رد: [you] حفل تأبين الأديب والشاعر الفلسطيني الكبير طلعت سقيرق (الدخول هنا)
في رثاء الأديب الشاعر طلعت سقيرق
هيام فؤاد ضمرة
أدعوك اللهم
أن ترحم روح الشاعر والأديب الفلسطيني الوطني طلعت سقيرق الذي وافته المنية وأمل العودة للوطن المحرر ما زال يمور في وجدانه.. واغفر له وارحمه واجعله من أهل جنانك المنعمين..... اللهم أكرمه وارفع منزلته، ونور قبره، ووسع مدخله، وامنن عليه بجنان الخلد، واجمعه مع الأنبياء والصالحين الأبرار والشهداء.....اللهم عبدك بين يديك فارفق به، وتوكله برحمتك وأنت أرحم الراحمين
جاء النذير موجعاً، موجهاً طعنة قاسية إلى القلب والعقل، فالخطب جلل، والخسارة موجعة وموجبة للحزن، فلا فراغ يقسو كمثل الذي يُخلفه رحيل أحد الكواكب من النخبويين المبرزين والمبدعين، غيابهم يُحدثُ فراغاً مُوحشاً، يتركون هوة صقيعة خلفهم، لولا أثر الضياء في أعمالهم ومنجزاتهم الفخيمة لاكتنفها الظلام الموحش.. يقولون في الأمثال من خلف الأبناء ما مات، إنما الحقيقة التي تثقب العين أنّ من خلَّف في أعقابه الكتاب والفكر والأدب فإنه مُخلَّدٌ أبداً لا يموت، مُنجزه شاهدهُ لا يهرم ولا يسأم الوجود، لأن الفكر يستمر خلال الأجيال متناقلاً، والأدب يترك أثره على ذائقيتهم.. فكيف إذا ما كنا على معرفة بذلك الفقيد ولطالما تعاملنا معه، فعرفنا أثر نشاطه والقدر الكبير من أعماله، وما يؤديه من دور ريادي وقيادي.. ثاقب الفكر والتخطيط، فغياب مثل هولاء منْ شأنه أنْ يُحدث فارقاً كبيراً، ويترك أثراً مُؤثراً.. هو ذا الأديب طلعت سقيرق، فكأنما بوفاته تُقطَّعُ حبالٌ بعد وصل، ويُخرقُ ثوبٌ بعد اكتمال إعداد، ويَضيعُ موعد منتظر لارتقاء كبير
كان وقع الخبرعليّ صادماً رغم المُدة التي قضاها المرحوم طلعت يُكافِحُ منْ أجل الحياة وهو يستغرق في الغياب أوشبه الغياب، لا أبالغ إذ أقول أن الخبر غالني ودهى الحزن في كياني، فقد كان هناك بصيص أمل يمرق في قناعات العقل، مؤكداً أنَّ المحنة آيلة إلى زوال، وسوف تنقشعُ غمامة الغياب عنْ الجسد المُنهك، فكيف يا موتُ تداهمُ الجسد المعلول لتردية في جبة الزوال؟
فأواه يا موت وأنت قضاء يَنْقََضُّ على من تقرر له نهاية الوجود فلا يَرحلُ إلا بعد اتمام المهمة التي تجرح القلوب بالقهر، بالارتكاس، فيندب الوجيع في الأهل والأصحاب كسيراًً، تنغرس شظاياه في الكيان.. لا يُجديك يا موت أنْ تكون مُداناً، وأنت نهاية دنيوية يعقبها بداية لحياة برزخية لا يعلم على أيِّ هيئة تكون سوى الله، ولا يدري غيره على أي حال سينوء في شتاته الافتراق، وكيف يطوي الأهل والأحبة صفحات الذاكرة والعيون تتجرح في ملحها وهناً، وكيف ستبرأ الجسوم من أسقامها وتنهض بعد كبوة الاختناق للقيام بأعباء المستقبل دون من كان بينهم القائم والمسؤول، الحنون عليهم الغادق بجميل ما فيه.. فرفقاً اللهم بأهله وولدانه، وبصحبه ومن أحبوه بالله
فماذا أقول في موقف تمكنت منه يد الحدثان؟.. وكيف أقرأ صفحات وجوه أسرته التي تقاسي في غمرة الفقد ثورة الأشجان؟.. بأي الأصوات سأقول لهم " عظم الله أجركم وغفر لميتكم" وصوته سيظل يتردد في أذنيهم يناديهم، ويتمسد لحظات استذكارهم، ماذا أقول والأحزان لا تكتفي منا بالأوجاع، بل تمعن في تمزيق أفئدتنا والموت يحوطنا من كل جانب وفي كل وطن، والشهداء يتساقطون كما أوراق الشجر.. فكأنك يا طلعت اخترت فراق من عرفوك استنكاراً للوضع العربي المأساوي، والشباب تدفع حياتها ثمناً لمطالبها المشروعة في الاصلاح والتصحيح، اخترت المغادرة في حمأة الزلزال دون وداع، وتباعد طيفك لأن قلبك لم يحتمل الانقسام، فبأي الأقلام كنت ستوقع دورك أيها الحر الأبي؟ وأنت الفلسطيني الذي يوظف قلمه لخدمة قضيته الفلسطينية، وحق مواطنيه بالعودة لوطنهم المغتصب
فلم يا موت كنت له عجولاً، واخترت له الغياب قدراً والقلب ما زال يعاني حرقة تأخر الأمل بالعودة للوطن، تركته على القهر يتابع الانتظار في أعقاب الانتظار، تلتوي أضلاعه على بؤسها والنكسة تتبع النكسة، والحال العربي يتزايد في التردي، وأيادي الغشم تدفع لإفقاره وتدمير اقتصاده وتشويه معتقد إنسانه، وكأن الهوان قدر شرقنا المجرح، لم يحتمل قلبك يا طلعت الوجيع، ولم يتركك الموت منتظراً، فكان القدر مسابقاً ليأخذك إلى دار اليقين، رحلت أبياً صائناً للذمة، في زمان احتار فيه عاقله، وضلت العيون عن مدى أنظارها، فارقت دنيانا والغصة منك متمكنة أنْ لم تنل الذي أملت منْ عودة للأوطان، وزرع فسائل النخيل والزيتون والتين والبرتقال والعنب في كل زاوية من ترابها، والتراب هو التراب، يبتلعنا أجساداً خاوية من الحياة، ليستنبت منا حياة أخرى، نترك له أبناءنا في أعقابنا، ليستعيد بهم دورة الحياة، هي أقدار تفضي لأقدار، لا مناص أبداً من التنصل عنها
كم كنتُ سعيدة وأنتَ تزودني بحديث كتاباتِك وانتاجاتِك كحال كل الأدباء الذين يتذوقون الإبداع، والذين كانوا ينالون منكَ هذا الشرف، وكم أملتُ نفسي أنْ أتناول إحدى قصصك بالنقد والتحليل تكريماً لكاتب مبدع يحترم قلمه وابداعه، ويتسامى أدبه في الارتقاء، فيكتب الخلاصة والعصارة بسيال مذهب، ورغم الوعد مع نفسي فقد كانت تتدخل المشاغل لتؤخر المشروع، ولك في ذلك عميق اعتذاري أيها الأديب والشاعر الرائع.. فهل أنت غافر لي زلة التقصير هذه وأنت اليوم في عالم برزخك تنعم بما هو أفضل؟
في أحد المرات وكان الشاعر الفلسطيني خالد فوزي عبدة قد صاغ قصيدة عصماء مكافأة لي على مادة نقدي لشعره الرائع التي كتبتها ونشرتها ورقياً والكترونياً، حملت القصيدة الإسم "شكر وعرفان" ولفرط سعادتي بها يومها أرسلت القصيدة إليك كما أرسلتها لجميع معارفي من الأدباء والشعراء، فكان رد فعلك سريعاً وجميلاً برسالة تعد هي الأخرى مكافأة، واستأذنتني ببالغ أدبك ورقي ذوقك بنشرها على موقع نور الأدب، وحين دخلتَ الموقع ورأيتها منشورة هناك، شكرتني أنْ كنتُ مبادرة إلى نشرها هناك، وفي واقع الأمر كان يتوجب عليَّ شكركَ وأنت المبادر إلى الاهتمام بالإبداع والمبدعين، ومحباً لإبراز أدبهم وأعمالهم، وإلقاء الضوء على منجزاتهم، ونشاطكَ اليومي على الموقع مُلاحظ بقوة رغم الأدوار الكثيرة التي كنت تضطلع بها، حتى ليظنكَ منْ يتابعوكَ نحلة لا تكلّ الحركة والدوران، فسبحان الله من بقوته العليا يحدد الأقدار ويوقف بإرادته الحياة، وهي المحطة الأخيرة التي نحن جميعنا مدعوون إليها وسادرون السير باتجاهها شئنا لذلك أم أبينا.. فالرحمة دعائي لروحك السابحة في برزخها، وهي خير ما يمنح به الميت من أهله وأصحابه.. اللهم يا ذا الجلال والإكرام اشفع في طلعت سقيرق خير مشفع واختم له بالعفو والغفران، واجعل له من فضلك حسن مآب.
|