوا اتفاق اليمن، قبل أن يجفَّ حبر القلم الذي وقَّع به الطرفان؛ لأنه اتفاق للتنفيذ لا للحوار؛ فحماس الساذجة التي جرَّت على شعبها البلاء يجب أن تنفِّذ ولا تتحاور.
أما الأعداء القتلة فلهم الحوار والقبلات والأحضان وليس التنفيذ، ولو كان مجرد إزالة حاجز واحد من مئات الحواجز في إمبراطورية "رام الله" العظمى.. وسامحوني يا قراء.